من الإخوان الإرهابية.. إلى السودان.. لكِ الله يا مصر ( ٩ )
تاريخ النشر: 29th, September 2024 GMT
نستكمل حديثنا اليوم عزيزى القارئ مع قدرة مصر على استعادة تأثيرها «الغائب» فى السودان «الجريح» بعد أعوام من «الارتباك وتراجع للدور»، نتيجة ما بدا أنه «انحياز للمكون العسكرى خصوصًا قائد الجيش عبدالفتاح البرهان والجماعات الداعمة له على حساب الأطراف المدنية منذ إطاحة نظام الرئيس السودانى السابق عمر البشير عام ٢٠١٩»، بحسب ما يقول بعض المراقبون من هنا وهناك، خلال مؤتمر القاهرة الذى حضره غالبية ممثلى القوى السياسية والمدنية السودانية الفاعلة وبمشاركة ممثلين لمنظمات إقليمية ودولية ودبلوماسيين من دول أفريقية وعربية وأوروبية، وتركز فى جوهره على أن يكون «أى حل حقيقى للأزمة لا بد أن يستند إلى رؤية سودانية خالصة تنبع من السودانيين أنفسهم ومن دون إملاءات أو ضغوط خارجية»، دعت مصر إلى إجراء مشاورات حول ثلاثة ملفات لإنهاء النزاع تضمنت «وقف الحرب والإغاثة الإنسانية والرؤية السياسية للحل»، المناقشات فى المؤتمر «استهدفت بناء الثقة بين الأطراف السياسية» فى بلد يشهد حربًا طاحنة منذ أبريل ٢٠٢٣ راح ضحيتها آلاف المدنيين، ودفعت «نحو ١٩ مليون سودانى للفرار داخليًا وخارجيًا إلى دول الجوار»، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، وعلى مدار عمر الحرب الأهلية فى السودان بين قوات الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان و«الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي»، اختارت القاهرة على المستوى الرسمى «الحياد» والدعوة المستمرة لوقف الحرب، إلا أن الاتهامات بـ«انحيازها لطرف على حساب آخر» لاحقت جهودها الدبلوماسية والسياسية للعب دور للتهدئة فى الحرب.
كلمة السر عزيزى القارئ فى تعقد المشهد برمته كانت فى التدخل المتزايد للأطراف الخارجية فى الأزمة من دون دراية كافية بطبيعة الشعب السودانى ومراكز الثقل السياسى والاجتماعى فى الداخل السوداني»، فمنذ بداية الأزمة وحتى قبل اندلاعها فى أبريل من عام ٢٠٢٣ حاولت مصر فى أكثر من مناسبة تشجيع الأطراف السودانية على الوصول إلى حلول توافقية والدفع باتجاه أن يكون الحل سودانيًا–سودانيًا، لكن الانسداد السياسى والتدخلات الخارجية غير المدركة لأبعاد الحال السودانية انفجرت فجأة باتجاه حرب أهلية، فالسودان الآن عند منعطف خطر، وما وصل إليه يضع مستقبل الدولة ووحدة وسلامة أراضيها وبناءها الاجتماعى والسياسى على المحك، ويمثل تهديدًا لأمن ومصالح مصر الحيوية المباشرة، تتبنى مصر موقفها تجاه السودان ارتكازًا على مبادئ عدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول، مع تأكيد ضرورة سرعة إنهاء الأعمال القتالية ووقف جميع صور التصعيد والمضى فى المسارات التفاوضية بين الأطراف المحلية للتوصل إلى حل وتوافق يضمن أمن واستقرار البلاد ووحدة أراضيها، وتحرص مصر دائمًا فى سياساتها على ألا تنجرف الجارة الجنوبية إلى دوامة الفوضى والاضطراب الأمنى والتفتت، مما يرشحها دومًا للعب دور الوسيط المقبول من كل الأطراف.
ردًا على ما يصفه البعض بأن دور مصر فى الأزمة السودانية على مدار الأشهر الـ١٨ الماضية كان «خافتًا ومتراجعًا»، نوضح هنا عزيزى القارئ على حرص مصر ومنذ اليوم الأول للأزمة «على التأكيد على حيادية موقفها فى إطار الشرعية السودانية من دون الانحياز لأى من الأطراف، وكثفت الاتصالات والتنسيق عبر الآليات الثنائية ومتعددة الأطراف بحثًا عن توافق لدفع طرفى الأزمة إلى تغليب لغة الحوار ومصالح الوطن، وعلى الرغم من هشاشة الأوضاع فى الجارة الجنوبية، وتدرك مصر أن تصاعد العنف لن يؤدى سوى إلى مزيد من تدهور الوضع بما قد يخرج به عن السيطرة، وأن ترسيخ الأمن والاستقرار هو الركيزة الضامنة لاستكمال المسار الانتقالى السياسى وتحقيق البناء والتنمية فى السودان. وأن فرصة الحوار وتجنيب البلاد الانهيار والفوضى لا تزال قائمة، إلا أن إصرار بعض الأطراف الداخلية والخارجية على عرقلة المسار يبقى التحدى الأكبر الذى تواجه مصر، فالمؤتمر الذى عقد فى القاهرة يونيو الماضى ونجاحه فى إشراك عددا لابأس به من القوى السياسية والمدنية السودانية يعكس «قدرة مصر وفاعلية دورها فى إشراك طوائف الشعب السودانى كافة تحت راية واحدة، وللحديث بقية.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: من الإخوان الإرهابية السودان مصر الجيش عبدالفتاح البرهان الجماعات الداعمة الأطراف المدنية
إقرأ أيضاً:
مبتورو الأطراف بغزة.. معاناة تتفاقم مع الحصار والإبادة الإسرائيلية
في إطار حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة والمدمرة على غزة منذ أكثر من عام ونصف، تزداد أعداد ومعاناة وآلام مبتوري الأطراف، معظمهم من الأطفال والنساء، لا سيما مع النقص الحاد في المعدات الطبية والأدوات اللازمة لتصنيع الأطراف الصناعية، بسبب استمرار الحصار الخانق على القطاع.
ومن بين هؤلاء، الفلسطيني رائد أبو الكاس، الذي يجلس داخل مركز الأطراف الصناعية والشلل في مدينة غزة، بانتظار دوره في تلقي خدمة العلاج الطبيعي والتأهيل الجسدي لاستخدام الطرف الصناعي، بعد أن بترت قدمه في قصف إسرائيلي أثناء ممارسة عمله في تشغيل آبار المياه.
وتجسد قصة أبو الكاس، أحد موظفي بلدية غزة، حجم المأساة الإنسانية التي خلفتها الحرب الإسرائيلية، فقد بترت قدمه اليمنى واستشهد اثنان من زملائه. وبينما كان يحاول الجيران وأبناؤه إسعافه وسط الدمار والدخان، لاحقتهم الطائرات من جديد، فقتل أحد أبنائه وأصيب الآخر بإصابات بليغة أدت إلى بتر قدمه لاحقا.
يتذكر رائد أحداث ذلك اليوم بصوت يختنق بالألم يقول: كنت أفتح محابس المياه للمواطنين، وكنت أظن أن عملي في خدمة الناس سيحميني، لكن الاحتلال لم يترك لنا أي أمان. استهدفونا ونحن عُزّل، بترت قدمي أمام عيني، واستشهد ابني، وتعرض محمود لإصابة غيرت حياته للأبد.
إعلانأما محمود، الذي كان يحلم بأن يصبح لاعب كرة قدم محترفا في صفوف ناشئي نادي الشجاعية، فيروي قصته لمراسل الأناضول، بصوت حزين: كنت ألعب كرة القدم يوميا، كان حلمي أن أرتدي قميص النادي وأسعد عائلتي، لكن الاحتلال دمر حلمي وبتر قدمي.
وأضاف: الآن أجلس على كرسي متحرك وأحلم فقط أن أركب طرفا صناعيا متطورا يساعدني على الوقوف مرة أخرى، حتى أعين والدي الذي بترت قدمه.
خلال الأشهر الماضية، خضع رائد ومحمود لعدد كبير من العمليات الجراحية داخل مستشفى المعمداني، في ظل ظروف طبية صعبة ونقص حاد في الإمكانيات، وتم تركيب أطراف صناعية لهما عبر مركز الأطراف الصناعية، إلا أن نقص المعدات والكوادر الفنية يؤثر على عمل المركز.
اليوم، يقضي الأب والابن عدة ساعات يوميا داخل مركز الأطراف، يتدربان على استخدام أطرافهما الصناعية، ويتلقيان جلسات التأهيل والتدريب، ووسط هذه الرحلة الشاقة، يحدوهما حلم واحد: السفر إلى الخارج لتركيب أطراف صناعية متطورة تمكنهما من استعادة جزء من حياتهما الطبيعية.
وبهذا الخصوص، قال رائد، وهو ينظر إلى نجله محمود بعينين حزينتين: لم يتبق لي من أبنائي إلا محمود، وزوجتي التي تتحمل العبء الأكبر في رعايتنا، وحلمنا أن نركب أطرافا خفيفة نتمكن من خلالها أن نساعد بعضنا بعضا ونعيش بكرامة.
ويقاطعه محمود قائلا: أحلم بالسفر، أريد أن أركض مجددا، أن أعود للعب الكرة ولو بشكل بسيط مع أصدقائي (..)، الاحتلال دمر أحلامي، لكن لم يدمر إيماني بأننا سنعود للحياة.
أعداد مضاعفة
ويشهد قطاع غزة تصاعدا كبيرا في أعداد المصابين بحالات البتر نتيجة الإبادة الإسرائيلية المدمرة المستمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وسط نقص حاد في المعدات الطبية والأدوات اللازمة لتصنيع الأطراف الصناعية، بسبب الإغلاق المستمر للمعابر ومنع دخول المستلزمات الأساسية.
إعلانوسُجلت 4700 حالة بتر بسبب الحرب الإسرائيلية، ضمن قوائم برنامج صحتي، الذي تنفذه وزارة الصحة الفلسطينية بالشراكة مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومركز الأطراف الصناعية والشلل التابع لبلدية غزة، في كافة محافظات القطاع، وفق مسؤول الإعلام والعلاقات العامة في المركز حسني مهنا.
وشدد مهنا، للأناضول، على أن تضاعف أعداد حالات البتر المسجلة منذ بداية الحرب الإسرائيلية ناتج عن الاستخدام المكثف للأسلحة المتفجرة والاستهداف المباشر للمدنيين.
وقال: إنّ مركز الأطراف الصناعية استقبل نحو 600 حالة من مبتوري الأطراف منذ بدء العدوان الإسرائيلي، ويتم متابعتهم دوريا عبر المختصين والطواقم الفنية.
وأضاف أن المركز تمكن منذ بداية الحرب من تركيب أطراف صناعية لنحو 100 مصاب، كما قام بتسليم عشرات الأجهزة التعويضية والكراسي المتحركة للمحتاجين.
وأشار مهنا إلى تزايد الطلب على خدمات المركز يوميا.
وحذر من أن استمرار الحرب سيؤدي إلى ارتفاع عدد الحالات بشكل كارثي، خاصة أن 48% من حالات البتر الجديدة هي لسيدات، و20% لأطفال،مما يفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل خطير.
نقص حاد
وأشار مسؤول الإعلام والعلاقات العامة إلى أن المركز يعاني من نقص في المواد الخام الأساسية لتصنيع الأطراف الصناعية، بالإضافة إلى حاجة ماسة للأجهزة والمعدات الطبية وقطع الغيار اللازمة للمعدات الموجودة، مما يعيق تقديم الخدمات بشكل فعال للمصابين.
وبين مهنا أن الطواقم العاملة في المركز، التي تعمل تحت ضغط شديد وبإمكانيات محدودة، تكافح يوميا لتلبية احتياجات الأعداد المتزايدة من المصابين، مع الحاجة إلى مضاعفة الكوادر البشرية لمواكبة هذه الزيادة الكبيرة.
وتخضع حاليا 320 حالة للعلاج الطبيعي داخل مركز الأطراف الصناعية والشلل، حيث تُقدم خدمات العلاج الطبيعي والتأهيلي ومتابعة تركيب الأطراف الصناعية والصيانة الدورية لها، بحسب مهنا.
إعلانوفي مطلع مارس/آذار الماضي، صعَّدت إسرائيل من جرائمها باتخاذ قرار تعسفي بإغلاق جميع المعابر المؤدية إلى القطاع، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية وشاحنات الوقود بشكل كامل.
وفي 18 مارس/آذار الماضي، تنصلت إسرائيل من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى الساري منذ 19 يناير/كانون الثاني الماضي، واستأنفت حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، رغم التزام حركة حماس بجميع بنود الاتفاق.
وتسبب تنصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته من الاتفاق وعدم إكمال مراحله في إبقاء المحتجزين الإسرائيليين قيد الأسر لدى حماس، حيث تشترط الحركة وقف الحرب وانسحاب كافة القوات الإسرائيلية من قطاع غزة.
وبدعم أميركي مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 170 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.