لجريدة عمان:
2024-09-29@18:29:11 GMT

فرية لقاء عبد الناصر بإسحاق رابين

تاريخ النشر: 29th, September 2024 GMT

صدق الزعيم جمال عبد الناصر عندما قال: "لن يغفر لي الأمريكيون ما فعلتُه معهم.. حيًّا أو ميتًّا"؛ فلم يتعرّض شخص مثلما تعرّض له عبد الناصر من حملات تشويه في حياته وبعد مماته، من خلال حملة منظمة من المخابرات الأمريكية والغربية والصهيونية ومن أبواق الأنظمة العربية الرجعية، التي رأت في نزاهة الرجل ومشروعه القومي خطورةً عليها.

بدأت تلك الحملات في حياة عبد الناصر ولم تقف حتى اللحظة، رغم غيابه عن العالم منذ 54 عامًا. قاد حملة التشويه في البداية ضابط المخابرات الأمريكية مايلز كوبلاند الذي أصدر كتابًا سماه "لعبة الأمم" صدر عام 1969، أي قبل وفاة عبد الناصر بعام، والغريبُ في الأمر أنّه رغم صدور الكتاب قبل 53 عامًا، إلا أنه طُبع من جديد عدةَ مرات ومن عدة دور نشر، بعد أن موّلت إحدى الدول العربية تأليفه وتكاليف طباعته للمرة الأولى، بهدف قتل عبد الناصر معنويًا.

هدفت حملة التشويه تحويل كلّ إنجازات الرجل إلى فشل، ولم تر فيه حسنة واحدة؛ فوصفوه بأنه دكتاتور وطاغوت وهُبل وغيرها من الألقاب، وحمّله بعض العمانيين مسؤولية الانقلاب الذي أطاح بالحكم العماني في زنجبار، فيما قال آخرون عن والدته إنها يهودية وإنّ زوجته فارسية وكثيرًا من الخزعبلات مثل هذه، حتى وصل الأمر إلى أن تعنون صحيفة عربية ذات عام صفحتها الرئيسية بعنوان عريض يقول: "جمال عبد الناصر كافرٌ بإجماع الأمة". ولكي تعطي الصحيفة لنفسها المصداقية نشرت في الصفحة الداخلية من تقريرها ذاك، أنّ "علماء مصر يفتون بكفر عبد الناصر.. جمال عبد الناصر كافرٌ بنص القرآن والسنّة وإجماع الفقهاء والأئمة"، واعتبرت أنّ قتال عبد الناصر "فرض على كلِّ مسلم ومسلمة". وهكذا ضحك الإعلام والشيوخ على العوام باستخدام كلمة "إجماع الفقهاء والأئمة"، وهي عبارة فضفاضة لا تُستخدم إلا بهدف التأثير على السذج، ولا يمكن أن يجمع هؤلاء الفقهاء على مسألة واحدة، ولم يحدث هذا عبر التاريخ الإسلامي كله.

ربما يستطيع المرء أن يفهم أن يقال عن عبد الناصر كافر وزنديق وشيوعي واشتراكي وغير ذلك - رغم بشاعة هذه الافتراءات وكذبها - بل ويعتاده؛ فالأمر يعود لفكر وموقف قائله، ولكن أن يُفبرَك فيديو بأنّ عبد الناصر التقى بإسحاق رابين وديفيد بن جوريون، فهذه كبيرة، وبالعبارة العامية "عودة واجد" ولا يتقبلها العقل الصحيح؛ فمع ذكرى وفاة الرجل (توفي في 28 سبتمبر 1970) تداولت حسابات على موقع "إكس" مقطع فيديو، يزعم أنه لقاء بين الرئيس عبد الناصر ورئيس وزراء إسرائيل الراحل إسحق رابين في نيويورك عام 1956، وأرفقت الفيديو بتعليق: "هذا مقطع بسيط مسرّب من لقاء عبد الناصر زعيم الأمة كما يسمونه مع إسحق رابين وبن جوريون. ويتحدث معهم بحرية"، وطالب التعليق من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بنشر الأرشيف الوطني المصري "بدلًا من اعتمادنا على الوثائق الأمريكية. نحن نريد أن نشاهد الأرشيف الوطني المصري بخيره وشره كما حدث، كي تتعلم منه الأجيال القادمة"، والتعليقُ يشير إلى أنّ المقطع من الوثائق الأمريكية، رغم أنه مجهول المصدر.

للرد على مقطع اللقاء المزعوم، نشرت صحيفة "النهار العربي" تحليلًا كاملًا عن الموضوع بتاريخ 15 سبتمبر 2024، بقلم إبراهيم عرفات الذي تتبع الصور المنشورة في الفيديو؛ وتحت عنوان "النّهار العربي دقّق من أجلكم"، أشارت الصحيفة إلى أنّ البحث كشف أنّ هذا الزعم غير صحيح تمامًا؛ إذ يُصور الفيديو لقاء جمع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والأمين العام للأمم المتحدة الراحل داغ همرشولد في ديسمبر 1956، وليس إسحق رابين، كما زعمت الحسابات على إكس. والصورة منشورة في موقع منظمة الأمم المتحدة بعد اللقاء بشهر وجاء في وصفها: "الأمين العام داغ همرشولد (إلى اليسار) والرئيس المصري جمال عبد الناصر في صورة التقطت خلال المحادثات التي عقداها في القاهرة الشهر الماضي". وعن أهداف ذلك اللقاء ذكر موقع الأمم المتحدة حينها: "في سياق هذه المحادثات طلبت الحكومة المصرية مساعدة الأمم المتحدة في تطهير قناة السويس، وأن تبدأ هذه المساعدة فور عودة الأوضاع الطبيعية في بورسعيد ومنطقة القناة، بما في ذلك انسحاب القوات غير المصرية".

وتشير الصحيفة إلى أنّ الصورة التي زعم أنها لاجتماع عبد الناصر ورابين، نشرت أيضًا في أرشيف الأمين العام الراحل للمنظمة الأممية، الخاص بتأسيسه أول قوة لحفظ السلام.

والحقيقة المؤكدة حسب "النهار العربي"، فإنّ إسحق رابين لم يكن له، خلال هذه الفترة (1956-1959)، أيّ دور أو منصب سياسي، إذ كان يترأس القيادة الشمالية للجيش الإسرائيلي، ومن 1959 إلى 1963 شغل منصب رئيس مديرية العمليات في جيش الاحتلال الإسرائيلي ونائب رئيس الأركان، ومن 1964 إلى 1968 رئيس الأركان العامة، وبعد تقاعده من الجيش الإسرائيلي، عُيّن سفيرًا لإسرائيل في واشنطن.

والخلاصة إذن - كما ذكرنا - هي أنّ الفيديو يعود إلى لقاء الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وداغ همرشولد، الأمين العام الراحل للأمم المتحدة في عام 1956، على خلفية أزمة تأميم قناة السويس، وليس له أيّ صلة برابين، كما أنّ زيارة عبد الناصر للأمم المتحدة كانت في عام 1960، وليس 1956. نقول ذلك، ونحن نشدد على أنّ عبد الناصر ليس فوق النقد - لا هو ولا أيّ حاكم آخر عبر التاريخ - إلا أنّ التزوير بهدف تشويه السمعة يجب أن يُرفض من الجميع؛ ففي مسيرته حاول عبد الناصر فنجح وأخفق وأصاب وأخطأ، لكنه كان وطنيًّا مخلصًا لأمته، وصنع لمصر قيمة في الوطن العربي، وصنع قيمة للوطن العربي في العالم، وفي عهده كان الكيان الصهيوني معزولًا في الوطن العربي، وشبه معزول في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية.

لا يبدو أنّ نشر الفيديو الملفق في هذا الوقت جاء اعتباطًا؛ فهو ضمن حملة تشويه الرجل، ليس بصفته الشخصية، ولكن لتشويه الرمزية التي مثلها، مثل مقاومة الاستعمار، ورفض الكيان الصهيوني في المنطقة. ويقينًا أنّ من يقف وراء تلك الحملة، هم أنفسهم الذين يهرولون لمشروع "الشرق الأوسط الكبير"، الذي يهدف إلى تسليم زمام قيادة المنطقة للكيان الصهيوني. ولكن هل ستقف حملة التشويه إلى هذا الحد فقط؟! لن تقف وستستمر ما دامت المنطقة مقبلة إلى تطبيق خطط "الشرق الأوسط الكبير" و"اتفاقيات إبراهام"، وفي كلّ الأحوال فإنها تفتقد إلى الموضوعية، لأنها تتجه إلى الشخصنة، لكن الرجل (عبد الناصر) لم يعطهم الفرصة لذلك لأنه كان نظيفًا.

ورغم رحيله بما يزيد عن نصف قرن، ورغم الحملات الكثيرة لتشويهه، ما زال عبد الناصر حيًّا في قلوب الأحرار كرمز للنضال والتحرر، ليس فقط في الوطن العربي؛ بل في العالم. وعندما أشاهد خطابه في الأمم المتحدة، الذي ألقاه في أكتوبر عام 1960 في الدورة الخامسة عشرة المسماة بـ "دورة الرؤساء"، وأشاهدُ تلك الحفاوة التي استُقبل بها وذلك التصفيق الحار من قادة دول العالم، أعرفُ إلى أيِّ مدى كان العالم يحترم الرجل، وكثيرًا ما تساءلتُ مع نفسي: من أين استمدّ الرجل هذه الشعبية الطاغية؟ ولماذا لم نر خلال 64 عامًا الماضية تصفيقًا لأيِّ رئيس عربي آخر في الأمم المتحدة مثل ذلك التصفيق؟

زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: جمال عبد الناصر الأمم المتحدة إلى أن

إقرأ أيضاً:

الذكرى الـ54 لوفاة جمال عبد الناصر.. محطات مهمة في حياة الزعيم الخالد

الزعيم جمال عبد الناصر.. حمل راية النضال الوطني لسنوات طويلة إلى أن استطاع الوصول لأعلى درجات ثقة الشعب المصري بتوليه قيادتهم، وشهد التاريخ على رحلة عطاءه وجهوده في تكوين الجمهورية المصرية المستقلة، واستطاع أن يظفر بحب الملايين من الشعب إلى وقتنا هذا بعد مرور 54 عاما على ذكرى وفاته، إنه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، والذي نستعيد اليوم ذكرياته الخالدة بمناسبة ذكرى وفاته.

نشأة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر

وولد جمال عبد الناصر حسين خليل سلطان المري في 15 يناير 1918 في منزل والده رقم 12 شارع قنوات بحي باكوس في الإسكندرية، قبيل أحداث ثورة 1919 في مصر. وهو من أسرة صعيدية عربية قحطانية، حيث ولد والده في قرية بني مر في محافظة أسيوط، ونشأ في الإسكندرية، وعمل وكيلًا لمكتب بريد باكوس هناك، وقد تزوج من السيدة «فهيمة» التي ولدت في ملوي بالمنيا، وكان جمال عبد الناصر أول أبناء والديه. وكان والداه قد تزوجا في سنة 1917، وأنجبا ولدين من بعده، وهما عز العرب والليثي. ويقول كُتّاب سيرة عبد الناصر روبرت ستيفنس وسعيد أبو الريش أن عائلة عبد الناصر كانت مؤمنة بفكرة «المجد العربي»، ويتضح ذلك في اسم شقيق عبد الناصر، وهو عز العرب، وهذا اسم نادر في مصر.

وسافرت الأسرة في كثير من الأحيان بسبب عمل والد جمال عبد الناصر، ففي سنة 1921، انتقلوا إلى أسيوط، ثم انتقلوا سنة 1923 إلى الخطاطبة. التحق عبد الناصر بروضة الأطفال بمحرم بك بالإسكندرية، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية بالخطاطبة في الفترة ما بين سنتي 1923 و1924، وفي سنة 1925 دخل جمال مدرسة النحاسين الابتدائية بالجمالية بالقاهرة، وأقام عند عمه خليل حسين لمدة ثلاث سنوات، وكان جمال يسافر لزيارة أسرته بالإسكندرية فقط أثناء العطلات الدراسية.

الزعيم جمال عبد الناصر أول معارك الزعيم جمال عبد الناصر في فلسطين

وكانت أول معركة لـ عبد الناصر في فلسطين خلال الحرب العربية الإسرائيلية سنة 1948. تطوع عبد الناصر في البداية للخدمة في اللجنة العربية العليا بقيادة محمد أمين الحسيني، وكان عبد الناصر قد التقي بالحسيني وأعجب به. ولكن تم رفض دخول قوات اللجنة العربية العليا في الحرب من قبل الحكومة المصرية، لأسباب غير واضحة.

انضمام الزعيم جمال عبد الناصر لتنظيم الضباط الأحرار وثورة 23 يوليو

كما بدأ نشاطه مع الضباط الأحرار إلى أن وقع حريق القاهرة في 26 يناير عام 1952، وحدثت مواجهة بين الضباط الأحرار والملك فاروق في انتخابات نادي ضباط الجيش، حيث نجح محمد نجيب «مرشح الأحرار»، وخسر حسين سرى عامر مرشح الملك، وألغيت الانتخابات.

قرر جمال عبد الناصر التقدم ليصبح يوم 23 يوليو عام 1952، ونجح فيها مع الضباط الأحرار لطرد الإنجليز عن مصر.

جمال عبد الناصر رئيسًا للجمهورية

وبعد صياغة أول دستور في مصر عقب ثورة 23 يوليو، الذي حاز على الموافقة بأغلبية ساحقة في الاستفتاء العام، تم ترشيح جمال عبد الناصر لرئاسة الجمهورية، وفاز بمنصب الرئيس، ليصبح أول رئيس مصري منتخب بعد انتهاء حقبة الملكية.

تأميم قناة السويس

وبعد سحب الولايات المتحدة عرضها لتمويل بناء السد العالي، وجد عبد الناصر نفسه في مأزق مالي كبير، وجاء رده مدويًا بإعلان تأميم قناة السويس، بهدف استخدام عائداتها لتمويل مشروع السد، وكان هذا القرار نقطة تحول كبرى في السياسة المصرية وأكد على استقلالية القرار الوطني.

نكسة 1967 وتنحي الزعيم عبد الناصر

وفي الخامس من يونيو 1967، احتلت القوات الإسرائيلية أجزاء كبيرة من الأراضي العربية في سيناء وفلسطين وسوريا، كما أدت هذه النكسة إلى تقديم عبد الناصر استقالته من منصبه وتحمل المسؤولية كاملة، ولكن الجماهير المصرية خرجت في مظاهرات حاشدة تطالبه بالعدول عن قراره، ليبقى عبد الناصر زعيمًا في عيون المصريين رغم الظروف الصعبة.

وفاة الزعيم جمال عبد الناصر

وعند انتهاء القمة يوم 28 سبتمبر 1970، عانى ناصر من نوبة قلبية. ونقل على الفور إلى منزله، حيث فحصه الأطباء. وتوفي بعد عدة ساعات، حوالي الساعة السادسة مساءً، وبعد الإعلان عن وفاته في 28 سبتمبر، عمت حالة من الصدمة في مصر والوطن العربي.

حضر جنازة عبد الناصر في القاهرة في 1 أكتوبر من خمسة إلى سبعة ملايين مشيع، وحضر جميع رؤساء الدول العربية. بكى الملك حسين ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات علنا، وأغمي على معمر القذافي جراء الاضطراب العاطفي مرتين، وحضر عدد قليل من الشخصيات غير العربية الكبرى، منها رئيس الوزراء السوفيتي أليكسي كوسيغين، ورئيس الوزراء الفرنسي جاك شابان دلماس، رحل الزعيم عبد الناصر وبقيت ذكراه خالدة في أذهاننا إلى يومنا هذا، لنظل نتحاكى بأمجاده ومواقفه الوطنية.

ضريح الزعيم جمال عبد الناصر

«في رحاب الله رجل عاش واستشهد من أجل خدمة الوطن»، هي جملة محفورة على لوح رخامي، على قبر الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في منطقة كوبري القبة القريبة، ويحيط بالضريح أكاليل من الزهور المختلفة تعبيرًا عن اعتزاز محبيه به.

وفي عام 1962، بدأ العمل في مسجد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر «مسجد كوبري القبة الخيري»، الذي كان عبارة عن أرض مهداة من الدولة لجمعية كوبري القبة الخيرية، بإيجار رمزي قدره جنيه واحد فقط سنويًا، وفي عام 1965، أمر عبد الناصر باستكمال المشروع على نفقة الدولة، إلا أنه فارق الحياة قبل الانتهاء من العمل به.

اقرأ أيضاًمصطفى بكري يزور ضريح الزعيم جمال عبد الناصر في ذكرى رحيله الـ 54.. صور

أمر بجمع القرآن مسموعًا.. الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ما بين نشر الإسلام في آسيا وإفريقيا.. وتطوير الأزهر الشريف

مصطفى بكري: المؤامرة على مصر مستمرة منذ زمن جمال عبد الناصر حتى اليوم

مقالات مشابهة

  • منى عبد الناصر تروي تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة الزعيم الراحل
  • تفاصيل آخر يوم في حياة عبد الناصر.. «هيكل» يروي الوداع الأخير
  • كيف بدت شوارع مصر في جنازة عبدالناصر؟.. اتشحت البلاد بالسواد
  • جمال عبد الناصر.. .الزعيم الذي لا يزال حيا في ذاكرة المصريين والعرب
  • الذكرى الـ54 لوفاة جمال عبد الناصر.. محطات مهمة في حياة الزعيم الخالد
  • الشماشرجية.. والأكاذيب حول عبد الناصر
  • «من الأرشيف».. كواليس القرارات الحاسمة في عهد الزعيم جمال عبد الناصر
  • في ذكرى وفاته.. توافد جماهيري على ضريح الرئيس جمال عبد الناصر
  • مصطفى بكري: عبد الناصر خالد في أذهان الشعب العربي