تحقيق للجزيرة نت يكشف ارتفاع التشوهات الخلقية لدى المواليد في غزة
تاريخ النشر: 29th, September 2024 GMT
غزة – داخل حضانة مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، يرقد الطفل محمد أبو عواد ليتلقى العلاج بعد ثلاثة أيام من ولادته وإصابته بتشوهات خلقية بالقلب والقدمين والدماغ، اكتشفها الأطباء بعد الولادة.
يكافح الفريق الطبي للحضانة داخل المجمع من أجل إنفاذ حياة محمد أبو عواد، الذي ولد يوم 21 سبتمبر/أيلول 2024 بوزن 2.
لم تحصل ياسمين والدة الطفل محمد خلال فترة حملها على الرعاية الصحية المطلوبة من متابعة شهور الحمل داخل عيادات وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) كما كان حالها مع كل حمل، كما لم تحصل على المثبتات والمكملات الغذائية.
وفي شهور الحمل الأولى لوالدة محمد أبو عواد، تعرض منزلها بشرق خان يونس إلى قصف إسرائيلي بصاروخ، مما أدى إلى استنشاقها دخانا أسود ناتجا عن هذا القصف.
تعرضت ياسمين أيضا، كما تقول للجزيرة نت، إلى سوء تغذية كحال سكان قطاع غزة بسبب الحصار الذي فرضه جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومنعه دخول اللحوم الحمراء والبيضاء الطازجة والخضروات والفواكه إلى أسواق القطاع، وكان طعامها من المعلبات التي كانت تحصل عليها عائلتها من المؤسسات الدولية.
وإلى جانب الطفل محمد أبو عواد، ولدت الطفلة نورة أبو معروف من رحم أمها ميتة نتيجة إصابتها بتشوهات خلقية بالدماغ وثقب بالقلب.
يشير تقييم الحالة الطبية للطفلة نورة أبو معروف، حسب الأطباء داخل مستشفى التحرير بمجمع ناصر الطبي، إلى عدم اكتمال جمجمتها وثقب في القلب، مما أدى إلى وفاتها بعد ساعات من ولادتها.
عاشت هناء والدة الطفلة نورة خلال حملها أياما صعبة تتمثل في قصف مجاور لمنزلها في مايو/أيار الماضي بدير البلح وسط قطاع غزة، ودخول دخان كثيف إلى غرف نومهم.
ونزحت والدة نورة أبو معروف إلى منطقة المواصي مع عائلتها لأكثر من 7 مرات، بعضها مشيًا على الأقدام، خلال الشهر السادس من حملها بطفلتها.
ولم تكن تعلم هناء أن طفلتها مصابة بتشوهات خلقية إلا بعد ولادتها بعملية قيصرية، إذ أخبرها الأطباء أن سبب وفات طفلتها هو عدم اكتمال جمجمها.
زيادة ملحوظة
شهد قطاع غزة خلال شهور الحرب الإسرائيلية المستمرة عليه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، زيادة ملحوظة في أعداد الأطفال المصابين بتشوهات خلقية، وفقا لإحصائية رسمية حصلنا عليها، وإفادات طبية.
وأفادت الإحصائية الرسمية بتسجيل 172 إصابة لأطفال حديثي الولادة بتشوهات واضطرابات خلقية خلال أشهر يونيو/حزيران ويوليو/تموز وأغسطس/آب 2024 في مجمع ناصر الطبي وحده، توفي 20% منهم، إضافة إلى زيادة ملحوظة لهذه الإصابات بشمالي قطاع غزة، وعدم وجود أرقام دقيقة بسبب تدمير مستشفى الشفاء وانهيار المنظومة الصحية والإدارية هناك، وتوزع الحالات على العيادات الخاصة.
رئيس قسم الحضانة داخل مستشفى التحرير للنساء والولادة بمجمع ناصر الطبي الطبيب حاتم ظهير أكد وجود زيادة طردية في عدد الأطفال الحديثي الولادة المصابين بالتشوهات الخلقية خاصة أمراض القلب والأعضاء التناسلية والأطراف السفلية.
وأرجع حاتم ظهير الزيادة في حالات التشوهات الخلقية بين المواليد، وفق حديثه للجزيرة نت، إلى المواد المتفجرة التي سقطت على قطاع غزة والتي تحمل سميات كثيرة، إضافة إلى الفيروسات المنتشرة بالقطاع وغياب النظافة وسوء التغذية عند الأمهات.
وأوضح حاتم أن الزيادة المستمرة في حالات تشوهات خلقية بين الأطفال المواليد هي مستجد يستدعي الدراسة من قبل المختصين، وإجراء الفحوصات للوصول إلى الأسباب الرئيسية لزيادة حالات التشوهات.
وبيّن أن معظم حالات الأطفال المصابين بالتشوهات الخلقية يكون مصيرهم الوفاة، خاصة أن غالبية الحالات هي لتشوهات بالقلب ويحتاجون إلى إجراء عمليات جراحية في الأسبوع الأول بعد الولادة، وهذا الأمر غير متوفر في مستشفيات قطاع غزة.
وقال "فقدنا أطفالًا مصابين بتشوهات خلقية كان يمكن إنقاذهم لو تم تحويلهم إلى خارج قطاع غزة".
المواد السمية
طبيب النساء والولادة بمجمع ناصر الطبي ماهر كوارع أكد تسجيل زيادة ملحوظة في عدد حالات تشوهات الأطفال الذين ولدوا في المجمع الرئيسي جنوبي قطاع غزة.
وقال ماهر، في حديثه للجزيرة نت، "هناك أسباب عديدة لتسجيل تشوهات خلقية بين الأطفال الحديثي الولادة، أبرزها المتفجرات التي ألقها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، والمواد السمية الناتجة عنها".
وأوضح أن النساء الحوامل بقطاع غزة عانين من سوء تغذية وعدم حصولهن على الطعام اللازم خلال فترة الحمل، مما أدى إلى حدوث تشوهات لدى أطفالهن، إضافة إلى حالات النزوح المتكررة، والعيش داخل الخيام.
واعتبر أن عدم حصول الحامل على المياه النظيفة الصالحة للشرب، وانتشار الأمراض والفيروسات بين النازحين، من أسباب ارتفاع حالات التشوهات الخلقية بين المواليد.
ويعد غياب الرعاية الصحية، وفق ماهر، وعدم حصول الحوامل على المثبتات والفيتامينات خلال فترة الحمل من الأسباب في إصابة الأطفال في أرحام أمهاتهم بتشوهات خلقية.
وتعامل الطبيب ماهر كوارع مع تشوهات في الدماغ والقلب والأطراف السفلية لأطفال داخل مجمع ناصر الطبي.
وفي شمال قطاع غزة، تسجل زيادة لأطفال غير مكتملي النمو مع وجود حالات تشوهات خلقية، وفقًا لمدير مستشفى كمال عدوان الطبيب حسام أبو صفية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرجع أبو صفية الأسباب وراء تلك الحالات إلى عدم توفر الرعاية الصحية لدى الحوامل التي تعد مهمة جدًا لهن، إضافة إلى غياب أصناف الطعام الغنية بالفيتامينات وسوء التغذية.
ويوضح أن بعض الأطفال المواليد يكونون غير مكتملي الرئتين، لذلك يتم وضعهم في الحضانات من أجل المساهمة في علاجهم واكتمال نموهم.
ويبيّن أن هناك حالات إجهاض مرتفعة بين النساء الحوامل بسبب الانفجارات والخوف والنزوح، إضافة إلى حدوث إجهاض ناتج عن التشوهات.
سوء التغذيةوعانى سكان قطاع غزة عامة، والنساء الحوامل خاصة، من سوء التغذية خلال أيام الحرب المستمرة.
صندوق الأمم المتحدة للسكان أكد أن سوء التغذية بغزة يشكل خطرًا كبيرا على الحوامل وحديثي الولادة وسط تزايد ولادة أجنة ميتين وأطفال منخفضي الوزن ويعانون الهزال وتأخر النمو.
وأوضح الصندوق الأممي للسكان في منشور عبر منصة "إكس" في يوليو/تموز الماضي، أنه من الشائع ولادة أطفال منخفضي الوزن بشكل متزايد في غزة.
وأكدت تيد شيبان نائبة المديرة التنفيذية لليونيسف في المجال الإنساني وعمليات الإمداد، أن قطاع غزة على وشك أن يشهد انفجارًا في حالات الوفاة للأطفال التي يمكن تجنبها، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم وفيات الأطفال التي يصعب تحملها بالفعل في غزة.
وقالت شيبان "لقد حذرنا من أن قطاع غزة على شفا أزمة تغذية، إذا لم ينته النزاع فإن تغذية الأطفال ستواصل الانخفاض، مما سيؤدي إلى حدوث حالات وفاة يمكن الوقاية منها، أو مشاكل صحية ستؤثر على أطفال غزة لبقية حياتهم وستكون لها عواقب محتملة على الأجيال".
كثافة القصفاستخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي أنواعا مختلفة من الصواريخ والقنابل في قصفه قطاع غزة، ومنها الفسفور الأبيض، وفقا لتأكيدات منظمات حقوقية أبرزها هيومن رايتس ووتش.
وأكدت منظمة هيومن رايتس ووتش أنها تحققت من مقاطع فيديو التقطت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2023 تظهر "انفجارات جوية متعددة للفسفور الأبيض الذي أطلقته المدفعية فوق ميناء مدينة غزة".
وراجعت المنظمة الفيديوهات وتحققت من أنها صوّرت في ميناء مدينة غزة، وحددت الذخائر المستخدمة في الغارة على أنها قذائف فسفور أبيض مدفعية من عيار 155 ملم وتنفجر جوا، وصدر عنها الدخان الأبيض الكثيف ورائحة الثوم، وهما من خصائص الفسفور الأبيض.
دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام قالت إن مخلفات الحرب في قطاع غزة تضم مواد مشعة والفوسفور الأبيض والهالوجينات والمعادن الثقيلة، وإنه يمكن لهذه الحرب أن تترك أثرا بيئيا ساما وتتسبب في "أضرار لا توصف" لصحة الإنسان.
والفوسفور الأبيض مادة كيميائية شديدة السمية، وتحترق في الهواء، وتسبب حروقا شديدة في الجلد والعينين، ويمكن أن يتسبب الدخان أيضا في التهابات العين والجهاز التنفسي، فضلا عن تهيج المعدة. وفي الحالات القصوى يمكن أن تشوه وتقتل بحرق العظام.
ورئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده أكد أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أسقط على قطاع غزة 70 ألف طن من المتفجرات منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقال عبده، في حديثه للجزيرة نت، "قد يكون هناك ارتباط بزيادة عدد حالات التشوهات الخلقية للأطفال الحديثي الولادة بقطاع غزة، والقنابل التي ألقاها الاحتلال على القطاع، ولكن ذلك يحتاج إلى مختصين لإثباته، ويعمل الاحتلال على منعهم من الدخول للقطاع".
أكثر من هيروشيما
وأوضح أن القوة التدميرية للمتفجرات التي ألقيت على غزة تزيد على ما ألقي على هيروشيما، مع ملاحظة أن مساحة المدينة اليابانية 900 كيلومتر مربع في حين أن مساحة قطاع غزة لا تزيد على 360 كيلومترا.
وبيّن أن إسرائيل تستخدم قنابل ذات قوة تدميرية ضخمة، بعضها يبدأ من 150 كيلوغراما إلى ألف كيلوغرام، لافتا إلى تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بإسقاط أكثر من 10 آلاف قنبلة على مدينة غزة وحدها (تبلغ مساحتها 56 كيلومترا).
وذكر أنه تم توثيق استخدام إسرائيل أسلحة محرمة دوليا في هجماتها على قطاع غزة، ولا سيما القنابل العنقودية والفسفورية التي هي عبارة عن مادة سامة شمعية تتفاعل مع الأكسجين بسرعة وتتسبب في حروق بالغة من الدرجة الثانية والثالثة.
وأشار إلى أن جيش الاحتلال استخدم قنابل متفجرة ذات آثار تدميرية ضخمة في المناطق المأهولة بالسكان مما يمثل أخطر التهديدات للمدنيين في النزاعات المسلحة المعاصرة، ويفسر ذلك حجم الدمار الهائل في قطاع غزة وتسوية أحياء سكنية بكاملها وتحويلها إلى أنقاض وخراب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات جیش الاحتلال الإسرائیلی التشوهات الخلقیة بتشوهات خلقیة محمد أبو عواد تشوهات خلقیة زیادة ملحوظة على قطاع غزة سوء التغذیة ناصر الطبی إضافة إلى
إقرأ أيضاً:
"يوروبول" يحذر: تصاعد المجتمعات الإلكترونية العنيفة التي تستهدف الأطفال
تقرير يوروبول يحذر من تصاعد مجتمعات إلكترونية عنيفة تستهدف الأطفال، تنشر أيديولوجيات تطرفية وتحرض على العنف والجريمة. ويدعو إلى اليقظة الدولية لحماية القُصَّر من هذه التهديدات.
أصدر جهاز الشرطة الأوروبية "يوروبول" اليوم إشعارًا استخباراتيًا محذرًا من تنامي مجتمعات إلكترونية عنيفة مكرسة لإلحاق الأذى الجسيم بالأطفال. يكشف هذا التقرير الاستراتيجي عن ظهور طوائف رقمية تتبنى العنف وتستهدف القُصَّر عبر الإنترنت، ساعيةً إلى تطبيع الجريمة والفوضى والتحريض على الإرهاب.
ووفقًا للإشعار، تعمل هذه المجتمعات كمنظمات سرية ذات هيكل هرمي يعتمد على مدى مشاركة المحتوى العنيف، حيث يكافأ الأعضاء الأكثر نشاطًا بمكانة أعلى. تشمل المواد المتداولة مقاطع عنف شديد، واستغلال جنسي للأطفال، ومشاهد قتل، بل وحتى تحريضًا على إطلاق النار الجماعي والتفجيرات.
كاثرين دي بول، المديرة التنفيذية ليوروبول، قالت إن "الجماعات المتطرفة تستغل الإمكانات الهائلة للمنصات الرقمية لنشر أفكارها الهدامة، مستهدفةً عقول الشباب وتحريضهم على ارتكاب أعمال عنف في الواقع. الوعي هو خط الدفاع الأول. ويتعين على الأسر والمعلمين والمجتمعات أن يبقوا في حالة يقظة دائمة، وأن يعززوا لدى الشباب مهارات التفكير النقدي لمواجهة التلاعب عبر الإنترنت. كما أن التعاون الدولي بات ضرورة ملحة لمواجهة هذه التهديدات الخطيرة".
Relatedقناة لبنانية تثير استياء واسعا بعد عرضها برنامجا يناقش السياسة مع أطفال واتهامات بالاستغلال الإعلاميجرائم الإنترنت في تصاعد.. طفل من بين كل 12 طفلاً يتعرض للاستغلال أو الاعتداء الجنسي لمكافحة استغلال الأطفال عبر الإنترنت.. السويد تدرس فرض حدود عمرية على وسائل التواصل الاجتماعي!استدراج القُصَّر عبر الألعاب ومجموعات الدعم الذاتي وأوضح التقرير أن الجناة يستغلون منصات الألعاب عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لاستهداف الأطفال والشباب بين 8 و17 عامًا، لا سيما الفئات الأكثر ضعفًا كالمراهقين من مجتمع الميم والأقليات العرقية وأولئك الذين يعانون من مشاكل نفسية. ويقوم الجناة بالتسلل إلى مجتمعات الدعم الذاتي عبر الإنترنت لاستدراج الضحايا تحت غطاء المساعدة والتعاطف.
تبدأ عمليات الاستدراج عادةً بما يُعرف بـ"قصف الحب" عبر إظهار اهتمام مبالغ فيه لاكتساب ثقة القُصَّر، ثم يُستغل هذا التقارب لاحقًا للابتزاز والإجبار على إنتاج محتوى مسيء أو ارتكاب أعمال عنف. يعتمد الجناة على التهديد بنشر هذا المحتوى للسيطرة على الضحايا وإخضاعهم لمزيد من الأفعال الضارة.
إشارات تحذيريةوأورد التقرير إشارات تحذيرية يجب الانتباه لها في سلوك الأطفال عبر الإنترنت، كالآتي:
السرية المفرطة بشأن الأنشطة الإلكترونية.العزلة والانطواء الاجتماعي.تغيرات عاطفية ملحوظة.الاهتمام بمحتوى ضار أو عنيف.استخدام رموز أو لغة غير مألوفة.إخفاء علامات جسدية تدل على الأذى.علامات مقلقة في النشاط الرقمي للأطفال تشمل:تفاعل غير معتاد على المنصات الإلكترونية.التواصل مع جهات مجهولة الهوية.استخدام اتصالات مشفرة.التعرض لمحتوى صادم أو مقلق.يأتي هذا التحذير من يوروبول كجرس إنذار للأسر والمجتمعات بضرورة توخي الحذر وتعزيز الرقابة على الأنشطة الإلكترونية، إلى جانب تكثيف التعاون الدولي لمكافحة هذه الظاهرة وحماية الأجيال القادمة من مخاطر التطرف الرقمي والعنف الموجه للأطفال.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية مصائب واشنطن.. مكاسب لأنقرة: إنفلونزا الطيور تدرّ على تركيا 26 مليون دولار! يوروبول: إغلاق "أحد أضخم" الأسواق الإلكترونية للجريمة في العالم هل يستغل المجرمون منصة تشات جي بي تي؟ يوروبول تحذّر اليوروبولتجنيد الأطفالالشبكة الذكية