صورة النصر المزعوم لنتنياهو وهاريس
تاريخ النشر: 29th, September 2024 GMT
في ٢٨ سبتمبر اليوم الذي تمر فيه ذكرى وفاة الزعيم جمال عبدالناصر أكد حزب الله خبر اغتيال أمين عام الحزب حسن نصر الله الذي ربما - كان بعد عبد الناصر- أكبر عدو عربي لإسرائيل في التاريخ المعاصر.
ربط بين الرجلين الانتصار لفلسطين والمقاومة والاستعداد للتضحية حتى بالنفس وبالروح. وربط بينهما ما كان ينسب لنصرالله احتذاء شعار استراتيجي صكه عبد الناصر في التعامل مع إسرائيل ونمط حرب موجع مارسه ضدها بعد عدوان يونيو ٦٧.
كيف يمكن فهم السياق السياسي الذي قررت فيه واشنطن وإسرائيل معا اتخاذ قرار اغتيال زعيم تيار المقاومة في الشرق الأوسط؟ وهل اتخذ القرار الصعب الذي ترددا فيه كثيرا عندما امتلكا فيما يبدو تقديرا استراتيجيا مشتركا: إن مخاطر وعواقب القيام به على مصالحهما في المنطقة في هذه اللحظة بالذات ستكون عواقبه محدودة وأقل بكثير من المكاسب السياسية والمعنوية الكثيرة التي يجنونها من قتله.
السياق السياسي العام هو أن أمريكا اعتبرت انتصار حماس في ٧ أكتوبر تهديدا وجوديا ليس فقط لإسرائيل ولكن أيضا لها ولهيمنتها على العالم العربي الممتدة منذ اتفاقيات كامب ديفيد ٧٨. وأسست على ذلك أن استراتيجية إدارة الصراع الذي مارسته منذ كيسنجر مع الصراع العربي/ الإسرائيلي قد انتهى زمانها وحان الوقت لاستراتيجية حسم الصراع أي الانتقال إلي إنهاء الوجود العسكري والسياسي لحماس والجهاد في غزة والضفة، وإنهاء الوجود العسكري لحزب الله في لبنان ثم التفرغ لاحقا لإيران بعد القضاء على طوق النار المحيط بإسرائيل.
السياق السياسي الخاص تمثل في استنتاج واشنطن لمعنى الفشل الذريع الذي منيت به استراتيجية الحسم لمدة ١١شهرا رغم كل المدد العسكري غير المسبوق والدوس بالحذاء على النظام الدولي بحيث تفلت إسرائيل من العقاب وتأخذ كل الوقت اللازم لتصفية حماس عسكريا وتصفية حكمها المدني للقطاع وإعادة المختطفين.
أخفقت إسرائيل في تحقيق هدف واحد من الأهداف الثلاثة، وأخفقت فيما وعدت به راعيها الأمريكي وما وعدت به حلفاءها العرب من نصر سريع وخاطف يحد من خطر تواطئهم معها أمام شعوبهم وأمام العالم.. وترافق ذلك مع إخفاقين آخرين الأول هو إخفاق الوسطاء العرب المباشرين وغير المباشرين في الضغط على حماس لدرجة قبول اتفاق استسلام، فمرونتها كانت وصلت أقصاها مع قبول مقترح بايدن ٣١مايو الذي رفضته إسرائيل ولم تكن مستعدة لطلبات نتنياهو وتغييراته التي كان قبولها يعني كما قال الشهيد اسماعيل هنية "أن تحصل إسرائيل بالمفاوضات على ما فشلت في تحقيقه بالحرب. التطور الثاني هو إخفاق ضغوط إسرائيل وأمريكا على لبنان وحزب الله خصوصا ليقبل الفصل بين جبهة غزة وجبهة لبنان وتصميم نصر الله على عدم وقف إطلاق الصواريخ التي هجرت عشرات الآلاف من المستوطنين الإسرائيليين في الشمال قبل وقف حرب الإبادة لغزة.
لم تكن أمريكا وإسرائيل مهيأتين لأن يستمر هذا الإخفاق حتى يأتي موعد الذكرى الأولى لهزيمة ٧ أكتوبر وأن تكون فكرة أن العرب انتصروا هي ما يستقر في ذهن العرب والعالم. وفي الشهرين الأخيرين اللذين يسبقان الذكري بدأت في فعل ما لم تفعله منذ بداية الحرب في غزة سواء للحصول على صورة نصر مزعوم بأي ثمن قبل مرور العام بدون تحقيق انجاز استراتيجي واحد وخضوعا لمقتضيات الانتخابات الأمريكية التي تتطلب مساندة غير مسبوقة لإسرائيل من الديمقراطيين تفوق حتى مزايدات الجمهوريين وترامب وبما يدعم كامالا هاريس في الفوز بدعم مطلق أصوات القاعدة الضخمة من ناخبي المسيحية الصهيونية.
استعصاء نصرالله والسنوار على كل الضغوط من الأعداء والأشقاء وميل الجناح شديد الصهيونية في الإدارة إلي عقاب القائدين والمنظمتين على هذا الاستعصاء هو الذي أصدر قرار تصفية القائدين الرمزين وكانت المعلومة التي سلمت نصر الله أولا كانت مجرد فرصة للعدو وليست مفاضلة بينهما.
العقبة الأساسية في الوصول للسنوار ونصرالله كلا في جبهته وفي تدمير القوة الضاربة للصواريخ ومنصاتها كانت متعلقة أساسا بفلسفة الحماية التي وفرتها الأنفاق والتحصينات ومراكز القيادة والسيطرة التي أنشئت على مدى عقود تحت الأرض في الجنوب اللبناني وغزة. قررت واشنطن هنا إعطاء إسرائيل ما لا تملكه دولة أخرى على الأرض غيرها ألا وهي الصواريخ والقنابل الفراغية والارتجاجية القادرة على ضرب أي نفق وتحصينات تحت الأرض مهما بلغ عمقها حتى تنجح فيما عجزت فيه شهورا. لولا ضوء أمريكا الأخضر وقنابلها التي تزن ألفي طن وصواريخ تصل لتدمير أهداف على عمق٤٠ مترا ما استطاعت إسرائيل الوصول لنصرالله واغتياله وما استطاعت أن تقول بكل وقاحة إنها رسالة للسنوار بأن الدور قادم عليه.
التقيد الإيراني الذي يراوح مكانه رغم اغتيال هنية في قلب طهران ثم اغتيال نصر الله مركز ثقل المقاومة في المنطقة في نظر مراقبين بدا شديد التأخر عن إدراك التغير الاستراتيجي في تعامل أمريكا مع طهران وحلفائها في محور المقاومة وإزالتها كل الخطوط الحمر أمام نتنياهو. تقيد رآه نتنياهو وكأنه تشجيع ضمني على المضي قدما في كسر المقاومة واستباحة لبنان وسوريا. بل إن رسائل بعض أعضاء الفريق الجديد للرئيس الإيراني المتوددة للغرب بدت وكأنها إشارة لتل أبيب أنها لن تواجه خطر اندلاع حرب شاملة وعقاب موجع مهما تمادت في إهانة كل عواصم المنطقة دون استثناء.
على المدى القصير فإن تمكن أمريكا وإسرائيل من رأس نصرالله سيربك نسبيا المقاومة في لبنان وغزة، وسينشغل حزب الله لفترة بإعادة تنظيم صفوفه واختيار قيادة بديلة وحماية بقية قدراته العسكرية وتنشغل حماس بتوفير وسائل حماية قائدها السنوار من اليد الإسرائيلية. لكن وكما لم تفض عمليات اغتيال قادة ثورات التحرر الوطني لمنعها من الحصول على استقلالها ولا أدي اغتيال إسرائيل لقادة المنظمات الفلسطينية خمسة عقود من استمرار الكفاح المسلح بل أدى لتعاظم قدراتها ونقلها مسرح المعركة لأرض إسرائيل والقضاء التام على شعور مواطنيها بالأمن.
حتى إذا تفككت حماس أو الجهاد أو تفكك حزب الله – لا قدر الله - ستكون المجموعات المتفرقة الباقية منهم - كما تثبت كل تجارب التاريخ وخبرة الصراعات المسلحة - أكثر عنفا وطلبا للثأر وستنشأ منظمات أخرى لن تقف عند الأهداف الإسرائيلية بل ستمتد إلى أهداف أمريكية وغربية والأخطر عربية رسمية يراها البعض مشاركة في إبادة أطفال ونساء غزة والضفة ولبنان.
وحتى بعض العرب الذين يوزع بعضهم الحلوى فرحا في استشهاد نصر الله ويترقبون استشهاد السنوار معتقدين أن خطر الحرب الشاملة قد زال تماما عنهم وبلدانهم.. عليهم ألا يأمنون مكر الصراعات وسهولة انزلاقها إلى الانفجار الشامل أو الفوضى التامة.
• حسين عبد الغني إعلامي وكاتب
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: عبد الناصر نصر الله
إقرأ أيضاً:
قلق رهيب بإسرائيل.. حزب الله يطلق 200 صاروخ اليوم واجتماع طارئ لنتنياهو
أفادت صحف عبرية بوجود حالة من الاستنفار والترقب داخل حكومة الكيان المحتل وحالة طوارئ داخل مؤسسات ومرافق الاحتلال وذلك مع استمرار عمليات حزب الله الصاروخية بشكل ضخم غير مسبوق من حيث الشدة منذ بداية الشهر الجاري على الأقل.
وأدت صواريخ حزب الله، اليوم، إلى تعليق العمل في مطار بن جورويون الرئيسي وتوقف عملياته لبعض الوقت، تزامنا مع ذلك سقوط صواريخ أدت لعدد من الإصابات.
وأدي هذا التكثيف من قبل حزب الله إلى حالة قلق داخل الاحتلال حيث كشفت هيئة البث الإسرائيلية ناقلة عن مصادر مطلعة خاصة بها أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو سيعقد مساء اليوم مشاورات أمنية بشأن التوصل إلى تسوية في لبنان.
وأفادت تقارير وسائل إعلام العبرية بان ما يتجاوز الـ 200 صاروخ أطلقت منذ صباح اليوم نحو شمال ووسط الكيان الاحتلالي.
ولفتت وسائل الإعلام إلى أن 4 ملايين إسرائيلي دخلوا إلى الملاجئ اليوم خوفًا من صواريخ حزب الله التي كادت تقتل عددا كبيرا منهم إذ تصادف وجودهم في الشوارع، ولم يصاب أحد قبل قليل إلا حالة بإصابة خطيرة في كفار بلوم بالجليل الأعلى إثر سقوط صاروخ أطلق من لبنان عليها.
من جانبها، أفادت مقاومة حزب الله بأنها مجاهديها تصدوا صباح اليوم الأحد 24-11-2024 لطائرة مسيّرة اسرائيليّة من نوع هرمز 450 في أجواء البقاع الغربي، بصاروخ أرض – جو، وأجبروها على المغادرة كما استهدف مجاهدو المُقاومة تجمعًا لقوات جيش العدو الإسرائيلي في مستوطنة كريات شمونة، بصليةٍ صاروخية.
وتعليقًا على عمليات الحزب اليوم، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن حزب الله اليوم أكثر شراسة وعنفا منذ بداية القتال وهذا يعكس أكاذيب المتحدث باسم جيش الإحتلال اليومية حول العمليات في جنوب لبنان حيث ان الدفعات الصاروخية من لبنان لا تتوقف ويتم الآن تفعيل صفارات الإنذار بمنطقة ميرون في الجليل الأعلى.