الرئيس السريلانكي الجديد وإجراءات التقشف التي فرضها الغرب
تاريخ النشر: 29th, September 2024 GMT
ترجمة: بدر بن خميس الظّفـري -
إن سريلانكا تمر بمرحلة تاريخية. ففي مواجهة أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد الأعظم وبعد تخلفها عن سداد ديونها الخارجية لأول مرة، شهدت البلاد مؤخرًا احتجاجات غير مسبوقة تطالب بالتغيير. طُرد الرئيس السابق جوتابايا راجاباكسا حرفيًا في عام 2022، حيث اقتحم المتظاهرون مقر إقامته وسبحوا في حمام سباحته.
ينتمي الرئيس الجديد إلى حزب جاناتا فيموكثي بيرامونا، ويقود ائتلاف يسار الوسط الجديد (NPP). انخرط حزب جبهة الشعب الوطني في انتفاضتين كبيرتين في أوائل السبعينيات وأواخر الثمانينيات، مما أسفر عن خسارة عشرات الآلاف من الأرواح، ارتكبت جبهة الشعب الوطني والدولة أعمال عنف جماعية. لكن الحزب قطع شوطًا طويلاً من مزيج الماركسية اللينينية الثورية والقومية العرقية السنهالية، بعد أن انتقل إلى التيار الرئيسي الوسطي. أعاد الحزب تشكيل قاعدته في الضواحي والبلدات الصغيرة، من جذوره في جنوب البلاد الريفي، بل وحتى استقطب الطبقات المتوسطة، من خلال تناول قضية الفساد. كان فوزه في الانتخابات بسبب الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة في البلاد، حيث انتظر بصبر حتى يتبدل المناخ السياسي.
ولكن انتصاره أتى في وقت غير مناسب، حيث تخضع الدولة المفلسة لتدابير تقشفية صارمة تتوافق مع شروط اتفاق مع صندوق النقد الدولي، المؤسسة المالية التي تتخذ من واشنطن مقراً لها والتي طالما روجت لخفض الرعاية الاجتماعية في البلدان النامية باسم السوق الحرة.
الحكومة السابقة لم تفكر حتى في التفاوض على الشروط مع صندوق النقد الدولي، وكانت على استعداد تام للخضوع أمام القوى العالمية، وأدارت الاقتصاد وفقاً للمعايير والتوصيات التي وضعتها المؤسسات الغربية. وقد أفادت هذه السياسات الاقتصادية النخبة المنتفعة في البلاد، في حين كان العبء الناجم عن ارتفاع ضريبة القيمة المضافة، وتسعير الطاقة في السوق، وخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى النصف، سبباً في تفاقم الأزمة.
لقد أثرت أزمة الديون على العديد من الناس، وتضاعفت تكاليف المعيشة. كما كانت إعادة هيكلة الديون المحلية، التي دفع بها حاملو السندات الدوليون، التي تتألف من صناديق التحوط الضخمة وغيرها من الممولين، ضرورية أيضاً لتلبية تحليل استدامة الديون الذي وضعه صندوق النقد الدولي. وهذا يعني الآن أن صناديق التقاعد للعمال، مثل عمال الملابس وقاطفي الشاي، سوف تفقد نصف قيمتها على مدى السنوات الست عشرة المقبلة. وفي الوقت نفسه، أفلت المستثمرون الأثرياء في القطاع المالي من العقاب، ولم تتأثر استثماراتهم.
إن التحدي الرئيسي الذي يواجه ديساناياكي يتلخص في التوصل إلى اتفاق أفضل مع صندوق النقد الدولي. ومن المرجح أن تتجلى هذه التوترات في الأسابيع والأشهر المقبلة بين الرئيس الجديد الذي يسعى إلى التغيير الاجتماعي، وصندوق النقد الدولي القديم، الذي يظل ملتزماً بمصالح التمويل والأسواق العالمية.
وتتجه سريلانكا إلى إجراء انتخابات برلمانية في غضون سبعة أسابيع، ومن المؤكد أن قوة ديساناياكي في البرلمان، والإجماع الوطني الذي يمكنه الحصول عليه، سوف يحددان قوته التفاوضية مع صندوق النقد الدولي والمدى الذي يمكنه فيه إبقاء النخبة المتنفذة في البلاد تحت السيطرة.
إن أهداف صندوق النقد الدولي تشكل جوهر أي عملية إعادة تفاوض. ووفقاً لهذه الأهداف، يتعين على سريلانكا خفض دينها العام إلى 95% من الناتج المحلي الإجمالي، كما يتعين عليها إنفاق 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً في خدمة الدين الخارجي بمجرد انتهاء برنامج صندوق النقد الدولي. وهذا يعادل 30% من إجمالي الإيرادات الحكومية لخدمة الدين، وهو سيناريو رائع بالنسبة لدائني سريلانكا، وخاصة حاملي السندات الدولية الذين تبلغ ديونهم 12.55 مليار دولار أميركي. ولكن في ظل تخفيف أعباء الديون قليلاً، فإن الواقع هو أن سريلانكا قد تنتهي إلى التخلف عن السداد مرة أخرى.
وفي هذا السياق، تتزايد الضغوط على ديساناياكي لمواصلة مساره مع صندوق النقد الدولي. فمن النخبة في العاصمة كولومبو إلى وسائل الإعلام الغربية، هناك الكثير من الحديث عن أن رجلا ذا خلفية ماركسيّة سابقا لا يستطيع العمل مع صندوق النقد الدولي وإدارة الاقتصاد. وهذه الانتقادات ليست مجرد ملاحظات عابرة، بل هي نوع من أنواع التشكيك الدولي في قدرته على القيادة. ومن المهم أن نشير هنا إلى أنه في حين تبلغ قيمة ما يسمى "خطة إنقاذ صندوق النقد الدولي" حوالي 60 مليون دولار شهريًا طوال مدة البرنامج، فإن أرباح سريلانكا من النقد الأجنبي (الصادرات وأرباح الخدمات وتحويلات العمال) كل شهر الآن حوالي 30 ضعف هذا المبلغ، أي 1800 مليون دولار. بعبارة أخرى، لن يلتزم الرئيس ببرنامج صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على الأموال، ولكن بسبب الضغوط السياسية الدولية والخوف من العزلة.
هناك دروس يمكن تعلمها من أماكن أخرى هنا لا سيما كينيا. انتُخب رئيسها ويليام روتو في عام 2022، بعد عام من اتفاق صندوق النقد الدولي، وفي النهاية بُسِطَ السجاد الأحمر له في واشنطن لالتزامه بالبرنامج النيوليبرالي. ومع ذلك، في غضون عامين، دُمّرت البلاد بسبب الاحتجاجات الضخمة ضد التقشف والقمع الحكومي. في سريلانكا، كما هو الحال في حوالي 70 دولة نامية حول العالم تعاني من ضائقة الديون، تثار نفس الأسئلة. هل يستمرون في رهن سياساتهم الوطنية لحاملي السندات وصندوق النقد الدولي، أم يبحثون عن سبل بديلة لتمويل التنمية ويتفاوضون على طريقهم للخروج من برامج صندوق النقد الدولي المنهكة؟
سيضطر ديساناياكي إلى السير على حبل مشدود. فبالنسبة لبلد وشعب يمران بأسوأ مرحلة من مراحل السلب والنهب منذ الاستقلال، فإن التضامن الدولي لابد وأن يعني توفير المساحة اللازمة لإعادة بناء البلاد. وإن فشل ديساناياكي في كسب تأييد عامة الناس، فإن القوى المعادية للأجانب وتلك التي تبثّ الفرقة بين أطياف الشعب والتي اجتاحت سريلانكا لعقود من الزمان، سوف تعود من جديد.
• أهلان كاديرجامار هو عالم اقتصاد سياسي ومحاضر أول في جامعة جافنا، سريلانكا.
** عن الجارديان البريطانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مع صندوق النقد الدولی
إقرأ أيضاً:
بسعة 41 ألف متفرّج وبحضور «نجوم» عالميين.. «ملعب بنغازي الدولي» يعود للحياة
بعد 16 عاما من الإغلاق، افتتح مساء أمس الخميس، “ملعب بنغازي الدولي”، ليعود إلى الحياة، ويكون أحد أكبر المنشآت الرياضية في ليبيا بسعة تبلغ 41 ألف متفرج.
وافتتح الملعب خليفة حفتر بحضور رئيس مجل النواب عقيلة صالح، ووسط حضور رسمي ورياضي واسع، حيث شهدت المناسبة إعلان مشاريع مدن رياضية جديدة في سبها وطبرق وأجدابيا، ضمن خطة تطوير البنية التحتية الرياضية في ليبيا.
في السياق، بارك رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، خلال حفل افتتاح ملعب بنغازي الدولي، ما وصفه بـ”الإنجاز الكبير”، مشيدًا بالمشروع “الذي يمثل خطوة هامة نحو تعزيز البنية التحتية الرياضية في ليبيا”.
وخلال كلمته بالمناسبة، توجه بالشكر والتقدير للمهندسين المشرفين والشركات التي نفذت هذا المشروع، معبرًا عن “امتنانه للجهود الكبيرة التي بذلها صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، الذي ساهم في تحقيق هذا الحلم الرياضي”.
وأكد رئيس مجلس النواب أن “مدينة بنغازي شهدت في الماضي أيامًا عصيبة من الصراع، حيث كانت ساحة للاقتتال بين قوى الخير وقوى الشر، وبين المعتدلين والمتطرفين”.
وأشار صالح إلى أن “الملعب الدولي يُعد إضافة جديدة إلى سلسلة الإنجازات التي يحققها صندوق التنمية والإعمار، مؤكدًا أن العمل المتواصل على إنجاز المشاريع يعكس الإرادة الصلبة لتطوير البلاد وإعادة بنائها”..
وفي كلمته، شدد رئيس مجلس النواب على “أهمية الاهتمام بالرياضة في ليبيا، مشيرًا إلى أن توفير منشآت رياضية متطورة يعكس فهمًا عميقًا لدور الرياضة في تحسين الصحة العامة، وبناء الشخصيات القوية، وتنمية القيم النبيلة مثل روح الفريق والتنافس الشريف”.
وقال: “الرياضة ليست فقط وسيلة للترفيه، بل هي ركيزة أساسية لتحفيز شبابنا على التميز والمنافسة، سواء على المستوى المحلي أو الدولي”.
وتطلع صالح إلى أن “تكون كل مدينة وقرية في ليبيا ميدانًا للرياضة، تقدم فرصًا للشباب والشابات للتدريب والمشاركة في المنافسات، بهدف رفع علم ليبيا عاليًا في مختلف المحافل الرياضية”.
وأضاف: “الملعب اليوم هو ملك لكل الليبيين، وهو مصدر إلهام لأجيال المستقبل، ويجب أن نعمل جميعًا للحفاظ عليه”.
وقال رئيس صندوق تنمية وإعمار ليبيا، بلقاسم حفتر، إن “مشروع المدينة الرياضية في بنغازي سيشمل مرافق متكاملة، إلى جانب مشاريع مماثلة في سبها وطبرق وأجدابيا، في خطوة تهدف إلى تطوير القطاع الرياضي في ليبيا وتمكين الشباب من ممارسة مختلف الأنشطة الرياضية في بيئة متطورة”.
هذا “ويعتبر “ملعب بنغازي الدولي” واحدا من أكبر المشاريع الرياضية في ليبيا، بسعة 41 ألف متفرج في مرحلته الأولى، وهو جزء من خطة تهدف إلى إعادة تأهيل وتطوير الملاعب والمنشآت الرياضية، ما يعزز قدرة البلاد على استضافة المحافل الرياضية الكبرى على المستويين المحلي والدولي”.
وكان الملعب افتتح للمرة الأولى في عام 1969، ويسمى أيضا بملعب 28 مارس، والذي يتسع لنحو 42 ألف متفرج، أغلق في عام 2009 من أجل الخضوع لبعض الإصلاحات والتجديدات الشاملة، وخضع الملعب خلال السنوات الأخيرة لأعمال توسعة وصيانة وإعادة تعشيب، تحت إشراف صندوق التنمية الليبي، ليكون جاهزا لاستضافة الأحداث الرياضية والمباريات المختلفة من جديد.
وجمع حفل الافتتاح عددا من نجوم العالم، يتقدمهم البرازيلي روبرتو كارلوس أسطورة ريال مدريد الإسباني، والفرنسي ديفيد تريزيغيه مهاجم يوفنتوس الإيطالي السابق، والإنجليزي مايكل أوين نجم ليفربول ومانشستر يونايتد الإنجليزيين وريال مدريد السابق، الفائز بالكرة الذهبية عام 2001، كما حضر النجم الهولندي السابق كلارنس سيدورف، والحارس الألماني السابق ينز ليمان، والمدافع الإيطالي السابق ماركو ماتيرازي بطل العالم 2006، والإسباني ميشيل سالغادو، والبرتغالي لويس ناني، وحارس مرمى البرازيل السابق جوليو سيزار نجم إنتر ميلان الإيطالي ومنتخب السامبا السابق.
وبذلك أصبح “ملعب بنغازي” مؤهلا لاحتضان المباريات الرسمية الدولية بعد زيارة لجنة من الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (كاف) في يناير الماضي له والمصادقة على جاهزيته.
They Not Like Us ???? #صندوق_التنمية_وإعادة_إعمار_ليبيا #ملعب_بنغازي_الدولي #ليبيا #بنغازي
تم النشر بواسطة ملعب بنغازي الدولي في الخميس، ٢٠ فبراير ٢٠٢٥