جريدة الرؤية العمانية:
2024-09-29@18:16:56 GMT

اغتيال نصر الله.. "إجراء يحقق العدالة"؟!

تاريخ النشر: 29th, September 2024 GMT

اغتيال نصر الله.. 'إجراء يحقق العدالة'؟!

 

د. عبدالله باحجاج

العنوان أعلاه هو موقف الرئيس الأمريكي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، وهذا ليس غريبًا عليهما أو غير مُتوقع ممن يكون في السلطة الأمريكية مثلهما، فهما ينتقلان الآن إلى موقع تبرير استخدام العنف المفرط والوحشي الذي استهدف اغتيالات جماعية لقادة حزب الله وعلى رأسهم حسن نصر الله الأمين العام للحزب، وإلحاق أضرار بشرية ومادية جسيمة في صفوف المدنيين، بعد ما كانا من صناع العنف المُفرط وفاعليه.

ومن المُلاحظ أنَّ طبيعة الفكر الذي يقف وراء عنف الاغتيالات هو نفسه المنسوخ من غزو العراق مع الفارق، من حيث الشمولية والأهداف، وهو نفسه في "الحرب على الإرهاب" التي كانت في أفغانستان، فمثلًا، فقد استخدم في غزوه شعار "الصدمة والترويع" بحجة تخليص الغرب من الأسلحة المزعومة لدى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وقد استُشهد ما يزيد عن 209982 عراقيًا مدنيًا وفق ما ذكرته صحيفة إندبندنت بمناسبة مرور عشرين عامًا على غزو العراق عام 2003، ولم يعثروا حتى الآن على هذه الأسلحة، مما سميت بـ"كذبة العصر".

وهو نفسه طبيعة العنف الذي تستخدمه قوات الاحتلال الصهيوني بدعم ومساندة أمريكية/ غربية في غزة من قتل جماعي وتهجير وتدمير مُمهنج لمقومات العيش فيها، وهو نفسه نسخة مكررة ومطورة تكنولوجيًا لما حدث في الاغتيالات الجماعية لقادة حزب الله واستهداف الضاحية الجنوبية. والمضحك المبكي في آنٍ واحد، أن هناك "نخب ومثقفين" في مجتمعاتنا من يفرح بالاغتيالات تحت جنوح رؤية حادة تُعبِّر عن فكر غرق في دور حزب الله في سوريا على وجه التَّحديد، دون أن يرفع وعيه إلى دور الحزب في نصرة غزة المُتعدد الأشكال، وهذه معادلة كانت كفيلة بعدم دخول الأمة في فتنة الأفكار والعقائد والتصورات، خاصة والأمور ملتبسة، ولأنَّ المُتضرر الأكبر هنا وحدة الأمة في حقبة الأزمات والمحن.

ولو توقَّف هذا الوعي عند رمزية رفع نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني في الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل الاغتيالات بساعات لوحتين؛ إحداهما باللون الأخضر وسماها "لوحة النعمة" والأخرى باللون الأسود وسماها "لوحة اللعنة"، في مُغازلة لدول وتهديد لأخرى في الشرق الأوسط؛ لوجد هذا الوعي أن الأمة كلها في سفينة واحدة تُهددها مخاطر الصهيونية، ولن يُساهم من جهته في إشعال الفتنة بداخلها، أو حتى يُثير الجدل والخلاف بين نخبها ومثقفيها، ومن المضحك والمبكي أيضًا أن هذا الوعي ورغم علمه بمالات الأزمات والمحن التي تمر بها الأمة، إلّا أنه يسعى باحثًا في الأرشيف عن مقاطع صحيحة أو مُزيَّفة تثبت رؤيته التي تُثير الفتن، ويعتبرها من الحقائق دون التثبت من صدقيتها أو من يقف وراءها. وكلما أخذت مداها في الانتشار أو تصله من مُفتنين مقاطع جديدة، تنتابه نشوة النصر! وهو يعلم- وإن كان لا يعلم فهذه مصيبة- أنه يُساهم في تأجيج الفتنة في مرحلة هي الأصعب على الأمة في تاريخها الحديث.

وقياسًا بمنطق بايدن ونائبته هاريس المرشحة عن الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية المقبلة، نتساءل: من يُحقق العدالة للعراقيين؟ سنجد حتى الآن تنظيمات إرهابية مُسلّحة بعضها كانت امتدادًا لإنتاجات العنف المفرط الأمريكي/ الغربي في أفغانستان، والأخرى نتيجة لحسابات سياسية، والاستشراف نفسه سيكون في الحالة اللبنانية من خلال العنف الوحشي الجديد الذي هو أقرب توصيف للإرهاب، فهو سينتج في المقابل عنفًا مُماثلًا على المستويين الفردي (الفرداني) أو التنظيمي القديم أو استحداث تنظيمات جديدة؛ ذلك أن اغتيال القادة لا يقضي على التنظيمات، سيذهبون، ويأتي غيرهم، والأخطر فيها، ولادة أفكار جديدة من رحم العنف المتطرف وضحاياه.

كما إن قضية الاغتيالات والتدمير العنيف الوحشي؛ كالذي شهدناه في الضاحية الجنوبية ببيروت، ليس من معايير استحقاقات النصر المؤقت أو الدائم؛ بل هي معايير نصر الآخر، ولنا في أفغانستان نموذجًا مع التسليم باختلاف الحالتين. فقد قُلبت أفغانستان عاليها سالفها من حجر وشجر وبشر، والآن تحكم حركة طالبان هذا البلد بعد أن طُردت القوات الأمريكية والغربية منها، وتركت وراءها تنظيمات مسلحة عابرة للحدود الإقليمية والدولية، وأصبحت تجربة طالبان ونجاحها في الوصول للحكم مُلهمة للتنظيمات التي ولدت وتلكم التي تفكر في الولادة من رحم العنف المتطرف.

لذلك.. فمنطقة الشرق الأوسط الآن في حقبة العنف المتطرف، وستتماهى مع حقبة إرهاب التنظيمات الآيديولوجية المسلحة، وهي الآن تتلاقى زمنيًا، وقد يحدث الانصهار في مرحلة لاحقة في حالتين؛ الأولى: نجاح الاستراتيجية الجديدة للتنظيمات الإرهابية وبالذات "داعش" في تجنيد الشباب عبر استخدام الإنترنت، والثاني: استمرار الحكومات في إنتاج الفقر وعدم حل قضايا البطالة والتهميش ومحاربة الفساد في الوقت المناسب.

ومن هُنا.. يتعين على الدول الآمنة والمُستقرة أن تُراجع الآن مساراتها التنموية من منظور الأبعاد الاجتماعية، كما عليها أن تُحكم تطوير قوتها الخشنة من سياقات الدوافع الملحة للتطوير والتي لا نحصرها في التقنية العسكرية المتقدمة فحسب، وإنما كذلك في تحصين مناعتها الاجتماعية والفكرية والآيديولوجية من الاختراقات وسد الثغرات التي تزيد من الاحباط الاجتماعي وبالذات عند الشباب؛ لأن الانتصارات في حروب الجيل الرابع الجديدة لن تُطلق فيها رصاصة واحدة، وإنما من خلال الاختراقات السيبيرانية والشائعات والحروب الإعلامية التي ستستهدف أولًا مناعة كل مجتمع، وشل قدراته العسكرية ثانيًا، وذلك على عكس الأجيال الثلاثة السابقة من الحروب التي كانت تستهدف أولًا القدرات العسكرية، وتلك سيكون لنا معها وقفة عميقة في مقال مقبل بإذن الله.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الرد العقلاني على شاعر البلاط الدموي

بقلم: كمال فتاح حيدر ..

لسنا حاقدين على أحد وإنما نريد العيش بلا خونة، وبلا منافقين، وبلا انتهازيين. .
فجأة وبالتزامن مع اتساع ساحة القتال، وتصاعد النيران في جنوب لبنان. انبرى الشاعر السوري أنس إبراهيم الدِّغيم، فرفع رايته الأموية الحمراء دفاعاً عن آل سفيان، واعلن عن موقفه المشاكس والمعارض للشاعر الفلسطيني الكبير (تميم البرغوثي). .
وفجأة تذكر (الدغيم) قصيدة قديمة للبرغوثي في رثاء سيد الشهداء (الحسين)، فنفض عنها تراب صحراء الغاضرية، وكتب قصيدة مناهضة لها بنفس الوزن والقافية دفاعا عن الإرث الدموي الذي تلطخت به صفحات المراجع العربية كلها قديمها وحديثها. وشهد به كبار المؤرخين: ابن عساكر، وابن حوقل، وابن خلكان، والبلاذري، والديار بكري، والتنوخي، والواقدي، والمقريزي، والسيوطي، والطبري. إلى آخر القائمة التي تمتد حتى عصرنا الحالي. كلهم تحدثوا بالتفصيل الممل عن مجازر الأمويين وظلمهم على مدى 91 عاماً، فقد رجموا الكعبة المشرفة مرتين بالمنجنيق، وقتلوا فيها جمع غفير من الصحابة والتابعين، واستباحوا المدينة المنورة ثلاثة أيام بلياليها، وارتكبوا أبشع المجازر والمعاصي في فاجعة الطف بكربلاء. ويتعين على الذين ظلوا يتغنون بتراث آل مروان ان يختاروا ما يشاؤون من كتب التاريخ لكي يروا جرائمهم ومجازرهم وطغيانهم وتعسفهم. .
لكن التساؤلات التي تطرح نفسها في هذا التوقيت بالذات: هل المعركة التي تدور رحاها الآن في شمال وجنوب الأرض المحتلة بدعم لا محدود من جيوش النيتو، وراح ضحيتها آلاف الضحايا من الشيوخ والأطفال والنساء. هل هذه المعركة غير العادلة تدور رحاها الآن بين جيشين لا ينتمي اليهما الدغيم ؟. أين يقف الآن: مع القاتل أم مع المقتول ؟. مع الظالم أم مع المظلوم ؟. وهل جاءت انتفاضته للذود عن الأمويين في هذا التوقيت لكي يشغل الناس بأمور أكل عليها الدهر وشرب منذ 14 قرناً ؟. هل هذا مكانها وزمنها وتوقيتها ومناسبتها ؟. .
الأمر الآخر ان (الدغيم) نفسه له عشرات القصائد في رثاء الحسين، وفي مديح آل بيت النبوة الأطهار، ومنها قصيدته التي كانت بعنوان: (وقوفا كما تشتهي الكبرياء)، فهل انقلب (الدغيم) على نفسه الآن في هذه الأيام التي شهدت فيها لبنان اعنف المعارك لكي يشتت اذهان الناس، ويحرف بوصلة الرأي العام نحو الماضي البعيد من اجل حفنة من الدولارات ؟. .
ثم ما علاقة الشاعر (البرغوثي) بكسرى ؟. وما علاقة المقاتلين الآن بملوك الدولة الساسانية ؟. وما الذي دفعه للخوض في مستنقعات هذه المغالطات ؟. ولماذا هذا الربط الغبي الذي سوف يترك رواسب الفتنة في نفوس اصحاب العقول المشفرة ؟. .
اقسم بالله العظيم كنت حتى وقت قريب من أشد المعجبين بالشاعر (أنس الدغيم)، وكنت احسبه من شعراء العروبة والإسلام، ومن الموالين لآل البيت عليهم السلام، وكنت اردد رائعته التي يقول فيها: (‘آنستُ نارك فالتمسْ لخواطري). لكن موقفي منه تغير الآن 180 درجة. .
سؤال اخير وفي غاية الأهمية: هل اختار (الدغيم) الدخول في حلبة التنافس غير المتكافئ مع (البرغوثي) في محاولة فاشلة للفوز عليه ؟. وهنا لابد من تنبيه (الدغيم) من هذا المنزلق الذي أوقع فيه نفسه، فالبرغوثي يتربع الآن بلا منافس فوق عرش الشعراء العرب بقصائده الفصحي والعامية، واشتهر ببردته التي يقول فيها:
فداً لهم كل سلطان وسلطنة
ونحن لو قبلونا أن نكون فدا
على النبي وآل البيت والشهدا
مولاي صل وسلم دائما أبدا
وهكذا نافس في بردته بردة البوصيري، وبردة شوقي. ولا يضاهيه في المرحلة الراهنة معظم شعراء جيله، فهو شاعر المليون، وشاعر المقاومة، وشاعر القدس، وشاعر المسجد الأقصى، وشاعر غزة العزة. والبرغوثي هو القائل في بردته أيضاً:
وربما أمم تهوى أبا لهب
لليوم ما خلعت من جيدها المسدا
من المطيعين حكاماً لهم ظلموا
والطالبين من القوم اللئام جدا
أما الآن فحتى تتاكد من سوء عاقبتك انظر الى الدعم الذي قدمته لك المضخات الإعلامية المغرضة، ودورها في نشر هجومك على البرغوثي، وانظر كيف نجحت في تفعيل حملات التشهير بالبرغوثي بين سفهاء الأمة بجهودك الشخصية أنت. .
ختاماً: نقول لأنس الدغيم: قف حيثما تشتهي نفسك المريضة، مع أبي لهب أو مع مروان وآل مروان. نسأل الله ان يحشرك وقوفا كما تشتهي نفسك الأموية مع من تحب وتهوى. .
ليس بالضرورة ان تكون القمامة على شكل اكياس وحاويات صفراء فربما تأتي على شكل افكار وسموم طائفية متعفنة. .

د. كمال فتاح حيدر

مقالات مشابهة

  • «المواد الغذائية»: تحويل الدعم العيني إلى نقدي يحقق العدالة الاجتماعية
  • حازم المنوفي: التحويل إلى الدعم النقدي يحقق العدالة الاجتماعية
  • أبرز الاغتيالات التي طالت قادة حزب الله.. آخرهم نصر الله (إنفوغراف)
  • أحمد عمر هاشم: الأزهر يحمل راية الوسطية التي جاء بها القرآن الكريم
  • بايدن: موت نصر الله يحقق العدالة لضحاياه الكثيرين
  • الأمين العام للأمم المتحدة: يجب الآن توقف العنف في لبنان
  • لجان المقاومة: الاغتيالات لا تحقق انتصارات بل تورث الثأر والتحدي
  • لجان المقاومة: الاغتيالات أثبتت أنها لا تحسم المعارك ولا تحقق انتصارات
  • الرد العقلاني على شاعر البلاط الدموي