متلازمة أم فريحانة
تاريخ النشر: 29th, September 2024 GMT
رشا عوض
الاستنكار ليس لفرح الناس بتقدم الجيش، بل الاستنكار هو لمسرحية دعائية قوامها الكذب، وهذه المسرحية صناعة كيزانية بامتياز تم تسويقها بعناية لخدمة خط سياسي يهدف لإدخال السودانيين مجددا تحت بوت الجيش وتنصيبه حاكما تحت مزاعم أن الشعب يحبه ومتيم به، والأمر في حقيقته ليس تحركا شعبيا تلقائيا للاحتفاء بانتصار الجيش الذي لم يتحقق واقعيا حتى الآن، فنحن نعلم أن الحشد والخروج إلى الشوارع للتعبير عن الرأي والمشاعر ليس مكفولا دون قيد أو شرط في مناطق سيطرة الجيش، هذه المساحة من حرية التعبير والتظاهر متاحة فقط للكيزان وجهاز أمنهم وللاستخبارات العسكرية، يعني لو مواطنين خرجوا إلى الشارع صامتين بدون أي ضجيج وسيك سيك وميك ميك وواك واك، ورفعوا لافتة مكتوب عليها لا للحرب مثلا في شوارع عطبرة أو بورتسودان أو أمدرمان ماذا سيكون مصيرهم؟ ألم يتم اعتقال مواطنين وتعذيبهم لمجرد انتمائهم إلى الحرية والتغيير حتى، دون أن يفعلوا أي شيء؟
ما تم بالأمس هو مسرحية مصنوعة هدفها سرقة لسان الشعب لتقديم بيعة سياسية أبدية للجيش في الظاهر وللكيزان في الباطن، لو شارك في هذه المسرحية مواطنون عاديون فهم ضحية التضليل والتجهيل المنهجي الذي من ضمن ضحاياه شخصيات مستنيرة من أساتذة الجامعات والإعلاميين الذين يتساءلون بمنتهى الجدية: هل حميدتي ما زال حيا؟ وهذا يدل على سحر آلة الكذب الكيزانية التي تحب من تشاء، وتميت من تشاء وتقنع المغيبين بذلك! فما بالك بمواطن تنهال عليه الأكاذيب المدروسة من كل حدب وصوب، سيكولوجية الجماهير عموما أنها تكره من يقول لها الحقيقة المرة، وتعشق من يخدرها بالأكاذيب التي ترغب في تصديقها، ولذلك فإن الاستثمار في عواطف الجماهير وقت الأزمات مربح سياسيا، ولكن ما العمل؟ هل نسكت عن قول الحقيقة؟ هل ننزل إلى حلبة الزار ونطط، وننقز مجاملة لحالة فرح مؤسس على الكذب عشان الجماهير ما تزعل وعشان الاستثمار السياسي للمجرمين ينجح؟
المضحك المبكي لما يجي كوز محتال يقدم لك المواعظ حول احترام حق الشعب في الفرح، في حين أن هذا الكوز المأفون هو من سلب من الشعب حق الحياة، إذ أشعل حربا حرمت الناس من الحياة بالقتل، ومن العيش الكريم في بيوتهم وداخل وطنهم، طبعا المعلوف سيقول لك الجنجويد هم من فعلوا ذلك، ولكنه لن يسمح لك بطرح السؤال لماذا هناك جنجويد أصلا؟ من الذي صنع هذا الكيان العسكري، وجعله موازيا للجيش، وبناه من موارد الدولة، ومن مال دافع الضرائب السوداني؟ أليس هو نظام الكيزان! وما هو السبب الذي جعل هناك حاجة ماسة لوجود قوات الدعم السريع؟ أليس هو فشل الجيش في في قتال الحركات المسلحة التي كانت تهدد سلطة الكيزان وبدلا من حل مشكلتها سياسيا أرادوا سحقها عسكريا، فسلطوا عليها الجنجويد! والآن انقلب السحر على الساحر من كل النواحي!
عندما يواجه البشر كارثة كبرى مثل حربنا هذه، لن ينجحوا في النجاة منها إلا بالتتبع العقلاني لأسبابها الجذرية لضمان عدم تكرارها، نتفهم تماما شوق المواطن العادي إلى العودة إلى بيته، ولكنه لن يعود إلى بيته، دون أن يعرف ويعقل السبب الذي أخرجه من بيته!
أنت يا مواطن خرجت من بيتك بسبب حرب بين جيشين استنزفا مواردك وثروتك القومية بحجة أنهما يوفران لك الحماية، ولكن الجيشين تمردا على وظيفتهما أي الحماية وطمعا في السلطة السياسية، وفي النهاية نشأ بينهما صراع على السلطة تحول إلى حرب طاحنة تسببت في قتلك وتمزيق أوصالك وتجويعك وإذلالك وطردك من بيتك ثم من وطنك!
لو عاقل لن يفرحك شيء سوى توقف هذه الحرب وإعلان طرفيها الالتزام بالحل السلمي التفاوضي.
السلام فقط هو الذي سيضمن عودتك إلى بيتك!
الرهان على أن الجيش هو الذي سيعيدك إلى بيتك عبر انتصار حاسم يقضي على آخر جنجويدي هو مجرد علف للأسباب التالية:
الإصرار على رفض التفاوض، وعلى الحسم العسكري معناه استمرار الحرب طويلا، انتصار هنا وهزيمة هناك، استلام مدينة وفقدان أخرى،AA وفي ظل الحرب بداهة لن يعود أحد قريبا.
ومن زاوية أخرى استمرار الحرب سيترتب عليه دمار شامل، والأبواق الكيزانية أكثر من مرة طالبت بتسوية المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع بالأرض عن طريق الطيران وعدم التردد، حتى لو مات كل المواطنين ومعنى ذلك أنك يا مواطن لن تعود إلى بيتك، بل ستعود إلى الأنقاض وأكوام التراب وتحتها جثث القتلى!
ممكن يا مواطن تشرح لنا ما هو السبب الموضوعي الذي يجعلك مصابا بام فريحانة في مثل هذا الواقع البائس؟
الوسومرشا عوضالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: رشا عوض
إقرأ أيضاً:
السودان .. سيطرة الجيش على الخرطوم بداية لـ «الاستقرار» أم استمرار لـ «الحرب»
و سط الدمار و الدموع استقبلت الحجة رقية و هي سيدة ستينية من سكان العاصمة الخرطوم نبأ سيطرة الجيش السوداني على المدينة بمزيج من الفرح و القلق بعد أشهر من العزلة و الرعب و بدأت هذه اللحظة بالنسبة لها كأنها نهاية كابوس طويل لكنها في الوقت ذاته مثلت بداية لأسئلة جديدة حول المستقبل.
التغيير – فتح الرحمن حمودة
ما عاشته الحجة رقية يعكس مشاعر العديد من سكان الخرطوم الذين وجدوا أنفسهم بين الأمل في استعادة الحياة الطبيعية و الخوف من أن تكون السيطرة العسكرية مجرد فصل آخر من فصول الأزمة المستمرة في البلاد .
و منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 أصبحت البلاد مسرحا لصراع معقد بين الجيش السوداني و قوات الدعم السريع و تحول النزاع إلى حرب استنزاف أرهقت البلاد و أدت إلى دمار واسع النطاق خاصة في العاصمة الخرطوم حيث تسببت المعارك في انهيار مؤسسات الدولة و انهيار البنية التحتية و نزوح الملايين فضلا عن أزمة إنسانية خانقة.
و يقول الصحفي و المحلل السياسي محمد سعيد أن الصراعات الداخلية بين الأطراف المتقاتلة و خاصة داخل الجيش تؤثر بشكل مباشر على الوضع الأمني و يضيف في حديثه لـ ” التغيير” بأن تعدد الجماعات المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش قد يؤدي إلى توترات داخل العاصمة الخرطوم حيث يسعى كل طرف للحصول على نصيبه من المكاسب السياسة و حصته في السلطة .
و يرى سعيد أن المتغيرات أصبحت تصب في مصلحة الجيش ما يمنحه موقفا تفاوضيا اقوى خاصة بعد إحكام سيطرته الميدانية على العاصمة و ويرى أن الجيش نجح في إيصال الحرب إلى مرحلة التفاوض و هو الهدف الذي يسعى إليه منذ البداية بحسب رائه .
و طوال الفترات الماضية حاولت وساطات إقليمية و دولية مثل منبر جدة التوصل إلى حلول سلمية لكنها باءت بالفشل بسبب تمسك كل طرف بمطالبه و سعيه لتعزيز مواقعه الميدانية قبل الدخول في أي تفاوض جاد .
ويرى الصحفي و المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ أن الجيش قد يجد نفسه في موقف أقوى للتفاوض و يشير إلى أن هناك تعقيدات داخلية قائلا في حديثه لـ ” التغيير ” أن هناك تيارات مختلفة داخل الجيش و التحالفات التي تدعمه بدءا من الإسلاميين الذين يسعون لاستعادة نفوذهم بالكامل مرورا بالحركات المسلحة التي تبحث عن مكاسب سياسية وصولا إلى القيادة العسكرية التي تريد السلطة المطلقة و يقول إن هذه التباينات قد تعرقل أي مسار سياسي حقيقي .
و يضيف أبو الجوخ أن الاستقرار في الخرطوم لا يعني نهاية الحرب حيث لا تزال هناك تهديدات قائمة مثل القصف المدفعي و الطائرات المسيرة فضلا عن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي تجعل أي استقرار حقيقي مرهونا بوقف شامل للحرب .
و إلى جانب التحديات السياسية تواجه الخرطوم واقعا امنيا معقدا بسبب الانقسامات داخل القوات التي قاتلت إلى جانب الجيش فهناك فصائل مسلحة متعددة بعضها ينتمي إلى حركات دارفور و أخرى مرتبطة بالإسلاميين بالإضافة إلى مليشيات محلية مثل “درع السودان” و كل منها له أجندته الخاصة .
و يعتقد المحلل السياسي عبدالله رزق أن الجيش لن يتخلى عن الحكم بسهولة قائلا في حديثه لـ ” التغيير ” إن الجيش يسعى للهيمنة على المرحلة الإنتقالية حتى تسليم السلطة لحكومة منتخبة وفق شروطه و يقول بأنه أمر قد يعطل أي تسوية سياسية شاملة، في المقابل قوات الدعم السريع تسعى لفرض واقع أشبه بحل الدولتين حيث تبني مناطق نفوذ خاصة بها مما يزيد من تعقيدات المشهد .
و لكن يقول الصحفي و المحلل السياسي شوقي عبدالعظيم لـ ” التغيير” أنه بعد تحقيق الجيش لأي تقدم عسكري سيجد نفسه أمام تحديات سياسية و اقتصادية لأن الحركات المسلحة التي تقاتل معه لديها مطالبها و الأسلاميون الذين دعموا الجيش لديهم أجنداتهم أيضا، و يضيف بأن هذا قد يؤدي إلى صراعات داخلية بين الفصائل نفسها مما قد يعرقل أي استقرار دائم .
و ينظر بعض المحللين السياسين إلى أن السيطرة العسكرية على الخرطوم تمثل انتصارا سياسيا و معنويا كبيرا للجيش و لكنها لا تعني بالضرورة نهاية الحرب أو بداية الحل السياسي بين الاطراف المتقاتلة معتقدين أن التصعيد العسكري يقلل فرص الحلول السياسية لأن كل طرف يسعى إلى تحسين موقفه التفاوضي من خلال تحقيق مكاسب ميدانية .
و يجد سكان الخرطوم أنفسهم في انتظار ما ستؤول إليه الأحداث، وفي الوقت الذي يعلن فيه الجيش عن استعادة السيطرة و عودة الحياة لا تزال هناك تحديات كبيرة تعيق تحقيق الاستقرار الحقيقي أبرزها استمرار النزاع و الانقسامات الداخلية و الأوضاع الأقتصادية المتدهورة كما لا يزال السؤال مطروحا هل تعني السيطرة على الخرطوم بداية الاستقرار أم مجرد محطة في حرب لم تنتهِ بعد ؟.
الوسومالجيش الخرطوم الدعم السريع السيطرة