لجريدة عمان:
2025-03-20@18:20:53 GMT

إنّه ليس ثأرك وحدك!

تاريخ النشر: 29th, September 2024 GMT

الشتائم البغيضة، تحريضُ انتماءات مذهبية على أخرى، قيح الجرح القديم الذي تنمو عليه جرثومة موتنا كل مرّة، الخطاب المثبط للهمّة في وقت حساس كهذا، اللغة التي تشيع الفرقة، وتقضي على مشتركاتنا العربية الإسلامية، كلها أسباب تجعل العدو يفتُّ عضد لحمتنا الواهي بيسر وخفة.

فنحنُ نعيد قصّ حكايات مُحملة بالبغضاء والكراهية والتشويه، تهيمن عليها الانحيازات العنيفة، فننشغلُ بعضنا ببعض عوض أن ننشغل بالوحوش الضارية التي تغرسُ مخالبها في أوردتنا فتنزُّ دما، وكأننا لا نفعلُ أكثر من إعادة إنتاج الخذلان، دون أن نسترشد بسمات الوعي الجديد.

الآخر لا يرانا مذاهب متعددة، يرانا أضحية جديرة بالموت والفناء، وكأنّ جراحنا المُلتهبة تستنهضُ وحوش الأساطير القديمة التي لا ينضب سيلان جوعها الاستعماري الاستحواذي الاستيطاني، فلا يُراد لأصوات مُعتدلة أن تبزغ إلى أن ينهشنا الخراب في أعمق نقطة من وجودنا.

إنّنا إزاء نسخة شديدة الشحوب عنّا كعرب ومسلمين، لكن لا يمكن لتشاؤمنا أيضا ألا يجعلنا ندرك الديناميكية الجديدة التي تعتمل في المياه الباطنية، تلك النزعة المُغايرة التي تلهثُ لاستبصار ملمح عصي في منعطف حاد، رغم ما يُدفع من موت ودموع.

في مقال للكاتب جورج أورويل بعنوان: "السياسة واللغة الإنجليزية" يقولُ شيئا يُعبر عن لحظتنا الراهنة: "اللغة المستخدمة في السياسة ترمي إلى أن تكسو الأكاذيب ثوب الصدق، فتجعل القتل العمد جديرا بالاحترام"، فانكشاف قصّة زيف الإعلام الغربي بعد أن قدّم نفسه كمالك أوحد للحقيقة، بعثر مسلمات عدّة، فاخترقت الصورة التي تخرج من فلسطين أو اليمن أو سورية أو السودان أو لبنان، اخترقت العالم كرصاصة، فجعلته مذهولا غير مُصدق.

أليس الأولى بنا أن نغادر نحن أيضا أوحال خلافاتنا منتهية الصلاحية؟ لصالح تنمية هويتنا المشتركة في هذه اللحظة التاريخية؟

البشرية منذ الأزل مجبولة على التحيز، تجاه جماعة ما أو لون أو عادات أو أفكار، وقد تكون هذه التحيزات ضيقة ومحدودة، أو أكثر امتدادًا مما نظن، ظاهرة وبارزة أو مضمرة ومتغلغلة، ولذا فقد تمّ اللعب على نسيج وعينا بخرافة الفرقة، فاخترعوا لنا الأعداء من تاريخنا وبثوا فيهم الحياة، جعلوهم أكثر وضوحا مما كانوا عليه في عصورهم ربما! جعلوهم أكثر قتامة وغلوا.

هل لنا أن نتصور أننا اليوم وعبر التقنيات الحديثة نتقاتل بفجاجة وصخب وشتائم حول خلافات شخصيات مضت منذ قرن ونصف؟ بل إننا على استعداد لكيل تهم التكفير، وبث الترويع لخلافات مرّت عليها دواليب الزمن الثقيلة!

إنّ عدم مغادرتنا لذلك الماضي، عدم استقرائنا له وتفنيده، هو ما يمنع ولوجنا لعصرنا الجديد -كما ذهبت العديد من الآراء- هو ما يجعل العدو يضع قدما على أخرى مُتفرجا على انشغالنا المريض ببعضنا، كأمّة تتفتتُ من داخلها دون حول أو قوة! والتبرير الذي قد ينتهجه بعضنا يُعمي بصيرتنا عن إدراك مصدر الشرور، فلا يلوح لنا أي مهرب أو مفر!

لسنا الآن في حاجة لجدل مجاني، من منا المصيب ومن منا المخطئ، أمام سيناريوهات الموت البشعة، لا سيما أن مخالب العدو في أشد صورها وضوحا وفتكا. يكفي الآن أن نرى العدوان عدوانا وأن نمنع وقوع المزيد من الظلم بالشعوب المسحوقة منذ عقود.

إنّ كل أفكارنا تصوراتنا عن أنفسنا وكياننا باتت على المحك لاختبارها واقعيا في ظل هذه الكارثة التي تحيق بوطننا العربي، وعلى معدننا الأصيل أن يُظهر أفضل سماته، كيلا نُفوت على أنفسنا فرصة الإمساك بزمام مجتمعنا الجامح، لترويض هيجانه الذي يُحولنا إلى مسوخ تنخرها المادة الإعلامية المزيفة التي تتلفُ آخر ما بيننا من مشتركات.

وكما يقول أمل دنقل: "إنّه ليس ثأرك وحدك، لكنه ثأر جيل فجيل، وغدا سوف يُولد من يلبس الدرع كاملة، ويُوقد النار شاملة، يطلبُ الثأر، يستولدُ الحق من أضلع المستحيل".

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

رهام سلامة: الأزهر الشريف بريء من جرائم إسرائيل.. ونحارب التطرف الديني

قالت الدكتورة رهام سلامة، مديرة مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، إن الحرب على غزة أكدت أهمية مقاومة الأكاذيب والإشاعات التي روجها الإعلام الصهيوني، وهو التصدي لما ينشر من أكاذيب، قائلةً: "في عام 2018، نظم الأزهر الشريف مؤتمرًا عالميًا، وكانت هناك جهات عالمية مختلفة تتحدث عن الإرهاب أو رجال الدين اليهودي، لأننا نفرق دائمًا بين الصهيونية واليهودية، لأن الأديان لم تدعوا إلى شيء يدعو للقتال والحرب، بل تدعو إلى السلام والمحبة".

وتابعت رهام سلامة خلال مداخلة تلفزيونية في برنامج «إحنا لبعض» مع الإعلامية نهال طايل عبر قناة صدى البلد، قائلةً: «الأديان السماوية ضد الإرهاب الصهيوني والانتهاك الذي يقومون به مع أهالي غزة، والأزهر الشريف دائمًا ما ينادي بأنه بريء من أفعالهم، وهدف المؤتمر أيضًا أننا كنا ننادي برفض هذه الأكاذيب وهذا التطرف الصهيوني، من خلال المصادر المكتوبة باللغة العبرية التي كانوا يكتبون بها، ونحن أنشأنا وحدة لرصد اللغة العبرية لتكذيب ما يقولونه».

وأشارت رهام سلامة، إلى أن معظم المسلمين في العالم لا يتحدثون اللغة العربية، وبالتالي عندما يحتاجون للوصول إلى المعلومة، يأخذونها من المصدر نفسه، فإذا لم يكونوا ملمين باللغة العربية، ويفتقدون للغة الصحيحة أو الآراء التي يكون بها رحمه، فعليهم بالرجوع لنا.

اقرأ أيضاًوظائف الأزهر الشريف 2025.. موعد وطريقة التقديم

بمناسبة مرور 1085 عاما على تأسيسه.. .محافظ القاهرة يؤدى شعائر صلاة الجمعة بجامع الأزهر الشريف

محافظ قنا يشهد احتفال الأزهر الشريف بذكرى تأسيسه ويشيد بدوره في نشر الوسطية

مقالات مشابهة

  • نيشان: قدوتي في الإعلام رياض شرارة وإتقان اللغة العربية انتصار
  • العدو الإسرائيلي يخطر بهدم أكثر من 60 منزلا في مخيم جنين
  • زينة لـ"البوابة نيوز": مشهد مرض ابنتي من أكثر المشاهد التي أثرت في الجمهور
  • تفاصيل مسابقة تعيين 25 ألف معلم مساعد 2025 | الشروط والأوراق المطلوبة
  • هل لحوم الأبقار التي تتغذى على العشب أكثر استدامة بيئيًا؟ دراسة جديدة تكشف الإجابة
  • قرار عاجل بشأن تجهيزات امتحانات الثانوية العامة 2025
  • جامعة الإمام تعلن عن وظائف أكاديمية بنظام التعاقد
  • رهام سلامة: الأزهر الشريف بريء من جرائم إسرائيل.. ونحارب التطرف الديني
  • مواصفات امتحانات الثانوية العامة النظام الجديد
  • بمجموع مختلف ومواد أكثر.. السماح لهؤلاء الطلاب بأداء امتحانات الثانوية العامة بالنظام القديم