الأسباب الخلفية لمعركة طاعة المرأة زوجها.. صراع على السلطة؟
تاريخ النشر: 29th, September 2024 GMT
في 22 مارس/آذار 2019، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "إن جوهر مشكلة عدم تحقيق المساواة بين الجنسين هو الصراع على السلطة"، وأضاف وهو يتعهّد بمواصلة "الدفاع عن مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة داخل منظومة الأمم المتحدة"، قائلا "لقد تمّ تهميش النساء بشكل منظّم وتم تجاهلهن وإسكات أصواتهن في عالم يخضع لسيطرة الذكور".
وفي مقالة كتبها في الثاني من مارس/آذار 2020 بعنوان "التفاوت بين الجنسين في السلطة"، يقول غوتيريش أيضا "في كل مكان، نرى المرأة أسوأ حالا من الرجل، لا لسبب سوى أنها امرأة، بل إن واقع نساء الأقليات والمسنات وذوات الإعاقة والمهاجرات واللاجئات أسوأ من ذلك".
وبينما شهدنا تقدما هائلا في مجال حقوق المرأة على مدى العقود الأخيرة، بدءا بإلغاء القوانين التمييزية ووصولا إلى زيادة أعداد الفتيات الملتحقات بالمدارس، نواجه الآن مدا معاكسا قويا. إذ يجري في بعض البلدان تخفيف أشكال الحماية القانونية من الاغتصاب والعنف المنزلي، في حين تشهد بلدان أخرى اعتماد سياسات مناوئة للمرأة، تتراوح بين التقشف والإنجاب القسري. ويحدق التهديد من كل جانب بالحقوق الجنسية والإنجابية للمرأة.
وليس مرد كل ذلك سوى أن مسألة المساواة بين الجنسين هي مسألة سلطة من حيث الجوهر. فقد أدى التمييز والسلطة الأبوية المتجذرة على مدى قرون من الزمن إلى نشوء فجوة واسعة بين الجنسين في السلطة على صعيد الاقتصادات والنظم السياسية والمؤسسات التجارية. ويلمس الدليل على ذلك في جميع المستويات.
لا يفتأ رأس المنظمة الأممية الأكبر في العالم يذكّر في كل مناسبة يتحدّث فيها عن المرأة، ويسوق فيها أسباب ما تتعرّض لها من ظلم تتعدّد أسبابه بطبيعة الحال، أن يردّ ذلك إلى الصّراع على السلطة بين الرّجل والمرأة.
إنّ الضخ الدائم لفكرة أن جوهر العلاقة بين الرجل والمرأة هو صراعٌ على السلطة جعل المنطق الصراعي منطقًا سائدا في تحديد العلاقة بين الجنسين من جهة، وأذكى فكرة الصراع على سلطة أيّ مؤسسة يجتمع فيها الرجل والمرأة من جهة أخرى، وأهمّ مؤسسة يجتمع فيها رجل وامرأة في الإشراف عليها ورعايتها هي الأسرة، فغدت فكرة الصراع على رئاسة الأسرة طاغية وتدفع المرأة إلى رفض فكرة طاعة المرأة زوجها داخل كيان الأسرة من حيث أصل الفكرة وتطبيقاتها.
ومن هنا جاءت التعليمات للدول المختلفة من الأمم المتحدة للعمل على ما أسمته "تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة"، مما يعني رفض التشريعات الدينية التي تصفها الأمم المتحدة بالمتحيزة كونها تخالف المعيار الليبرالي للمساواة بين الرجل والمرأة، وقد جاء في المادة الخامسة من "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة" التي اعتمدتها الأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأوّل 1979:
"تتخذ الدول الأطراف جميع التّدابير المناسبة لتحقيق ما يلي:
أ. تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على الاعتقاد بكون أي من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة"
وهذا فعلًا ما عملت عليه كثيرٌ من الدول في مناهجها التعليمية ووسائلها الإعلامية على مدى أكثر من 40 سنة ماضية ولا يزال مستمرا، ممّا أنتج تصورا عند شرائح لا يستهان بها من الأجيال المسلمة حول مفهوم المساواة، وأن الحديث عن طاعة المرأة زوجها يتناقض مع هذه المساواة، إضافة إلى ما ثمّ تحميله للمفهوم من معاني الاستبداد الذكوري والتحيز الجندري.
وهذا الإذكاء الصراعيّ بين الرجل والمرأة يرده المفكر الراحل عبد الوهاب المسيري إلى النموذج المادي الغربي الذي يرى أنه انتقل بالإنسان عبر مراحل متعددة، فبدأ من التمركز حول الإنسان، ثم انتقل إلى التمركز العنصري حول جنس أو عرق بعينه، وهذا الجنس هو الأوروبي في حال الاستعمار، لتنشأ من بعدها حركات تمتاز بنظرتها العنصرية تجاه الآخر، كالفاشية والنازية. ثم يصل المسيري إلى وضع "الفيمنيزم" في الإطار نفسه والمنظومة ذاتها، وهي عنده حركة تدعو للتمركز حول الأنثى في عداء مع الذكر وصراع بين المرأة والرّجل، وهو السياق الذي يرى المسيري أنه يحقّر من دورها الأسري ويضرب بقيمته عرض الحائط.
ولعل أبلغ تعبير عن هذه العلاقة الصراعية ما قالته سيمون دي بوفوار "ستظلّ المرأة مستعبدة حتى يتمّ القضاء على خرافة الأسرة وخرافة الأمومة والغريزة الأبوية"، وهو يعبّر عن ارتكاز الحركة النسوية في عمومها على فكرة الثورة على الأسرة، مما يستلزم الثورة على الرجل نفسه تحت شعارات التحرر من الاستعباد، وأن وصف العلاقة بين الرجل والمرأة داخل إطار الأسرة بأنّها استعباد هو دعوة للانقلاب على هذه العلاقة، والصراع على نظام السلطة في الأسرة، مما يؤدي إلى تقويض الأسرة وهدمها.
إن مفهوم الطاعة داخل الأسرة قائم على أساس المساواة في الكرامة الإسلامية بين الرجل والمرأة وتوزيع الاختصاصات التنفيذية داخل الأسرة بطريقة تحقق التكامل بين الرجل والمرأة، فسلطة الرجل داخل الأسرة هي سلطة تنفيذيّة وسلطة شورية، وليست سلطة تشريفية له بوصفه رجلا، ولا سلطة استبدادية منطلقة من وصف الذكورة.
والحفاظ على طبيعة العلاقة المؤسسية الراشدة هو الذي يضمن الاستقرار النفسي والتوازن داخل الأسرة، مما يساعدها على تحقيق الغاية المرجوة منها وهي بناء الإنسان الراشد القادر على إعمار الكون والقيام بمهمة الخلافة في الأرض.
وفي هذا الإطار يقول المفكر والزعيم الإسلامي علي عزت بيغوفيتش "المرأة والرجل هما الخلية الأساسية للعالم والحياة، ولا تستطيع الثورات، ولا تبدل الإمبراطوريات، ولا تبدل القوانين التي تحكم مصالح العالم، ولا تبدل القائمين على تلك المصالح، لا تستطيع أن تغير الحياة الواقعية ما لم تغير العلاقة بين الرجل والمرأة، والعكس صحيح، فأقل تغير في هذا العنصر الأساسي للحياة يؤدي إلى انقلاب كلي شامل.. فتاريخ العلاقة بينهما يمكن اعتباره نوعًا من الميتافيزيقا".
وفي سياق تفكيك هذا الوهم الثوري وتبيين الآثار الخطيرة لفكرة الصراع بين الرجل والمرأة، تقول الدكتورة هبة رؤوف عزت "بسقوط الأم والزوجة تسقط الأسرة ويتراجع الجوهر الإنساني المشترك، ويصبح لكلّ مصلحة خاصة، مما يقلص من مساحة التعاون المشترك بين أفراد تلك الأسرة شيئًا فشيئا حتى تندثر تمامًا، تاركةً إيّاهم في مواجهة فردية مع الحياة".
وعندما نتحدث عن النّموذج الذي عاش في الكنف النبوي للمرأة المسلمة، فإن خديجة رضي الله عنها تمثّل النموذج الأبرز للمرأة التي كانت تعيش سلطةً من نوع خاص قبل الزواج برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي الشريفة في قومها والسيدة المطاعة فيهم، وهي التاجرة الثرية التي يعمل عندها الرجال في مالها إجارة حينًا وشراكة أحيانا، وحين تزوجت برسول الله صلى الله عليه وسلم لم تخض أي نوع من الصراع على السلطة داخل هذه الأسرة، رغم أن حياتها قبل هذا الزواج تغري وتدفع إلى استصحاب السلطة التي تتمتع بها اجتماعيا واقتصاديا إلى داخل المحضن الأسري، غير أنّها ضربت المثل الأعلى في الطاعة الزوجية القائمة على الشورية في التفاعل مع صاحب السلطة الأسرية وعدم منازعته الأمر، فكانت العلاقة الثنائية بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم تمثّل النموذج العملي لتعاليم الإسلام المتعلقة بالطاعة الأسرية وطبيعتها وماهيتها ومفهومها.
ولك أن تقرأ هذه القطعة من حديث بدء الوحي عندما نزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلا عليه أول ما بدأ من الوحي، فرجع الرسول عليه الصلاة والسلام إلى خديجة مرتجفا يلجأ لها ويشاورها في أمره ويعبر عن مخاوفه لها، كما عند البخاري في صحيحه: "فرَجعَ بهَا تَرْجف بَوادِرُه، حتى دخل على خديجة، فقال: زمِّلوني زمّلونِي، فزَمَّلوه حتى ذَهب عنْه الرّوْع، فقال: يا خديجة، ما لي؟ وأخبرها الخبرَ، وقال: وقال: قد خشيت على نفسي، فقالت له: كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وهو ابن عم خديجة؛ أخو أبيها، وكان امرؤ تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: أي ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال ورقة: ابن أخي، ماذا ترى؟".
هنا نرى أن مفهوم طاعة المرأة زوجها لا يتناقض على الإطلاق مع أن تكون المرأة هي الملجأ الذي يؤوي إليه الرجل لتزول مخاوفه ويشعر بالسكينة والطمأنينة، بل لا يتعارض مع أن تأخذ بيده إلى ما ترى فيه علاجًا ناجعا لأي موقف طارئ يقع فيه أو مأزق يوتره ويتعبه.
فتصوير الطاعة بأنّها تقوم على جعل المرأة رقيقا مستعبدا داخل الأسرة هو نوع من التثوير التهييجي القائم على جهل بمفهوم الطاعة الذي أقره الإسلام وأمر به، أو تجاهل متعمد لا يثمر إلّا إلقاءً للأسرة كلّها في محرقة المعركة الصفريّة التي ستقضي على ذات وكيان المرأة كما تقضي على الرجل والأبناء جميعًا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الله صلى الله علیه وسلم بین الرجل والمرأة الأمم المتحدة بین الجنسین العلاقة بین داخل الأسرة الصراع على على السلطة
إقرأ أيضاً:
«غدر واستدراج».. محامي ميار نبيل يكشف تفاصيل جديدة عن أزمتها مع زوجها في الإمارات
كشف محمود سامي الشامي محامي الدفاع عن ميار نبيل الضحية من الإسكندرية، التي تعرضت للاعتداء من قبل زوجها في الإمارات عن تفاصيل جديدة بشأن الخلافات الزوجية ومسار القضايا التي رفعتها موكلته داخل مصر وخارجها قبل واقعة الاعتداء التي تصدرت مواقع التواصل خلال الساعات الماضية.
وأوضح الشامي، أن موكلته كانت قد تقدمت بدعاوى نفقة زوجية وتبديد منقولات ضد زوجها داخل مصر، وبعد دراسة شاملة لملف القضية تبين أن مصلحة الضحية تستوجب رفع بعض الدعاوى في القاهرة، بينما يتم رفع قضايا أخرى داخل الإمارات مكان إقامة الزوج الذي يعمل محاسبا بإحدى الشركات الكبرى ويتقاضى راتبا مرتفعا كان من المفترض أن يوفر من خلاله نفقة مناسبة لزوجته وابنتهما وأشار إلى أنه تم توجيه ميار للسفر إلى الإمارات لتحريك الدعوى هناك بالتعاون مع فريق محامين داخل الدولة.
وأضاف أن ميار كانت تعيش مع زوجها داخل الإمارات قبل أن يطلب منها العودة إلى مصر بحجة انتهاء العلاقة الزوجية لتتفاجأ بعد ذلك بحرمانها من حقوقها وإغلاق الأبواب أمامها وعقب عودتها مرة أخرى إلى الإمارات تقدمت بشكوى رسمية وتم تحديد جلسة تسوية إلكترونية حضرها الزوج ووافق خلالها على اتفاق رسمي بدفع نفقة شهرية قدرها 2000 درهم مع التعهد بتحسين معاملته لها.
وأشار المحامي إلى أنه بعد جلسة التسوية اصطحب الزوج زوجته إلى المنزل وأبدى تعاملا طيبا لإقناعها بالسفر معه إلى مصر لقضاء إجازة مدفوعة وزيارة أسرته، إلا أن المكتب القانوني نصحها بعدم السفر لوجود شكوك حول نواياه وبعد رفضها مغادرة الإمارات اعتدى عليها الزوج وألحق بها أضراراً نفسية ومادية، حيث فصل عنها خدمات الكهرباء والمياه والإنترنت وتركها مع طفلتها دون طعام أو مال وتم توثيق ذلك في فيديو متداول يظهر فيه الزوج وهو يحاصرها ويمنعها من الخروج ما دفعها للاستنجاد بالجيران ثم التوجه إلى قسم الشرطة وتحرير محضر طرد بدأت بناء عليه الإجراءات الجنائية.
كما كشف المحامي أن الخلافات بين الطرفين تضمنت إصرار الزوج على تربية كلب ضخم داخل الشقة رغم اعتراض ميار وخوفها على طفلتهما الرضيعة، مضيفا أن الزوج نشر صورة للكلب عبر حسابه وعلق عليها قائلا عشرة الكلب أفضل من عشرة الزوجة كما تبين لاحقا أن الزوج يكبرها بعشر سنوات خلافا لما قاله خلال فترة الخطبة.
وأكد الشامي أن السلطات المصرية والإماراتية تتابع الواقعة منذ انتشار الفيديو وأن مجلس الوزراء المصري ووزارة الخارجية وتنسيق القنصلية الإماراتية قدموا لميار الدعم اللازم بعد خروجها من منزل الزوج مضيفا أن الأيام القادمة ستشهد بدء تحريك الدعوى الجنائية في الإمارات وتفعيل حكم النفقة سواء داخل الدولة أو بتذييله بالصيغة التنفيذية في مصر بالإضافة إلى متابعة قضية تبديد المنقولات أمام المحاكم المصرية.
واختتم موضحاً أن موكلته لم تفتعل الأزمة وأن تصرفاتها جاءت وفقا لحقوقها القانونية والشرعية، مؤكداً أنها لا تطلب سوى حياة كريمة لها ولطفلتها.
الجدير بالذكر أن ميار نبيل كانت قد نشرت استغاثة عبر صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي أكدت فيها تعرضها لما وصفته بالغدر وتركها دون نفقات من جانب زوجها، مشيرة إلى أنها لحقت به إلى الإمارات بعد الزواج لتواجه معه مشكلات مستمرة تفاقمت بعد ولادة طفلتهما، وأكدت أنها تقدمت بعدة دعاوى نفقة وأن زوجها تعهد بالإنفاق عليها قبل أن يغلق عليها الغرفة التي تحتوي على الحمام وأغراضها ويقطع الخدمات عن الشقة قبل سفره دون إخطارها.