سراييفو- في بناية عريقة من طراز الإمبراطورية النمساوية المجرية في قلب العاصمة البوسنية يقع مقر "مسرح حرب سراييفو" الذي تأسس منتصف عام 1992 بمبادرة من مسرحيين كبار أثناء حصار سراييفو في التسعينيات، واستمر طوال فترة الحرب الدامية شاهدا على دور الثقافة التنويري في وجه الدمار.

نشأ المسرح وتطور مع بداية الحصار، ورغم توقف الحياة الثقافية في سراييفو آنذاك بشكل شبه كامل، فإن مجموعة من الفنانين المسرحيين قرروا مواجهة هذا الواقع القاسي بإنشاء مسرح تجريبي مؤقت، وسرعان ما تحول هذا المشروع إلى منصة مهمة لعرض الأعمال المناهضة للحرب، والتي غالبا ما كان يخرجها طلاب أكاديمية الفنون المسرحية.

وفي مطلع عام 1993، اعترفت مدينة سراييفو رسميا بالمسرح كمؤسسة عامة ذات أهمية خاصة للدفاع عن المدينة، ووصفه المدير المؤسس، سافيت بلاكالو، للمسرح بأنه "سلاح سراييفو الروحي ضد سريالية الحرب"، ملخصا رسالته في شعار "المسرح ضد الموت".

وقدم المسرح أعمالا مؤثرة خلال فترة الحصار، أبرزها مسرحية "الملجأ" التي عرضت لأول مرة في سبتمبر/أيلول 1992 وشارك فيه نخبة من الممثلين البوسنيين، وعُرض 97 مرة خلال الحصار مكتسبا رمزية ومكانة استثنائية، وكان مسرح سراييفو أول مسرح بوسني يغادر البلاد أثناء الحرب ليعرض إنتاجاته في الخارج، حيث شارك في مهرجان أفينيون الفرنسي عام 1994.

View this post on Instagram

A post shared by Sarajevski ratni teatar SARTR (@sartr_sarajevo)

وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، واصل المسرح نشاطه كمؤسسة ثقافية ناشئة. وفي عام 1997، تم دمجه كمؤسسة عامة في "كانتون سراييفو" بقيادة جيل جديد من المحترفين الشباب، وشهد المسرح توسعا في برامجه، مما زاد من شعبيته ووصوله للجمهور ورغم الموارد المحدودة، نجح المسرح في تحقيق نجاحات محلية ودولية، مع عدد من الإنتاجات المشتركة والجوائز الدولية.

وزارت الجزيرة نت مقر المسرح، والتقت مع مديره نهاد كريسيلاكوفيتش الذي ولد في سراييفو أثناء فترة جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية، وكان جده حمديجا كريسيلاكوفيتش مؤرخا بوسنيا مشهورا، وكان والده محمد كريسيلاكوفيتش عمدة سراييفو أثناء الحرب، والتحق نهاد بكلية الفلسفة بجامعة سراييفو حيث درس التاريخ، ودرس أيضا الأدب المقارن وعمل منتجا لمهرجان "ميس" (MESS) المسرحي الدولي، قبل أن يتم تعيينه مديرا للمهرجان.

وفي عام 2011 أسس شركة إنتاج للأفلام الوثائقية، وحصل على جائزة "كاريوس"، وفي عام 2012 تم تعيينه مديرا لمسرح حرب سراييفو، فإلى الحوار:

سررنا بلقائك في مهرجان الجزيرة بلقان السابع للأفلام الوثائقية، ونريد أن نسمع منك القصة التاريخية للمسرح الفريد من نوعه عالميا

أنا "نهاد كريسيلاكوفيتش" مدير المهرجان المسرحي الدولي "ميس" (MESS) في البوسنة، وهو أحد أقدم المهرجانات المسرحية في هذا الجزء من أوروبا، في جنوب شرق أوروبا، والذي تأسس في الستينيات. فلن ترى أحدا في مكتبنا أكبر عمرا من المهرجان.

وكان للمهرجان 3 مراحل بدأها في الستينيات، ثم كانت المرحلة الثانية أثناء الحرب حيث لم نتمكن من تنظيم مهرجان المسرح، لكننا قدمنا ​​برامج مختلفة. على سبيل المثال، كنا ننتج عروضا مسرحية مختلفة مثل أعمال المخرجة والروائية الأميركية سوزان سونتاغ، وعروض المخرج بيتر شومان، بالإضافة إلى عروض المخرجين البوسنيين.

وكانت هذه الفترة مهمة جدا، لأنه في تلك الفترة بدأنا أيضا برنامجا جديدا يسمى نموذج الذاكرة، الذي يتعامل مع آثار الحرب، وما زلنا حتى اليوم ننظم هذا البرنامج في كل فترة من أبريل/نيسان إلى مايو/أيار.

وبعد الحرب عام 1997، بدأنا في إعادة بناء المهرجان كمهرجان مسرحي دولي، حيث ندعو أهم فرق المسرح من جميع أنحاء العالم، لذلك في تلك السنوات الثلاثين، كان لدينا مخرجون مسرحيون مثل بوب ويلسون، وجورج تايلر، وبيتر بروك، وغيرهم من الأسماء الكبيرة.

لكننا فخورون أكثر بالأشخاص الذين لم يكونوا مخرجين مشهورين في الوقت الذي ظهروا فيه، والذين أصبحوا فيما بعد مخرجين عظماء. لذا، بالنسبة لنا، فإن مهرجان المسرح ليس مهما لنا فحسب، بل مهم كذلك لمجتمع سراييفو وشعب البوسنة.

مهرجان المسرح هو أحد أهم الأحداث المسرحية، والذي يجعل التواصل بيننا وبين العالم قويا عبر المسرح.

لديكم التزام تجاه النضال من أجل الحرية وتقدرون ظروف الشعوب المقهورة بالنظر لتجربتكم التاريخية

نعم، لقد كنا ملتزمين دوما بتمثيل أجزاء من العالم التي يكافح فيها الناس من أجل الحرية، حتى إننا لم نقدم فقط أعمالا عن فلسطين، بل أيضا عن لبنان، ودارفور، وكشمير.

نعرف تماما مدى أهمية الفن بالنسبة للبشر، فمثله مثل الطعام أو الشراب، وكنا ملتزمين دوما بتمثيل أجزاء من العالم التي يكافح فيها الناس من أجل الحرية، حتى إننا لم نقدم فقط أعمالا عن فلسطين، بل أيضا عن لبنان، ودارفور، وكشمير.

ونعرف تماما مدى أهمية الفن بالنسبة للبشر، لذلك نعتقد أن الفن مهم، فمثله مثل الطعام أو الشراب، فهو حاجة إنسانية أساسية نحتاجها في مثل هذه الظروف للبقاء طبيعيين، ومتفائلين بالحياة.

والحال في فلسطين الآن مثير للدهشة، فمشاهدة لقطات من غزة تجعلنا نرى هؤلاء الناس الذين تعرضوا لمثل هذا العدوان الوحشي، والدمار، والإبادة الجماعية، بينما لا يزال لديهم أمل في عالم أفضل، والأمل في بعض الأحيان هو أكثر أعمال المقاومة شجاعة.

سوف يبدأ مهرجان هذا العام بعرض "مترو غزة" للمخرج المسرحي الفرنسي "هيرفي لويشيمول" والذي يقدمه مسرح الحرية في مخيم جنين للاجئين

لاحظت في العديد من اللافتات في مدينة سراييفو شعار المهرجان لعام 2024 ورغم أني لم أفهم الكتابة باللغة البوسنية فقد لاحظت جيدا خريطة فلسطين واحتفاء المسرح بقضية الشعب الفلسطيني

سوف يبدأ مهرجان هذا العام بعرض "مترو غزة" للمخرج المسرحي الفرنسي "هيرفي لويشيمول" والذي يقدمه "مسرح الحرية" في مخيم جنين للاجئين بالضفة الغربية، وكان العرض رائعا. وقد تم تقديمه عام 2020.

شعار عرض مسرح الحرية الأخير "مترو غزة" (الجزيرة)

لكن بالنسبة لنا هذا مهم فمن ناحية، نرغب في إظهار اهتمامنا بهذه الأشياء التي تحدث في فلسطين. وهناك أمر آخر وهو أن هيرفي، مخرج هذا العرض، هو أحد المخرجين القلائل الذين جاؤوا إلى سراييفو أثناء الحصار، وكان يعمل مع الفنانين البوسنيين والمسرح البوسني والممثلين وممثلي الممثلين أثناء الحصار.

الفن مزيج أو توليفة ليس فقط من الجماليات، ولكن أيضا من الأخلاقيات

بالنسبة لنا، إنها قصة مهمة عن الإنسانية عن الفنانين الذين ليسوا على استعداد لقبول هذا الواقع الوحشي للعالم، ومن منظور تجربتنا الخاصة نرى حقيقة أن الفن يجب أن يكون كل هذا فهو مزيج أو توليفة ليس فقط من الجماليات، ولكن أيضا من الأخلاقيات.

وبالنسبة لنا، باعتبارنا فنانين من دون هذا الجانب الأخلاقي من العمل، فإن الفن لا يعد فنا.

من خلال خبرتنا الخاصة في سراييفو، نعتقد أنه من واجبنا أن نكون أول من يرفع صوته ضد أي نوع من الظلم في جميع أنحاء العالم.

لذا فإننا، من خلال خبرتنا الخاصة في سراييفو، نعتقد أنه من واجبنا أن نكون أول من يرفع صوته ضد أي نوع من الظلم في جميع أنحاء العالم.

فعلى سبيل المثال، في العام الماضي افتتحنا بعرض مسرحي أوكراني دعوناه من كييف.

ولا أعتقد أن الفن يمكن أن يغير أي شيء، لكن الفن يمكن أن يكونا دائما نوعا من الدعم للقضايا العادلة.

الحياة لا تتوقف والثقافة لها دور مهم خلال فترات الحرب والحصار، في سراييفو وفلسطين وغيرها

نعم، في هذا العام، تم تقديم ملصق للمهرجان، وهو عبارة عن خريطة لفلسطين.

وشعارنا في مهرجان هذا العام هو حياة لا تتوقف، وهذا يعني أنه بجانب التدمير أو الشر، لا يمكن للحياة أن تتوقف.

وأثناء حصار سراييفو، أقمنا 57 عرضا مسرحيا لأول مرة، وكان لدينا أكثر من ألفي عرض، وكان ذلك رائعا. لقد أقمنا مهرجانين سينمائيين، والعديد من المعارض، وهذا بالنسبة لنا دليل على أن الفن هو حاجة إنسانية أساسية.

ولا يتعلق الأمر فقط بعدد العروض الأولى في المسرح أو عدد الأفلام والكتب التي تُعرض، أو المهرجانات السينمائية، ولكن أهم شيء هو الجمهور، إذ كانت كل تلك الفعاليات مليئة بالناس. وفي وقت حصار سراييفو، عندما تُقرر الحضور إلى عرض مسرحي، فأنت تدرك تماما الخطر الذي قد تتعرض له أثناء الطريق إلى العرض، ورغم ذلك ما زال الناس يقررون الحضور لمشاهدة الفن.

في وقت حصار سراييفو، عندما تُقرر الحضور إلى عرض مسرحي، فأنت تدرك تماما الخطر الذي قد تتعرض له أثناء الطريق إلى العرض، ورغم ذلك ما زال الناس يقررون الحضور لمشاهدة الفن

لذا فالتحدي الأكبر بالنسبة لنا اليوم هو حماية فطرتنا، وحماية الخير فينا، وأن نبقى متفائلين. لأننا أصبحنا نفتقد الأمل والتفاؤل، وأعتقد أن الفن من ناحية، ملزم بتذكيرنا بالأشياء السيئة في المجتمع، ولكنه أيضا يمنحنا دائما الأمل بأننا ما زلنا بشرا وأننا ما زلنا نملك الحق في مواجهة كل الشرور المحيطة بنا، وأننا نملك الحق، على الأقل، في الإيمان بالقدرة البشرية على أن تكون أفضل في المستقبل.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات مهرجان المسرح بالنسبة لنا فی سراییفو هذا العام عرض مسرح أن الفن

إقرأ أيضاً:

كيف يتهرب نتنياهو من مساعي وقف الحرب في غزة ولبنان؟

عرضت قناة القاهرة الإخبارية تقريراً تليفيزيونياً بعنوان: «المراوغة» سيناريو يتبعه نتنياهو خلال تعاملاته مع مساعي إيقاف الحرب.

مراوغات نتنياهو لمساعي وقف الحروب التي يشعلها 

وقال التقرير: «سيناريو المراوغة هذا ما يتبعه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو خلال تعاملاته مع مساعي إيقاف الحروب التي يشنها في جبهات مختلفة، سواء تلك التي في غزة أو ما يفعله حاليا بلبنان».

وأضاف التقرير: «نتنياهو يكرر سيناريو التفاوض المعتاد بالموافقة في بادئ الأمر على مفاوضات إنهاء الحرب؛ ثم سرعان ما يفاجئ الجميع بقراره الصادم تماماً كما فعل مع المقترح الأمريكي - الفرنسي، بشأن وقف إطلاق النار في لبنان».

وأوضح التقرير: «مصادر دبلوماسية غربية أرجعت خلال تصريحات لصحيفة "هاآرتز" تراجع نتنياهو عن دعم المقترح الأخير، لتعرضه إلى ضغوط سياسية داخل تل أبيب ولا سيما اليمين المتطرف الذي يريد رئيس حكومة الاحتلال الحفاظ على علاقات وثيقة معه».

وتابع التقرير: «المصادر أكدت أيضاً أن نتنياهو وحليفه المقرب، وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر كانا مطلعان بانتظام على الجهود الدبلوماسية لوقف إطلاق النار، وبالرغم من موافقتها المبدئية إلا أن نتنياهو فاجأ الجميع بتغيير مساره وتبني موقفاً أكثر صلابة تجاه تلك الجهود».

مقالات مشابهة

  • يسرا: «الفن اللغة الوحيدة لتوحيد الشعوب بس لو استخدمناه صح»
  • مهرجان ظفار الدولي للمسرح يبدأ الأربعاء القادم بمشاركة 50 دولة في دورته الأولى
  • وكيل الأزهر خلال تخريج دفعة كلية الشريعة: نحزن لما يجري في فلسطين ولبنان
  • محافظ قنا يناقش مع رئيس مهرجان مسرح الجنوب خطة الدورة التاسعة
  • كيف يتهرب نتنياهو من مساعي وقف الحرب في غزة ولبنان؟
  • عصام السيد: «مش روميو وجوليت» تجربة جديدة في المسرح
  • كنعاني: أمريكا شريكة في جرائم الكيان الصهيوني ضد شعبي فلسطين ولبنان
  • مهرجان الإسكندرية المسرحي الدولي منصة للتنوع والإبداع الفني
  • بينهم 37 طفلاً.. غرق 46 شخصًا أثناء مهرجان استحمام بأنهار وبحيرات ولاية بيهار الهندية!