تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في ظل وجود بنيامين نتنياهو رئيسًا للوزراء في إسرائيل، شهدت منطقة الشرق الأوسط تحولات متسارعة في السياسات العسكرية الإسرائيلية، حيث تحولت الأزمات إلى حروب مفتوحة، وأصبح الصراع ليس مجرد مسألة حدود بل حرب وجود في إطار واسع، يُعرف نتنياهو بأسلوبه القاسي والمباشر، الذي يضع القوة في مركز السياسات، ومع كل غارة جوية، وكل عملية اغتيال، تتزايد تبعات هذه السياسات على الأمن والاستقرار في المنطقة.

على مدى سنوات حكمه، نفذ نتنياهو سلسلة من العمليات العسكرية التي أدت إلى مآسي إنسانية لا تُحصى، كعملية "الرصاص المصبوب" عام 2008، و"عمود السحاب" عام 2012، و"الجرف الصامد" عام 2014، ومسيرات العودة 2018، وحرب غزة 2021، و7 أكتوبر 2023 حتى الآن، وكلها عمليات أسفرت عن مقتل الآلاف من الفلسطينيين وتدمير هائل للبنية التحتية.

وانتهج نتنياهو في سياسته أسلوب عمليات الاغتيال المؤثرة، والتي تستهدف قيادات حركات المقاومة مثل اغتيال نزار ريان القيادي في حماس، ومحمود المبحوح، وأحمد الجعبري، وأبو العطا من حركة الجهاد الإسلامي، وتيسير الجعبري القيادي في الجهاد الإسلامي، وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وآخرهم حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله.

لقد تعايش العالم مع هذه الفظائع كجزء من المشهد السياسي، ولكن السؤال المحوري يبقى: ماذا تحقق إسرائيل من هذه الحروب؟

تسعى إسرائيل من خلال هذه العمليات إلى إضعاف حركات المقاومة، لكن هذه الحركات لم تنكسر بل على العكس، ازدادت قوة وتماسكًا، وأسفرت هذه الحروب عن نتائج عكسية، حيث زادت من تكوين تحالفات جديدة تضع الأمن الإسرائيلي في مهب الريح.. وبذلك، أصبحت سياسات نتنياهو تسهم في بناء جبهات جديدة من العداء، وتعزز من قدرة المقاومة المسلحة على تنفيذ عملياتها.

إن حق المقاومة هو حق مشروع تعترف به القوانين الدولية، ويُعتبر وسيلة أساسية للشعوب المظلومة للرد على الاحتلال، فقوات الاحتلال الإسرائيلي، بممارساتها المستمرة والممنهجة، أسست لبيئة تبرر مقاومة شعوب المنطقة، وفي ظل الانتهاكات المتكررة، يبقى الخيار الوحيد أمام الفلسطينيين هو مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة، سواء كانت سياسية أو عسكرية، هذا الحق لا ينفصل عن طبيعة الصراع المستمر بين الطرفين، ويمثل تمسكًا بحياة كريمة وحرية واستقلال.

خصوصا لأن هذه الممارسات ساهمت في تدهور الوضع الإنساني في غزة والضفة الغربية، حيث يعاني المواطنون من فقدان الأمل وتفشي الفقر والبطالة، فالأطفال في غزة، الذين ولدوا في ظل الحصار، هم جيل عاش الحرب منذ نعومة أظفارهم، مما يخلق شعورا باليأس ويجعلهم أكثر عرضة للتطرف، ويزداد الوضع تعقيدا مع استمرارية القصف والتهجير، مما يجعل الحياة اليومية عبارة عن كابوس دائم.

وفي ضوء هذه المعاناة، نجد أن حركات المقاومة تأخذ على عاتقها مهمة الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وتجسيد إرادته في مواجهة الاحتلال، وتأتي عملياتها العسكرية كردود فعل على الاعتداءات الإسرائيلية، مما يعكس حقا مشروعا في الدفاع عن النفس، وهذا الحق يتجاوز المسألة الفلسطينية ليعكس حق الشعوب كافة في مقاومة الاحتلال والتأكيد على هويتها ووجودها.

إن الفشل في إيجاد حل سياسي للصراع يتطلب من المجتمع الدولي إعادة النظر في طريقة تعامله مع "نتنياهو"، ولا يمكن أن تستمر السياسات العسكرية في فرض نفسها كخيار وحيد لحل النزاع، بل يجب أن يُدفع نحو الحوار والاعتراف بحقوق جميع الأطراف، فعدم وجود استراتيجية سياسية واضحة، يهدد بتأجيج الصراع وخلق دوامات جديدة من العنف.

وإذا كان نتنياهو يعتبر نفسه "إله الشرق الأوسط"، فإن العالم بأسره عليه أن يتحمل مسؤولية التوجه نحو الصراع المسلح، بل يجب أن يدرك أن سياسات نتنياهو العسكرية لن تؤدي إلا لمزيد من العنف والمعاناة، لذا يتوجب على المجتمع الدولي إيجاد أرضية مشتركة تضمن الأمان والاستقرار للجميع، والأمل في إيجاد سلام دائم يتطلب تفهمًا عميقًا لحقوق الشعب الفلسطيني ولتاريخ الصراع، ويستلزم تفعيل دور المنظمات الدولية للضغط على إسرائيل لإنهاء احتلالها والتوصل إلى حل عادل.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: نتنياهو العمليات العسكرية المقاومة إسرائيل

إقرأ أيضاً:

الصراع الحالي.. والأفكار الكبيرة (البدايات)

صراعنا مع الغرب صراع قديم ممتد لم ينته، وما يحدث الآن في المنطقة محطة من محطات هذا الصراع. ويمثل الإسلام، دين أغلبية أهل المشرق، "المبرر الأصلي لكل عداء الغرب إزاء الشرق" كما يقول د. إدوارد سعيد (ت: 2003م) في كتابه العمدة "الاستشراق"، الذي صدر عام 1978م. والغرب الآن تمثل أمريكا فيه رأس السهم، والتي يمثل اليهود فيها قوة نافذة، فغير أنهم في أمريكا أكبر تجمع يهودي في العالم، يفوق في حجمه إسرائيل ذاتها، سنجد أن العلاقة بين إسرائيل وأمريكا علاقة خاصة وعميقة، الاثنان قاما على فكرة الاستيطان والإحلال ومحو تاريخ الأخر، كما يقول أستاذ الأساتذة د. عبد الوهاب المسيري (ت: 2008م) رحمه الله.

ولا نغفل بالطبع العلاقة "السياسية العملية" التي تجعل أمريكا هي المسؤول الأبوي مسؤولية كاملة عن "إسرائيل" التي تنوب عنها في المنطقة، فهي التي تحفظ للشرق الأوسط استمراره السياسي والاجتماعي على الشكل الذي يريده الغرب وتريده أمريكا، وينبغي أن يستمر ويبقى عليه، بعيدا عن الأفكار الكبيرة، أفكار البدايات.

* * *

وما نراه ونسمعه عن أن إسرائيل تتحدى أمريكا، ولا تخضع لبايدن وينتظرون ترامب، والديمقراطيون والجمهوريون، كل هذه أهازيج طريفة، للاستهلاك والتغني، الحقائق في جوهرها، هي هي، كما هي.

والمواقف الأخيرة لوزير خارجية أمريكا بلينكن (62 سنة) ليست فقط لكونه يهوديا كما يقول، بل لأنه يطبق ثوابت استراتيجية تمثل جوهر العقل الأمريكي في النظر والتعامل مع الشرق الوسط.

وكل ما يحدث من إبادة وتقتيل وتدمير في غزة، هو أمريكي بالأصل والأساس، لأسباب كثيرة على رأسها تأديب أهلنا في غزة، ويأتي هذا الهدف قبل محاربة المقاومة، لماذا؟ لأنهم احتضنوها. والمقاتل المجاهد، ما هو إلا لبن أمه، وحضن أمه، وخبز أمه، وقهوة امه (رحم الله محمود درويش).

* * *

ثلاثة من الكبار، أصحاب المواقف الكبيرة والأفكار الكبيرة (فيلسوف ومفكر وشاعر) كنت أتمنى أن يكونوا بيننا الآن، ولو أن أعطيهم من عمري أعمارا، ليشاهدوا بأعينهم ما قالوه وتوقعوه، وليتعرفوا أكثر وأكثر، على النضج الهائل الذي وصلت إليه المقاومة في الفهم والقراءة السياسية والقدرة وثبات القدم.

بل ورغم عمقها الإسلامي العميق سنجدها في غاية القرب والتفهم للآخر المقاوم المختلف، وأيضا الإعراض الجميل المترفع عن سفاهات السفيه هنا وهناك.. وهي سلوكيات شرب ماءها "المجاهد الجديد" من إناء "الإخلاص والحب والقرب والتجرد" للعلي العظيم، رب العالمين.

كما تمنيت أن يكونوا قد عاصروا قياداتها وتعرفوا على ثقافتها الواسعة وعقلها الرحب وصدرها الأرحب، وجرأتها وشجاعتها ودقتها في قراءة التاريخ، قراءة موصولة بالواقع.

* * *

من هم هؤلاء الثلاثة؟

- د. عبد الوهاب المسيري الذي قال لنا مرة إنه "كلما تحدثت مع أحد أعضاء النُخب العربية عن نهاية إسرائيل وجدته ينظر إليّ كما لو كنت مجنونا، ولذلك قررت أن أصدر كتابا عن "نهاية إسرائيل" كله من مقالات لكتاب إسرائيليين في الصحف الإسرائيلية، فالإسرائيلي يشعر أنه تم توريطه للعيش في فلسطين أي في قلب ووسط الأمة العربية والعالم الإسلامي، بكل ما يعنيه ذلك من صراع لا ينتهي".

- د. إدوارد سعيد (ت: 2003م) الذي قال: إن القضية الفلسطينية تم التخلي عنها خوفا من قول الحقيقة، والإقرار بوجود أقسى حالة من حالات الظلم في العالم (أكبر قضية عنف تاريخي ضد الإنسانية).

أين هو من مشهد المظاهرات في قلب الجامعات الأوروبية والأمريكية خاصة جامعته الشهيرة كولومبيا التي كان فيها نجما حقيقيا؟..

ويبقى كتابه الفريد "الاستشراق" أهم ما يقرأه العربي والمسلم والإنسان الشرقي عامة، في معرفة مقدار العداء والشراسة التي كان عليها الاستعمار الأوروبي للعالم وما مثله المستشرقون في تبرير هذه الشراسة.

- أما ثالثهم فهو محمود درويش (ت: 2008م) الذي كتب تلك القصيدة الرائعة، فور اندلاع الانتفاضة الأولى 1987م.. والتي اجتمع من أجلها الكنيست وهاجمه رئيس وزراء إسرائيل إسحاق شامير وقتها في الكنيست بمنتهى البذاءة.. وقال: كان بإمكاني أن أقرأ القصيدة أمام البرلمان لولا أني أربأ بأن أمنحها "شرف!!" تسجيلها في محاضر الكنيسيت.

تقول أبيات من القصيدة:

أيها المارون بين الكلمات العابرة
احملوا أسماءكم وانصرفوا
واسحبوا ساعاتكم من وقتنا وانصرفوا
أيها المارون بين الكلمات العابرة
منكم السيف ومنا دمنا
منكم الفولاذ والنار ومنا لحمنا
منكم دبابة أخرى ومنا حجر
منكم قنبلة الغاز ومنا المطر
وعلينا ما عليكم من سماء وهواء

* * *

سيبقى أن أجمل ما في المشهد الهائل الذي يعيشه الشرق الآن، أن جميع أطراف المقاومة الفاعلة والمساندة، تنتمي إلى "الأفكار الكبيرة"، أفكار البدايات، إذا نزعت عن هذا المشهد كل الرواسب الطائفية القديمة، والتي عمليا يتم التخلص منها فعليا كلما أوغل هذا الحدث الأعظم (طوفان الأقصى) في كل أجواء وساحات الشرق، ولامس فيه كل الأعصاب العارية: فكريا ومذهبيا وسياسيا واجتماعيا.

قد يبدو الأمر حتى الآن كأن شيئا لم يتغير في الظاهر، لكن علينا أن نعلم أن كل شيء قد تغير بالفعل، ليس فقط على مستوى الوعي العالمي الحاد بقضية فلسطين والشعب الفلسطيني..

وليس فقط على مستوى خلخلة الاستراتيجية الغربية بالنظر الى قوة إسرائيل التي لا تقهر وغير القابلة للتفوق عليها في أي مجال من مجالات المواجهة (العسكرية والاستخباراتية)..

وليس فقط على مستوى ضبط إيقاع الصراع على المستوى الإقليمي وفق رؤية المقاومة، لا رؤية النظام العربي الرسمي القديمة والجديدة.. ولكن على مستوى عودة "البدايات" التي عادة ما تمنح الرؤية قوة وعمقا ووضوحا أكثر.

مقالات مشابهة

  • الصراع الحالي.. والأفكار الكبيرة (البدايات)
  • حزب الاتحاد: نتنياهو يغزي الدمار في المنطقة لإرضاء غروره وطيشه
  • خبير في السياسات الدولية: إيران لا تريد التورط في حرب مع إسرائيل
  • كيف استخدمت إسرائيل التكنولوجيا الرقمية في تنفيذ الاغتيالات وأهدافها العسكرية؟
  • حلفاء نتنياهو من اليمين المتطرف يهاجمون اقتراح وقف إطلاق النار
  • مظاهرات وانسحاب قبل كلمته.. نتنياهو المرفوض في إسرائيل والأمم المتحدة (فيديو)
  • ما رسالة إسرائيل من عرض حشودها العسكرية شمالا؟ إلياس حنا يجيب
  • 110 أعمال مقاومة في الضفة والقدس خلال أسبوع
  • الاحتلال يستولي على أراض في أريحا والأغوار