مدير مكتب الجزيرة بطهران: الموقف من الرد لم يحسم ورأيان يتنازعان صناع القرار
تاريخ النشر: 29th, September 2024 GMT
كشف عبد القادر فايز، مدير مكتب الجزيرة في طهران، عن وجود انقسام داخل أروقة صنع القرار الإيراني حول كيفية الرد على اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله .
وتمكن جيش الاحتلال الإسرائيلي الجمعة من اغتيال نصر الله، في غارة جوية الجمعة، شنتها مقاتلات إسرائيلية من طراز "إف-35" على موقع بمنطقة حارة حريك في ضاحية بيروت الجنوبية، المعقل الرئيسي لحزب الله.
وأشار فايز في مداخلة مع الجزيرة إلى أن القرار النهائي لم يُحسم بعد في طهران، مع وجود رأيين متباينين يتنازعان المشهد السياسي والأمني في إيران، وذلك في ظل التوترات المتصاعدة في المنطقة مقتل نصر الله.
وأكد فايز أن إيران تنظر إلى اغتيال الأمين العام لحزب الله باعتباره "قضية أمن قومي بالدرجة الأولى"، مشددا على أن العلاقة بين إيران وحزب الله تتجاوز كونها مجرد تحالف تقليدي، بل هي "حليف عضوي وبنيوي".
وأضاف: "عندما نتحدث عن الجمهورية الإسلامية وهي النموذج الحاكم هنا في إيران، فنحن نتحدث عن قضية كبرى بالنسبة لإيران".
ونقل فايز تصريحات لعباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، الذي قال إن "اغتيال نصر الله لن يبقى دون رد"، مما يشير إلى أن إيران "معنية بالرد على اغتيال بهذا الحجم".
كما أشار فايز إلى تحذير إيراني وجه لمجلس الأمن مفاده أن المنطقة قد تكون "على بعد خطوة واحدة من حرب شاملة واسعة مفتوحة"، وهو ما كان يُفسر سابقا في طهران بأنه "فخ إسرائيلي" يهدف لجر إيران إلى حرب مفتوحة.
أولويات إيرانوتطرق فايز إلى بيان المرشد الأعلى الإيراني، الذي اعتبره "بيانا في الأولويات"، وأوضح أنه ركز على أن بنية حزب الله "ستكون أقوى في المستقبل"، وأن "محور المقاومة وعلى رأسه حزب الله سيلعب دورا جوهريا جدا في تقرير مصير الشرق الأوسط".
وفسر فايز هذا البيان بأنه رسالة مفادها أن "الأولوية الآن ربما تكون ضمن دائرة البقاء في الدرجة الأولى وليس بالضرورة أن تكون ضمن دوائر أخرى".
وكشف فايز عن وجود رأيين رئيسيين داخل دوائر صنع القرار في إيران. الأول يدعو إلى "رد واسع وقاطع لاستعادة الردع في المنطقة"، ويهدف إلى إثبات قدرة إيران على اتخاذ "خطوات ربما جنونية في مقابل ما تصفه بالجنون الإسرائيلي".
ولفت إلى أن هذا الرأي مدعوم من نخبة عسكرية وقطاع من الشارع في طهران وآخرين في البلد، حسب تعبيره.
أما الرأي الثاني فيرى أن "قضية الحرب الشاملة ليست بدعة"، ولكنه يعتقد أن تحويلها لواقع ربما يجب ألا يكون باليد الإيرانية بالدرجة الأولى، هذا الرأي يفسر "العقلانية" الظاهرة في التصريحات الرسمية الإيرانية، حسب فايز.
وأشار فايز إلى وجود انتقادات داخلية للموقف الإيراني المتردد، حيث يرى البعض أن الحرب الشاملة التي تتحدث عنها أميركا وإسرائيل هي بدعة أمنية عسكرية قيدت إيران بشكل كبير في الإقليم.
وأضاف أن هناك من يدعو إلى أن الرد الإيراني يجب أن يغادر مساحة استعراض القوة، ويجب أن يدخل عمليا من خلال استخدام تلك القوة لا استعراضها.
وأكد مدير مكتب الجزيرة في طهران على أن القرار النهائي بيد مجلس الأمن القومي، مشيرا إلى أن البيانات الرسمية الإيرانية حتى الآن لم تتحدث عن رد مباشر من قبل إيران كدولة، بل تشير إلى أن الرد قد يكون "منوطا بمحور المقاومة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی طهران نصر الله إلى أن
إقرأ أيضاً:
إيران الدولة الثوريّة تشدّ أحزمة المواجهة
حزمت “إيران الإسلاميّة ” موقفها، عزم قائدها على تدبّر الأمر متوكّلًا على ربّه، توسّط مشهدًا جامعًا لأركان الحكم، على يمينه قادة الأجهزة العسكريّة والأمنيّة، وعلى يساره رئيس الجمهوريّة ورؤساء المجالس والمؤسسات العليا الرسميّة؛ وبلسان الواثق من شعبه، ألقى فصل خطابه أمام العالم وأمام نزق “دونالد ترامب” بكلمته المدوّية “لا” للهيمنة الأمريكيّة وسياساتها الاستكباريّة وأساليبها الاستعلائيّة، بعدما أثبتت التجربة صوابيّة منطق عدم الثقة بالإدارة الأمريكيّة.
تدرك “إيران” اللحظة التاريخيّة جيّدًا، وتعي جدّيّة المخاطر وأهوالها، وتعرف بعمق ما يصيب مجتمعها من آثار عدوانيّة مستمرة منذ عقود عبر ضغوط اقتصاديّة قصوى عليها، لا سيّما بعد تمزيق “ترامب” الاتفاق النووي عام 2018، والافتعالات الدائمة لإضعافها من الداخل وتحريك موجات الفتن فيها، وتفرقة وحدتها وتشويه هويّتها وممارسة كافة أشكال الحرب النفسيّة والناعمة عليها؛ وإعاقة تقدّمها وعلاقاتها.
كما تعلم “طهران” علم اليقين ما أصاب “جبهة المقاومة” من فقد قادتها الكبار منذ كانون الثاني 2020 إلى نهاية العام 2024؛ وهي تراقب عن كثب التغيّرات الاستراتيجيّة في سوريا ولبنان وفلسطين والعراق واليمن، وتدرس نتائج الحرب العالميّة المتمادية للقضاء على المقاومة والانقلاب على الممانعة السياسيّة للإملاءات الأمريكيّة.
كما أن “طهران” لا تستهين بمسالك المملكة العربيّة السعوديّة نحو التطبيع، وأن ما رعته الصين من تسوية إيرانيّة-سعوديّة لا يعوّل على استمراره، رغم حرصها الأكيد على استقرار المنطقة، إذا ما أُطلقت الصافرة الأمريكيّة للإخلال بها.
تصغي “طهران” دون اضطراب إلى التهديدات المتكرّرة الموجّهة إليها. كما تقرأ بحكمة وشجاعة الرسائل الديبلوماسيّة والإعلاميّة. ويمكن إيراد تهديدين (أمريكيّ وإسرائيليّ) وتحذير (تركيّ)، لاستجلاء الواقع.
التهديد الأبرز، أعلنه “ترامب” واضعًا إيران بين خيارين “الاتفاق أم الحرب”، مستأنفًا عقوبات ولايته الأولى على صادرات النفط الإيرانية.
ينسب “ترامب” إلى “إيران” الضعف حاليًا، فيتحفّز لاتخاذ إجراءات حاسمة ضدّها، وفق ما أدلى به مستشار الأمن القومي مايك والتز (19 كانون الثاني/يناير 2025). حدّد شهرًا واحدًا أمام إيران للانصياع إلى مفاوضات شكلية تنتهي بإملاءاته على برنامجها النووي ثم يستلحقه بتقييد دورها في المنطقة والبحث حول صواريخها الباليستيّة.
فيما أعلنت القيادة المركزية الأمريكية هدف مناورتها مطلع آذار الجاري بمشاركة وحدة قاذفاتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط “تعزيز التنسيق مع الشركاء الإقليميّين وإظهار قدراتها العسكرية”.
يساوق التهديد الأمريكيّ تحريض إسرائيلي قديم جديد على ضرب إيران، وقد أعلن “بنيامين نتنياهو” عشية الإعلان عن وقف إطلاق النار المزعوم في لبنان، أن السبب الأول لإعلانه هو التزامه بالأمن القومي وتركيز الجهود على مواجهة إيران ومنع طهران من تطوير سلاح نووي، مضيفًا أنه “لن يعطي المزيد من التفاصيل حول ذلك”. بينما أعلن رئيس أركانه الجديد “إيال زامير” أنّ عام 2025 سيركّز على الصراع في غزّة ومع الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة، وأنه سوف تتمّ إعادة هيكلة استراتيجية “الجيش” الإسرائيليّ للتعامل مع التهديد الإيرانيّ على وجه التحديد.
أما التحذير التركيّ لوزير الخارجية “هاكان فيدان، فإنّه يختلف نوعيًّا عما سبقه، لكونه لا يهدّد إيران ومقدّراتها وبرنامجها النوويّ، إنّما يتكامل مع الوعيدين الأمريكيّ-الإسرائيليّ، حاملًا لهجة استقواء ودلالات جديدة أمام الأحداث الجارية وموقعه منها، حيث بدا “كاتم أسرار أردوغان” واضحًا بالنزول عند رغبات الغرب وعدم التصدّي للتوسّع الإسرائيليّ إلا من بضعة تحفّظات كلاميّة، جازمًا في سعي أنقرة إلى ملء الفراغ وتصدّره في الساحة السوريّة على حساب الدور الإيراني الذي غالب إسقاط الدولة السورية وتفكيك وحدتها وانعدام استقرارها وانسلاخها من تاريخها وإيقاعها في فم التنين الأمريكيّ والاحتلال الإسرائيليّ وقطع طرق الإمداد على حركات المقاومة اللبنانيّة والفلسطينيّة.
يتضح أن ما يسمى بالمفاوضات التي يتم التداول حولها ما هي إلا خديعة بائسة لتشويش الرأي العام، وتصب لصالح الهيمنة الأمريكيّة وتستجيب لمعالجة الهواجس الأمنيّة الإسرائيليّة، ولإضعافها أمام منافسيها الإقليميّين، وليست من أجل حلّ المشكلات الإيرانيّة.
يمكن الجزم، بعدم رغبة الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة في إثارة مواجهة واسعة النطاق، خاصة أنّ تغيّر المشهد الجيوسياسي الراهن لا يبدو في مداه القصير لصالحها، قبل أن تستعيد حركات المقاومة عافيتها وقوّتها، وقبل أن يرسو المشهد السوري على أرضية مغايرة. إلّا أنّ “إيران الإسلاميّة” بكل تأكيد لن تقبل بالرضوخ لشروط “ترامب”، مما يرفع من احتمالية الصراع دون أن تتحدّد معالمه بوضوح.
تقتحم “طهران” مخاطر احتمالية الحرب عليها، بعدما نقضت الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) عهدها بالتعويض عن إنسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، وبعدما استنفد مسؤولها كافة الإجراءات والتدابير الديبلوماسيّة، واتبعت “أقصى درجات العقلانية”، وتحكّمت بردود أفعالها، وهي تشاهد حرب الإبادة في غزّة والجرائم الأمريكيّة الإسرائيليّة تصب جام حممها على لبنان واليمن والعراق وسورية، فاحتفظت لنفسها بحق الرد على العدوان الإسرائيليّ السافر داخل أراضيها في محافظات طهران وخوزستان وإيلام (26 تشرين الأوّل 2024م).
وتؤكّد “طهران” أن نهجها مستمر، كدولة ثوريّة تضبط مصالحها على مبادئها، وتسير ضمن حدّي درء الخطر وحفظ هويتها وسيادتها وكرامتها الوطنيّة والقوميّة والإسلاميّة؛ إلا إذا وضعت الحرب أثقالها فالسبيل الوحيد هو الدفاع والمواجهة.
باحث في الشؤون الإيرانيّة