*تقدير موقف صادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
شنّت إسرائيل مساء يوم الجمعة، 27 أيلول/ سبتمبر 2024، واحدةً من أعنف هجماتها ضد لبنان، منذ تصاعد عدوانها الأخير عليه في الأسابيع الماضية، مستهدفة القيادة المركزية لحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت بقصف ستة أبراج سكنية وتسويتها بالأرض. وأسفر الهجوم عن اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، الذي نعاه الحزب في بيان صدر في اليوم التالي، إلى جانب قادة آخرين في الحزب، ومسؤول فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني في لبنان وعددٍ غير معروف بعدُ من المدنيين.

وقد استخدمت إسرائيل في هجومها على مقر قيادة الحزب طائرات « إف-35 » ألقت ثمانين قنبلة خارقة للتحصينات، بزنة طن تقريبًا لكلٍ منها للتأكد من عدم نجاة أحد. واستغلت إسرائيل حالة الإرباك التي تسبب فيها الهجوم في منظومة القيادة والسيطرة لدى حزب الله، لشن سلسلة غارات عنيفة شملت أحياءً مختلفة من الضاحية الجنوبية ومناطق شاسعة على امتداد لبنان؛ ما أدى إلى تشريد آلاف المدنيين. ويُعدُّ استهداف مقر القيادة المركزية لحزب الله، واغتيال أمينه العام، التطور الأبرز حتى الآن في عملية تصعيد إسرائيلية مستمرة ضد لبنان، بدأت في تموز/ يوليو الماضي، ووصلت إلى ذروتها في 23 أيلول/ سبتمبر بإطلاق ما أسمتها إسرائيل عملية « سهام الشمال »؛ ما يفتح مجالًا واسعًا لتصعيد أكبر تقوم به نتيجة ضعف المواقف العربية والإقليمية والدولية حيال عدوانها المستمر على غزة ولبنان.

تصعيد متدرج وصولًا إلى اغتيال نصر الله

منذ أعلن حزب الله عن فتح جبهة « إسناد » لغزة في اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى التي شنتها حركة المقاومة الإسلامية « حماس » ضد فرقة غزة ومواقع أخرى لجيش الاحتلال الاسرائيلي ومستوطنات غلاف غزة في 7 تشرين/ أكتوبر 2023، التزمت كل من إسرائيل وحزب الله بقواعد اشتباك محددة؛ إذ تبادلا القصف على جانبي الحدود بعمق يراوح بين 5-10 كيلومترًا، علمًا أن هذا المستوى من الاشتباك أدى إلى نزوح أكثر من 60 ألف مستوطن إسرائيلي ونحو 110 آلاف مواطن لبناني على جانبي الحدود. وعلى الرغم من أن إسرائيل سوّت قرى حدودية لبنانية كاملة بالأرض، واستهدفت بالاغتيال عددًا كبيرًا من عناصر وقادة حزب الله الميدانيين على مدى شهور من المواجهة، في محاولة منها لدفع الحزب إلى وقف إسناد غزة، وفك الارتباط بها، فإن قواعد الاشتباك ظلت مع ذلك قائمة بين الطرفين باستثناءات قليلة؛ منها اغتيال إسرائيل نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري، في الضاحية الجنوبية لبيروت في كانون الثاني/ يناير 2024. كانت إسرائيل خلال تلك الفترة تتوجس من فتح جبهة واسعة ثانية مع لبنان، إلى جانب غزة، في الوقت الذي كانت فيه تحتفظ بجزء كبير من قواتها في الضفة الغربية المهددة بالاشتعال (ما لا يقل عن ثلاث فرق عسكرية). ولكنها لم تتردد في التصعيد متى شاءت لعلمها أن حزب الله غير معني بالحرب.
بدأ هذا الوضع يتغير في شهر تموز/ يوليو الماضي؛ إذ استغلت إسرائيل سقوط صاروخ على مدرسة في قرية مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، تسبب في مقتل عشرة أطفال، وقد نفى حزب الله بشدة مسؤوليته عنه، لتغيير قواعد الاشتباك، وتغيير معادلة القوى الإقليمية على نحو جذري. كان هذا القرار متخذًا بغض النظر عن المبرر اللحظي. لذا، استهدفت إسرائيل في أواخر الشهر نفسه القائد العسكري لحزب الله، فؤاد شكر، في الضاحية الجنوبية، لتبدأ بعدها سلسلة اغتيالات شملت كبار قادة الحزب وأكثر أعضاء مجلسه الجهادي. واغتالت أيضًا رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، أثناء حضوره مراسم تنصيب الرئيس الإيراني المنتخب، مسعود بزشكيان، في طهران في تموز/ يوليو، كما أحبطت ما ادعت أنه تجهيز لرد حزب الله على اغتيال شكر بقصف واسع لمنصات إطلاق الصواريخ في الجنوب.
قررت إسرائيل استغلال معركة غزة واستنزاف المواقف العالمية المعارضة لهذه الحرب من دون تأثير في السلوك الإسرائيلي، ومحدودية الثمن الذي تدفعه لتنفيذ خطط معدة سلفًا لتوسيع الاستيطان وضرب المقاومة في الضفة الغربية بعد غزة، ليصل الأمر إلى استغلال الفرصة المتاحة لتنفيذ الخطة المعدة للبنان. وباتت إسرائيل تسعى إلى حسم المعركة مع حزب الله أو على الأقل إجباره على قبول فك الارتباط بين لبنان وغزة، وتغيير قواعد اللعبة معه على حدودها الشمالية بحيث يمتنع نهائيًا عن قصف مستوطناتها الشمالية.
وفي حين تمسّك حزب الله بعملية إسناد هدفها تخفيف الضغط عن غزة والتضامن مع المقاومة فيها ضمن قواعد اشتباك محددة، وتجنّب الحرب مع إسرائيل في الوقت ذاته، انتقلت إسرائيل إلى وضع أهداف استراتيجية ذات علاقة بوضع حزب الله عمومًا؛ ما اقتضى عدم الالتزام بأي قواعد اشتباك والانتقال إلى الحرب على الحزب.
بدأت الحرب عمليًا قبل نحو أسبوعين، عندما قامت إسرائيل بتفجير آلاف من أجهزة النداء « البيجر » التي يستخدمها قادة وعناصر في الحزب يوم 17 أيلول/ سبتمبر بعد أن جرى زرع عبوات ناسفة صغيرة فيها قبل أن تباع لحزب الله. وقد أدت هذه العملية الإرهابية الإجرامية إلى مقتل العشرات وإصابة الآلاف، من بينهم مدنيون. وتحوَّل حزب الله إلى استخدام هذه الأجهزة بعد أن تبيّن له أن الاتصال بالهاتف المحمول لم يعد آمنًا نتيجة استغلال إسرائيل له في تحديد مواقع قادته وعناصره واستهدافهم. في اليوم التالي، قامت إسرائيل بتفجير أجهزة اللاسلكي (walkie-talkie) لتشل بذلك شبكة اتصالات حزب الله كاملة. شكلت هجمات أجهزة البيجر واللاسلكي أكبر خرق أمني يتعرض له الحزب منذ نشأته في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، لكنها كانت أيضًا مقدمة لتصعيد أكبر قامت به إسرائيل؛ شمل، في اليوم العشرين من الشهر نفسه اغتيال إبراهيم عقيل، قائد العمليات الخاصة في الحزب، وعضو مجلسه الجهادي، الذي تولى مسؤوليات فؤاد شكر، إلى جانب قادة من وحدة الرضوان، وهي وحدة النخبة لدى حزب الله.
وبررت إسرائيل حينها سلسلة العمليات التي استهدفت فيها قادة حزب الله وشبكة اتصالاته بمنع حصول 7 أكتوبر جديد على حدودها مع لبنان، ولكنها كانت في الحقيقة تضرب شبكة الاتصالات والتسلسل القيادي في الحزب في إطار حرب تشنها عليه. وكان واضحًا، أو يفترض، على الأقل، أن يكون واضحًا، ما تخطط له إسرائيل. ولكن سلوك الحزب لم يتغير، وظلّ محكومًا بتجنّب الحرب حتى بعد أن اندلعت عمليًا. ولم يستخدم قوته الصاروخية بنجاعة حتى الآن، وربما أجهزت إسرائيل على جزء منها قبل استخدامها. وأطلقت إسرائيل يوم 23 أيلول/ سبتمبر ما أسمته عملية « سهام الشمال »، وهي أعنف حملة قصف جوي يشهدها لبنان منذ حرب تموز 2006، وشملت مختلف المناطق اللبنانية من الجنوب وصولًا إلى المعابر الحدودية مع سورية في الشمال. وجاءت ذروة التصعيد الإسرائيلي في 27 من الشهر نفسه باستهداف مقر القيادة المركزية لحزب الله، وقد أدت إلى اغتيال أمينه العام، حسن نصر الله، وقادة عسكريين آخرين، لتبدأ بعدها عملية قصف واسع النطاق شملت الضاحية الجنوبية ومناطق أخرى على امتداد لبنان.
أهداف العملية الإسرائيلية وتوقيتها
منذ نهاية تموز/ يوليو 2024، اتضح أن إسرائيل أخذت تنقل مركز ثقل عملياتها العسكرية من قطاع غزة نحو الشمال، وكان الهدف الرئيس في البداية، كما يبدو، هو ممارسة ضغط أكبر على حزب الله لتخييره بين فك ارتباطه بجبهة غزة أو الحرب. كما طرحت إسرائيل شروطًا أخرى منها سحب قدراته العسكرية، خصوصًا قوات الرضوان، إلى شمال نهر الليطاني، بحسب ما نص عليه قرار مجلس الأمن 1701 الذي تم التوصل إليه في أعقاب حرب تموز 2006، في خطوة تدفع في مرحلة لاحقة إلى وقف إطلاق نار بعيد المدى، وربما اتفاق لترسيم الحدود البرية مع لبنان شبيه باتفاق ترسيم الحدود البحرية معه في عام 2022.
ربما شجع إظهار حزب الله منذ البداية أنه ليس معنيًا بالدخول في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، لأسباب محلية وإقليمية، إسرائيل على التصعيد المتواصل، ثم تطوير أهدافها وصولًا إلى العمل على إحداث تغيير استراتيجي في موازين القوى الإقليمية، وهذا يعني الحرب. ويبدو أن الحزب لم يلتقط جدية إسرائيل في مسألة شن الحرب. كانت إسرائيل تريد الاستفادة من فرصة (دولية وإقليمية ومحلية) تنتظرها، وفقًا لرئيس الأركان هرتسي هاليفي، منذ سنوات لتصفية حسابات مع أطراف عديدة في المنطقة وتغيير المشهد الإقليمي لمصلحتها. وقد اتخذت إسرائيل من عملية 7 أكتوبر 2023 وتهجير نحو 60 ألف مستوطن من الشمال ذريعةً للقيام بذلك؛ إذ أعلن المجلس الأمني المصغر في إسرائيل يوم 17 أيلول/ سبتمبر أنه قرر أن يضيف قضية إعادة سكان الشمال إلى مناطقهم إلى أهداف الحرب التي جرى تحديدها سابقًا بالقضاء على إمكانات حماس العسكرية وقدراتها على الحكم، وتحرير الأسرى، ومنع عودة قطاع غزة ليشكل تهديدًا لإسرائيل. بناءً عليه، أطلقت إسرائيل العنان لحملتها العسكرية الشاملة على لبنان بهدف إعادة سكان الشمال إلى مناطقهم، التي لا يمكن، بحسب وزير الدفاع يوآف غالانت، « أن تتم دون حصول تغيير جذري في الوضع الأمني على الحدود مع لبنان ».
إن الحديث المتواصل عن انتصارات المقاومة (بدلًا من الاكتفاء) بفشل إسرائيل في غزة، والمبالغة في الأهمية العسكرية للصواريخ المطلقة من لبنان واليمن والاحتفاء بإطلاقها بغض النظر عن وصولها إلى هدفها (على الأهمية المعنوية لجبهة الإسناد في ظرف العجز والصمت والتحريض الطائفي، وحتى تواطؤ بعض الدول العربية) والمبالغة في تقدير التضامن الدولي، يعمي عن حقيقة أن إسرائيل الضالعة في حرب إبادة والرافضة لوقف إطلاق النار (وهذا ليس تصرف المهزوم) ترى فيما يجري فرصةً لها لتطبيق مخططات في غزة والضفة الغربية ولبنان.
وقد أكد امتناع إيران عن الرد على اغتيال إسماعيل هنية في طهران، إضافة إلى الخطاب الذي تبناه الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، وتصريحاته التي أوحت بأن إيران ليست في وارد الدخول في مواجهة مع إسرائيل، وأنها تسعى إلى التفاوض مع الغرب لحل أزمة برنامجها النووي، الانطباع الإسرائيلي القائم أصلًا عن هشاشة وضع إيران داخليًا وإقليميًا، وأنها سوف تترك حزب الله وحده في المعركة. وتعززت رغبة إسرائيل في التمادي ضد حزب الله برده الضعيف على مقتل أعلى مسؤول عسكري لديه، وهو فؤاد شكر، بما في ذلك إشارة الأمين العام حسن نصر الله إلى أن الرد على اغتيال شكر قد انتهى، بعد عملية قصف رمزية لشمال إسرائيل، والادعاء الذي نفته إسرائيل بإصابة صواريخ الحزب قاعدة غليلوت، فضلًا عن حرص الحزب على تجنّب الحرب لأسباب داخلية لبنانية وإقليمية، وطلبه من الناس بالعودة إلى بيوتهم في القرى الحدودية.
يبدو أن ذلك عزز انطباعًا لدى إسرائيل بأن الحزب الذي تلقى ضربات كبيرة في الأسابيع الأخيرة بات في موقف ضعيف جدًا وأنه يتجنّب المواجهة بأي ثمن؛ ما شجعها على المضي قدمًا في استهداف قادته، وصولًا إلى اغتيال نصر الله. واتضح في الشهرين الأخيرين أن بنيامين نتنياهو وحكومته يشعران أنهما مطلقَا اليدين. لقد استغلت إسرائيل ضعف المواقف الإقليمية والدولية من حرب الإبادة التي تشنها على غزة منذ عام وعدم تأثير الاحتجاجات الشعبية، وانشغال الولايات المتحدة الأميركية، المؤيدة لما يُسمى « حرب إسرائيل على الإرهاب »، بالانتخابات الرئاسية المقررة في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، لتجاهل التحذيرات من المخاطرة بحرب إقليمية واسعة، وشن عمل عسكري واسع ضد حزب الله، وحتى لتكرار سيناريو غزة في لبنان. ثمة احتمال أن يكون خطاب نصر الله الذي ألقاه يوم 19 أيلول/ سبتمبر، في اليوم التالي لعملية تفجير أجهزة البيجر واللاسلكي، وأكد فيه، ردًا على قرار المجلس الأمني الإسرائيلي المصغر، أن المستوطنين لن يعودوا إلى البلدات الشمالية قبل وقف الحرب على غزة، دفع إسرائيل إلى حسم مسألة استهدافه شخصيًا، أو ربما كان قرار اغتياله قائمًا. وقد استُهدف في يوم 27 أيلول/ سبتمبر لأن الفرصة سنحت بذلك. علمت إسرائيل بالاجتماع الذي سوف يعقد في الضاحية بمشاركته، مثلما علمت باجتماعات أخرى قتلت المشاركين فيها، ورصدت وصوله إلى الاجتماع. ويؤكد ذلك استنفار نتنياهو للموافقة على الاغتيال، وإصدار الأمر خلال وجوده في الأمم المتحدة حتى لا تفوت الفرصة التي سنحت.
تداعيات اغتيال نصر الله
يُعدُّ استهداف مقر القيادة المركزي لحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، واغتيال أمينه العام، أكبر ضربة يتلقاها الحزب منذ تأسيسه عام 1982. فحسن نصر الله ليس مجرد قائد للحزب، بل يعترف أصدقاؤه وخصومه أنه أيضًا زعيم كاريزمي وشخصية شعبية مؤثرة على المستوى الإقليمي. وقد اغتيل في معركة على قضية يعدّها غالبية العرب قضيتهم، ألا وهي قضية فلسطين. ورغم أن اغتياله لن يؤدي على الأرجح إلى تفكك الحزب، لأنه سبق وتجاوز تصفية أمينه العام السابق عباس الموسوي عام 1992، فإن غياب نصر الله عن المشهد اللبناني والإقليمي سيترك تداعيات كبيرة على حزب الله ولبنان والمنطقة.
ويفترض أن ينشغل حزب الله بفهم ما جرى له منذ حرب عام 2006 التي عدّها نصرًا عسكريًا، مع أنها كانت مقاومة بطولية ونصرًا سياسيًا، وليست نصرا عسكريا. وقد استخلصت منها إسرائيل العبر والدروس وطورت القبة الحديدية المضادة للصواريخ في مواجهة حماس وحزب الله وغيرهما، وانشغلت في جمع المعلومات الاستخبارية واختراق الحزب، وتطوير التكنولوجيا التي تمتلكها لتعقب قيادته واختراق شبكاته بأدوات الرقابة والتنصت والتعرف على الوجوه والأصوات وغيرها؛ فيما انشغل الحزب بحرب بدائية من الناحية العسكرية وغير عادلة من الناحية السياسية في سورية، لم تسهم في تطوير قدراته العسكرية، وقسّمت الرأي العام العربي بين مؤيد ومعارض له (وهو الذي كان يحظى بإجماع شعبي في مقابل العداء الرسمي)، وكشفته على نحو غير مسبوق لقوى عديدة مخترقة بدورها. هكذا اختلفت قواعد هذه الحرب تمامًا عن حرب عام 2006 التي لم ينتصر فيها حزب الله عسكريًا على إسرائيل، لكنه أفشل عدوانها بمقاومته البطولية. إن أوهام القوة والثقة الزائدة بالنفس هي من عناصر الصدمة الحالية.
وبينما يرجَّح أن ينشغل حزب الله خلال الأيام القليلة القادمة بإعادة ترتيب أوضاعه وإعادة ترميم هيكله القيادي على مختلف المستويات، ومعالجة الخروق الأمنية التي يعانيها، فإن إسرائيل ستسمر في عدوانها على لبنان، وفرض حصار على مطار بيروت وموانئ لبنان ومعابره البرية، والعمل على إنهاك الحزب بما في ذلك إضعافه داخليًا في لبنان، مستفيدة من الزخم الذي حققه هجومها على الضاحية. لكنها ستنتظر أيضًا رد الحزب وإيران على عدوانها الأخير، وهو ما سيتحدد بناءً عليه مسار الصراع الدائر حاليًا. فإذا اختارت إيران عدم الرد، كما فعلت لدى اغتيال إسماعيل هنية في طهران، فهي تخاطر بترك حزب الله يواجه إسرائيل وحده مع ما يحمله ذلك من احتمالات لإضعاف قدراته العسكرية التي تعدّها إسرائيل التهديد العسكري الأكثر خطورة لقربه من حدودها، نظرًا إلى حجم ترسانة الصواريخ التي يمتلكها. سيؤدي امتناع إيران عن الرد أيضًا إلى تشجيع إسرائيل، في مرحلة تالية، على مهاجمة منشآتها النووية وبرامجها الصاروخية؛ لأن من شأن إضعاف حماس وحزب الله أن يجرّد إيران من وسائل الردع التي عملت على تقويتها في مواجهة إسرائيل خلال العقود الماضية والانكشاف كليًا أمامها. فوق ذلك، سوف يدفع تردد إيران في الرد إلى فقدان ثقة حلفائها بها، ويعني هذا فعليًا تفكيك محور المقاومة، ودفع إيران إلى الانكفاء على نفسها، وهو الهدف الأبرز الذي تسعى إسرائيل إلى تحقيقه.
خاتمة
يُعدُّ الهجوم على مقر القيادة المركزية لحزب الله، واغتيال أمينه العام حسن نصر الله، ضربةً كبيرةً للحزب، وسوف يسعى رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، إلى الاستثمار فيها للتعويض عن الفشل الذي واجهه على مدى عام في غزة، حيث أخفق في تحقيق أي من الأهداف التي وضعها للحرب هناك. ويرجّح أن يستمر نتنياهو في البناء على الزخم الحالي وتحويله إلى مكاسب سياسية في مواجهة خصومه وحلفائه في الائتلاف الحكومي عبر زيادة رصيده في الشارع الإسرائيلي. وسيحاول خلال المرحلة القادمة الاستمرار في الضغط على حزب الله لدفعه إلى الاختيار بين الاستسلام من خلال الموافقة على فك الارتباط مع غزة والانسحاب إلى شمال الليطاني، أو الاستمرار في القتال، ومن ثمّ توجيه مزيدٍ من الضربات إليه لإضعافه، بما في ذلك احتمال القيام بعملية برية محدودة تسمح له بإنشاء منطقة عازلة على الحدود مع لبنان. لكن باتخاذه هذه الخطوة قد يكون حزب الله قد جرّ نتنياهو إلى حيث يريد، وإلى حيث تكون قوة الحزب في أفضل حالتها؛ إذ يخوض الحرب على أرضه. في كل الأحوال، تنذر المعركة الدائرة في غزة ولبنان بين إسرائيل وفصائل المقاومة بإعادة تشكيل المشهد الإقليمي، وسيترتب عليها نتائج كبيرة في اتجاه نجاح المشروع الإسرائيلي أو إفشاله.

 

كلمات دلالية العدوان الاسرائيلي على لبنان تقدير موقف صادر عن المركز العربي للأبحاث

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: العدوان الاسرائيلي على لبنان فی الضاحیة الجنوبیة فی الیوم التالی حسن نصر الله استهداف مقر مقر القیادة إسرائیل فی وصول ا إلى على لبنان فی مواجهة فی الحزب مع لبنان حزب الله فی غزة

إقرأ أيضاً:

إسرائيل تتمسك بنقاط استراتيجية وتربط الانسحاب الكامل بنزع سلاح الحزب شمال الليطاني

رغم انتهاء مهلة الـ60 يومًا التي حددها اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان الذي أنهى العدوان الإسرائيلي الأخير، إلا أن تل أبيب تصر على استمرار وجود قواتها في المنطقة شهرين إضافيين، إلا أن البيت الأبيض أصدر بياناً منتصف ليل أمس أكد فيه أن اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل سيظل ساريا حتى 18 ِشباط. وأعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ليل الأحد – الإثنين أنه في نتيجة الاتصالات التي جرت مع الجانب الاميركي وبعد الاطلاع على تقرير لجنة مراقبة التفاهم والتي تعمل على تطبيق قرار مجلس الامن الرقم 1701، فان الحكومة اللبنانية تؤكد الحفاظ على سيادة لبنان وامنه واستمرار العمل بموجب تفاهم وقف إطلاق النار حتى 18 شباط 2025. وبناء على طلب الحكومة اللبنانية، ستبدأ الولايات المتحدة الاميركية مفاوضات لإعادة المعتقلين اللبنانيين في السجون الاسرائيلية والذين اعتقلتهم إسرائيل بعد السابع من تشرين الأول.
وسبق إعلان البيت الأبيض اندفاعة شعبية نحو الجنوب، حيث دخل أبناء الجنوب إلى قراهم، بينها الطيبة وعيتا الشعب وميس الجبل وحولا وغيرها رغم ترهيب العدو وإطلاقه النار بالأسلحة الرشاشة بشكل مباشر على المواطنين والذي انسحب من 18 بلدة جنوبية، دخلها الجيش ولن يخرج منها كما أعلنت مصادر عسكرية.

العميد المتقاعد أكرم سريوي يقول لـ"لبنان 24" إن ما حصل بالأمس هو معركة حقيقية سقط فيها عدد من الشهداء وتم تحرير عدد من القرى الجنوبية وصحيح أن المواطنين العائدين إلى قراهم لم يكن لديهم سلاح حربي لكنهم تسلحوا بالإرادة الصلبة، إرادة المقاومة والتمسك بالأرض ودحر الاحتلال. وقد أثبتت إسرائيل مجدداً أنها لا تحترم أي اتفاقات أو قرارات دولية وهي ما زالت تتمادى بانتهاك الاتفاق وبات واضحاً أن السبيل الوحيد لطرد الاحتلال الإسرائيلي من أرض لبنان هو المقاومة. فبقاء إسرائيل في عدة قرى لبنانية يؤكد النية المبيتة لدى العدو بالابقاء على منطقة شريط عازل داخل لبنان. فإسرائيل تريد أن تُقنع اللبنانيين والمستوطنين بأنها انتصرت في الحرب وأن المقاومة مهزومة ولا تستطيع أن تفعل شيئًا كما أنه لا فائدة من سلاح المقاومة الذي لم يحمِ سكان الجنوب ولم يمنع تدمير قراهم لكن مشهد الأمس قلب المعادلة ورسم صورة انتصار المقاومة بصمود أهلها وتمسكهم بوجودها ورفع راياتها فوق أنقاض المنازل المدمرة وعلى بُعد أمتار من دبابات العدو.
ويرى العميد منذر الايوبي من جهته لـ"لبنان24" أنه مما لا شك فيه أن يوم الاحد 26 الجاري مفصلي تاريخي يعيدنا مجددآ إلى ما يشبه 25 ايار 2000 وان اختلفت المشهدية في الظروف والملابسات. ففي يوم التحرير انسحبت قوات العدو مرغمة أمام ضربات المقاومة بعد احتلال جاوز عقدين من الزمن تقريباً، فيما اليوم وبعد حرب ضروس دفع فيها الوطن والجنوب اثمانأ غالية في الارواح والممتلكات لا يزال العدو يمارس عدوانه بكل همجية ولا اخلاقية رغم القرار الاممي 1701 يلزمه بالجلاء عن الاراضي اللبنانية ووقف الاعمال العدائية ثم اقرار اتفاق تطبيق آلياته باشراف ومراقبة اللجنة الخماسية العسكرية الدولية.

ومع ذلك، ينوي الإسرائيلي الاحتفاظ بخمس مرتفعات داخل الأراضي اللبناني وهي؛ مرتفع اللبونة في القطاع الغربي، جبل بلاط شرق يارين، تلة العويضة قرب عديسة، تلة الحمامص جنوبي الخيام، وتلة فشكول قرب كفرشوبا. وهذه النقاط، كما يصفها العميد سريوي، هي استراتيجية لقربها من المستعمرات الإسرائيلية وتسمح للعدو بالإشراف على مناطق واسعة داخل لبنان، كما أن إسرائيل تريد من خلال التمسك بهذه النقاط تعديل بنود الاتفاق، وكما سربت وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن الهدف هو توقيع اتفاق سلام مع لبنان وطبعاً ربط الانسحاب الكامل بنزع سلاح حزب الله من شمال الليطاني أيضاً. لكن هذا الطموح الإسرائيلي يصطدم برفض لبناني ودولي ويجعل الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات خاصة مع عودة المقاومة المسلحة إلى جنوب الليطاني واستمرار تهجير السكان على جانبي الحدود.

وعليه، فإن محاولة الجيش الاسرائيلي البقاء في نقاط استراتيجية وتمركزات في نقاط محددة ينقض، بحسب العميد الأيوبي، مضامين كلا القرار والاتفاق إضافة إلى إعادة تحفيز المقاومة لتنفيذ عملياتها بوجه الاحتلال وبالتالي إظهارها في موقع المعتدي أو عدم الامتثال لوقف الاعمال العدائية بالتالي دق إسفين بين المقاومة والدولة اللبنانية وإبقاء الجبهة الداخلية في حالة انقسام عمودي سياسياً واجتماعياً.

وسط ما تقدم، فإن السؤال المطروح اليوم هو كيف ستكون عليه الأمور شمال الليطاني وفق الآلية التي يعمل بها استناداً إلى اتفاق وقف إطلاق النار والذي خرقه الإسرائيلي مرارا لا سيما أن مهلة الستين يوما انتهت؟ وماذا لو استمرّت الاعتداءات والتفجيرات الإسرائيلية؟

ما حصل يوم أمس يؤكد، بحسب العميد سريوي، أن المقاومة لم تخرق الاتفاق وأن الضغط الشعبي سيستمر لتحرير باقي القرى على أن تواكب الدولة اللبنانية هذا التحرك الشعبي بضغط سياسي ودبلوماسي بالتعاون مع الدول الصديقة خاصة فرنسا والولايات المتحدة الأميركية والدول العربية، وإذا استمرت الاعتداءات الاسرائيلية ولم يتم الالتزام بتنفيذ الاتفاق، فإن الدولة اللبنانية والدول الراعية للاتفاق ستكون في موقع حرج، وهذا الأمر سيعطي، بحسب سريوي، الشرعية الكاملة للعودة إلى المقاومة المسلحة لتحرير الأرض والتي ستكون مدعومة هذه المرة من شريحة واسعة من اللبنانيين.

أما العميد الأيوبي فبين، أن مندرجات اتفاق وقف إطلاق النار بالنسختين الإنكليزية والترجمة العربية تحمل تفسيرات عدة، وإذ يفترض أن تؤخذ الأمور بالإيجابية الوطنية، فإن هذا التباين إن وجد يتسبب أيضاً بانقسام سياسي داخلي ستزداد ارتداداته مع الوقت، لا سيما إن لم يلتزم العدو الانسحاب الكامل بانتهاء مدة الهدنة الستين يوماً وتمديدها دون أجل محدد، وهنا لا بد من الإشارة إلى دور مهم يفترض أن تلعبه الرعاية الدولية لا سيما في بداية عهد جديد برئاسة العماد جوزاف عون وتشكيل حكومة جديدة ترسي مزيداً من الاستقرار الداخلي وسعيآ محموداً لإعادة الإعمار بالدعم الخليجي والسعودي خاصة، مع تأكيد الأيوبي أن الاهالي العائدين يدخلون إلى بلداتهم عنوة عن المحتل في مناطق عدة، لكن هذا الامر يتم بحماية ومساعدة الجيش ، إذ أن ضمانة الاتفاق تمكن في انتشار الجيش الذي يشكل ضمانة للمواطنين أيضاً، أما الكلام من بعض المغرضين أن الدولة لا تحميهم فخطأ شائع أو ملقم، فالدولة موجودة بحكم إقرار الاتفاق والعمل بموجبه كما تواجد الجيش وقوات اليونفيل، فيما المواجهة العسكرية لو حصلت بين الجيش وقوات الاحتلال ستعيدنا إلى المربع الأول وبالتالي استمرار العدوان..

وعليه، فإن ما حصل في الجنوب يجب أن يُشكّل، كما يشدد العميد سريوي، دافعاً للمسؤولين اللبنانيين للإسراع في تشكيل الحكومة كي تنطلق عملية الإصلاح والنهوض وتواكب ما يجري من أحداث في الجنوب للضغط على إسرائيل لتنفيذ التزاماتها ووقف اعتداءاتها على لبنان واحترام سيادته وفقاً لاتفاقية الهدنة وشرعة وميثاق الامم المتحدة، لكن ليس خفياً أن مسألة تشكيل الحكومة تخضع للتوازنات السياسية والمذهبية المعروفة في لبنان، وغير صحيح أن المشكلة في توزيع الحقائب فالكل يعلم أن هذه الحكومة هي مؤقتة وعمرها لن يتجاوز السنة وشهرين حيث ستتحول إلى حكومة تصريف أعمال بعد إجراء الانتخابات النيابية في أيار العام 2026 ولذلك فإن مسألة تشكيل الحكومة مرتبطة بتحديد الأحجام للقوى السياسية خاصة أن بعض الاطراف يطرح نفسه وصياً على الحكومة والعهد ويريد استخدام الحكومة لكسر الطرف الآخر.

وكذلك يعتبر العميد الايوبي من جهته، أن ما يجري اليوم على الارض الجنوبية يفرض تشكيل حكومة بالسرعة الممكنة بما يسمح تنشيط الحراك الديبلوماسي مع المجتمع الدولي لاستكمال انسحاب قوات العدو. كما ان التعالي عن الخلافات الداخلية امر ضروري لتسهيل تشكيل الحكومة واطلاق عجلة الاعمار، فلطالما كانت اسرائيل واجهزتها الاستخباراتية تسعى لبذر الشقاق بين اللبنانيين ومن هذا المنطلق تعتبر بقاءها في بعض النقاط الحدودية وانشاء ما يشبه الحزام العازل عبر تدمير نهائي ممنهج للقرى والبلدات مانع لامكانية ومقومات العيش.. الا ان السؤال يبقى في كيفية تفادي ذلك ويكمن في تشكيل حكومة فاعلة مع رهان على حركة ديبلوماسية يقودها رئيس الجمهورية عبر علاقاته و اتصالاته لما يتمتع به من ثقة دوليآ وعربيآ..

ومع ذلك، ومما لا شك فيه أن استمرار تمركز قوات العدو الإسرائيلي في بعض مناطق وتلال جنوب لبنان وفي سوريا، يهدف إلى خلق وقائع سياسية جديدة، فمسألة سوريا، كما يقول العميد سريوي، مرتبطة بمشروع أميركي- إسرائيلي لتغيير الشرق الأوسط وهذا المشروع يهدف بشكل رئيسي إلى توسع إسرائيل وتقسيم سوريا. وتطلق إسرائيل تسمية "عيون الأمة" على قمة جبل الشيخ وهي الآن باتت تحتل هذه المنطقة الاستراتيجية التي تُشرف على فلسطين ولبنان والأردن وسوريا حتى حدود العراق وتركيا، وتجدر الإشارة إلى أن هذه المنطقة ليست سورية فقط ، فالجانب الغربي منها هو أرض لبنانية. ولذلك يعتقد العميد سريوي، أن إسرائيل ستجد الذرائع للبقاء في تلك المنطقة كما أن استمرار الانقسام والفوضى داخل سوريا يخدم مصالح الدول الطامعة بسوريا ويمهد لاقتسام الأراضي السورية. صحيح أن خطاب القيادة السورية الجديدة هو خطاب وحدوي لكن الفرق كبير بين ما يريده السوريون وما تريده الدول التي تتدخل في هذا البلد والموجودة عسكريًا الآن على الأراضي السورية. المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • "الشعبية" تنعى شهيدها إضاء السبعين خلال العدوان الإسرائيلي جنوب لبنان
  • ارتفاع صادرات الأسلحة الصربية لــ’إسرائيل’ 30 ضعفًا خلال العدوان على غزة و لبنان
  • أسباب إرجاء الانسحاب الإسرائيلي ميدانيا واستراتيجيا
  • جيش الاحتلال يكشف تفاصيل استهداف شاحنة ومركبة تابعة لحزب الله
  • إعلام الاحتلال: حزب الله لم يُهزم ويستعيد نشاطه
  • مسئول لبناني يستنكر استهداف الاحتلال الإسرائيلي للقلاع الأثرية
  • الصايغ: مواجهة إسرائيل لا تكون في بيروت وجبل لبنان
  • "ولا ليوم واحد".. نعيم قاسم يُعلن رفض حزب الله تمديد انسحاب إسرائيل من لبنان رفضاً قاطعاً
  • الأمين العام لحزب الله: نشكر العراق على الدعم الذي قدمه إلى لبنان
  • إسرائيل تتمسك بنقاط استراتيجية وتربط الانسحاب الكامل بنزع سلاح الحزب شمال الليطاني