اغتيال نصر الله… هل تجاوزت إسرائيل الخط الأحمر لإيران؟
تاريخ النشر: 29th, September 2024 GMT
تُعتبر الهجمات التي شنها الجيش الإسرائيلي، في 27 سبتمبر/ أيلول 2024، على الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث يقع المقر الرئيسي لحزب الله، تحولًا جديدًا في الاشتباكات المستمرّة بين حزب الله وإسرائيل منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي ازدادت حدتها في الأسابيع الأخيرة. وتشير التصريحات القادمة من طهران إلى أن إيران لا ترغب في تصعيد التوتر أو تحوّله إلى حرب إقليمية.
ومنذ بداية "طوفان الأقصى"، صدرت العديد من التصريحات من المسؤولين الإيرانيين رفيعي المستوى، بمن في ذلك المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، آية الله خامنئي.
كما صدرت تصريحات عن كل من الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية السابق حسين أمير عبد اللهيان، والناطق باسم وزارة الخارجية ناصر كنعاني، ورئيس الجمهورية الحالي مسعود بزشكيان، ووزير الخارجية الحالي عباس عراقجي، وممثل إيران الدائم لدى الأمم المتحدة وغيرهم. وركّزت هذه التصريحات على نقطتين أساسيتين؛ هما: "ضرورة تحقيق وقف دائم لإطلاق النار في غزة"، و"منع انتشار الحرب إلى المنطقة".
وفي ردّها على الهجوم الذي استهدف السفارة الإيرانية في دمشق، أكدت إيران في بيانها أنها "استخدمت حقها المستمد من القانون الدولي"، مشددة على أنها "لا تسعى للدخول في حرب مع إسرائيل".
لكن الهجوم الذي شنته إسرائيل على المقر الرئيسي لحزب الله في بيروت، أسفر عن مقتل الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، الأمر الذي يُعد تحولًا جديدًا في الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل.
وبين سطور التصريحات الصادرة من إيران، يظلّ غامضًا ما إذا كان هذا الهجوم سيؤدي إلى تغيير في سياسة "الاعتدال" التي تبنتها إيران منذ البداية.
طهران مصممة على الحفاظ على "سياسة الاعتدال"قبل حوالي نصف ساعة من إعلان حزب الله عن مقتل حسن نصر الله في الهجوم، أشار آية الله خامنئي في تصريح له إلى أن "إسرائيل تقتل النساء والأطفال في غزة منذ عام، وأنها بدأت الآن في تنفيذ نفس الجرائم في لبنان". كما أكد خامنئي على أن "إسرائيل، باعتبارها نظامًا صغيرًا، غير قادرة على إلحاق ضرر جسيم بالبنية القوية لحزب الله في لبنان".
وأوضح كذلك أن "الوقوف إلى جانب لبنان وحزب الله في مواجهة النظام الإسرائيلي الظالم والشيطاني، هو واجب على جميع المسلمين". وفي أعقاب الهجوم الذي شنته إسرائيل على المقر الرئيسي لحزب الله في ضاحية بيروت الجنوبية، أصدر الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، بيانًا أكد فيه أن "الهجوم الإسرائيلي على حزب الله يُعد جريمة حرب واضحة لا يمكن إخفاؤها، ويكشف عن طبيعة الإرهاب الحكومي".
وأشار بزشكيان إلى أن "الجرائم التي يرتكبها النظام الصهيوني ضد شعبي فلسطين ولبنان تظهر عجز المجتمع الدولي عن إيقاف آلة الإرهاب الإسرائيلية". كما تثبت أن "هذا النظام يشكل التهديد الأكبر للسلام والأمن الإقليمي والدولي". ودعا الرئيس الإيراني جميع دول العالم، وخاصة الدول الإسلامية، إلى "إدانة الهجوم الإسرائيلي على حزب الله".
مؤكدًا أن "إيران تشارك لبنان في حزنه على هذه الخسارة، وستواصل متابعة جرائم إسرائيل الأخيرة، وتقديم الدعم للشعب اللبناني والمقاومة". وفي بيان مشابه، أصدر وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، تصريحًا بعد الهجوم، قال فيه إن "إسرائيل ارتكبت جريمة حرب وقتلت الأبرياء، خاصة النساء والأطفال".
وانتقد عراقجي المجتمع الدولي والدول التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان لصمتها وعدم تحركها. كما أوضح أن عجز المجتمع الدولي والدول الداعمة لإسرائيل عن إيقاف المجازر في غزة، هو ما شجع إسرائيل على استهداف لبنان بتهوّر.
وفي نهاية بيانه، شدّد عراقجي على أن "إسرائيل تشكل التهديد الأكبر للسلام والأمن الإقليمي والدولي". وخلال جلسة خاصة في مجلس الأمن الدولي حول لبنان، أدان عراقجي الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في غزة ولبنان. مشيرًا إلى أنه "لم يُتخذ أي إجراء لإيقاف "الإبادة الجماعية المروعة" التي تقوم بها إسرائيل في غزة، بل على العكس، تُكافَأ إسرائيل على أفعالها".
وأضاف وزير الخارجية أن "نتنياهو وداعميه يحلمون بتكرار مجازرهم في لبنان، وجر المنطقة بأكملها إلى حرب، معتمدين على دعم الولايات المتحدة".
ومن جهته، دعا رئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني، محمد باقر قاليباف، الدول الإسلامية إلى التحرك، مؤكدًا أن "محور المقاومة سيرد بقوة على الجرائم الإسرائيلية، وذلك دون إدخال إيران في دائرة الصراع بشكل مباشر".
وبالنظر إلى التصريحات التي أدلى بها آية الله خامنئي والمسؤولون الإيرانيون بعد الهجوم العنيف الذي استهدف حزب الله، وتسبب في مقتل زعيمه، نجد أن "طهران لم تغير سياستها القائمة على "الاعتدال". إذ يُعتبر توقيت تصريح خامنئي حول الهجوم الإسرائيلي قبل إعلان مقتل نصر الله خطوة إستراتيجية، حيث يُرجح أن خامنئي كان على علم بمقتل نصر الله في ذلك الوقت.
كما تؤكد تصريحات خامنئي والرئيس بزشكيان والمسؤولين الآخرين أن "طهران لا تسعى إلى اندلاع حرب إقليمية قد تجرّ إيران إليها، وهي لا ترغب في الدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل".
الخط الأحمر الإيرانيوبالنظر إلى الرسائل التي وجهها "بزشكيان" خلال مشاركته في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، يمكن القول إنها "توضح بشكل جلي أولويات إيران".
ففي اجتماع مع رؤساء المؤسسات الإعلامية الأميركية، صرح بزشكيان بأن "إيران مستعدة للتخلي عن أسلحتها بشرط أن تقوم إسرائيل بذلك أيضًا". وفي لقاء آخر مع الإيرانيين المقيمين في أميركا أثناء تناول العشاء، قدّم بزشكيان رسائل أكثر أهمية.
فقد حذر في خطابه الإيرانيين من "نتائج الأزمات الداخلية في إيران". مشيرًا إلى أنه "إذا استمرت التوترات، فإن الشعوب المختلفة مثل: الأتراك، والأكراد، والبلوش، والعرب قد يسعون إلى إنشاء دول مستقلة، مما سيؤدي إلى عدم بقاء دولة باسم إيران".
بالإضافة إلى ذلك، عقد "عراقجي" مؤتمرًا صحفيًا في نيويورك، أجاب فيه عن سؤال أحد الصحفيين حول "ما إذا كان حزب الله قد طلب من إيران التدخل عسكريًا لدعمه".
ورد قائلًا: "حزب الله يتخذ قراراته بنفسه، وهو قادر على حماية نفسه وحماية لبنان وشعبه". وهنا، يتضح أن "الخط الأحمر" لإيران هو "ضمان الانتقال السلس للنظام بعد آية الله خامنئي". والسياسة التي بدأت مع انتخاب "رئيسي" رئيسًا في عام 2021 تستمر الآن مع بزشكيان في إطار "سياسة الاستعداد لمرحلة الانتقال". حيث تهدف الدولة الإيرانية، من خلال هذه السياسة التي تجري تحت إشراف "خامنئي"، إلى تقليل الهشاشة والتحديات المحتملة بعد وفاته، وتجاوز الأزمات الاجتماعية التي قد تنشأ بسهولة أكبر.
من ناحية أخرى، يمكن الإشارة إلى أن "إيران تمر بمرحلة حاسمة تتمثل في نقل مكاسب الثورة الإسلامية لعام 1979 إلى ما بعد حقبة خامنئي بطريقة مستقرة". ولذلك، تخشى إيران أن تؤثر تحركاتها العسكرية ضد إسرائيل سلبًا على التركيبة الاجتماعية الهشة والضعيفة داخل البلاد.
وتدفع سياسة "الاستعداد لمرحلة الانتقال" هذه طهران إلى التركيز على الشؤون الداخلية وتجنب الأزمات الإقليمية، مع الحفاظ على الأمن الوطني. ومقارنة بتلك التي أعقبت اغتيال إسماعيل هنية في طهران، تُعد التصريحات الإيرانية التي صدرت بعد الهجوم الذي أدى إلى مقتل نصر الله أكثر هدوءًا. ويعود ذلك إلى خشية إيران من أن تعزيز فكرة الدخول في حرب قد يضر بسياسة "الاستعداد لمرحلة الانتقال".
كما أن من مصلحة إيران الوطنية أن يتحقق وقف لإطلاق النار في أقرب وقت ممكن، وخفض التوترات في المنطقة.
التأثير النفسي للتطورات على محور المقاومةأظهرت حرب "طوفان الأقصى"، والهجوم الإسرائيلي على السفارة الإيرانية في دمشق، والهجمات ضد حزب الله تناقضًا بين الخطاب والواقع العملي.
ويمكن القول إن "الموقف الضعيف عمليًا لإيران مقارنة بالتصريحات القوية التي أطلقتها تجاه إسرائيل، أدى إلى إحباط كبير وخيبة أمل في المجتمعات الداعمة لمحور المقاومة بقيادة إيران في المنطقة".
وفي تصريح لشبكة الجزيرة من عضو نشط في مليشيا "البسيج" التابعة للحرس الثوري الإيراني، والذي فضل عدم الكشف عن اسمه، وشخص آخر يعمل في قسم المعلومات التابع للحشد الشعبي في العراق، أوضحا أن "ما حدث على الجبهة اللبنانية، واختيار إيران لموقف أضعف مقارنة بخطابها، تسبب في خيبة أمل لهم وللأوساط الداعمة لمحور المقاومة".
وأضافا أن "الهجمات التي شنتها حركة أنصار الله اليمنية ضد إسرائيل أعادت الأمل لهم، ورفعت معنوياتهم التي كانت متدهورة".
وتشير هذه التطورات إلى أن الجماعات المسلحة المنضوية تحت ما يُعرف بمحور المقاومة، بما في ذلك إيران، قد تجد نفسها مضطرة إلى "تبني موقف أكثر توافقًا وواقعية بين التصريحات والأفعال".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الهجوم الإسرائیلی الهجوم الذی إسرائیل على لحزب الله نصر الله حزب الله الله فی فی غزة إلى أن
إقرأ أيضاً:
FA: سقوط الأسد نكسة استراتيجية لإيران
قالت مجلة "فورين أفيرز" إن إيران كانت ضحية لسقوط الأسد، حيث ذهبت سنين من العلاقات التي أنشأتها طهران بصبر وعلى مدى سنين.
واستعرضت المجلة في مقال لحميد رضا عزيزي، الزميل الزائر بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية والزميل غير المقيم في مجلس الشرق الأوسط للشؤون العالمية، استعرض فيه الطريقة التي خسرت فيها إيران وضرورة مشاركتها في مستقبل مستقر لمرحلة ما بعد الأسد.
وقال إن سقوط بشار الأسد السريع بعد 13 عاما من الحرب الأهلية، هز مفهوم الوضع الراهن المستقر مع أنه كان قمعيا. واستمر الأسد في معظم العقد الماضي في السلطة بسبب الدعم الذي لا يتزعزع من إيران وروسيا حيث واصل عملية قمعه للمعارضة. وما بدأ في عام 2011 كانتفاضة سلمية تطور إلى حرب أهلية مدمرة ثم انتهت لحالة من الجمود غير المريحة.
وكانت قبضة الأسد آمنة على ما يبدو، إلا أن نظامه انهار بعد عدة أيام من بداية حملة منسقة شنتها المعارضة ضده. وكانت إيران ضحية لسقوط الأسد، ومعه ذهبت سنين من العلاقات التي أنشأتها طهران بصبر وعلى مدى سنين. فقد كانت إيران الداعم الثابت له طوال النزاع، واستثمرت مع مرور الوقت الكثيرمن المصادر المالية والعسكرية لضمان بقاء الأسد في الحكم.
واللافت أن إيران كانت غائبة عندما بدأت المؤسسة العسكرية السورية بالانهيار. وبعد هروب الأسد، وصف المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية سقوط الأسد بأنه مؤامرة أجنبية رتبت بعناية، وهو تصوير قصد منه الحفاظ على صورة إيران كقوة إقليمية مرنة.
ويعتقد الكاتب أن تطور الأحداث السريع وتراجع القدرات العسكرية والسياسية الإيرانية على طول العام الماضي، وكذا التصعيد العسكري المباشر وغير المباشر مع "إسرائيل"، ترك القيادة في وضع مرتبك وغير قادرة على تشكيل استراتيجية متماسكة للرد على الأحداث.
ومن هنا، فالنكسة الإستراتيجية التي تعرضت لها إيران، تمنح الولايات المتحدة فرصة استثنائية، للحد من احتمالات تجدد الصراع والعمل على ترسيخ الاستقرار الدائم في سوريا.
ومن خلال الاستمرار في دعم القوات الكردية السورية، وتعزيز الحوار بين أصحاب المصلحة السوريين الرئيسيين، وتشجيع ضبط النفس الإسرائيلي في سوريا، يمكن لواشنطن أن تساعد في تشكيل واقع ما بعد الأسد في صورة سلام وأمن طويل الأمد.
إلا أن استقرار المنطقة يتطلب، على الأرجح، مشاركة إيران في المحادثات حول مستقبل سوريا. وإذا فشلت واشنطن وطهران في التعامل مع بعضهما البعض، فإن معاناة سوريا ستتواصل.
وأشار عزيزي إلى تورط إيران الطويل في الحرب الأهلية السورية، حيث أنفقت ما بين 30-50 مليار دولار لدعم بقاء الأسد في السلطة. وقدمت الدعم العسكري، والنفط والمقاتلين الأفغان والباكستان والميليشيات الشيعية في العراق وحزب الله اللبناني إلى جانب عناصر من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. وبعد المعارك التي خاضتها جماعات إيران على نطاق واسع، بدأت إيران في عام 2018 بتعزيز إنجازاتها في جنوب وجنوب- شرق سوريا ودمج الميليشيات في القوات السورية، ولم تكن هذه الجهود كافية لمنع انهيار نظام الأسد السريع في كانون الأول/ ديسمبر.
ويبدو أن وهم حكومة قادرة ومستقرة في دمشق ضلل إيران، مع أنها هي التي ساعدت الأسد في تكريس هذا الفهم. ولم تكن طهران والحالة هذه مستعدة لمواجهة الانهيار السريع للجيش السوري، حيث انهارت الخطوط الدفاعية ولم يكن الجنود مستعدين أو راغبين في القتال. وفي أيام قليلة استولت المعارضة على حلب، كبرى المدن السورية، ثم تقدمت جنوبا، حيث لم تترك للإيرانيين أي وقت للرد بفعالية.
يضاف إلى هذا، ما حدث لحزب الله من ضعف خلال العام، بدرجة لم تكن فيها إيران قادرة على نشر مقاتليه، كما فعلت في الماضي، دفاعا عن الأسد.
وبعد مقتل الجنرال قاسم سليماني، تحول الحزب إلى المنسق الرئيسي مع سوريا، إلا أن خسارته قيادته وقدراته العسكرية في مواجهته مع "إسرائيل" جعلته غير قادر على تقديم الدعم للأسد. وواجهت إيران مشكلة أخرى في تقديم الدعم للأسد، وهي الغارات الإسرائيلية المكثفة على سوريا والتي استهدفت بداية عرقلة شحنات الأسلحة إلى حزب الله. وتحولت المواجهة الإسرائيلية مع حزب الله والجماعات الموالية لإيران إلى حظر جوي وبري في نهاية 2023، وقد اعترف خامنئي في كانون الأول/ ديسمبر بأن إيران لم تكن قادرة على مساعدة الأسد، لأن كل منافذ الدعم كانت مغلقة.
وبشكل متواز، أظهرت الميليشيات العراقية التي لعبت دورا مهما في الحرب الأهلية، عدم رغبة في دخول المعمعة مرة أخرى، نظرا لانشغالاتها المحلية وقلقها من كلفة التصعيد الخارجي. وبدون آلية موثوقة لدعم الأسد، وجدت طهران نفسها مقيدة وغير قادرة على دعم الأسد.
كما أثرت العوامل الداخلية في إيران على قراراتها بعدم التدخل.
وكشفت جولتان من الهجمات المتبادلة مع "إسرائيل"، وخاصة سلسلة من الضربات الإسرائيلية على المواقع العسكرية والدفاعات الجوية الإيرانية في تشرين الأول/ أكتوبر، عن نقاط ضعف الجمهورية الإسلامية.
كما أن الاقتصاد الإيراني اليوم أقل قوة بكثير مما كان عليه عندما تدخلت طهران لأول مرة في سوريا في عام 2011، مما حد من قدرتها على تحمل كلفة باهظة لمشاركة خارجية أخرى.
وفي مواجهة احتمال المزيد من التصعيد، أعطت طهران الأولوية لتعزيز دفاعاتها بدلا من تحويل الموارد ودعم صراعات أجنبية.
ويعتقد عزيزي أن سقوط الأسد، كشف عن ضعف إيران وكذا عن التحديات التي تواجهها، إن على مستوى التأثير الإقليمي أو استقرار النظام. ولعل إعادة بناء القدرات العسكرية لحزب الله، هي واحدة من هذه التحديات، فقد عملت سوريا لفترة طويلة كمركز لوجستي حيوي في "الممرالبري" الذي يربط إيران بالبحر الأبيض المتوسط ونقل عبره الدعم العسكري إلى لبنان.
ومع سقوط الأسد انقطع خط الإمداد هذا، الأمر الذي أدى إلى عزل حزب الله وتعطيل الاتصال الجغرافي لمحور المقاومة. والآن يواجه حزب الله، الذي أضعفته حرب استمرت 14 شهرا مع "إسرائيل"، المهمة الشاقة المتمثلة في التعافي بدعم لوجستي أقل بكثير من إيران.
وكشف سقوط الأسد عن الخلافات الأيديولوجية والطائفية داخل محور المقاومة، فقد اعتبرت إيران وحزب الله والجماعات العسكرية في العراق والحوثيون في اليمن سقوط الأسد نكسة، فيما هنأت حماس والجهاد الإسلامي، هيئة تحرير الشام على إنجازها.
وأكثر من هذا، فستواجه إيران شكوكا بشأن مصداقيتها بين أطراف محور المقاومة في العراق واليمن، وبخاصة أنها فشلت في الدفاع عن الأسد. وستؤثر خسارة إيران لحليفها في دمشق على منافستها مع أنقرة. فقد كانت تركيا أقوى داعم لجماعات المعارضة السورية. ففي ظل الأسد كانت طهران قادرة على مواجهة الطموحات التركية بالمنطقة. ومنذ سقوط الأسد أصبحت تركيا اللاعب الرئيسي الذي حل محل إيران وروسيا. مما أدى إلى توسيع نطاق نفوذ تركيا مع الحد من نفوذ إيران.
هناك مخاوف متزايدة في إيران من أن تركيا، التي شجعها موقف طهران الضعيف، قد تسعى الآن إلى زيادة نفوذها على حساب إيران، في العراق ولبنان وجنوب القوقاز.
وأخيرا، أدى سقوط الأسد إلى زيادة مشاعر السخط بين الموالين للنظام في طهران، حيث وصف البعض الخسارة بأنها خطأ استراتيجي وانتقدوا الحكومة علنا على شاشة التلفزيون الحكومي. وبالنسبة لنظام يعتمد بشكل كبير على قاعدة أنصار متحمسين، فإن مثل هذه المعارضة تشكل معضلة خطيرة.
وعلاوة على ذلك، هناك مخاوف من أن استغلال جماعات المعارضة في جنوب إيران، وبخاصة بين البلوش والعرب انتصار المعارضة السورية لإحداث مزيد من المشاكل للنظام.
كل هذا لا يعني أن إيران خسرت بالكامل سوريا، فقد أظهرت قدرة على التكيف للحفاظ على النفوذ في سوريا والشام من خلال إجراء تعديلات تكتيكية.
وقد أبدت إيران اهتمامها بالتعامل مع الجماعات الكردية السورية التي،على الرغم من عدم تحديها للأسد بشكل مباشر، كانت من بين الجهات الفاعلة الرئيسية خلال الحرب وتحتفظ بالسيطرة على أجزاء كبيرة من شمال –شرق سوريا.
ففي الفترة التي سبقت الإطاحة بالأسد،انسحبت القوات المدعومة من إيران من مواقع رئيسية في شرق سوريا، وبخاصة في محافظة دير الزور بالقرب من الحدود العراقية، ونقلت السيطرة إلى قوات سوريا الديمقراطية، التي يتألف أفرادها وهيكل قيادتها في المقام الأول من الأكراد. وتشير هذه الجهود لموضعة إيران نفسها كشريك محتمل للأكراد السوريين، وبخاصة في ضوء المخاوف الكردية من احتمال تضاؤل الدعم الأمريكي للأكراد بمجرد دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وربما بحثت إيران إمكانية التعامل مع هيئة تحرير الشام، والاستفادة من المشاعر المعادية لـ"إسرائيل" والمؤيدة للفلسطينيين داخل صفوف المعارضة.
وعلى الرغم من أن قيادة هيئة تحرير الشام أعربت عن عدم رغبتها في بدء صراع مع إ"سرائيل"، فإن الضربات الإسرائيلية المستمرة واحتلال الأراضي السورية، قد تعمل على تغيير الرأي.
وقد تقدم طهران الدعم لهيئة تحرير الشام في مقابل تنازلات استراتيجية، مثل تجديد الوصول إلى حزب الله في لبنان.
ومن ناحية أخرى، قد تعمل إيران على إقامة علاقات جديدة مع الأقليات الشيعية والعلوية في غرب سوريا.
ومن خلال التحالف مع هذه المجموعات، قد تتمكن إيران من بناء شبكة من القوات الموالية والوكلاء للحفاظ على نفوذها في سوريا حتى في غياب نظام حاكم مطواع. وربما أعادت إيران تجميع مئات الجنود التابعين لنظام الأسد الذين فروا إلى العراق وتحويلهم إلى قوة مضادة للثورة، وهو ما قد يمكنها من استعادة موطئ قدم لها في سوريا. د
وبالمحصلة، فسقوط الأسد وتراجع الدور الإيراني يقتضي من أمريكا اتخاذ خطوات مهمة للمشاركة. أولاها مواصلة الدعم الأمريكي للأكراد السوريين.
فالدعم الأمريكي المستمر، بما في ذلك المساعدة المالية والسياسية والدبلوماسية، من شأنه أن يعزز الأكراد ضد أي تهديدات من تركيا ويردع إيران عن استغلال الفراغ بعد سقوط الأسد. وثانيا، يجب على واشنطن الضغط على "إسرائيل" وقف عملياتها في جنوب- غرب سوريا وخفض تصعيدها.
وثالثا يجب على الولايات المتحدة التعاون مع حلفائها في الشرق الأوسط وأوروبا لتعزيز الحوار السياسي الشامل بين كافة الفصائل السورية.
ذلك أن الفراغ في السلطة الذي خلفه رحيل الأسد يهدد بزيادة المنافسة بين مختلف الفصائل وبين الأقليات العرقية والدينية العديدة في البلاد.
والواقع أن الولايات المتحدة لا بد وأن تعرض على إيران مقعدا على الطاولة أثناء المحادثات الإقليمية بشأن مستقبل سوريا، ومعالجة المخاوف الأمنية لدى طهران في حين تدعو قيادتها إلى خفض التصعيد على جبهات أخرى.