خيارات حزب الله عقب اغتيال نصر الله
تاريخ النشر: 29th, September 2024 GMT
جاءت عملية اغتيال الأمين العام لجماعة حزب الله اللبنانية حسن نصر الله؛ بعد أن تيقنت القيادة الإسرائيلية باستحالة التوصل إلى اتفاق مع الحزب بوقف حرب الإسناد وفصل وحدة الساحات والتخلي عن المقاومة في غزة وتأمين عودة المهجرين إلى مستوطنات الشمال. ويبدو أن القيادة الإسرائيلية قد اكتسبت الجرأة باغتيال نصر الله عقب سلسلة من العمليات الاستخباراتية والعسكرية الدقيقة والناجحة ضد حزب الله اللبناني، وبعد إصرار الحزب على الالتزام بوتيرة منخفضة من التصعيد ودون تغيير جذري على مبدأ الإسناد وقواعد الاشتباك.
ولا جدال في أن إيران مارست ضغوطات على استراتيجية حزب الله خشية الانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة، فالسلوك الإيراني الذي لم يمل من تكرار عدم رغبته بخوض حرب ساخنة أدى في نهاية المطاف إلى تشجع إسرائيل على اتخاذ خطوات تصعيدية أكثر وحشية تجاه حزب الله ومحور المقاومة.
منذ بدء عملية "طوفان الأقصى" التي أطاحت بركائز الأمن القومي الإسرائيلي وخلقت لدى المستعمرة الصهيونية حالة من الشك الوجودي، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه سوف يقوم بتغيير الشرق الأوسط، والذي تغيّر بالفعل على غير ما يرغب نتنياهو بعد صمود المقاومة الفلسطينية في غزة، ودون أن تتمكن حرب الإبادة من القضاء على المقاومة واستعادة الرهائن ودون أن تتمكن إسرائيل من وقف جبهات الإسناد. وعقب النشوة التي أصابت نتنياهو بعد اغتيال نصر الله أعاد ذات العبارات البلاغية الجوفاء بالقول: "إن القضاء على الأمين العام لجماعة حزب الله اللبنانية حسن نصر الله يمثل نقطة تحول تاريخية يمكن أن تغير ميزان القوى في الشرق الأوسط"، لكنه حذر في الوقت ذاته من "أيام صعبة" مقبلة.
ي حالة حزب الله، فإن اغتيال قياداته التاريخية يؤجج الرغبة في الصمود والانتقام لدى القيادات الجديدة ويدفعها إلى نهج أكثر راديكالية، أما الحاضنة الاجتماعية فتصبح أكثر تعاطفا ورغبة بالتضحية والالتحاق بالحزب والتجنيد بعد أن تحولت قيادات المقاومة إلى رموز وأيقونات
إن الإيام الصعبة التي تنتظر المستعمرة الصهيونية آتية دون ريب، فحزب الله الذي تعرض خلال الأسابيع الماضية لصدمة قاسية واختبار صعب بخسارة مجموعة كبيرة من قيادات الصف الأول، سوف يعمد إلى اختيار قادة جدد وإعادة هيكلة قد تتطلب بعض الوقت، ومن المرجح أن يتولى هاشم صفي الدين منصب الأمين العام، لكن عمليات القتل المستهدف لقيادات بارزة لن تقوض الهيكلية التنظيمية الصلبة والقدرات العملياتية الميدانية، كما أن عمليات القصف الوحشية لا تضعضع حواضن المقاومة الصلبة.
وفي حالة حزب الله، فإن اغتيال قياداته التاريخية يؤجج الرغبة في الصمود والانتقام لدى القيادات الجديدة ويدفعها إلى نهج أكثر راديكالية، أما الحاضنة الاجتماعية فتصبح أكثر تعاطفا ورغبة بالتضحية والالتحاق بالحزب والتجنيد بعد أن تحولت قيادات المقاومة إلى رموز وأيقونات. وإذا كان حسن نصر الله شخصية أيقونية فقد تحول إلى أسطورة ومثال عقب اغتياله في الضاحية الجنوبية ببيروت في 27 أيلول/ سبتمبر 2024. أما بقية القيادات العسكرية للحزب ممن لم يكونوا معروفين على المستوى الشعبي، فقد أصبحوا لدى القاعدة الشعبية سلسلة كبيرة من الرموز، أمثال القائد العسكري فؤاد شكر الذي اغتيل في 30 تموز/ يوليو الماضي، وقائد عمليات حزب الله إبراهيم عقيل في 20 أيلول/ سبتمبر، وفي نفس الوقت اغتيل القيادي في قوة الرضوان أحمد وهبي، وفي 24 أيلول/ سبتمبر قتل قائد وحدة الصواريخ والقذائف في الحزب إبراهيم قبيسي، ونائبه عباس شرف الدين، وقائد كبير من فرقة الصواريخ في حزب الله، هو حسين عز الدين. وقُتل قبل ذلك القائد الميداني الكبير في الحزب طالب عبد الله في 12 / حزيران/ يونيو.
وجاءت سلسلة الاغتيالات بعد تفجيرات دامية لأجهزة اتصال كان يستعملها عناصر حزب الله، في 17 و18 أيلول/ سبتمبر، في عملية خلفت نحو 39 قتيلا وأكثر من 3000 مصاب.
إن التوترات بين حزب الله وإسرائيل ليست جديدة فهي تتصاعد منذ وقت طويل، وقد تعهد باستنزاف إسرائيل كجبهة إسناد تضامنا مع غزة، وتأكيدا لوحدة ساحات المقاومة. ومنذ عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر توعدت إسرائيل حزب الله الذي حافظ على وتيرة منخفضة من الإسناد من خلال إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار عبر الحدود بشكل شبه يومي، وقد تسببت الهجمات المتبادلة المحسوبة بنزوح ما يقدر بنحو 80 ألف مستوطن إسرائيلي من منازلهم. وفشلت الجهود الدبلوماسية الأمريكية والأوروبية بوقف القتال من خلال الضغط ومطالبة حزب الله بوقف قصفه وإعادة نشر قواته بعيدا عن الحدود بدعوى تطبيق قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، الذي أنهى الحرب بين إسرائيل وحزب الله في عام 2006، والذي يحظر رسميا على حزب الله العمل في المناطق القريبة من الحدود، وهو ما جعل مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي يعلن عن نواياه للتصعيد في العمليات الاستخباراتية والعسكرية الإسرائيلية ضد حزب الله.
إن الأهداف الإسرائيلية العميقة من التصعيد مع حزب الله تنشد توسيع نطاق الحرب وإجبار إيران والحزب على رد واسع يجبر الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين على الانخراط في حرب إقليمية واسعة. وعلى الرغم من المخاطر التي قد تترتب على رد حزب الله الانتقامي، فإن حكومة نتنياهو تبدو عازمة على مواصلة تصعيد هجماتها على الحزب وإجباره على إعادة الانتشار والانسحاب إلى خلف الليطاني، وإضعاف البنية التحتية العسكرية لحزب الله وتحجيم ترسانته، وتعطيل هيكل قيادته، وإضعاف هيمنة الحزب على الشؤون السياسية والأمنية الداخلية في لبنان. لكن ثمة شبه يقين أن أهداف إسرائيل صعبة التحقق، فالعمليات الجوية التي تتوسع في سياسات الأرض المحروقة وقتل المدن، لن تؤدي إلى نزع قدرات حزب الله، وتفكيك ثقته، وشل قدرته على الردع، بل إن الأهداف الأكثر تواضعا بفصل ساحات المقاومة والابتعاد عن إسناد غزة تبدو عصية المنال، فحزب الله راسخ بقوة وعمق في البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية في لبنان، ويشكك معظم الخبراء بقدرة إسرائيل عسكريا على شل حركة الحزب.
رغم الضربات الجوية الإسرائيلية القاسية على لبنان، وشروع إسرائيل بمد حرب الإبادة، إلا أنها مترددة حول خوض حرب برية، فالعملية البرية ضد حزب الله الذي يمتلك قدرات كبيرة على الأرض قد تسفر عن أعداد كبيرة من الضحايا في صفوف القوات الإسرائيلية، كما حصل في حرب 2006، ولكن عقب اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله، وفي ظل قيادة جديدة، ربما يصعد الحزب من هجماته الكمية والنوعية ويتخلى عن حدود استراتيجيته المحسوبة، بضرب أهداف استراتيجية محددة كما فعل بهجماته على قاعدة رامات دافيد الجوية ورافائيل، وهي شركة تصنيع رئيسية لتكنولوجيا الدفاع، عقب حادثة أجهزة النداء أو الاتصالات اللاسلكية، فتصعيد حزب الله بتوسيع نطاق الاستهداف واستخدام أسلحة جديدة كان في غاية المحدودية والبراغماتية المحسوبة.
جاء دخول حزب الله في اليوم التالي لعملية "طوفان الأقصى" في إطار الإسناد ومواجهة محسوبة بهجمات عير صواريخ ومسيرات منسقة ومتدرجة، ولم تتوقف تهديدات إسرائيل لحزب الله منذ الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وأجرى الجيش الإسرائيلي عدة مناورات عسكرية في شمال فلسطين، وأعلن في 18 حزيران/ يونيو 2024، أنه "تمت المصادقة على الخطط العملياتية لشن هجوم في لبنان".
خيارات حزب الله في مواجهة التصعيد الإسرائيلي لا تنفصل عن رؤية إيران، فالحزب هو الأكثر صلة بإيران من كافة أطراف محور المقاومة، وقد عبرت إيران بوضوح شديد بأنها لا تريد الانخراط في حرب مفتوحة ساخنة، فهي تعتقد أن شبكة محور المقاومة تتضرر لكنها لن تُكسر، وهي لا تخاطر بالدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل التي تتمتع بمساندة الولايات المتحدة وحليفاتها الأوروبية، والتي ستدخل في الحرب إلى جانب إسرائيل، ولذلك فإن النهج الإيراني هو الصبر الاستراتيجي
ورغم اختلال ميزان القوة بين إسرائيل وحزب الله، فإن الحزب قوة لا يستهان بها وقادرة على إحراج المستعمرة وإلحاق الضرر بأمنها. فقد طور الحزب من قدراته القتالية واكتسب خبرة ميدانية طويلة، ولم تعد إسرائيل قادرة على اجتياح لبنان كما حدث عام 1982، الذي شهد ولادة حزب الله، فقد تحول الحزب على مدى عقود إلى قوة لا يستهان بها وفق منطق الحروب اللا متكافئة. وشكّلت حرب 2006 محطة فاصلة، مهدت لمرحلة الاستنزاف الاستراتيجي التي تقوم على "إنتاج توازن استراتيجي يرتكز على توازن ردع متبادل" حيث بلور حزب الله مفهوما عملياتيا يستند إلى قدرات نارية متطورة ودقيقة، إلى جانب تطوير منظومات القيادة والسيطرة، وتعزيز الكفاءة العملياتية لوحداته القتالية، وبشكل خاص قواته الخاصة المسماة وحدة "الرضوان".
يعد حزب الله أكبر جماعة عسكرية غير حكومية تسليحا في العالم، وتشير أغلب التقديريات إلى إن الحزب يملك ما بين 50 و100 ألف مقاتل، ونحو 150 ألفا من الصواريخ القصيرة والمتوسطة وبعيدة المدى. وثمة شكوك في قدرة نظام الدفاع الجوي "القبة الحديدية" في التصدي لترسانة حزب الله الضخمة من الصواريخ والطائرات بدون طيار، وثمة اعتقاد راسخ بأن الحزب بنى شبكة أنفاق تحت لبنان يقول محللون إسرائيليون إنها أكثر اتساعا من تلك التي تستخدمها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة، وعلى عكس غزة المعزولة جغرافيا عن داعميها في طهران، شيّدت إيران طرق إمداد برية وجوية تؤدي إلى لبنان عبر العراق وسوريا، يمكن استخدامها لدعم قوات حزب الله في حال اندلاع حرب شاملة مع إسرائيل.
خلاصة القول، إن خيارات حزب الله في مواجهة التصعيد الإسرائيلي لا تنفصل عن رؤية إيران، فالحزب هو الأكثر صلة بإيران من كافة أطراف محور المقاومة، وقد عبرت إيران بوضوح شديد بأنها لا تريد الانخراط في حرب مفتوحة ساخنة، فهي تعتقد أن شبكة محور المقاومة تتضرر لكنها لن تُكسر، وهي لا تخاطر بالدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل التي تتمتع بمساندة الولايات المتحدة وحليفاتها الأوروبية، والتي ستدخل في الحرب إلى جانب إسرائيل، ولذلك فإن النهج الإيراني هو الصبر الاستراتيجي الذي يشير إلى أن إيران تفوز فعليا في حرب الاستنزاف.
وقد جاءت هجمات إسرائيل الإرهابية الوحشية على لبنان واغتيال قادة حزب الله وعلى رأسهم حسن نصر الله كمحاولة لدفع الحزب وإيران لشن هجمات واسعة على إسرائيل، وهو ما يبرر حربا إقليمية شاملة تنخرط فيها الولايات المتحدة والدول الغربية إلى جانب إسرائيل. ويبدو أن إيران وحزب الله سوف يعمدان إلى إعادة الهيكلة، ثم إجراء حسابات دقيقة حول مقدار الضرر الذي يمكن تحمله دون خسارة القدرة الحيوية والكرامة الإنسانية.
x.com/hasanabuhanya
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اغتيال حزب الله الإسرائيلية التصعيد إيران إيران إسرائيل اغتيال حزب الله تصعيد مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة محور المقاومة الأمین العام حزب الله فی الحزب على إلى جانب فی حرب
إقرأ أيضاً:
«الظّل» الذي طاردته إسرائيل لعقود.. من هو «محمد الضيف»؟
أعلن أبو عبيدة الناطق باسم كتائب “القسام” الجناح العسكري لحركة “حماس”، في وقت سابق أمس الخميس، مقتل قائد هيئة أركان الكتائب القائد محمد الضيف خلال معركة “طوفان الأقصى”، إلى جانب أربعة آخرين من كبار قادتها خلال الحرب بين إسرائيل والحركة في قطاع غزة، فمن هو محمد الضيف الذي طاردته إسرائيل لعقود؟
ويعد الضيف صاحب المسيرة الطويلة والمحاطة بالغموض في حماس، حيث كانت له قدرة كبيرة على التخفي والإفلات من مطاردة إسرائيل التي وضعته على رأس قائمة المطلوبين منذ عقود، فمن هو الضيف؟
ارتبط اسم محمد الضيف، منذ التسعينيات بفصائل “المقاومة الفلسطينية”، ويعتبر أحد أبناء الجيل الأول من “القساميين”.
منذ أكثر من ثلاثة عقود، قاد الضيف كتائب “الشهيد عز الدين القسام”، متجاوزا محاولات الاغتيال المتكررة التي جعلته أشبه بالشبح الذي يؤرق إسرائيل ويعيد صياغة معادلات الصراع في كل مواجهة، وصولا إلى معركة “طوفان الأقصى”.
نشأته وبداية حياته العسكرية:
وُلد محمد دياب إبراهيم المصري، المعروف بـ”محمد الضيف”، عام 1965 في مخيم خان يونس للاجئين جنوب قطاع غزة، لعائلة هجّرت من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، ليستقر بها المقام في مخيم خان يونس للاجئين جنوب قطاع غزة.
تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدارس مخيم خان يونس كما بقية اللاجئين الفلسطينيين الذين هجِّروا من ديارهم وأرضهم وممتلكاتهم.
تأثر منذ صغره بواقع “الاحتلال وظروف اللجوء القاسية”، وهو ما دفعه للانخراط في صفوف “حماس” خلال دراسته في الجامعة الإسلامية بغزة، حيث درس العلوم وكان من الناشطين في الكتلة الإسلامية.انضم إلى حركة “حماس” منذ صغره وكان عنصرًا نشيطا فيها.
شارك في فعاليات الانتفاضة الكبرى التي اندلعت نهاية عام 1987 واعتقل في إطار الضربة الأولى التي وجهتها القوات الإسرائيلية للحركة في صيف عام 1989 بتهمة الانضمام إلى الجناح العسكري للحركة الذي كان الشيخ صلاح شحادة (قتل في صيف 2002) قد أسسه آنذاك، وكان يحمل اسم “حماس المجاهدين” قبل أن يطلق عليه اسم “كتائب القسام”، وأمضى عاما ونصف العام في السجن.
أفرجت إسرائيل عام 1991 عن الضيف من سجونها ليلتحق بالمجموعات الأولى لكتائب “القسام” التي أعيد تشكيل الجهاز العسكري من خلالها، وذلك من خلال مجموعة خان يونس، والذين قتل معظمهم مثل ياسر النمروطي وجميل وادي، هشام عامر، وعبد الرحمن حمدان، ومحمد عاشور، والأسير حسن سلامة وغيرهم من المقاومين.
أصبح الضيف مطلوبا لإسرائيل، بعد مشاركته في تنفيذ العديد مما يسمى بـ”العمليات الفدائية” والاشتباك مع قواتها.
بدأت عملية مطاردته بعد أن رفض تسليم نفسه. وتمكن خلال هذه الفترة ومن خلال إتقانه للتخفي والبقاء في مكان واحد لفترة طويلة، من ألا يقع في قبضة القوات الإسرائيلية حيا أو ميتا.
برز دور الضيف بعد اغتيال عماد عقل الذي برز اسمه في سلسلة “عمليات فدائية” في نوفمبر من عام 1993، حيث أوكِلت إليه قيادة “كتائب القسام”.
خلال هذه الفترة، استطاع الضيف أن يخطط وينفذ عدة عمليات نوعية، وكذلك تمكن من الوصول إلى الضفة الغربية وتشكيل العديد من “الخلايا الفدائية” هناك، والمشاركة في تنفيذ عدة “عمليات فدائية” في مدينة الخليل والعودة إلى قطاع غزة.
لعب محمد الضيف دورا كبيرا في التخطيط لعملية خطف الجندي الإسرائيلي نخشون فاكسمان عام 1994 في بلدة بير نبالا قرب القدس والذي قتِل وخاطفيه بعد كشف مكانهم.
وظهر الضيف وهو يحمل بندقية وبطاقة هوية فاكسمان التي هربت من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، حيث كان ملثما بالكوفية الحمراء.
ومع اشتداد الخناق على المطلوبين لإسرائيل في قطاع غزة، رفض الضيف طلبا بمغادرة قطاع غزة خشية اعتقاله أو اغتياله، لا سيما في ظل سياسة قصف المنازل التي يعتقد أن بها أيا من المطلوبين، وقال كلمة مشهورة آنذاك: “نحن خلقنا لمقاومة الاحتلال إما أن ننتصر أو نستشهد”، وذلك على الرغم من موافقة عدد من زملائه على الخروج من القطاع.
تمكن الضيف من أن يؤمن وصول المهندس يحيى عياش، أحد خبراء المتفجرات في الضفة الغربية إلى قطاع غزة بعد تضييق الخناق عليه في الضفة الغربية، وللاستفادة من خبرته في صناعة المتفجرات، حيث تم اغتياله بواسطة هاتف مفخخ مطلع عام 1996.
وقف الضيف وراء عمليات الثأر لعياش، من خلال إرسال حسن سلامة إلى الضفة الغربية للإشراف عليها، حيث قتل في هذه “العمليات الفدائية” حوالي ستين إسرائيليا.
لاحقا، بدأ بالاستعداد لتنفيذ المزيد من العمليات حتى اندلعت انتفاضة الأقصى في سبتمبر من عام 2000 .
ومع إفراج السلطات الإسرائيلية عن الشيخ صلاح شحادة عام 2001، سلّم الضيف الشيخ شحادة قيادة الجهاز العسكري، حيث كلف شحادة الضيف بالمسؤولية عن الصناعات العسكرية للكتائب.
تعرض الضيف لمحاولة الاغتيال الأولى بعد عام من اندلاع الانتفاضة، حيث كان برفقة عدنان الغول (قتل في 22 أكتوبر 2004) خبير المتفجرات في كتائب القسام ونجله بلال، إ أطلقت عليهم طائرة إسرائيلية صاروخا في بلدة “جحر الديك” وقد نجيا من الاغتيال بأعجوبة بعد مقتل بلال في القصف ليغطي على والده ورفيق دربه.
قيادة الجهاز العسكري:
وبعد اغتيال شحادة في صيف عام 2002، أعادت قيادة الحركة المسؤولية للضيف لقيادة الجهاز العسكري.
في 26 سبتمبر من عام 2002، نجا الضيف من محاولة اغتيال ثانية بعد قصف السيارة التي كانت تقله في حي الشيخ، حيث قتل مرافقاه وأصيب بجراح خطيرة للغاية.
وأشارت مصادر فلسطينية إلى تعرض الضيف لمحاولة اغتيال ثالثة في قصف أحد المنازل في صيف 2006 خلال العملية العسكرية “لإسرائيلية بعد أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، حيث قيل إنه أصيب بجراح خطيرة. دون أن تؤكد ذلك كتائب “القسام”.
وكانت أخطر محاولات اغتيالاته في عام 2014، خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، حيث استهدفت الطائرات الحربية منزله وقتلت زوجته وابنه، لكن الضيف خرج من تحت الركام ليواصل قيادة المعركة.
منذ توليه القيادة، أدار الضيف العديد من العمليات الفدائية ضد إسرائيل، وكان من أبرز المهندسين الذين عملوا على تطوير القدرات العسكرية لـ”حماس”، بما في ذلك تصنيع الصواريخ المحلية وإنشاء شبكة الأنفاق العسكرية.
دوره في “طوفان الأقصى”:
أطل محمد الضيف في السابع من أكتوبر 2023، ليعلن انطلاق معركة “طوفان الأقصى” التي أشرف عليها وحضر في ميدانها حتى قتل فيها.
ومن أبرز أسباب الطوفان سلوك الاحتلال الصهيوني، ومخططاته القائمة على حسم الصراع، وفرض السيادة على القدس بمقدساتها، تمهيداً للتقسيم المكاني والزماني، ولبناء الهيكل المزعوم.
محمد الضيف لم يظهر في الإعلام، ولم يُعرف له سوى تسجيلات صوتية معدودة، لكن يُنظر إليه باعتباره العقل المدبر للتكتيكات العسكرية التي غيرت طبيعة المواجهة بين “فصائل المقاومة” وإسرائيل.
فخلال معركة “سيف القدس” عام 2021، كان الضيف وراء استراتيجية استهداف تل أبيب بالصواريخ ردا على الاعتداءات الإسرائيلية في القدس والمسجد الأقصى.
ووضعت إسرائيل، على مدار عقود، محمد الضيف على رأس قائمة المطلوبين، وعدّته أخطر شخصية فلسطينية تهدد أمنها. ورغم كل الجهود الاستخباراتية، لم يتمكن الجيش الإسرائيلي من الوصول إليه، حتى رحل كما “يحب شهيدا في ميدان أعظم معركة شارك في التخطيط لها وفي قيادتها وهي المعركة التي أثبتت هشاشة كيان الاحتلال وقابليته للهزيمة”، وفق المركز الفلسطيني للإعلام.