الحاجة إلى حفّاري قبور
تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT
الحاجة إلى حفّاري قبور
حمور زيادة
مع اقتراب نهاية الشهر الرابع للحرب، جاء منشور المتطوّع الشاب ليضع السودان أمام مرحلةٍ جديدةٍ من الواقع الملتهب. ما عادت حاجة الناس فقط للغذاء وماء الشرب والدواء، نحن في مرحلة البحث عن متطوّعين لحفر القبور.
كان المنشور نداء استغاثة على خلفية يوم دام في مدينة أم درمان في 8 أغسطس/ آب الجاري.
كان متطوّعو شبكات الدعم الاجتماعي، في اشتباكات سابقة، يطلبون أطبّاء متطوّعين، أدوية، معينات جراحية، دما. لكن الضحايا في هذه المرّة كانوا أكثر ممن يُرجى إنقاذهم. فكان الطلب هذه المرّة مختلفاً. “الحوجة: حفّارو قبور”.
توقفت أغلب مستشفيات الخرطوم عن العمل. وحتى المنظمّات الدولية تعاني في محاولة تقديم بعض العون للمحتاجين. منظمة الصليب الأحمر يتهمها موالون للجيش بأنها تعمل مع قوات الدعم السريع، وأنها تهرّب السلاح لصالحها! بينما تناشد منظمة أطباء بلا حدود السلطات السودانية بمنح منسوبيها تأشيرات دخول للبلاد المنكوبة، وحذّرت من أنها قد تضطر للتوقف عن العمل خلال أسبوع.
بعد نهاية يوم المعركة الدامي، أصدر الجيش السوداني بياناً وصف ما تم بأنه “عملية تمشيط واسعة”، كبّدت “الدعم السريع” خسائر كبيرة قبل أن يفرّ. وبحسب البيان “احتسبت القوات المسلحة 4 شهداء وعددا من الجرحى”. أما قوات الدعم السريع فزعمت في بيانها أنها هزمت قوات الجيش “هزيمة قاسية”، ما أجبره على إخلاء مستشفى “النو” من المدنيين لمعالجة جرحاه، واتهمته بقصف الأحياء السكنية، متسبّباً في مقتل “العشرات من المدنيين الأبرياء، وتدمير منازلهم”.
هكذا ينظر الطرفان المتقاتلان الى الضحايا المدنيين. لم يُشر إليهم بيان الجيش، إنما أشار إلى أن قواته أكملت مهمتها بنجاح، وأنه أسر أحد قادة “الدعم السريع”. بينما اتهم “الدعم السريع” الجيش بقصف منازل المدنيين، لكنه صنّف في بيانه نداءات الاستغاثة التي أطلقها المتطوّعون في المستشفى نداءات من “الفلول” من أجل الضحايا العسكريين!
قوتان مسلحتان لم تدرك أي واحدة منهما أن “حوجة” المدنيين هي “حفّارو قبور”.
بشكل ما، اختصرت هذه العبارة واقع الحرب السودانية. ما عُدنا في “حوجة” إلى مبادرات إنسانية، ولا منابر دولية، ولا وساطات إقليمية. لقد تجاوز قطار الموت كل تلك المحطات، ووصل إلى مرحلة الجثث التي تُعجز كثرتُها من يدفنها!
اضطرّ السودانيون، في أسابيع الحرب الماضية، لدفن موتاهم في ساحات المنازل، والشوارع، والجامعات، والمدارس. وبعد مرور أكثر من 15 أسبوعا، أصبح حتى ذلك عسيراً. بشكلٍ ما تبدو رواية “كل شيء هادئ في الجبهة الغربية” الشهيرة للروائي إريك ريمارك مناسبة لفهم ما يحدث.
في الرواية الألمانية التي تدور أحداثها في الحرب العالمية الأولى كان البلاغ العسكري شبيهاً ببيانات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. كل شيء هادئ، العمليات تسير حسبما خطّط لها، قواتنا منتصرة. وعلى الأرض يعلم السودانيون أن ما يحدُث مختلف. على الأرض، يبحث المدنيون السودانيون عمّن يعينهم على دفن ضحاياهم. … أما القوتان المتقاتلتان فتعلنان النصر، وتبشّران من بقي حياً باستمرار القتال! وهي بشرى تعني استمرار “الحوجة” لمن يحفرون القبور.
الوسومالجيش الحرب الدعم السريع اللنزوح المدنيين حفر قبور حمور زيادة موتالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش الحرب الدعم السريع المدنيين حمور زيادة موت
إقرأ أيضاً:
الجيش يضيق الخناق على الدعم السريع ويستعيد مناطق قرب الخرطوم
قال الناطق باسم الجيش السوداني نبيل عبد الله إن الجيش استعاد من قوات الدعم السريع منطقة المسعودية بولاية الجزيرة، والمشارفة للعاصمة الخرطوم.
وتقع مدينة المسعودية شمال ولاية الجزيرة وعلى بعد نحو 50 كيلومترا فقط جنوب شرق العاصمة.
ويواصل الجيش السوداني تحقيق تقدم كبير بسيطرته على معظم مناطق ولايتي الجزيرة والخرطوم، حيث أعلن سيطرته على مدينة أبو قوتة شمال غرب الجزيرة، ومناطق بشرق النيل وحي كافوري بمدينة بحري.
وأفادت مصادر في الجيش للجزيرة بأنه بات يضيق الحصار على قوات الدعم السريع الموجودة في العاصمة الخرطوم من نواحي الشمال الشرقي والشرق والجنوب.
وأضافت المصادر أن المعارك أصبحت تقترب، مع كل يوم جديد، من مواقعها الرئيسية حول العاصمة.
يأتي ذلك في الوقت الذي قالت فيه الفرقة السادسة مشاة، التابعة للجيش السوداني، إن طيران الجيش شن غارات على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، أمس، وقتل العشرات من عناصر الدعم السريع، من بينهم قيادي يحمل جنسية ليبية.
وذكر بيان للفرقة أن الجيش والقوات المساندة له أسقطوا مسيرة تتبع للدعم السريع كانت تحلق في سماء الفاشر، ودمر 7 مركبات قتالية شمال شرقي المدينة.
وأفاد البيان بأن 12 مركبة قتالية تحمل جنودا للدعم السريع هربت بعيدا من محاور القتال بمحيط مدينة الفاشر.
إعلان
انتهاكات حقوقية
من جانب آخر، قال نداء الوسط، وهو كيان مدني معني برصد الانتهاكات بولايات الوسط بالسودان، إن عشرات القتلى والجرحى سقطوا خلال هجمات نفذتها عناصر تابعة لقوات الدعم السريع في بلدتين بولايتي الخرطوم والنيل الأبيض.
وأضاف بيان لنداء الوسط -أمس الأحد- أن هجوما لقوات الدعم السريع على قرية "ود جار النبي" الواقعة جنوبي مدينة جبل الأولياء والتابعة لولاية النيل الأبيض أسفر عن 11 قتيلا وأكثر من 40 جريحا.
يذكر أن قوات الدعم السريع تسيطر على مدينة جبل الأولياء منذ أواخر 2023 وتعد المدينة البوابة الجنوبية الغربية للخرطوم وتبعد عن وسط العاصمة نحو 45 كيلومترا.
أفواج النازحين
وفي سياق آخر، انطلق من مدينة بورتسودان -العاصمة الإدارية للسودان- صباح اليوم، الفوج الثاني للنازحين للعودة إلى ولاية الجزيرة وسط البلاد التي استعاد الجيش السيطرة عليها، في الأسبوع الثاني من يناير/كانون الثاني الماضي من الدعم السريع.
يذكر أن أغلب سكان ولاية الجزيرة البالغ عددهم نحو 6 ملايين نسمة قد نزحوا عقب سيطرة الدعم السريع على مساحات واسعة من الولاية قبل نحو عامين.
ويخوض الجيش والدعم السريع منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 حربا خلفت أكثر من 20 ألف قتيل، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين الأشخاص إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.
واتهمت الأمم المتحدة اليوم قوات الدعم السريع بمنع وصول المساعدات إلى منطقة دارفور المهددة بالمجاعة في البلاد التي مزقتها الحرب.