أثر الحرب في السودان على النساء والأطفال: العنف ضد النوع واستغلال الأطفال
تاريخ النشر: 29th, September 2024 GMT
بروفيسور حسن بشير محمد نور
شهد السودان العديد من الصراعات المسلحة الداخلية التي خلفت آثاراً جسيمة على مختلف فئات المجتمع، ولكن الأثر الأعمق والمستدام كان على النساء والأطفال، الذين يعانون من أنماط مختلفة من العنف والاستغلال. وتعتبر قضية العنف ضد النوع الاجتماعي واستغلال الأطفال من القضايا الأكثر إلحاحاً التي تحتاج إلى تحليل معمق وفهم دينامياتها في إطار النزاعات.
• واقع المرأة في سياق الحرب
تمثل النساء الفئة الأكثر هشاشة في أوقات النزاع، حيث يتعرضن بشكل خاص لأشكال متعددة من العنف القائم على النوع الاجتماعي. الحروب ليست فقط مواجهات مسلحة بين أطراف متصارعة، بل هي أيضاً ساحات لاستهداف النساء بغرض الإذلال، التفكيك الاجتماعي، والسيطرة على المجتمعات.
في السودان، تتعرض النساء للعنف الجنسي والجسدي بشكل متزايد خلال فترات النزاع، إذ تصبح أجسادهن ساحة للصراع بين الأطراف المتنازعة. من المهم ملاحظة أن هذا النوع من العنف ليس مجرد اثر جانبي للحرب، بل هو أداة من أدوات الحرب نفسها. يتم استهداف النساء من أجل زعزعة استقرار المجتمع وتفكيك نسيجه الاجتماعي، كما أن العنف الجنسي غالباً ما يُستخدم كوسيلة للتطهير العرقي أو الإثني. هذه الأفعال تؤدي إلى تدمير الروابط الاجتماعية وتفكيك الأسرة، ما يفاقم من الأزمة الإنسانية ويترك تأثيرات طويلة الأمد على المرأة وعلى المجتمع ككل.
• الأطفال وقود الصراع المستمر
إلى جانب النساء، نجد ان الأطفال أيضاً هم ضحايا رئيسيون للصراع. في السودان، اذ يُستخدم الأطفال كأدوات في الحرب، سواء كمجندين قسراً أو كضحايا لانتهاكات حقوق الإنسان. تجنيد الأطفال هو واحد من أكثر الأشكال الوحشية لاستغلالهم، حيث يتم استخدامهم كمقاتلين، كجواسيس، أو حتى كدروع بشرية. هذا الاستغلال ينتهك كل المعايير الإنسانية والدولية، ويترك ندوباً نفسية وجسدية على هؤلاء الأطفال، تعيقهم عن التطور الطبيعي وتعيق فرصهم في الحصول على التعليم والحياة الكريمة.
تجنيد الأطفال في الصراعات المسلحة له تأثير كارثي على مستقبل المجتمع، حيث ينشأ جيل كامل وهو محمّل بذكريات الحرب وآلامها. هؤلاء الأطفال يُحرمون من فرص التعليم والنمو الطبيعي، ويُجرّون إلى عالم من العنف والوحشية التي تشكل وعيهم وسلوكهم في المستقبل. ومن هنا، يصبح إنهاء تجنيد الأطفال واحداً من أهم الأهداف التي يجب أن تسعى لتحقيقها كل منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدولية٫ خاصة في ظروف غياب مؤسسات الدولة والمؤسسات التعليمية والنظم التربوية وتدهور البيئة الاجتماعية التي يعيشون فيها.
•العنف المركب وآثاره الممتدة
الجمع بين العنف ضد النساء واستغلال الأطفال يؤدي إلى ما يمكن وصفه بالعنف المركب، حيث يُستهدف المجتمع بأكمله من خلال تمزيق النسيج الاجتماعي والأسري. النساء اللواتي يتعرضن للعنف الجنسي غالباً ما يُنبذن من مجتمعاتهن، مما يزيد من العزلة الاجتماعية ويعمق الأزمة النفسية والاقتصادية. وفي نفس الوقت، يتحول الأطفال المجندون أو الذين يشهدون على العنف إلى أشخاص فاقدين للثقة في المجتمع وفي مجمل النظام، مما يسهم في إستدامة دوامة العنف.
تتمثل رؤيتنا المبنية علي مناهج التحليل الاجتماعي والنزاعات، إلى أن الحرب لا يمكن فهمها بشكل منفصل عن السياق الاجتماعي الذي تحدث فيه. ونركز هنا على فكرة أن النزاعات في السودان، بالإضافة إلى أسبابها السياسية والاقتصادية، تتغذى أيضاً من الأنماط الاجتماعية القائمة على التمييز والإقصاء. وفي سياق العنف ضد النساء واستغلال الأطفال، نرى أن هذا العنف يمثل انعكاساً لنظام اجتماعي يحرم النساء والأطفال من حقوقهم الأساسية حتى في أوقات السلم، وبالتالي يصبحون أهدافاً سهلة في زمن الحرب.
يحب التأكيد هنا على أن الحل لا يكمن فقط في إنهاء الصراع المسلح، بل يجب أن يترافق ذلك مع إصلاحات اجتماعية عميقة تهدف إلى تغيير النظرة التقليدية للنساء والأطفال في المجتمع السوداني. بدون القيام بثورة تحقق اصلاحات جوهرية في هذا المجال، سيظل العنف القائم على النوع واستغلال الأطفال أمراً مستمراً حتى بعد انتهاء الصراع.
في الختام إن الأثر المدمر للحرب في السودان على النساء والأطفال هو نتيجة مباشرة لأوضاع اجتماعية وسياسية معقدة، حيث يشكل العنف ضد النوع واستغلال الأطفال جزءاً من استراتيجية الحرب. وبالنظر إلى منهح التحليل المتبع، يتضح أن أي محاولات لحل النزاع يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية لهذا العنف، مع التركيز على إصلاحات شاملة تهدف إلى تمكين النساء والأطفال وحمايتهم من الاستغلال والعنف في مستقبل سودان ما بعد الحرب أي كان تكوينه ومكوناته.
mnhassanb8@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: واستغلال الأطفال النساء والأطفال فی السودان من العنف العنف ضد
إقرأ أيضاً:
وكالة بيت مال القدس تتكفل بعدد من الأيتام والأطفال مبتوري الأطراف في غزة
أطلقت وكالة بيت مال القدس بالرباط، مبادرة إنسانية جديدة تهم التكفل بعدد من الأيتام والأطفال مبتوري الأطراف من أبناء غزة.
وتهم هذه المبادرة التكفل ب 300 طفل مبتور الأطراف من أصل 800 طفل فلسطيني مسجلين على قوائم وزارة الصحة الفلسطينية، و500 طفل يتيم ضمن مشروع كفالة اليتيم المقدسي، الذي ترعاه وكالة بيت مال القدس الشريف منذ سنة 2008.
كما تشمل المبادرة إحداث عيادة نفسية لمواكبة الحالات المسجلة على قوائم الوكالة، من قبل أخصائيين مغاربة وفلسطينيين متطوعين.
وتم الإعلان عن هذه المبادرة خلال لقاء إخباري بمشاركة وزيرة التنمية الاجتماعية الفلسطينية، سماح حمد، عبر تقنية التناظر المرئي، وحضور المدير المكلف بتسيير وكالة بيت مال القدس الشريف، محمد سالم الشرقاوي، ورئيس الجمعية المغربية لدعم الإعمار في فلسطين، محمد جمال الإدريسي البوزيدي، وسفير فلسطين بالمغرب، جمال الشوبكي، وعدد من ممثلي السلك الدبلوماسي العربي المعتمد بالرباط، وشخصيات أخرى.
وبهذه المناسبة، وقع كل من محمد سالم الشرقاوي ومحمد جمال البوزيدي اتفاقية تمنح بموجبها الجمعية المغربية لدعم الإعمار في فلسطين ثلاثة ملايين درهم لوكالة بيت مال القدس لتنفيذ هذه المبادرة.
وأكد سالم الشرقاوي، في كلمة خلال هذا اللقاء، أن المملكة، وعلى عادتها دائما وفية لقيمها وثوابتها في نصرة القضية الفلسطينية على المستوى السياسي والدبلوماسي والاجتماعي الميداني.
وذكر الشرقاوي بأن هذه المبادرة تمثل استمرارا للمبادرات المتعددة التي سبق وأطلقتها المملكة لفائدة غزة وساكنتها، بتعليمات ملكية سامية، بما فيها إرسال مساهمات إنسانية عاجلة لهم على ثلاث دفعات ضمت في مجموعها 230 طنا من المواد الغذائية الأساسية والمياه، و40 طنا من المساعدات الطبية لمستشفيات غزة.
كما أشار إلى أن المبادرات الإنسانية التي أطلقتها وكالة بيت مال القدس بفلسطين بمناسبة شهر رمضان الكريم المنصرم، همت تقديم مساهمات طارئة للأشقاء المقدسيين شملت أزيد من 3300 قفة و30 ألف وجبة يومية ساخنة، إضافة إلى 4 أطنان من الأدوية والمستلزمات الطبية، والأغطية والأفرشة، و50 حقيبة طبية، وتجهيزات كاملة لخلية اليقظة والتنسيق لحالات الطوارئ والمستعجلات بمستشفى الهلال بالقدس.
من جانبه، أشاد سفير فلسطين بالرباط بالعمل الذي تقوم به وكالة بيت مال القدس الشريف، بتعلميات من جلالة الملك محمد السادس، لتخفيف معاناة أهالي القدس وتعزيز صمود الفلسطينيين في قطاع غزة.
بدوره، أعرب البوزيدي عن فخر الجمعية المغربية لدعم الإعمار في فلسطين، في أن تكون طرفا في هذا العمل النبيل لفائدة أطفال غزة، مؤكدا أن مساهمة الجمعية في العديد من المشاريع في القدس والضفة الغربية وغزة، تمثل رسالة رمزية عن انخراط المجتمع المدني المغربي في دعم صمود الفلسطينيين، ونصرة قضاياهم العادلة.
كلمات دلالية أيتام التكفل مبادرة وكالة بيت مال القدس