مُذَكِّرَات مُغتَرِب في دُوَلِ الخَلِيجِ العَرَبي (٢٣)
تاريخ النشر: 29th, September 2024 GMT
في غَمرةِ الاضْطِرابِ الذي اجتاحَني ، وقبلَ أنْ يتَجمّعَ الناسُ حولَ السَّيارة ، تَمكَّنتُ مِن فتحِ البابِ الأمامي الأخَر وقبلَ أنْ أرَى المَشهَدَ الكَارِثي سمِعتُ أنينَ وصُراخَ أبنائي عُمر وأحمَد في المقعدِ الخَلفي فَقَدَّرتُ أنَّ إصاباتِهِما بليغةٌ ، ثُمُّ انحنَيتُ على المقعدِ الأمامي
فوَجَدتُه قد انزلقَ والتَحَمَ بالمقعدِ الخَلفي وَراءَه في مشهدٍ تراجيدي لمْ أرَ مِثلَه في حَياتي .
لَحقَني الرُّجل الذي ذكرتُ من قبلُ قبلَ أنْ أتهاوَى واقتادَني إلى سَيارَتِه كما ذكرتْ ، ثم عادَ وحَملَ عُمر ووضَعه أسفلَ الشَّارِع ثم رجعَ لِيعُودَ حامِلاً أحمدَ ويضَعهُ إلى جانبِ أخيه لتَحمِلهُما سيارةُ الاسعافِ التي قابلتنا قادمةً ونحنُ في طريقِنا إلى المستشفى . أمّا عمر فقد كُسِرتْ يدُه اليُسرَى . وأمّا أحمد فقد كُسرَتْ يدُه اليُمنى وأُصيبَ بِكسرٍ في الحَوض .
أمّا عن أهلِ الخفجي ، فَحَدِّث ولا عَجَب ، سودانيون وسعوديون فُضَلاء وأهلُ واجِب . ما إن سَمِعوا بِخَبر الحادِث حتى هُرِعُوا إلى المستشفى زُرَافاتٍ ووُحدَانا . وتوالتْ زياراتُ الإخوةِ في الجالِيةِ السُّودانية في الخفجي طيلةَ أيامِ عِلاجِنا ونحنُ رقودٌ على أسِرَّة المستشفى البَيضَاء ، هم وأُسرُهم وما حَملُوا مَن طَعامٍ ومَوَدة وشرابٍ ومَحبّة . مَكَثنَا في المستشفى شهرين كامِلين منذُ السَّابِع مِن شَوّال وحتى الثامِن من ذي الحِجّة . وقد كانَ الأخُ الحَبيب الأُستاذ عادِل أحمد زَعِيمَ الجَماعَة وشَيخَ القبيلةِ وحَاتِمَها. فقد استَقبلَ كُلُّ القادِمينَ من أنحاءِ المملكة من الأهلِ والمَعارِف والأصْدِقاءِ والزُّملاءِ الذين وفَدُوا إلى الخفجي للمُواساةِ والعَزاءِ . وكانتْ دارُه الفَسِيحةُ " مَسِيدَاً وتَكِيّة " طيلةَ الشَّهرَين ولمْ يألُ جِيرَانُه جُهداً في مُشارَكتِه بِكُلِّ ما استطاعُوا . وقد أقامُوا سُرادِقاً للعَزاءِ استَقبَلُوا فيه كلَّ القادِمينَ من كلِّ جِنسٍ ولَوْن . كُلُّ ذلك ونحنُ الثّلاثةُ بالمستشفى ولمْ نستطِع حتى حُضُور التَّشيِيع ودَفنِ الجُثَث الذي قام به المُقيمُون وأهلُ البلد وعلى رأسٍهُم الزَّعِيم . جَزاهُم اللهُ عنّا خيرَ الجَزاء وباركَ في أهليهم ومالِهم وحَفِظهُم جميعاً من كُلِّ سُوءٍ .
ولقد ضاعَفَ مِن إصابتي التي كانتْ بالرَّأس والجِهَة اليُمنَى من أعلى الوَجه أنّني كنتُ بِصَمّام أوَرطي مُستَبدَل AVR مع تَناوُلِ حُبوبِ ال warfarin التي تَمنَعُ تَجلُّط الدَّم anticoagulant . تَمَّ ايقافُ تناولِ هذه الحبوب في اليومين الأوّليْن حتى يَتِمَّ سحبُ الدَّم الذي تَجَمّعَ في الجَبهةِ وأعلَى الرَّأس . وكنتُ أُحشَرُ يَومِياً مَرتَين داخِلَ الجِهاز الأُسطُواني الذي يُشبٍه القَبر والمُسَمَّى CT Scanner أو الأشِعَة المَقطَعِية لفحص الرأس . والحمدُ للهِ ربِّ العالمِين الوَدودِ ذي الفَضلِ والمِنّة ، فقد تَماثَلنَا للشِّفاء قبلِ حُلولِ عيدِ الأضْحَى المُبارَك ، وبَقي أحمدٌ لِبعضِ الوقتِ في جَبِيرةِ الفَخِذ ( الجِبْس ) . وكانَ العِلاجُ مَجَّاناً إذ كنتُ لا أزالُ مُوَظَّفاً تابِعاً للحُكُومةِ ( وَزارةِ التَّربِيّة والتَّعلِيم ) . وللهِ الفَضلُ والمِنَّة أنْ يَسَّرَ لنا مِثلَ هذا المُستَشفَى المُؤهَّل بِكُلِّ مُتَطلَباتِ المُستَشفَياتِ الحَدِيثةِ في البُلدَانِ المُتَقدِّمة .
محمد عمر الشريف عبد الوهاب
m.omeralshrif114@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
المملكة تدين حادث الدهس الذي وقع في مدينة ميونخ الألمانية
البلاد : متابعات
أعربت وزارة الخارجية عن إدانة المملكة لحادث الدهس الذي وقع في مدينة ميونخ بجمهورية ألمانيا الاتحادية، وما نتج عنه من إصابة عددٍ من الأشخاص.
وأكدت المملكة رفضها ونبذها التام لكل أشكال العنف، وتضامنها مع جمهورية ألمانيا الاتحادية، متمنية للمصابين الشفاء العاجل.