هجوم عسكري ودبلوماسي
تاريخ النشر: 29th, September 2024 GMT
هجوم عسكري ودبلوماسي
فيصل محمد صالح
أثار تزامن الهجوم الشامل والمفاجئ الذي شنَّه الجيش السوداني على مواقع تحتلها «قوات الدعم السريع» في مدن العاصمة الخرطوم، بأضلاعها الثلاثة، من محاور متعددة، مع وجود الفريق عبد الفتاح البرهان في نيويورك، ولقاءاته مع عدد من الزعماء ورؤساء الدول، كثيراً من الأسئلة والتحليلات التي حاولت قراءة الحدثين من مناظير مختلفة ومتباينة.
التحليل الأول والأقرب للمنطق لذهن كثير من المتابعين أن هذا الهجوم تم التخطيط له من الأساس لكي يتزامن مع وجود البرهان في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكي يرسل رسالة أن الجيش السوداني لا يزال متماسكاً ويستطيع قلب الطاولة على «قوات الدعم السريع»، ولهذا يجب أن توضع ملاحظاته وتحفظاته على مسارات التفاوض في أذهان الوسطاء، وتقابل بالاهتمام اللازم. وكانت الفكرة باختصار وبشكل مباشر ومختصر… «نحن هنا ولا يزال لدينا قوة وتأثير على الأحداث…. فلا تهملونا»؛ فهل وصلت الرسالة وحققت هدفها…؟
قد يختلف الناس في قراءة الموقف وقراءة النتائج، لكنني ممن يعتقدون أن الرسالة قد وصلت بدرجة ما، وأثارت الاهتمام، وأجبرت العالم على المتابعة من جديد للأحداث في السودان. وليس بالضرورة أن تصل الرسالة بالقوة ذاتها التي كان يأملها مَن خططوا لها، لكنها أيضاً لا يمكن أن تقابل بالإهمال الكامل.
هناك أيضاً قراءات لآخرين تستحق الانتباه والمراجعة، وهي من بعض المراقبين، ومنهم ناشطون في مجال «السوشيال ميديا»، ويدعمون موقف الجيش وحلفائه السياسيين. وقد قدم هؤلاء تفسيراً مغايراً يشير إلى أن هذا الهجوم خطَّطت له ونفذته عناصر داخل الجيش بالتنسيق مع هيئة العمليات التابعة لجهاز الأمن والمخابرات وكتائب الحركة الإسلامية المتحالفة مع الجيش، من دون علم البرهان. ويقول هؤلاء إن الرسالة الحقيقية موجَّهة من هذه المجموعات للفريق البرهان، ومفادها أنهم يريدون أن يقطعوا عليه الطريق حتى لا يقدم تنازلات للوسطاء خلال لقاءاته في نيويورك. ويتهم هؤلاء الفريق البرهان بأنه لا يريد أن يقاتل، وأنه السبب في تعطيل حراك الجيش لاستعادة المدن التي سقطت في يد «الدعم السريع».
ومضى آخرون في تقديم صورة درامية أكثر مما هو متوقَّع، وهي أن هذا الهجوم هو محاولة انقلابية لم تكتمل، لأن النتائج المتوقَّعة منها لم تأتِ كما كان متوقَّعاً، إذ كان المخطَّط أنه بعد أن تنتصر قوات الجيش وتحتل قلب الخرطوم، أن يتم الإعلان عن عزل البرهان، وتكوين قيادة جديدة.
الواقع يقول، حسب المعلومات المتوفرة، إن قوات الجيش وحلفائه شنوا هجوماً متزامناً من أم درمان عبر جسري النيل الأبيض والفتيحاب للدخول إلى وسط مدينة الخرطوم؛ حيث القصر الجمهوري والقيادة العامة للقوات المسلحة ومعظم مباني الحكومة، وأنهم عبروا الجسرين ووصلوا إلى منطقة المقرن، لكن تم صد الهجوم وعادت قوات الجيش إلى مواقعها في أم درمان، بعد خسائر كبيرة ومؤلمة في صفوف الطرفين. كما شنَّت قوات الجيش هجوماً آخر من شمال الخرطوم بحري في منطقة الكدرو، واستطاعت القوات التوغل في المنطقة حتى الحلفايا، لكنها تعرضت لمقاومة شرسة ولم تستطع التقدم كثيراً.
كل هذه السيناريوهات التي حاولت شرح ما حدث تواجه تحديات حقيقية لتثبت مصداقيتها، ولتكون أقرب للواقع وللحقيقة، كما أنها تسبب آلاماً للبعض. فالسيناريو الأول الذي يقول إنه هجوم تم الإعداد له من قبل القيادة السياسية والعسكرية ليتزامن مع وجود البرهان في دهاليز الأمم المتحدة يسبب حرجاً للبعض حين يقولون إن هذا ربما يكون آخر أوراق الجيش ومنتهى قدراته، ويفضلون بالتالي أي سيناريو آخر.
بالمقابل، فإن سيناريو التحرك المنفرد من بعض الفصائل وحكاية الانقلاب على البرهان تحتاج لدلائل وبراهين أكثر مما تم تقديمه حتى تجد نصيبها من التصديق، كما أنها بالضرورة ستشوه صورة الجيش وتشير لفقدان الانضباط، وهذه صورة لا يريدها البعض أن تنتشر فتضعف معنويات الجنود.
لم يحقق الهجوم النتائج المتوقَّعة، وسبَّب خسائر كثيرة، لكنه أيضاً أوصل رسالة بأن المحاولات ستتواصل، وأن على «قوات الدعم السريع» ألا تظن أن المعركة قد انتهت تماماً، لكنه أثار أيضاً القلق حول وضع القوات المسلحة وقدراتها القتالية ومدى انضباط وحداتها والتزام المجموعات المتحالفة معها.
أهم رسالة أرسلتها هذه المعارك للعالم أن الأحداث في السودان لم تنتهِ بعد، وأن أي قراءة سياسية له تحتاج للتحديث والتجديد المستمر، فكل يوم جديد ليس مثل سابقه.
* نقلاً عن الشرق الأوسط
الوسومالجمعية العامة للأمم المتحدة الجيش الحركة الإسلامية الدعم السريع السودان الشرق الأوسط عبد الفتاح البرهان فيصل محمد صالح نيويورك ياسر العطاالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجمعية العامة للأمم المتحدة الجيش الحركة الإسلامية الدعم السريع السودان الشرق الأوسط عبد الفتاح البرهان فيصل محمد صالح نيويورك ياسر العطا الدعم السریع البرهان فی قوات الجیش
إقرأ أيضاً:
استعادة وسيطرة.. الجيش السودانى ينجح فى دخول «الخرطوم».. والدعم السريع ينسحب من العاصمة والجزيرة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
لا تزال المعارك بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع تجرى وقائعها بين الجانبين لبسط السيطرة، إلا أن الجيش السودانى نجح فى السيطرة على عدة مناطق فى العاصمة السودانية الخرطوم، بجانب سيطرته الكاملة على ولاية الجزيرة، ما دعا كثيرا من النازحين السودانيين فى عدة ولايات إلى العودة مرة أخرى إلى ولاية الجزيرة والخرطوم بعد تأمينها من قبل قوات الجيش السوداني.
ورصدت وسائل إعلام سودانية مغادرة حافلات تقل مدنيين سودانيين نازحين من مدينة بورتسودان على البحر الأحمر متوجهة إلى ولاية الجزيرة على بعد 700 كيلومتر جنوب غرب البلاد، حيث يعزز جيش البلاد مكاسبه الإقليمية الأخيرة فى المنطقة الغنية بالزراعة.
وكانت ولاية الجزيرة، جنوب الخرطوم، مسرحا لمعارك عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع بعد أن سيطرت المجموعة شبه العسكرية على عاصمتها ود مدنى قبل أكثر من عام.
وفى الأسابيع الأخيرة، نجح الجيش والقبائل السودانية المتحالفة معه فى طرد قوات الدعم السريع من مدن مهمة فى الجزيرة، بما فى ذلك ود مدنى والحصاحيصا.
وقد هددت استعادة مناطق واسعة من الولاية خطوط إمداد قوات الدعم السريع الحيوية ووضعت الجيش والقبائل المتحالفة معه على الطريق المتجه شمالاً إلى الأطراف الجنوبية للعاصمة.
وأعلن وزير الدولة السودانى بولاية البحر الأحمر أن ٢٠ حافلة أسبوعيا ستنقل النازحين المدنيين إلى الجزيرة بعد استعادة الجيش السيطرة على مناطق واسعة، بإجمالى ١٠٠ حافلة ستستخدم فى العملية، وتضم الدفعة الأولى من النازحين المدنيين القادمين من مراكز الإيواء فى بورتسودان.
وأكدت المصادر أن الحافلات غادرت بورتسودان متوجهة إلى الجزيرة، ولم يعرف عدد النازحين من الولاية، لكن من المعتقد أنهم بمئات الآلاف، ويعتقد أن مئات الآلاف من السودانيين نزحوا من الجزيرة.
يأتى ذلك فيما كانت تسيطر قوات الدعم السريع على أجزاء كبيرة من العاصمة الخرطوم، والتى استولت عليها فى الأيام الأولى من الصراع، بما فى ذلك المطار والقصر الرئاسي، وانسحبت الحكومة المدعومة من الجيش وكبار القادة العسكريين إلى بورتسودان، التى أصبحت القاعدة الرئيسية لعمليات الجيش حيث حشد القوات والإمدادات للهجمات المضادة.
ويبدو أن العملية فى العاصمة بدأت تتشكل، مع ظهور إشارات تفيد بأن الجيش يستعد لشن هجوم كبير لاستعادة السيطرة على العاصمة بالكامل. وبالإضافة إلى مكاسبه فى الجزيرة، كان الجيش يتقدم ببطء إلى الخرطوم من الشمال والشرق ويدفع قوات الدعم السريع خارج مواقع حيوية هناك.
ويقول متابعون ميدانيون إن السيطرة على الجزيرة أمر بالغ الأهمية بالنسبة للجيش حتى يتمكن من الاستعداد لشن هجوم على الخرطوم. لكن معركة العاصمة من المرجح أن تكون دامية ومدمرة، حيث كان لدى قوات الدعم السريع أشهر لتحصين مواقعها.
وقد نجح الجيش والقبائل المتحالفة معه بالفعل فى طرد قوات الدعم السريع من معظم أنحاء بحري، التى تشكل مع الخرطوم وأم درمان المنطقة الكبرى للعاصمة، كما استعادت المجموعة بعض المناطق فى أم درمان، بما فى ذلك المنطقة التاريخية للمدينة، وأسست موطئ قدم مفيدا فى الخرطوم عندما استعادت مقر القوات المسلحة الشهر الماضي.
وأكدت وسائل إعلام سودانية مقتل قائد قوات الدعم السريع فى ولاية الجزيرة خلال معارك جرت شرق النيل بين قوات الدعم السريع وقوات الجيش السوداني.
وإزاء ذلك واصل الجيش السودانى تقدمه باتجاه مدينة الكاملين التى تبعد مسافة كيلومترات قليلة عن العاصمة السودانية الخرطوم، بعدما نجحت قوات الجيش فى السيطرة على عدة قرى بمحليتى الحصاحيصا والكاملين.
جدير بالذكر أن الحرب الأهلية فى السودان، التى نشأت عن صراع على السلطة بين رئيس الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد دقلو، دمرت السودان، حيث قُتل عشرات الآلاف فى القتال. وقد أثبتت الجهود الرامية إلى تأمين وقف إطلاق نار دائم والتفاوض على إنهاء الصراع حتى الآن أنها غير مثمرة.
وكانت قوات الجيش السودانى قد نجحت فى وقت سابق فى استعادة سيطرتها على مقرّ القيادة العامة للقوات المسلحة فى العاصمة الخرطوم، كما نجحت قوات الجيش فى فك الحصار الذى فرضته قوات الدعم السريع على مصفاة الجيلى النفطية فى شمال الخرطوم.
وكانت الحرب السودانية بين قوات الجيش والدعم السريع قد تفجرت فى شهر أبريل من عام ٢٠٢٣، بعدما سيطرت قوات الدعم السريع على مناطق متعددة فى العاصمة الخرطوم، وكذا ولاية الجزيرة.
وتسببت الحرب السودانية فى أزمة إنسانية للشعب السوداني، حيث نزع أكثر من ١٢ مليون مواطن فى السودان إلى ولايات الجنوب، فيما لجأ ملايين السودانيين إلى الهروب خارج البلاد.