محمد عبدالسميع

أخبار ذات صلة كارلوس خويديس: توفير تسجيلات عالية الجودة وأفلام وثائقية مريم الشحي: «أصوات من رأس الخيمة» رحلة في نغم الموروث

القول إنّ «الموسيقى هي لغة الشعوب» قولٌ صحيح، تدعمه هذه «التراثات» المحمولة على الموسيقى المعبّرة في حقيقتها عن المجتمع وسِماته الاجتماعية وسلوكه في المظاهر الاحتفالية ورؤيته للحياة بشكلٍ عام.

والدول تفزع إلى تراثها وتقرأه وتبذل لأجله الوقت والمال لكي يكون متاحاً للاطلاع، ويعطي صورةً عن مجتمعها والتأثيرات الحضارية والجغرافية والأطياف السكانية التي مرّت عليه.  
وفي هذا الملف الذي يتزين بإبداعات عدسة المصور الفوتوغرافي سالم الصوافي، نستعرض أهمية وتفاصيل مشروع «استكشاف التقاليد الموسيقية للشحوح» الذي تم تمويله من مؤسسة الشيخ سعود بن صقر القاسمي لبحوث السياسات، وأشرف عليه كارلوس خويديس الأستاذ المشارك في الموسيقى بجامعة نيويورك أبوظبي، حيث نجد أنفسنا أمام تراثٍ عريق محمول على الغناء أو الصوت والموسيقى، ويدرك العلماء والخبراء أنّ الموسيقى ليست فقط في الألحان الظاهرة، وإنما في ما تحمله هذه الألحان من معانٍ دالّة، وما يتمخض من معانٍ عن الصوت الإنساني الذي يتخلل الأهازيج والرقصات التراثيّة وألوان التعبير الثقافي الفلكلوري، ولذلك فقد كانت التقاليد الموسيقية لقبيلة «الشحوح» في شمال دولة الإمارات العربية المتحدة تقاليد راسخة تحيلنا إلى هذا التنوع الرائع في الدولة من خلال تراثها، ومدى التأثير والتأثّر بمحيطها الإنساني في أفريقيا وآسيا.
تهتم الدراسات عادةً بسبر أغوار التقاليد والموسيقى والغناء والأصوات، ليس فقط لأمور احتفاليّة، ولكن لقراءة المضمون والجوهر في كل ذلك. 
وفي حالة قبيلة الشحوح، يمكن أن ندرس بكل ارتياح من المصادر التراثيّة ومن صدور المعمرين والمهتمين والجمعيات العاملة، أربعة عناصر، هي: «الندبة»، و«الرواح»، و«رزيف» و«المهوبي» الشحوح، وما يصبّ في ذلك من تقاليد موسيقية صوتية تراثية.
ومن هذه الدراسات دراسة قيّمة قام بها كارلوس جويديس، الأستاذ المشارك في الموسيقى بجامعة أبوظبي، وهذه الدراسة تضعنا باستنتاجات الباحث في جولته الميدانية ومنهجه العلمي، في استكشاف التقاليد الموسيقية لقبيلة الشحوح، دارساً موضوع التنوع العرقي والتأثيرات الثقافية في الموسيقى الخليجية بعامة، ذاهباً من بعد ذلك إلى قراءة جذور قبيلة الشحوح، وفقاً لأهم المصادر البحثية، ومن ثم يدرس العناصر الأربعة، كتقاليد موسيقية متوارثة، معرّفاً الندبة والرواح والرزيف والمهوبي، ومكاشفاً بأهمية البحث في مثل هذه المواضيع، وضرورة توفير تسجيلات نوعية سمعية وبصرية لتراث هذه القبيلة، نحو إنشاء محتوى سمعي بصري عالي الجودة، يصوّر التقاليد الموسيقية لقبيلة الشحوح العريقة، خالصاً من بعد ذلك إلى توصيات يمكن الاستهداء بها في أهمية المشروع البحثي والفريق العامل ميدانياً، والتأسيس عليه لتحفيز الإبداعات المعاصرة حول التقاليد المحلية.
هذا التقرير الميداني للدكتور كارلوس جويديس، وهو من تمويل مؤسسة الشيخ سعود بن صقر القاسمي لبحوث السياسة العامة، اشتمل على تسجيلات للممارسات الموسيقية للقبيلة، ومناقشة جماعية مركّزة، ومقابلات فردية، بهدف تكوين فهم أفضل للأشكال الموسيقية لقبيلة الشحوح وعلاقتها بالقيم الاجتماعية للقبيلة والهوية الثقافية، فتم استخدام أحدث معدات وتقنيات التسجيل لإنتاج أربعة تسجيلات عالية الجودة، لإنشاء أفلام وثائقية قصيرة وغنية بالمعلومات وثنائية اللغة حول قبيلة الشحوح.
ويرى الباحث، أنّ جمع هذه المعرفة وتوثيقها يُعدّ أمراً مهماً، لأنه يوفر نظرة ثاقبة للممارسات الثقافية للقبيلة التي سكنت الإمارات منذ عصور ما قبل الإسلام. وتحت عنوان «السياق والخلفية»، يؤكد الباحث وفريقه الميداني التنوع العرقي، كسِمة مميزة للخليج العربي، نتيجةً للروابط التجارية والسياسية مع المجتمعات الأخرى على شواطئ المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي، ويستند في ذلك إلى مراجع مثبتة في بحثه، دارساً ما تحمله هذه المصادر في البصمة الوراثية لشرق أفريقيا وجنوب شرق آسيا وشبه القارة الهندية، حيث كانت هذه البصمة موجودة بالفعل بقوة بين سكان الخليج من وقت طويل قبل القرن العشرين، ليشير إلى الازدهار النفطي وتدفق العمال المغتربين إلى المنطقة، وكون حوض الخليج ملجأ للعديد من المجموعات الدينية واللغوية الغريبة، فكان انصهار الثقافات مدار بحث لعلماء الموسيقى في محاولة فهم التأثيرات العديدة التي تؤثر في الموسيقى في هذه المنطقة، وكذلك دراسة التأثيرات الأفريقية في الثقافة والموسيقى الإماراتية، وبالتحديد كيف تم استيراد ممارسات الشفاء الروحية، مثل الزار من أفريقيا، وتعديلها وفق متطلبات الممارسات الإسلامية وقواعد الأخلاق، وكيف يمكن سماع أنماط الموسيقى من شرق أفريقيا، مثل: النوبان، والزار، والليوا «التي تغنى باللغة السواحلية» اليوم في دولة الإمارات العربية المتحدة، وكذلك الأساليب البدوية الأكثر شيوعاً، مثل رقصة العيّالة.
عابرة لزمن
ويرى الباحث كارلوس جويديس، أنه لم يُنشر الكثير من الدراسات باللغة الإنجليزية عن الشحوح، ويورد رأياً للباحث فالح حنظل، الذي يرى أنّ الشحوح يعرفون بالقبائل التي هاجرت أثناء هدم سد مأرب في اليمن عام 450 م، وكانوا يسكنون منطقة رؤوس الجبال التي تمتد من «كمزار» وحتى «دبا»، بما في ذلك أجزاء مما يعرف الآن برأس الخيمة. كما يشير الباحث إلى فئة البدو من القبيلة والساكنين الجبال والعاملين في الزراعة والري والتجارة في المدن، وسكان المدن وأهل البحر الذين تعتمد حياتهم على الصيد، ومعظمه صيد الأسماك، وقد توسعوا على مرّ السنين ليصلوا وينتشروا في المنطقة الشمالية من الإمارات العربية المتحدة بشكل رئيس في رأس الخيمة.
وتحت عنوان «التقاليد الموسيقية للشحوح»، يؤكد الباحث أنّ التقاليد الموسيقية في دولة الإمارات العربية المتحدة من جيل إلى جيل تجسّد شكلًا من أشكال الفن الذي يقاوم التغيرات عبر الزمن، مقتدياً بمقولة  المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، «من لا يعرف ماضيه لا يعرف حاضره ولا مستقبله».
أمّا فن «الندبة»، والذي يسمى «الكبكوب»، أو المجموعة، فهي لفظة مشتقة من الجذر نَدَب، وتعني العويل أو النواح أو الصراخ، وهي شكل مشهور من أشكال التعبير الصوتي في المناطق الجبلية بالمنطقة الشمالية في دولة الإمارات العربية المتحدة ومسندم، وتحديداً يستخدم هذا الفن في قبيلة الشحي التي تضمّ قبائل بني شميلي والحبسي والظهوري، وهو مقابل فن العازي في الفخر والثناء، كما تشير إلى ذلك مصادر يوردها الباحث في بحثه الذي يصف «الندبة» بوجود مجموعة من عشرة رجال أو أكثر يطلق عليهم اسم «الرديدة»، من عائلة النديب أو جيرانه، وعادةً ما يكون الندّيب الأكبر سنًّا بين المجموعة أو يكون رجلًا من القبيلة يتمتع بصوت قوي قادر على ترديد الأبيات عدة مرات وبكاريزما أدائية.
والندّيب كالشاعر الذي يحتاج إلى الدعم من الرجال من حوله، ليشعل حسّ الشجاعة والإثارة، وهو يرفع يده وينقل كلمات التقدير للقبيلة أو يعبّر عن اعتزازه بقبيلته، وتكون الندبة منظمة بطريقة موسيقية مسلية، حيث يكرر الندّيب النداء ثلاث مرات، مع استراحة لمدة دقيقتين بينهما، فعند آل شحوح يبدأ النديب بترديد كلمة «يا شحوح»، أمّا عند «الظهور» فيبدأ النديب بترديد كلمة يا «ظهر»، وهذا يستدعي اجتماع القبيلة للإشارة إلى أنّ هناك شيئاً ما يحدث، ويتجمع الرجال المحيطون ويستجيبون للنداء ويرددون «هو.. هوا»، عدة مرات، كصدىً موجه للنديب.
أمّا «الرواح»، فهو تقليد موسيقي للمنطقة الشمالية في الإمارات العربية المتحدة وفي محافظة مسندم بسلطنة عُمان، ويقدم لغاية الترفيه، حيث يتألف من أربعة أجزاء يتم تنفيذ كل منها في جزء معين من النهار أو الليل، وهو ما قد يعكس التأثير الهندي على هذا الفن.
ويشير الباحث إلى مصادر تقسّم «الرواح» إلى: «سارح» في الصباح، و«الصدير» في منتصف النهار، و«الرواح» فيما بعد الظهر، و«ساري» في المساء، حيث يؤديه الرجال واقفين بصف واحد مع طبولهم يتحركون للأمام والخلف مع ثلاثة أو أربعة طبّالين في كل مرة، ويعتمد تصميم الرقصات على تنظيم الرجال وهم يدورون في دائرة أو يصطفون في صف واحد، ويتحركون جيئةً وذهاباً بشكل إيقاعي، وبالنسبة للنساء، فعادةً ما يتم تأدية الرواح أثناء الجلوس في صف أو دائرة، وتكرار أبيات شعرية مختلفة عن التي يرددها الرجال، مع تحريك شعرهنّ إلى الأمام والخلف، وكما الندبة، يؤدى الرواح في الأعراس والاحتفالات الوطنية وعند استقبال الحكام والضيوف.
كما أنّ «رزيف» الشحوح يسمى أيضاً بـ«الحربية»، وكان في الماضي يتميز بصفين من الرجال يؤدون حركات متكررة باستخدام أعواد الخيزران، ويقفون أمام بعضهم بعضاً، بينما يقف شاعر في المنتصف يلقي الشعر لكل صف، ويكرر الرجال في الأبيات الشعرية الواحد تلو الآخر، عدة جولات، وعادةً ما ترتبط الأبيات بمناسبة أداء الرزيف، ويتبع قارئ الطبول إيقاع الأبيات، وقد تم إدخال الطبول في وقت لاحق من ثمانينيات القرن الماضي، في حين تم إدخال آلات أخرى، مثل العود والأورغ والآلات الأكثر حداثةً في التسعينيات، ومن خلال دمج الرقص مع الموسيقى والشعر، يتم أيضًا تقديم التقليد الأدائي لـ«اليولا» أو رقصة السلاح مع الرزيف، ويتم أداء الرزيف في الأعراس والاحتفالات الوطنية واستقبال الحكام والضيوف.
تحفيز الإبداع
ويشير الباحث إلى تنفيذ المشروع في مراحله الثلاث كعمل ميداني وتسجيلات سمعية وبصرية وتحليل للتسجيلات، وفي تحليله للتسجيلات التي تم ترجمتها بوساطة مريم الشحي، يقول إنّها قدمت منظوراً شاعريّاً إضافيّاً لهذا التقرير الميداني، حيث تم فهم جوانب مهمة لكيفية عكس الأشكال الموسيقية للرابطة القوية بين الشحوح كمجتمع وترابطهم الاجتماعي الذي يتم تأكيده، ويتجلى في «الندبة»، و«الرزيف»، و«الرواح»، و«المهوبي».
ويؤكد الباحث أنّ طبيعة النداء والاستجابة للنداء والرزيف، تسلّط الضوء على الطبيعة التعاونية والتضامنية لهذه الموسيقى، أمّا «الرواح»، فهي رقصة لا تمثل فقط أخلاقيات الشحوح، وإنما تصور يومّا كاملاً من العمل، كما أنّ «المهوبي» هو بمثابة أهزوجة عمل يتم ترديدها أثناء طحن القمح، وتتغير كلماتها خلال النهار.
ويلفت الباحث إلى مهرجان عامل، وجمعيّة متخصصة، مثل مهرجان «فن رأس الخيمة»، الذي يزداد نموّ شعبيته ويجذب حشوداً أكبر كلّ عام.
كما يدعو الباحث إلى تحفيز الإبداع الفني المعاصر حول هذه التقاليد لجعلها أكثر اندماجاً في الحياة المعاصرة لدولة الإمارات، مؤكدًا دور ورشات العمل والبحث الميداني والمبادرات في فهم وكيفية أداء هذه الفنون.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الموسيقى التراث سعود القاسمي جامعة نيويورك أبوظبي أبوظبي دولة الإمارات العربیة المتحدة فی الموسیقى الباحث إلى

إقرأ أيضاً:

مبادرة القوميين وولاية إردوغان الثالثة.. إلى أين تمضي تركيا؟

لم يكن الهجوم الأخير الذي استهدف مجمع الصناعات الدفاعية والجوية بأنقرة (توساش)، وتبناه حزب "العمال الكردستاني"، الاختبار الوحيد الذي واجه مبادرة القوميين "الاستثنائية" حال إطلاقها من قبل زعيمهم دولت باهتشلي، بل تبعته سلسلة اختبارات، رسمت في غالبيتها مشهدا مركبا ومعقدا، وفق مراقبين.

وفي مقابل تلك الاختبارات، كان لافتا أن المواقف والإجراءات التي تبعت مبادرة باهتشلي القومي فرضت جوا انتخابيا مبكرا، فيما سلطت الضوء على احتمال ترشح الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان لولاية ثالثة في 2028 ومدى قدرته على تحقيق ذلك، استنادا للدستور الجديد الذي يدعو له مرارا.

وتستهدف مبادرة حليف إردوغان القومي بالتحديد مؤسس "العمال الكردستاني" المسجون عبد الله أوجلان، وتقوم على معادلة من شقين: "تعال وألق خطابا في البرلمان أعلن فيه حل الحزب وإلقاء سلاح حزبك" على أن يتم بعد ذلك منحك "حق الأمل".

وفي البداية حظيت المبادرة بنبرة إيجابية من غالبية الأحزاب في البلاد، وكانت أولى خطوات بناء الثقة الخاصة بها السماح لعائلة أوجلان بزيارته للمرة الأولى منذ 4 سنوات في السجن الذي يقبع به بجزيرة إمرالي ببحر مرمرة.

لكن سرعان ما تبدّلت هذه الحالة بعد هجوم "توساش"، وما تبعه من ضربات نفذها الجيش التركي ضد مواقع "العمال الكردستاني" في سوريا والعراق وإجراءات اتخذتها وزارة الداخلية التركية بحق رؤساء بلديات محسوبة على الأحزاب الكردية، وفي مقدمتها "المساواة والديمقراطية" (ديم).

وأسفرت إجراءات الداخلية التركية، خلال الأيام الماضية، عن عزل 4 رؤساء بلديات، واعتقال أحدهم، وهو رئيس بلدية إسنيورت في إسطنبول، أحمد أوز، مما أثار موجة غضب واسعة عبّر عنها مسؤولو أحزاب كردية وآخرين في أكبر أحزاب المعارضة (حزب الشعب الجمهوري).

السلطات ربطت قرارات العزل والاعتقال بتهم "الإرهاب"، ومن المتوقع أن تواصل إجراءاتها في المرحلة المقبلة على أن تستهدف رؤساء 37 بلدية آخرين يديرها الأكراد، وفقا للصحفي المقرب من الحكومة، راغب صويلو.

ويعد حزب "ديم" حاليا ثالث أكبر حزب سياسي في تركيا، ويشغل 57 مقعدا في البرلمان، وكان مرشحوه قد فازوا بمنصب رؤساء البلديات في 10 مدن و58 منطقة إقليمية وسبع مقاطعات.

إعادة انتخاب إردوغان

تشير المعطيات القائمة في الداخل التركي حتى الآن إلى أن الزعيم القومي باهتشلي لا يزال متمسكا بـ"المبادرة" التي طرحها على أوجلان المسجون، وبينما أكد على ذلك لمرتين، فقد فتح في المناسبة الثانية، قبل أسبوع، قضية ترشح الرئيس التركي لولاية ثالثة.

وكان حليف إردوغان القومي قال في البرلمان، في الخامس من نوفمبر الحالي، إن إعادة انتخاب إردوغان "الخيار الطبيعي والصحيح"، وأضاف أن حزبه مستعد لدعم التحركات الرامية إلى "إجراء التعديلات الدستورية اللازمة".

ووفقا للدستور التركي، لم يعد مسموحا لإردوغان الترشح في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها عام 2028. ومع ذلك، يسمح القانون بإجراء استثناء، ويمكن للرئيس، في ولايته الثانية، الترشح في حال دعا البرلمان إلى انتخابات مبكرة.

وفي المقابل، وفي حال أراد التحالف الحاكم إجراء تعديلات دستورية سيكون من الصعب عليه فعل ذلك، بسبب افتقاره إلى أغلبية الثلاثة أخماس في البرلمان اللازمة لإجراء انتخابات جديدة أو حتى تعديل الدستور.

وبالعودة إلى الوراء كان إردوغان أعلن في مارس الماضي أن انتخابات البلديات التي جرت حينها "ستكون الأخيرة" بالنسبة له.

لكنه عاد، وفي أعقاب كلمات حليفه، ليشير قبل يومين إلى أنه منفتح على الترشح لولاية أخرى إذا أراد الشعب ذلك، قائلا: "ما دام الله يمنحنا الحياة وتوافق أمتنا، سنستمر في خدمة تركيا والأمة التركية".

ويوضح الباحث في الشأن التركي، محمود علوش أن أحد دوافع إردوغان للانفتاح على الحالة الكردية يتعلق بمشروع تعديل الدستور.

وكان هذا الدافع بات واضحا بشكل أكبر بعد فشل الرهانات على عملية التطبيع بين حزب "العدالة والتنمية" من جهة و"الشعب الجمهوري" من جهة أخرى.

وبعد انتهاء الانتخابات البلديات، التي حقق فيها "الشعب الجمهوري" فوزا ساحقا، التقى إردوغان مع زعيم الأخير مرتين، وكان صلب النقاشات يدور حول المساعي المتعلقة بوضع دستور جديد للبلاد.

وتلا تلك اللقاءات اتجاه "العدالة والتنمية" الحاكم لإجراء حوارات مع بقية أحزاب المعارضة، بينها الكردية، وفي مقدمتها "ديم".

ولم يفض ما سبق عن أي نتائج حتى الآن على صعيد تعديل الدستور، ووضع آخر جديد.

ورغم أن الباحث علوش وضع المسار المذكور كدافع أساسي في مبادرة الحل المتعلقة بالقضية الكردية يشير في حديثه لموقع "الحرة" إلى دوافع أخرى.

شكلية أم واقعية؟

يعتقد الباحث أن الدوافع الأخرى التي تكمن وراء "مبادرة الحل" تذهب باتجاه أن تركيا تسعى إلى تطوير استراتيجيتها ضد "العمال الكردستاني" بالاعتماد على مسارين، الأول أمني (داخلي وخارجي) والثاني سياسي.

وتستهدف أنقرة من خلال المسار السياسي خلق حالة يمكن أن تعيد بموجبها "إنتاج عملية سلام جديدة"، وهو ما يمكن التماسه من الموقف الذي يتخذه باهتشلي، بحسب علوش.

ولن يؤثر المسار الأول على الثاني وبالعكس، إذ ستبقى تركيا تتعامل بشكل مزدوج مع النهج الأمني والسياسي في التعاطي مع التهديدات المتعلقة بـ"العمال"، المصنف على قوائم الإرهاب لديها.

كما توجد دوافع إضافية وراء "مبادرة الحل" وترتبط بالتحولات التي حصلت بعد حرب السابع من أكتوبر. ويتابع علوش: "كل ما سبق شكّل تحولا في الحالة السياسية التركية تجاه المسألة الكردية".

لكن في المقابل يعتبر الباحث السياسي التركي، هشام جوناي أن المبادرة التي طرحها زعيم "الحركة القومية" في البلاد كانت "عقيمة" وتم اختصارها بأوجلان وكأنه يمثل كل الأكراد.

ويعتبرها أيضا في حديثه لموقع "الحرة" "شكلية" وأنها "لا تبحث عن حلول بقدر ما تؤسس لشيء ظاهري بأن الحل في أيدينا ونحن من نقول لكم تعالوا واجلسوا عل الطاولة ولبوا الشروط التي نضعها".

ومن المفترض أن يسبق "مبادرة الحل" تحضيرات على مستوى الرأي العام والإعلام، إن كانت جدية، وفق جوناي.

ويضيف، بعدما أشار إلى الثقة المعدومة بسبب ما شهدته السنوات الماضية من مواجهات دامية أنه "كان يفترض أن يتم أخذ العبر من مسار الحل السابق، وأن يكون هناك تعامل مع الجانب السياسي للأكراد الموجودين في البرلمان".

"عقبات ومصالح"

"المبادرة" التي اقترحها الزعيم القومي حليف إردوغان كان سبقها خلال الأسابيع الماضية سلسلة من الخطوات التمهيدية، وحصل الأولى منها في بداية شهر أكتوبر عندما توجه نحو أعضاء الحزب الديمقراطي الكردي (ديم) داخل البرلمان، وأجرى معهم محادثة قصيرة.

بعد ذلك بدأ باهتشلي، بالتدريج، إطلاق تصريحات تتعلق بالقضية الكردية وعملية السلام في البلاد.

وفي مناسبتين منفصلتين قال إن تحركه "كان متعمدا" في إشارة للمصافحة، وإنه يهدف إلى البحث عن السلام في تركيا.

ولم يكن الرئيس التركي بمعزل عما يجري، وبعدما أيد خطوة المصافحة في بداية أكتوبر قائلا إن تركيا يجب أن تكون قادرة على حل "المشكلات"، دون أن يلجأ شعبها إلى الإرهاب علّق على المبادرة التي اقترحها حليفه القومي داعيا إلى "عدم التضحية بنافذة الفرصة التاريخية التي فتحها تحالف الشعب".

ويعتقد الباحث علوش أنه توجد "عقبات تعترض إنجاح عملية التحول فيما يتعلق بالمسألة الكردية".

ويقف وراء العقبات اعتبارات على رأسها أن المبادرة مصممة بشكل أساسي لإحداث شرخ كبير داخل "العمال الكردستاني" بين قيادتين الأولى في قنديل والثانية أوجلان.

ويضاف إلى ما سبق أن "الانفتاح يشكل تحديا كبيرا للعمال، فيما يتعلق باتخاذ خياراته وتحديدها تجاه مبادرة باهتشلي".

وبتقدير الباحث فإن "تأثير أوجلان على العمال الكردستاني تراجع، مقارنة بما كان عليه خلال السنوات الماضية"، ولذا فإن "القيادة الراديكالية في قنديل ستكون أكثر تأثيرا في تحديد خيارات العمل تجاه مبادرة باهتشلي"، بحسب قوله.

ومن جهته يرى الباحث جوناي أن اختيار باهتشلي لأوجلان بشكل مباشر يعتبر "إشكاليا"، لأن "المجتمع التركي لن يقبل بفكرة أن يكون لأوجلان دورا بهذا الحجم وأن يخاطب الناس في البرلمان".

وعلى أساس ذلك يعتقد الباحث أن "المبادرة لم يكن لها أي ضابط.. وتجلى ذلك بالأعمال التي تبعت تصريحات باهتشلي، سواء من جانب العمال الكردستاني الإرهابي والهجوم الذي نفذه على (توساش) أو ما رأيناه على صعيد عزل رؤساء البلديات".

ويشير الواقع في البلاد الآن إلى أنه "لا يوجد استعداد لتحقيق المبادرة"، ويتابع الباحث التركي أن ما حصل خلال الفترة الأخيرة كان "لإظهار حزب الحركة القومية كطرف لا يعيق الانفتاح مع الأكراد"، كما لا يستبعد جوناي أن "يكون وراء الأمر مصالح سياسية للحزب الحاكم".

مقالات مشابهة

  • لماذا تترك الموسيقى التي تسمعها في سنوات شبابك تأثيرًا خالدا؟
  • ما الذي نعرفه عن المقاتلات الأمريكية التي تقصف الحوثيين لأول مرة؟
  • باقة مختارة من الأنماط الموسيقية والأغاني في حفل عبير نعمة بالكويت
  • مبادرة القوميين وولاية إردوغان الثالثة.. إلى أين تمضي تركيا؟
  • مدير شركة بوما لـRue20 الرياضية: قميص المنتخب مستوحى من الثقافة المغربية الغنية و التقاليد الأمازيغية
  • نائب وزير المالية: استكشاف آليات تمويل مبتكرة تدعم أهدافنا الاقتصادية
  • بالعون: لابد من تحقيق التوازن بين الحرية الشخصية واحترام التقاليد
  • رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي: أخاطبكم باسم لبنان للتعبير عن هول الكارثة التي نعيشها هذه الأيام جراء العدوان الإسرائيلي الذي نشر الموت والدمار في انتهاك صارخ للقانون الدولي
  • أميرة سليم: أتمنى التواجد في حفلات هشام نزيه الموسيقية دائما
  • السوبرانو أميرة سليم: أتمنى التواجد في حفلات هشام نزيه الموسيقية دائمًا