خبراء: اغتيال حسن نصر الله فرصة لزعيم الحوثيين
تاريخ النشر: 28th, September 2024 GMT
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص:
يوم السبت، أكد حزب الله أن زعيمه حسن نصر الله قتل في غارة جوية إسرائيلية يوم الجمعة في ضاحية بيروت في الضاحية، موقع مقر الحزب.
كان نصر الله قد قاد حزب الله لأكثر من ثلاثين عاما، ونظم وألهم حملته ضد إسرائيل. ويمثل مقتله ضربة هائلة لحزب الله، ويأتي بعد أسبوعين من الضربات الجوية الإسرائيلية المكثفة والعمليات السرية ضد كل من قيادة الجماعة المدعومة من إيران.
على الفور أعلن الحوثيون الإدانة لاغتيال حسن نصر الله والحداد لمدة ثلاثة أعلام وتنكيس للأعلام. وقال زعيم الجماعة المسلحة في خطاب متلفز: السيد نصرالله خسارة على الأمة الإسلامية بكلها؛ المقام الآن هو السير في مسار الربانيين، ومقام صبر وثبات وثقة بالله.
علاقة حزب الله والحوثي
وبينما كان زعيم الحوثيين يلقي خطابه وصل صاروخ باليستي أرض-أرض إلى تل أبيب، حسب ما أفاد جيش الاحتلال والحوثيين.
وقالت القناة 12 الإسرائيلية نقلاً عن مسؤولين في الاحتلال إن “الحوثيين سيأتي دورهم بعد حزب الله”.
فكيف سيؤثر ذلك على جماعة الحوثي المسلحة التي لطالما رأت في حزب الله نموذجاً يحتذى به؛ ودائماً ما كان “عبدالملك الحوثي” يرى في حسن نصر الله صورة للقائد فكان يظهر وكأنه نسخة منه؟
فاطمة أبو الأسرار الباحثة في معهد الخليج العربي في واشنطن والمتخصصة في اليمن قالت: لطالما نظرت قيادة الحوثيين إلى حزب الله كنموذج لكل من الاستراتيجية العسكرية والسياسية مع قيادة نصر الله التي توفر مخططًا لسرد المقاومة الشيعية ونهج الحرب التكتيكية غير المتكافئة. كانت المهمة والعلامة التجارية والعسكرية والأيديولوجية متشابهة.
ولفتت أبو الأسرار إلى أن “نصر الله كان شخصية موحدة للمجموعات المتحالفة مع إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وفي غيابه، من المرجح أن يتولى عبد الملك الحوثي، الذي قلد أسلوبه وحضوره التلفزيوني لفترة طويلة، زمام الأمور في اليمن والمنطقة”.
فرصة عبدالملك الحوثي
وقالت إميلي ميليكين الباحثة في “المجلس الأطلسي” إن “استمرار العمليات واسعة النطاق، فضلا عن تراجع نفوذ حزب الله بعد وفاة أكبر قادته، يمكن أن يضع الحوثيين وزعيمهم عبد الملك الحوثي في موقع يؤهلهم لدور أكثر بروزا داخل شبكة وكلاء إيران وحلفائها”.
من جهته يرى عدنان الجبرني الباحث اليمني المتخصص في متابعة الجماعات المسلحة التابعة لإيران إن مقتل نصرالله ينقل “مسؤولية قيادة مشروع التوسع الإيراني في المنطقة العربية إلى عُهدة عبدالملك الحوثي”.
وقالت أبو الأسرار: إن وفاة نصر الله يترك فراغًا كبيرًا داخل محور المقاومة الإيراني، ولكنها قد تقدم أيضًا فرصة لعبد الملك الحوثي، الذي كان حريصًا، مع طموحاته الإقليمية، على توسيع نفوذ ميليشياته الإقليمي وموقعها السياسي مع طهران.
ولفتت إلى أن “تأثير موت نصر الله أكبر من موت قاسم سليماني، حيث وصلت إذاعاته العربية إلى الملايين، وشكلت الرأي العام في جميع أنحاء المنطقة. ولا ينافسه في جاذبيته إلا عبد الملك الحوثي، الذي اكتسب مؤخرًا المزيد من النفوذ التلفزيوني في أعقاب الهجمات البارزة في البحر الأحمر”.
وترى ميليكين إلى أن تحقيق الحوثيين للزعامة الجديدة سيأتي من خلال بدء الجماعة المسلحة في “إعلان مسؤولياتهم خارج الحدود اليمنية والاضطلاع بدور أكثر مركزية في استراتيجية فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي.
وأضافت: بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن تعطي إيران الأولوية للجهود الرامية إلى تسليح الحوثيين بالتقنيات التي يمكن أن تزيد من تأثير عمليات الحوثيين، بما في ذلك الأسلحة المتقدمة مثل الصواريخ التي تم الحصول عليها من دول أخرى مثل روسيا.
الحوثيون مركز إقليمي جديد لتصدير الثورة الإيرانية… صنعاء بدلاً من طهران وبيروت! هجمات الحوثيين في البحر الأحمر؟وقالت ميليكين إن مقتل نصر الله لن يقلل من عمليات الحوثيين، على الرغم من العلاقة الوثيقة التي يتمتع بها حزب الله والحوثيين. بل على العكس من ذلك، من المرجح أن يواصل الحوثيون شن هجمات كبيرة على إسرائيل والشحن في البحر الأحمر، مدعين أنهم ينتقمون لمقتل نصر الله.
لكن فاطمة أبو الأسرار ترى أن الحوثيين ضاعفوا هجماتهم في البحر الأحمر دون خوف من الانتقام الإسرائيلي “لكن مع وفاة نصر الله فمن المرجح أن يخففوا من حدة التوتر أو يسعوا إلى تسوية سياسية لحماية قيادتهم من سلسلة ردود الفعل الدولية المستهدفة”.
داخل معضلة خامنئي
ويبدو أن الوضع برمته عقب مقتل حسن نصر الله، يدخل إيران في معضلة رئيسية تتعلق بالرد واليمن كانت رأس حربة في الحرب الحالية.
وقال داني سيترينوفيتش الباحث في المجلس الأطلسي: ومن المشكوك فيه ما إذا كان آية الله علي خامنئي، منذ توليه منصبه كمرشد أعلى لإيران، قد واجه مثل هذا القرار الدراماتيكي. إن اغتيال نصر الله يضع إيران في مأزق صعب للغاية بين رد فعل حاد على إسرائيل، التي تخاطر بحرب إقليمية، وعدم وجود رد فعل، مما سيضر بشدة بشبكة الوكلاء المسلحة لمحور المقاومة.
في الوقت نفسه، من المرجح أن يتم فحص مسألة الردع النووي الإيراني مرة أخرى، بالنظر إلى حقيقة أن حزب الله كان أداة الردع الرئيسية لإيران ضد إسرائيل، مما منعها من مهاجمة مواقعها النووية.
وتابع: إن تداعيات المعضلة على إيران ومحور المقاومة مهمة للغاية. إن رد الفعل الإيراني من شأنه أن يعرضها للخطر في حرب ويخلق مواجهة غير مرغوب فيها للغاية مع الولايات المتحدة.
لكن في الوقت ذاته فإن عدم الرد الإيراني يغامر بوجود محور المقاومة، فالحاجة إلى الرد ضرورة لإعادة اعتبار إيران داخل حلفاءها في المنطقة، ويبدو أن الحوثيين يضعون أنفسهم في رأس الحربة -كما العادة- في محور إيران تمهيداً لقيادته من الضاحية إلى صنعاء.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق أخبار محليةنور سبتمبر يطل علينا رغم العتمة، أَلقاً وضياءً، متفوقاً على...
تم مشاهدة طائر اللقلق مغرب يوم الاحد 8 سبتمبر 2024 في محافظة...
يا هلا و سهلا ب رئيسنا الشرعي ان شاء الله تعود هذه الزيارة ب...
نرحو ايصال هذا الخبر...... أمين عام اللجنة الوطنية للطاقة ال...
عندما كانت الدول العربية تصارع الإستعمار كان هذا الأخير يمرر...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: اغتیال حسن نصر الله فی البحر الأحمر الملک الحوثی من المرجح أن
إقرأ أيضاً:
هذا ما أعده الله للكاظمين الغيظ في الدنيا والآخرة.. فرصة عظيمة اغتنمها
كظم الغيظ والاحتساب من سنة النبي- صلى الله عليه وسلم-، فاللحظة الأولى عند الغضب يجب أن يحتسب المرء الأمر عند الله وبعدها يكظم الغيظ، وذلك عملا بحديث النبى: "لا تغضب لا تغضب لا تغضب".
جزاء الكاظمين الغيظ عند الله يوم القيامةالجنة هي مكانة الكاظمين الغيط يوم القيامة، حيث جعل الله هذه الصفة من صفات المؤمنين قال الله تعالى « وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ».
ومن يكظم غيظه عن الناس فى الدنيا يخيره الله تعالى بين الحور العين ليتزوج منهن ما شاء، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-« من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء».
فضل كظم الغيظ عند اللهكظم الغيظ مكانة كبيرة عند الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم)، فعن معاذ بن أنس الجهنيِّ "رضى الله عنه" أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "مَنْ كَظَمَ غَيْظـًا وَهُوَ قَـادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَـاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مَـا شَـاءَ"، رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ" رواه البخاري في "صحيحه.
ومعنى "كَظَم غَيْظَا" أي سكت عليه، ولم يُظْهِره بقولٍ أو فعلٍ، مع قُدْرته على إيقاعه بعدوِّه، قال الإمام ابن عطيَّة: "كَظم الغَيْظ: ردُّه في الجَوْف إذا كاد أن يخرج مِن كَثْرَته، فضبطه ومَنَعَه"، وقال أيضًا: "الغَيْظ: أصل الغَضَب، وكثيرا ما يتلازمان، ولذلك فسَّر بعض النَّاس الغَيْظ بالغَضَب، وليس تحرير الأمر كذلك، بل الغَيْظ: فعل النَّفس، لا يظهر على الجوارح. والغَضَبُ: حالٌ لها معه ظهورٌ في الجوارح، وفعلٌ ما ولا بدَّ، ولهذا جاز إسناد الغَضَب إلى الله تعالى، إذ هو عبارة عن أفعاله في المغضوب عليهم، ولا يُسْند إليه تعالى غيظٌ".
ويحرص الشيطان دائما عند المنازعات والخصومات على أن يثير غيظ بني آدم وغضبه؛ لأن ذلك يُسَهِّل سيطرته عليهم، ويدفعهم بذلك إلى شرورٍ غير متوقعة.
وكان إبليس يعرف ذلك عن آدم عليه السلام وذريته منذ بداية الخليقة، فعن أنس بن مالك "رضي الله عنه" أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "لَمَّا صَوَّرَ اللهُ آدَمَ فِي الْجَنَّةِ تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَتْرُكَهُ، فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ، يَنْظُرُ مَا هُوَ، فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَفَ، عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لاَ يَتَمَالَكُ" رواه مسلم.
ومعنى "لا يتمالك" أي: ليس لديه القدرة على أن يملك نفسه عند الغيظ والغضب، أو لا يملك نفسه، ويحبسها عن الشهوات، أو لا يملك دفع الوسواس عنه - كما ذكر ذلك الإمام النووي - ومن هنا كان من سُنَّة الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن يمنع كيد الشيطان بكظم الغيظ وعدم إنفاذه، والترغيب في ذلك بالمنزلة العالية يوم القيامة.
وقد عظَّم الله جل وعلا أجر الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس؛ فقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
ومما يروى في هذا الصدد، أنه كان للمأمون - الخليفة العباسي ابن هارون الرشيد - خادم، وهو صاحب وضوئه، فبينما هو يصب الماء على يديه إذ سقط الإناء من يده، فاغتاظ المأمون عليه، فقال: يا أمير المؤمنين! إن الله يقول: {وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ} فقال المأمون: قد كظمت غيظي عنك، قال: {وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ} قال: قد عفوت عنك، قال: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} قال: اذهب، فأنت حر. فما أعظمها مِنْ سُنَّة، تنفعنا في الدنيا بهدوء الحال، وتنفعنا في الآخرة بطيب المال.
تفسير والكاظمين الغيظ والعافين عن الناسفسر الشيخ الراحل الإمام الشعراوي، قوله تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ أن الإسلام لا يريد من المؤمن أن يُصَبَّ في قالب من حديد لا عواطف له، فالله سبحانه وتعالى يريد للمؤمن أن ينفعل للأحداث أيضًا، لكن الانفعال المناسب للحدث الانفعال السامي الانفعال المثمر، ولا يأتي بالانفعال المدمر].
وأضاف "الشعراوي"، أن هذه بعض من صفات المتقين {والكاظمين الغيظ} لأن المعركة- معركة أُحد- ستعطينا هذه الصورة أيضًا، فحمزة وهو سيد الشهداء وعم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقتل. وليته يُقتل فقط ولكنه مُثِّل به، وأُخِذ بضع منه وهو كبد فلاكته (هند)، وهذا أمر أكثر من القتل. وهذه معناها ضغن دنيء، وحينما جاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم خبر مقتل حمزة وقالوا له: إن (هندًا) أخذت كبده ومضغتها ثم لفظتها، إذ جعلها الله عَصِيَّة عليها، قال: (ما كان الله ليعذب بعضًا من حمزة في النار) كأنها ستذهب إلى النار، ولو أكلتها لتمثلت في جسمها خلايا، وعندما تدخل النار فكأن بعضًا من حمزة دخل النار، فلابد أن ربها يجعل نفسها تجيش وتتهيأ للقيء وتلفظ تلك البضعة التي لاكتها من كبد سيد الشهداء.
وأشار الى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شبه هذه الحادثة بأنها أفظع ما لقي. إنها مقتل حمزة فقال: (لئن أظفرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم)، وهنا جاء كظم الغيظ ليأخذ ذروة الحدث وقمته عند رسول الله في واحد من أحب البشر إليه وفي أكبر حادث أغضبه، وينزل قول الحق: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ}.. [النحل: 126].
وتابع: كي نعرف أن ربنا- جل جلاله- لا ينفعل لأحد؛ لأن الانفعال من الأغيار، وهذا رسوله فأنزل سبحانه عليه: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} ويأتي هنا الأمر بكظم الغيظ، وهو سبحانه يأتي بهذا الأمر في مسألة تخص الرسول وفي حدث (أٌحد). وبعد ذلك يُشيعها قضية عامة لتكون في السلم كما كانت في الحرب. وتكون مع الناس دون رسول الله؛ لأنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، {والكاظمين الغيظ} ونعرف أن كل الأمور المعنوية مأخوذة من الحسّيات. وأصل الكظم أن تملأ القِرْبة، والقِرَب- كما نعرف- كان يحملها (السقا) في الماضي، وكانت وعاء نقل الماء عند العرب، وهي من جلد مدبوغ، فإذا مُلئت القربة بالماء شُدّ على رأسها أي رٌُبط رأسها ربطًا محكمًا بحيث لا يخرج شيء مَمّا فيها، ويقال عن هذا الفعل: (كظم القربة) أي ملأها وربطها، والقربة لينة وعندما توضع على ظهر واحد أو على ظهر الدابة فمن ليونتها تخرج الماء فتكظم وتربط بإحكام كي لا يخرج منها شيء.
وأردف: كذلك الغيظ يفعل في النفس البشرية، إنه يهيجها، والله لا يمنع الهياج في النفس لأنه انفعال طبيعي، والانفعالات الطبيعية لو لم يردها الله لمنع أسبابها في التكوين الإنساني، إنما هو يريدها لأشياء مثلا: الغريزة الجنسية، هو يريدها لبقاء النوع، ويضع من التشريع ما يهذبها فقط، وكذلك انفعال الغيظ، إن الإسلام لا يريد من المؤمن أن يُصَبَّ في قالب من حديد لا عواطف له، لا، هو سبحانه يريد للمؤمن أن ينفعل للأحداث أيضًا، لكن الانفعال المناسب للحدث، الانفعال السامي الانفعال المثمر، ولا يأتي بالانفعال المدمر.
وأشار الى أن المؤمن ليس مطبوعًا على الشدة، ولا على الرحمة، ولكن الموقف هو الذي يصنع عواطف الإنسان، فالحق سبحانه يقول: {أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين}.. [المائدة: 54].
وقلنا: إن هناك فرقًا بين الانفعال في ذاته، فقد يبقى في النفس وتكظمه، ومعنى كظم الانفعال: أن الإنسان يستطيع أن يخرجه إلى حيز النزوع الانفعالي، ولكنّه يكبح جماح هذا الانفعال. أما العفو فهو أن تخرج الغيظ من قلبك، وكأن الأمر لم يحدث، وهذه هي مرتبة ثانية. أما المرتبة الثالثة فهي: أن تنفعل انفعالًا مقابلًا؛ أي أنك لا تقف عند هذا الحد فحسب، بل إنك تستبدل بالإساءة الإحسان إلى من أساء إليك. إذن فهناك ثلاث مراحل: الأولى: كظم الغيظ. والثانية: العفو. والثالثة: أن يتجاوز الإنسان الكظم والعفو بأن يحسن إلى المسئ إليه.
وهذا هو الارتقاء في مراتب اليقين؛ لأنك إن لم تكظم غيظك وتنفعل، فالمقابل لك أيضًا لن يستطيع أن يضبط انفعاله بحيث يساوي انفعالك، ويمتلئ تجاهك بالحدة والغضب، وقد يظل الغيظ ناميًا وربما ورّث أجيالا من أبناء وأحفاد.
وتابع: لكن العقل البشري يفقد ذكاءه في مواقف الغضب؛ فالذي يسيء إلى إنسان يحسبه عدوٍّا. لكن على الواحد منا أن يفهم أن الذي يسيء إليك إنما يجعل الله في جانبك؛ فالذي نالك من إيذائه هو أكثر مما سلبك هذا الإيذاء. هنا يجب أن تكون حسن الإيمان وتعطي المسيء إليك حسنة.
ويضيف الحق من بعد ذلك في صفات أهل الجنة: {والذين إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظلموا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ الله فاستغفروا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذنوب إِلاَّ الله...}.