من أهم الفروقات بين الجيش في بداية الحرب والجيش الآن أعمار المقاتلين. في بداية الحرب كان الجيش يبدو وكأنه قد كبر وشاخ بينما تمثل المليشيا الشباب والعنفوان.

حاليا أعمار المقاتلين الذين اقتحموا جسور الخرطوم وبحري غالبها في العشرينات.
الجيش استعاد شبابه بسرعة. وحسابات المليشيا المبنية على أن الجيش قد شاخ وهرم كانت خاطئة لأنها تجاهلت الشعب الذي أنجب القوات المسلحة والقادر على تجديد دماءها باستمرار.


الجنجويد ظنوا أن الجيش انتهى ونسوا المجتمع!

حليم عباس

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

رسالة من قلب الخرطوم… حكاية الصامدين في زمن الحرب

قبل أيام، أرسلت رسالة لصديق قديم أعرف أنه ما زال في الخرطوم، لم يغادرها منذ اندلاع الحرب. كنت قلقًا عليه كأخ، وسألته عن حال الأمن، عن الماء والكهرباء، وعن “كيف الحياة ماشية؟”. جاءني رده مختصرًا، لكنه كان كفيلًا بأن يحرّكني من الداخل:

“الأمن ولله الحمد تمام شديد. الموية بنشتريها يوم بعد يوم. الكهرباء عندنا طاقة شمسية. ولو كللللللو مافي، بسط موش مافي جنجويد دي أكبر نعمة.”

توقفت طويلًا عند هذه الكلمات. لم تكن مجرد رد سريع على سؤال عابر، بل كانت شهادة حيّة من قلب الخرطوم. شهادة إنسان يعيش التفاصيل، ويختبر الصبر كل يوم، لكنه ما زال واقفًا.
“الأمن تمام شديد” — هكذا ببساطة. لكن خلف هذه الكلمات عالم كامل من المعاناة والانتصار. الخرطوم، التي يحسبها البعض قد أصبحت أطلالًا، ما زالت فيها أحياء تنام وتصحو، تُقيم الصلوات، وتوزع الابتسامات. في وقتٍ سادت فيه الشائعات واشتدت فيه الحملات النفسية، تأتي هذه العبارة كضوء في نفق مظلم، تؤكد أن هناك مناطق آمنة، وأن الحياة، على قسوتها، ما زالت آمنة وممكنة.

“المويه بنشتريها يوم بعد يوم” — يقوله دون تذمر. لا شكاية ولا تململ. فقط وصف واقعي. لكنها أيضًا تعني أن الناس هناك ما زالوا قادرين على تنظيم يومهم، والتعامل مع النقص بإصرار. أما “الكهرباء عندنا طاقة شمسية”، فهي دليل على أن العقل السوداني لا يستسلم، بل يبحث عن البدائل، ويصنع من الشدة فرصة. الطاقة الشمسية هنا ليست رفاهية، بل أداة للبقاء، ووسيلة لحفظ كرامة العيش.

ثم تأتي الجملة التي اختزلت كل شيء، كل الحرب، كل المعاناة، كل السياسة: “ولو كللللللو مافي، بسط موش مافي جنجويد دي أكبر نعمة.” كأن صديقي يقول لي: قد نفقد كل شيء… الماء، الكهرباء، الراحة… لكن طالما لا نسمع وقع أقدام الجنجويد في حينا، فنحن بخير. هذه ليست مجرد جملة، إنها ميزان يقيس الناس به حياتهم اليوم. لا يبحثون عن الكمال، بل عن الحد الأدنى من الأمان. وهذه، بحد ذاتها، درس في بسالة الإنسان السوداني.

تظل مثل هذه الرسائل البسيطة، الصادقة، هي البوصلة. هي التي تخبرنا أن الناس بخير… ليس لأن حياتهم مريحة، بل لأنهم لم يفقدوا شجاعتهم ولا إحساسهم بما هو “أهم”. وهل هناك أصدق من إنسان يقول: “ما دام مافي جنجويد… فدي أكبر نعمة”؟ نعم، ما زالت الخرطوم بخير، لأن فيها من يشبه صديقي هذا. وهل هناك أصدق من شهادة من لم يترك أرضه؟

عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان
٢٩ أبريل ٢٠٢٥م

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • أولويات ما بعد الحرب في السودان
  • حرب السودان في عامها الثالث: الجيش يتقدم وانتهاكات جديدة بواسطة الدعم السريع
  • السلطات بالخرطوم تشرع في إزالة ونظافة أكبر البؤر التي كانت تستخدمها المليشيا للمسروقات والظواهر السالبة
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (تحت أرض الخرطوم) 4
  • هل نجح الفيتناميون الذين فروا إلى أميركا في التعايش؟
  • الجيش السوداني لرويترز: السودان كشف تورُّط الإمارات الإجرامي وضلوعها في قتل السودانيين بدعمها ورعاية المليشيا.. والآن تحاول ذر الرماد في العيون وتختلق التهم الباطلة
  • رسالة من قلب الخرطوم… حكاية الصامدين في زمن الحرب
  • الحرب في السودان .. خسائر بمليارات الدولارات
  • فرن بلدي للمليشيا الإجرامية داخل مكتب أحد الأساتذة بجامعة الخرطوم
  • الأونروا: "إسرائيل" اعتقلت أكثر من 50 موظفًا من الوكالة منذ بداية الحرب