نشرت مجلة "ايكونوميست" تقريرا تحدثت فيه عن دلالات إنفاق السعودية مليارات الدولارات على كرة القدم.

وأوضحت المجلة في التقرير، أن إنفاق السعودية قد يجعلها تنافس الدوريات الأوروبية الكبرى، وربما تسحب البساط منها.

تحركات دوري المحترفين ليست سوى جزءا بسيطا من حملة بمليارات الدولارات من جانب السعودية في الرياضة العالمية، بدعم من ولي العهد والحاكم الفعلي، محمد بن سلمان.

الحملة تتعدى كرة القدم إلى رياضة الغولف وسباق الفورمولا 1 للسيارات والملاكمة والمزيد. طموح محمد بن سلمان هو استخدام الرياضة لتحديث السعودية، وتغيير صورتها للعالم الخارجي، بحسب المجلة.

وتضيف "يحدث التفاخر السعودي في الوقت الذي تهتز فيه صناعة الرياضة العالمية بسبب الاضطراب الرقمي وموجة جديدة من الاستثمار في الأسهم الخاصة. يتهم المتشككون محمد بن سلمان باستخدام الرياضة لتبييض سمعة البلاد بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان. بينما يقول فهد ناظر من السفارة السعودية في واشنطن العاصمة إن فكرة أن البلاد تقوم بعملية غسيل رياضي "لا يمكن أن يكون أبعد عن الحقيقة". ويقول إن مثل هذه الادعاءات تفوح منها رائحة "التمييز العرقي"، وقال إن كل شيء تم فعله لاعتبارات تتعلق بالسعودية ومواطنيها - وليس الغربيين.

يعتقد العديد من المراقبين أن التحركات لن تغير السعودية فحسب، بل الرياضة العالمية نفسها، منتزعة المبادرة من الأوصياء الغربيين الخانقين للفرق والبطولات وإدخال قوة ديناميكية جديدة. استمر الإنفاق منذ عدة سنوات، لكن حتى وقت قريب كان نطاقه الكامل محجوبا بمقاربة توسيع رقعة العمليات. تمت الاستثمارات والمفاوضات في طبقات متعددة من صناعة الرياضة، بما في ذلك شراء اللاعبين، وشراء الأندية الأجنبية، وتطوير الأندية المحلية وشراء البطولات أو تطويرها في الداخل والخارج.

تمت متابعة هذه الصفقات من قبل مجموعة من الكيانات السعودية بما في ذلك الحكومة نفسها، وصندوق الاستثمارات العامة، وصندوق الثروة السيادية، وحتى شركة أرامكو السعودية، شركة النفط التي تعد أكثر الشركات ربحية في العالم. الأفق مدهش، حيث تم انفاق ما لا يقل عن 10 مليارات دولار على عدد من الرياضات الكبرى.

في عام 2021، سيطر كونسورتيوم بقيادة السعودية على نيوكاسل يونايتد، فريق الدوري الإنجليزي الممتاز الشهير والذي كان يعاني من صعوبات، مقابل 391 مليون دولار. بالإضافة إلى تطوير الدوري المحلي، هناك تكهنات شديدة بأن السعودية ستطلق عرضا لاستضافة كأس العالم، ربما في عام 2030، على خطى قطر المجاورة في عام 2022. كما يُعتقد أن الأموال الخليجية دعمت محاولة 2021 إنشاء دوري أوروبي ممتاز، والذي انهار بعد معارضة من المشجعين.

في لعبة الجولف، وافقت الهيئة الرئيسي في أمريكا، PGA Tour، على الاندماج مع  جولة  Liv Golf، وهي بطولة سعودية أدت إلى اضطراب الرياضة من خلال تقديم مئات الملايين من الدولارات للاعبين الكبار لتبديل ولائهم. جولة موانئ دبي العالمية في أوروبا، وهي هيئة تنظيمية أخرى، هي أيضا جزء من الصفقة.

تستضيف السعودية سباق الجائزة الكبرى الجديد للفورمولا 1 في جدة وتقوم ببناء مضمار بالقرب من العاصمة الرياض، وأفادت الأنباء أن المستثمرين السعوديين قد فكروا في تقديم عروض بقيمة 20 مليار دولار لكامل الفورمولا 1 العام الماضي. ونفى وزير الرياضة السعودي التقارير ووصفها بأنها "تكهنات بحتة". أرامكو لا تزال الراعي الرئيسي للسباق.

اعترف مسؤول في جولة تنس ATP للرجال بإجراء محادثات "إيجابية" مع مستثمرين محتملين، من بينهم صندوق الاستثمارات العامة تدرس جولة التنس النسائية، WTA، ما إذا كانت ستقيم بطولات في السعودية وزارها مسؤول مؤخرا. تستضيف المملكة الآن مباريات ملاكمة ومصارعة كبيرة ومباريات رياضية إلكترونية. على الرغم من مناخها، فقد تم اختيارها أيضا لاستضافة الألعاب الآسيوية الشتوية في عام 2029.


لماذا تتباهى الدولة بالرياضة؟ يلعب الغرور والحسد دورا. استثمر العديد من أفراد العائلة المالكة السعودية في فرق في مكان آخر ويريدون الآن بعضا منها. إنهم يريدون أيضا أن يؤخذوا على محمل الجد بين النخبة الرياضية العالمية. ياسر الرميان، محافظ صندوق الاستثمار الوطني، من محبي الجولف.

تشير المستندات التي تم إصدارها كجزء من جلسات الاستماع الأخيرة في الكونغرس بشأن صفقة  دمج جولتي PGA  وLIV  إلى أن إحدى الأفكار المقترحة كجزء من الصفقة كانت أنه قد يحصل على عضوية Augusta، النادي الأكثر تميزا في أمريكا.

الخطة السعودية تتجاوز بكثير الامتيازات التي تقدمها لنخبها وتواكب الجيران. ارتفاع أسعار الطاقة والإنتاج يعني أنه من المتوقع أن تتجاوز صادراتها النفطية 166 مليار دولار هذا العام، أو 16% من الناتج المحلي الإجمالي. وتهدف خطة "رؤية 2030" للمملكة إلى تنويع اقتصادها بعيدا عن النفط من خلال تطوير صناعات جديدة وتحرير الاقتصاد، بما في ذلك عن طريق إشراك المزيد من النساء في القوى العاملة.

تريد المملكة أن يجذب الدوري السعودي للمحترفين المستثمرين والمشجعين. تهدف إلى استقبال 100 مليون زائر سنويا بحلول عام 2030 (كان هناك 64 مليون زائر في عام 2021). ومن المأمول أن يكون للرياضة تأثير غير مباشر على بقية الاقتصاد.

قد تكون الرياضة مفيدة كآلية لاستكمال الإصلاح الاجتماعي. وخاصة أن 70% من السكان السعوديين تقل أعمارهم عن 35 عاما، بحسب ناظر من السفار السعودية وأن الشباب يحبون الأحداث الرياضية.
تواجه الخطة الرئيسية خطرين كبيرين. الأول هو أن نماذج أعمالها قد لا تعمل. يمكن للمالكين الخليجيين بشكل واضح إدارة الأعمال الرياضية بشكل جيد. ازدهر مانشستر سيتي في ظل إدارة مستثمره الإماراتي (على الرغم من أن الدوري الإنجليزي الممتاز اتهمه في شباط/ فبراير بخرق القواعد المالية، وهي تهمة ينفيها النادي). خلال السنة الأولى من ملكية السعودية، أنفق نيوكاسل يونايتد حوالي 100 مليون جنيه إسترليني وانتقل من منطقة الهبوط. في السنة الثانية، جاء النادي في المركز الرابع، مؤهلا إلى دوري أبطال أوروبا لأول مرة منذ 20 عاما.

الخطر الكبير الثاني هو أن الطفرة قد تؤدي إلى رد فعل عنيف. يمكن أن تكون الرياضة صناعة حساسة للاستثمار فيها ووضع السعودية كدولة استبدادية لا يساعد. اتهمت العديد من مجموعات حقوق الإنسان السعوديين بالغسيل الرياضي، على سبيل المثال عندما منحهم الفيفا كأس العالم للأندية لعام 2023.


إنها تحوير جديد لفكرة قديمة، بأن الأنظمة البغيضة تستخدم الرياضة لعرض نماذجها السياسية، كما فعل موسوليني في كأس العالم عام 1934 وهتلر مع الألعاب الأولمبية عام 1936. واتُهمت الصين بالغسيل الرياضي عندما استضافت دورة الألعاب الأولمبية الشتوية العام الماضي، كما كانت روسيا عندما استضافت كأس العالم لكرة القدم في عام 2018. واجهت قطر الكثير من الانتقادات في عام 2022 أيضا.

يشير النقاد اليوم إلى ندرة الحريات الديمقراطية في السعودية وقمع حقوق المرأة.. لم يتم نسيان القتل المروع للصحفي الصريح جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول عام 2018، ولا دور المملكة المركزي في الحرب الدموية في اليمن.

ومع ذلك، فإن السياسة الاستبدادية في السعودية ربما لن تمنعها من القيام بدور متزايد في الرياضة العالمية. قطع التأهل إلى دوري أبطال أوروبا شوطا طويلا في استمرار الانتقادات الموجهة للاستثمار السعودي في نيوكاسل يونايتد. الرئيس جو بايدن، بعد أن وصف المملكة بأنها "منبوذة" في عام 2019، حريص الآن على إصلاح تحالف أمريكا. لكن سمعتها قد تجعل الصفقات أكثر صعوبة. تسبب الاندماج المقترح في لعبة الغولف بين PGA وLIV  بشكوك حول قانونية العملية ويتم تقييمها من قبل وزارة العدل الأمريكية لمعرفة ما إذا كانت تنتهك قانون مكافحة الاحتكار.

تم إحالة المديرين التنفيذيين في PGA Tour إلى لجنة في مجلس الشيوخ الشهر الماضي. واشتكى السناتور ريتشارد بلومنتال من أن بند الإسكات في الصفقة، والذي يمكن أن يمنع اللاعبين من التشهير بالسعودية، "هو أوسع بند عدم انتقاص رأيته في حياتي". لا شك أن داعمي الصفقة في جولة PGA حريصون على القول أن السعوديين سيكون لهم دور في المقعد الخلفي: ربما تكون هذه رؤية مختلفة تماما عن رؤية  محمد بن سلمان، حيث يسيطر السعوديون على ما لم تعد مجرد "أموال غبية".

ولكن حتى لو لم تغير بعض الصفقات البلاد بالطريقة التي يأملها محمد بن سلمان، فإن السعودية جزء من تحول أوسع يغير الرياضة العالمية. إن الزيادة الكبيرة في رأس المال من المملكة هي جزء من ظهور مجموعة جديدة من الصناديق السيادية وصناديق الأسهم الخاصة التي تستثمر في الرياضة على نطاق واسع. ذكرت بلومبرغ أن شركات الأسهم الخاصة أنفقت 51 مليار دولار على المعاملات الرياضية في عام 2021، أي ما يقرب من ضعف إجمالي عام 2017.

يتم تحرير قواعد الملكية حيث تبحث الأندية والبطولات عن مصادر جديدة لرأس المال لتظل قادرة على المنافسة. البطولات الرياضية الأمريكية هي الأفضل في العالم في جني الأموال. منذ عام 2019، خففت العديد من الاتحادات الأمريكية الكبرى قواعدها للسماح باستثمارات الأقلية من قبل المستثمرين المؤسسيين. في تموز/ يوليو، توصلت هيئة الاستثمار القطرية إلى اتفاق لشراء 5% من الشركة الأم لفريق كرة السلة الأمريكي "واشنطن ويزاردز".

وصل الاضطراب الرقمي أيضا أخيرا إلى الرياضات الحية، التي كانت واحدة من آخر معاقل التلفزيون التقليدي. وعلى نحو متزايد، يشاهد المهتمون  الرياضة من خلال خدمات البث التي تقدم ألعابا مباشرة ولكن أيضا المقاطع البارزة عند الطلب والتحليل والوظائف الإضافية الرقمية الأخرى. يصاحب هذا التحول الرقمي دوامات وتحولات غير متوقعة في الجماهير. على سبيل المثال، فورمولا 1، التي كانت معروفة في يوم من الأيام بسبب وجودها الضئيل في الولايات المتحدة، تكتسب الآن بعض الزخم هناك، مدعومة بالارتباط مع نتفلكس.

يعكس التفاخر الرياضي السعودي جزئيا الديناميكيات داخل المملكة: تدفق جديد من دولارات النفط وطموح محمد بن سلمان في إنشاء مجتمع أكثر ليبرالية اجتماعيا واستعادة سمعته المشوهة في الغرب. لكن التحركات تعكس أيضا إحساسا بوجود فرصة جديدة في الرياضات العالمية: لجذب جماهير أكبر وأحدث، وإنشاء أنواع مختلفة من الأحداث والبطولات وإعادة اختراع البطولات القديمة.
يتضمن أحدث تقرير سنوي من  صندوق الاستثمارات الوطني، والذي صدر هذا الأسبوع، الإعلان عن أداة استثمارية خاصة بالرياضة، مما يشير إلى خطط مستقبلية أوسع. من المرجح أن يهز بنزيمة ورونالدو الشباك في الخريف. المملكة نفسها لديها الكثير من الأهداف الأخرى الخاصة بها.

للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة السعودية أوروبا السعودية أوروبا الدوريات الكبرى صحافة صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الریاضة العالمیة محمد بن سلمان السعودیة فی کأس العالم العدید من کرة القدم فی عام

إقرأ أيضاً:

لا حرب دون مصر ولا سلام أيضا

سيجد القارئ تغييرًا مؤقتًا في هذه العبارة التاريخية التي كانت تقول «لا حرب بدون مصر ولا سلام بدون سوريا»؛ فسوريا العزيزة منغمسة من رأسها حتى قدميها في وضعها الداخلي المعقد وقدرتها -في المدى القصير- على التأثير في مجرى الصراع العربي ـ الإسرائيلي محدودة.

لكن مصر التي تخلت عن خيار الحرب منذ توقيع السادات اتفاقيات كامب ديفيد وجرفت معها الصراع العربي ـ الإسرائيلي والمنطقة برمتها إلى حالة «السلام» ربما تكون هي الطرف العربي الأساسي الذي بمقدوره أن يضع هذا السلام ومكاسب واشنطن وتل أبيب التي لا تعد ولا تحصى منه أمام أخطر تحدٍ يواجهه منذ ٤٧ عامًا!.

هل قررت القاهرة أن تخرج من حالة الصبر والكمون وتستجيب الاستجابة الطبيعية التي تتناسب مع قدرها كبلد كبير فترد سياسيًا على الانتهاكات الإسرائيلية لمعاهدة السلام وعلى سيل الاستفزازات المسيئة التي لم تتوقف منذ اندلاع طوفان الأقصى؟

هناك أربعة تطورات وقعت كلها في الأسبوع الماضي تفتح باب الاحتمالات لتغيرات جيواستراتيجية: التطوران القادمان من إسرائيل هما وصول مستوى الاستفزاز الإسرائيلي إلى مستويات غير مسبوقة سواء في درجة الوقاحة السياسية أو في محاولة النيل من مصر. والتطوران القادمان من مصر والعالم العربي هما وجود مؤشرات أولية للغاية ولكن غير حاسمة على أن الصبر المصري بدأ يتغير وأنه بدأ يعي أن سياسة الغموض وتجنب المواجهة لم تعد كافية لصد التحرشات الإسرائيلية.

في الأسبوع الماضي جاء الاستفزاز لمصر من قبل زعيم المعارضة يائير لابيد يقترح فيه أن توضع غزة تحت حكم مصري بين ٨ إلى ١٥عاما تتولى فيها مصر نزع سلاح حماس الذي فشلت فيه إسرائيل وأمريكا أو بنص كلامه «خلال هذه السنوات الثمانية ستعمل مصر على تدمير البنى التحتية الإرهابية التي بقيت في القطاع، بما في ذلك الأنفاق ومواقع إنتاج السلاح، وسيتم تشكيل جهاز أمني مشترك، مصري ـ إسرائيلي ـ أمريكي، يضمن تنفيذ الاتفاق ويمنع حماس من العودة وإعادة بناء قوتها العسكرية. نزع السلاح من غزة هو الشرط الرئيسي لإعادة الإعمار وإنهاء الحرب»، بعبارة أخرى يريد لابيد تحويل مصر إلى شرطي يحمي أمن ما تسميه إسرائيل جبهتها الجنوبية كما حولت السلطة الفلسطينية لشرطي يحمي الاستيطان والاحتلال في الضفة الغربية. المهين ليس فقط المهمة المعروضة على بلد كان قيادة لأمته وقدم أكبر عدد من الشهداء ولكن في المقابل إذ يزعم لابيد أن قيام الدول الغربية ودول في الخليج بشطب ديون مصر البالغة نحو ١٥٠ مليار دولار سيمكن مصر من إطعام شعبها الخبز! اقتراح لابيد يحتوي على تلميح بأن مصر بلد يمكن إملاء الشروط عليه بسبب أزمته الاقتصادية وديونه الخارجية. ومع الاعتراف الواسع لدى المختصين بحاجة مصر إلى سياسات توزيع عادلة تقلل نسبة الفقر وإلى سياسات اقتصادية أكثر رشادة تهبط هبوطا حقيقيا بحجم الدين الخارجي إلا أن بلدا ناتجه المحلي السنوي يصل لـ٤٠٠ مليار دولار هو بلد لا يجثو على ركبتيه مستسلما لعدوه لكي يقبل بدور شرطي الحماية له.

التطور الثاني كان أخطر لأنه من رئيس أركان الجيش دانييل هاجاري، فالجنرال الذي يزيد إنفاق بلاده العسكري ثلاثة مرات على الإنفاق المصري، يقول إن جيشه قلق جدا من التسليح الزائد للجيش المصري! وكأن إسرائيل دولة عظمى تتعامل مع مصر كدولة صغرى؛ هذا التطور الخطير في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي لم يعد يقف إذن عند تجريد المقاومة الفلسطينية من سلاحها ولكن يريد أن يجرد أو يضع جيوش الدول العربية في وضع لا تستطيع فيه الدفاع عن نفسها من أي هجوم. وهنا يمكن أن نفهم تدمير الإسرائيليين لكل قدرات الجيش السوري والقيود الموضوعة بالاتفاق مع الغرب على حجم ونوعية تسليح الجيش اللبناني والأردني.. إلخ. التطورات القادمة من مصر والعالم العربي توحي بأن شيئًا ما «جنينيا» يتبلور في التوجه السياسي المصري نتيجة لهذه الاستفزازات المستمرة.

فلقد سربت الصحافة الإسرائيلية معلومات تقول إن مصر رفضت مقترحًا من بعض دول الخليج بأن تحتوي خطتها على نزع سلاح حماس، وأن مصر لم توافق حتى الآن على مطلب ترامب ونتنياهو في ربط عملية إعادة إعمار غزة بتجريد المقاومة من سلاحها. تطور يسير في الاتجاه نفسه عبّر عنه صحفي عربي قريب من هذه الدول الخليجية أشار فيه إلى أن هذه الدول ربطت مشاركتها المالية في إعادة الإعمار بخروج حماس التام من غزة وإذا لم تقبل حماس فعليها أن تقنع آية الله خامنئي بتحمل تكلفة إعادة الإعمار.

إذا وضعنا هذا مع بيان الخارجية المصرية الذي رفض خطة لابيد فإننا أمام مسار قد تستطيع فيه مصر -إذا أرادت- للمرة الأولى أن تضع على الطاولة تحديًا استراتيجيًا مرعبًا للإسرائيليين والأمريكيين ألا وهو أن حالة السلام ليست أبدية وليست أمرًا مفروغًا منه، وأن المعاهدة التي أخرجت مصر من الصراع والتي مكنت واشنطن من الهيمنة على المنطقة ووضعتها تحت جناحيها هي معاهدة غير مقدسة خاصة ما دام أحد أطرافها «إسرائيل» لا يحترمها كما يظهر من احتلالها ممر فيلادلفيا منذ نحو ١٠ أشهر.

التحليل السياسي يقول إن هذا المسار ربما يتطلب إرادة سياسية قادرة على إجراء مجموعة مراجعات ـ إعادة النظر في فكرة كرّسها فريق من النخبة المصرية يرى أن معاهدة السلام مع إسرائيل هي حجر الزاوية للسياسة المصرية وأنه على مصر الحفاظ طوال الوقت عليها وعلى علاقات تنسيق مع إسرائيل مهما صالت وجالت في المنطقة وعاثت فيها فسادًا.

ستنهي إعادة النظر تلك المزاحمة الخاطئة التي حدثت لعقيدة الأمن القومي المصري وبوصلتها الصحيحة التي بلورتها الخبرة التاريخية منذ رمسيس الثالث وصلاح الدين ومحمد علي وجمال عبد الناصر في أن التهديد الحقيقي لمصر يأتي من الشرق.

- نقد الميراث الاستراتيجي الذي وضع قيودًا مخيفةً على الدور المصري وهو الاعتقاد الخاطئ بأن الولايات المتحدة تتحكم في كل شيء، ربما احتاج الأمر التمرد على مقولة السادات بأن ٩٩٪ من أوراق اللعبة مع واشنطن.

مراجعة الانفراد بسابقة لم يعرف لها التاريخ مثيلًا، وهي أن يحرم طرف على نفسه استخدام وسائل القوة الخشنة إذا وجد أن الوسائل الأخرى غير كافية لحماية أمنه. الحديث هنا عن المقولة الشائعة أن حرب أكتوبر هي آخر الحروب وأن السلام خيار استراتيجي وحيد للعرب، فهل سمع أحد زعيما إسرائيليا أو أمريكيا يقول إن السلام خيار وحيد وأن الحرب دفاع عن الأمن والسيادة بات غير مطروح؟

لقد بنيت هندسة الشرق الأوسط الأمريكية على استمرار مصر في معاهدة السلام للأبد وهذه الهندسة ستنهار إذا بدا أن مصر قد تخرج من هذه الحالة. إن مجرد الإعلان أن كامب ديفيد وربما معها أوسلو ووادي عربة والتطبيع الإبراهيمي هي معاهدات تعاقدية وليست بقرة مقدسة وأن انتهاك الإسرائيليين المستمر لها يمكن بسهولة أن يفسخها وأن السلام والحرب مطروحان بالتساوي على الطاولة ستحد تمامًا من الجموح الأمريكي الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية وإعادة رسم حدود وخرائط الدول العربية من جديد.

حسين عبد الغني كاتب وإعلامي مصري

مقالات مشابهة

  • منها سول.. كيا تسحب هذه السيارات من الأسواق العالمية لهذا السبب
  • الغاز المسال في اليمن.. طاقة معطلة منذ سنوات تهدر مليارات الدولارات
  • هواوي تسحب البساط من آبل.. بأقوى هاتف قابل للطي
  • لا حرب دون مصر ولا سلام أيضا
  • الهرولة الإستعمارية نحو أفريقيا من 1884م في دورة جديدة في 2024م
  • تدشين مبادرة الرياضة تجمعنا دعما لمبادرة بداية جديدة بجامعة الأزهر
  • المصرف العراقي للتجارة يمنح الاتحاد العراقي لكرة القدم (3.5) مليارات دينار لتغطية انشطته الكروية
  • اتحاد كرة القدم يطلق حملة توعوية بعنوان “الرياضة صحة”
  • اتحاد كرة القدم يطلق حملة توعوية بعنوان “الرياضة صحة” لتحفيز المجتمع خلال رمضان على تنظيم أنشطة رياضية مختلفة
  • أبوريدة يناقش تعديلات كرة القدم العالمية باجتماعات IFAB في بلفاست