قد يعتقد بعض المراقبين الأجانب، أو بعض أصدقائهم من العرب أن الصراع قد حُسم بعد أن دُمرت غزة وأصبحت أنقاضًا على ساكنيها، وبعد أن استُشهد ما يقرب من خمسين ألفًا وأكثر من ضعفهم من المصابين والعجزة غالبيتهم من النساء والأطفال والشباب، وربما ينتشي هؤلاء المراقبون بعد الضربات الموجعة التي حلت بالمقاتلين في لبنان وخصوصًا وقد استخدم العدو سلاحًا جديدًا لم تعرفه الحروب الحديثة وهو لا يقل خطورة عن الأسلحة الكيماوية التي حرمتها كل القوانين والأعراف الدولية، بعد أن اخترق العدو الإسرائيلي أجهزة البيجر والأجهزة اللاسلكية مما تسبب في استشهاد آلاف اللبنانيين وترويع كل سكان جنوب لبنان وضاحية بيروت الجنوبية.
اعتقد الجيش الإسرائيلي أنه انتهى من معارك غزة والضفة الغربية، لكي يتفرغ للقضاء على الجبهة الشمالية في لبنان سواء في الضاحية الجنوبية من بيروت أو في جنوب لبنان حتى بوابة فاطمة وهي الحدود الفاصلة مع العدو الإسرائيلي. لقد اعترف حسن نصر الله أن العدو قد استهدف خمسة آلاف من اللبنانيين في يومين وهي أحداث مروعة صرح بأنها مجزرة غير مسبوقة وغير متوقعة، وعلى الرغم من ذلك فقد قال: إن هذه الضربة الموجعة لن تُسقطنا، بل ستزيدنا قوة، لقد راح العدو الإسرائيلي يواصل قذف المنازل والمؤسسات الاقتصادية والتعليمية عبر طائراته وصواريخه ملحقًا ضررَا بالغًا بجنوب لبنان وضاحية بيروت الجنوبية. وكانت رسالة نتنياهو واضحة وقد اتسمت بالجبروت والاستعلاء من خلال خطاب وجهه إلى الإسرائيليين والمقاومين اللبنانيين حينما قال: «لن تتوقف الحرب إلا بعد عودة الإسرائيليين إلى مستوطناتهم في شمال إسرائيل»، وقد علق عليها حسن نصر الله بكل قوة: «لن نوقف هجماتنا على شمال إسرائيل إلا بعد توقف الحرب في غزة، وأتحداكم فلا سبيل إلى وقف المقاومة إلا بعد وقف القتال على غزة والضفة الغربية».
من خلال ضربة إسرائيلية واحدة استشهد فيها القياديان في حماس إبراهيم عقيل وأحمد وهبي ومعهما أكثر من ألف شهيد في هجوم مباغت على ضاحية بيروت الجنوبية، ومن خلال تصريحات الساسة الأمريكيين والإسرائيليين معًا يتحدثان عن هدفهما الحقيقي وهو تغيير خارطة المنطقة وهو ما صرح به نتنياهو في كثير من أحاديثه، بل تغيير خارط الشرق الأوسط برمتها، ومن الواضح أن إسرائيل ستعمل قريبًا على ضم الضفة الغربية ضمًا كاملا ولا أتصور أن ما حدث من هجوم على أحد مقرات حزب الله في جنوب بيروت أو الهجوم على جنوب لبنان والوصول إلى أماكن محددة اختارها العدو بكل عناية ودقة يمكن أن يكون عشوائيًا بل أستطيع القول إن إسرائيل زرعت لها عملاء سواء من اللبنانيين أو من أعضاء حزب الله وهو ما يستوجب الاهتمام والعناية وإجراء تحقيق دقيق للوصول إلى هؤلاء الخونة حفاظًا على سلامة الجبهة اللبنانية من الاختراق.
وسط كل هذا الدمار والقتل من عدو يملك كل مقومات الحرب الحديثة وبدعم متواصل من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب تعود حاملة الطائرات الأمريكية إلى شرق البحر المتوسط لكي تكون على أهبة الاستعداد لدعم إسرائيل في الوقت الذي يواصل فيه وزير الخارجية الأمريكي (بلينكن) تصريحاته المكررة بضرورة وقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات سلام بهدف إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، ولم يتحدث عن قتل المئات كل يوم في عزة والقطاع، وتدمير قطاع غزة لدرجة أن 75% من المباني والمنشآت قد دُمرت، ولم يشاهد أطفال غزة وهم يتحلقون وسط الأنقاض لتلقي دروسهم، وأخيرًا لبنان التي يُصرح الرئيس بايدن ووزير خارجيته بأن إسرائيل محقة في عدوانها على لبنان، والعجيب في الأمر أن ساستنا وإعلامنا يتحدثون صباح مساء عن دور الوسيط الأمريكي معتبرينه وسيطًا محايدًا، فهو ضالع ومتضامن مع إسرائيل تخطيطًا، وتنفيذًا، ودعمًا بهدف واضح للعيان وهو إيجاد شرق أوسط جديد لا نعرف له حدودًا ولا نهايات بعد أن ألقينا بكل أوراق الصراع في يد أمريكا وفي غياب واضح وفج من قادتنا العرب ومؤسساتنا، الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وهو ما يدعوني إلى الاعتقاد الجازم بأن البعض من قادة دولنا متورطين في هذا الصراع غير مكترثين بفكرة الشرق الأوسط الجديد الذي تعمل عليه أمريكا منذ عهد الرئيس ترامب.
السؤال الذي لم يجب عليه الإسرائيليون وأصدقاؤهم الأمريكان: ما هو مستقبل الشرق الأوسط الذي يزعمون قيامه؟ حتى إذا ضم الإسرائيليون غزة، والضفة، وجنوب لبنان هل سيتوقف الصراع؟ هل ستأمن إسرائيل على حياة أبنائها، واقتصادها، ورفاهية شعبها؟ فالتاريخ يقدم لنا دروسًا عملية لكل الدول التي سبق لها أن وقعت فريسة للاستعمار عبر التاريخ من الاستعمار البرتغالي، والبريطاني، والفرنسي، والألماني، جميعها تشكل دروسًا عملية يستقي منها الفلسطينيون أملهم وخبراتهم، وخصوصًا وأن المقاومة الفلسطينية واللبنانية صامدة مُصرة على القتال جيلا بعد جيل، فقد لا يُحسم الصراع في الجيل المعاصر ولكن هل ينسى الأبناء والأحفاد استشهاد آبائهم وهدم بيوتهم ومعاناة أهلهم؟
سيبقى الصراع ما بقيت إسرائيل مصرة على عدوانها وستأتي أجيال أكثر قوة وأشد عزيمة للقصاص مما حدث وهي قضية لم تستوعبها إسرائيل ولا الولايات المتحدة الأمريكية، التاريخ يحمل لنا دروسًا عظيمة لشعوب عظيمة تعرضت لعدوان أشد قسوة عبر كل مراحل التاريخ.
نحن جميعًا في حاجة إلى قراءة التاريخ جيدًا ولعل المثال الأكثر وضوحًا والذي نستعيده في هذه اللحظة الحرجة حينما وقعت فرنسا خلال القرن السادس عشر تحت الاحتلال الإنجليزي، والألماني والأسباني في عدوان مشترك إبان الحروب الإيطالية اُحتلت فيه العاصمة الفرنسية باريس، وراح الحلفاء يتفاوضون على إنهاء فرنسا من الوجود وتوزيع مناطقها بين الحلفاء المحتلين بعد أن أُبيد الجيش الفرنسي عن آخره، وقد انتفض الفرنسيون بقيادة فتاة (جان دارك) لم تتجاوز العشرين عامًا وقاومت مقاومة شرسة التف من حولها النساء والرجال مما شتت قوة الحلفاء وألحقت بهم هزيمة لم يتحملوها إلا أنهم ألقوا القبض عليها وقدمت لمحاكمة شهيرة بتهمة السحر لأنها أحدثت معجزة لم يستوعبها الحلفاء.
سيبقى التاريخ يمدنا بتجارب مذهلة لشعوب ناضلت في سبيل الحصول على حريتها ولعل الشعب الفلسطيني سيكون آخر هذه الشعوب المناضلة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: جنوب لبنان بعد أن
إقرأ أيضاً:
مستشار أممي: تعداد العراق لم ينتهِ بعد والنتائج النهائية بعد شهر
بغداد اليوم - بغداد
أكد مستشار صندوق الأمم المتحدة للسكان مهدي العلاق، اليوم الاثنين (25 تشرين الثاني 2024)، أن التعداد السكان لم ينتهِ بعد، مشيرا إلى أن النتائج النهائية والدقيقة ستعلن نهاية العام.
وقال في حديث لـ "بغداد اليوم" إن "عدد سكان العراق وصل إلى 45 مليون 70% منهم في المدن و30 % منهم في الريف".
وأضاف أن "التعداد بمرحلته الأساسية استكمل على أن تبدأ اليوم او غدا المرحلة التكميلية من التعداد السكاني لمعرفة خصائص السكان الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية، مثل دخل المواطن وسكنه وتفاصيل معيشته"، موضحا أن "المرحلة الجديدة لا تتطلب حظرا للتجوال وستستمر حتى العاشر من شهر كانون الأول المقبل".
وأشار العلاق إلى أن "نسب المحافظات لم تعلن بعدد سكانها وأن الأرقام قيد التدقيق".
وحدد مستشار صندوق الأمم المتحدة للسكان نهاية العام الحالي كموعد لإعلان نتائج التعداد بصورة نهائية ودقيقة.
وكان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، أعلن بوقت اليوم الاثنين، النتائج الأولية للتعداد العام للسكان والمساكن في العراق الذي جرى تنفيذه الشهر الجاري، وذلك خلال ترؤسه المؤتمر الصحفي المشترك مع وزير التخطيط ورئيس هيأة الإحصاء ونظم المعلومات الجغرافية وكبير مستشاري صندوق الأمم المتحدة للسكان.
وأعلن السوداني انه وفي ضوء اكتمال قاعدة بيانات التعداد العامة في المحافظات كافة، أن عدد سكان العراق بلغ 45 مليوناً و507 آلاف و895 نسمة، من ضمنهم الأجانب واللاجئون، وبتوزيع جغرافي بين المناطق الحضرية (70.3%)، والمناطق الريفية (29.7%) من عموم السكان، مشيراً الى أن النتائج تكشف دخول العراق مرحلة (الهبة الديمغرافية) بوصول نسبة السكّان في سن العمل الى 60%.
وفي ما يأتي أبرز الأرقام التي أعلنها رئيس مجلس الوزراءء كنتائج أولية مع اكتمال قاعدة البيانات العامة للتعداد العام للسكان والمساكن/ 2024 :
-عدد سكان العراق ( 45.407.895 ) بضمنهم الأجانب واللاجئون، وكانت نسبة سكان الحضر (70.3%) وسكان الريف (29.3%)ـ فيما بلغ عدد الأسر 7898588 اسرة، ومتوسط حجمها في العراق: 5.3 فرداً، وعدد الذكور 22.784.062، وبنسبة 50.1%، وعدد الاناث 22.623.833 نسمة، بنسبة 49.8%.
وتوزع سكان العراق على الفئات العمرية كالآتي:
- نسبة السكان دون سن العمل (اقل من 15 سنة : 36.1%).
-نسبة السكان في سن العمل ( 15- 64 سنة)، 60.2%.
-نسبة السكان فوق سن العمل: 65 سنة فأكثر، 3.7%.
وطبقا لنتائج الحصر والترقيم لتعداد عام 2024، فقد بلغ عدد المساكن في العراق 8.037.221 مسكناً، (نسبة الدور منها 92.1.%)، و( نسبة الشقق 6.6%)، و(نسبة الدور من الانواع الأخرى 1.3%).