لجريدة عمان:
2025-03-04@07:41:19 GMT

الصراع لم ينته بعد!!

تاريخ النشر: 28th, September 2024 GMT

قد يعتقد بعض المراقبين الأجانب، أو بعض أصدقائهم من العرب أن الصراع قد حُسم بعد أن دُمرت غزة وأصبحت أنقاضًا على ساكنيها، وبعد أن استُشهد ما يقرب من خمسين ألفًا وأكثر من ضعفهم من المصابين والعجزة غالبيتهم من النساء والأطفال والشباب، وربما ينتشي هؤلاء المراقبون بعد الضربات الموجعة التي حلت بالمقاتلين في لبنان وخصوصًا وقد استخدم العدو سلاحًا جديدًا لم تعرفه الحروب الحديثة وهو لا يقل خطورة عن الأسلحة الكيماوية التي حرمتها كل القوانين والأعراف الدولية، بعد أن اخترق العدو الإسرائيلي أجهزة البيجر والأجهزة اللاسلكية مما تسبب في استشهاد آلاف اللبنانيين وترويع كل سكان جنوب لبنان وضاحية بيروت الجنوبية.

اعتقد الجيش الإسرائيلي أنه انتهى من معارك غزة والضفة الغربية، لكي يتفرغ للقضاء على الجبهة الشمالية في لبنان سواء في الضاحية الجنوبية من بيروت أو في جنوب لبنان حتى بوابة فاطمة وهي الحدود الفاصلة مع العدو الإسرائيلي. لقد اعترف حسن نصر الله أن العدو قد استهدف خمسة آلاف من اللبنانيين في يومين وهي أحداث مروعة صرح بأنها مجزرة غير مسبوقة وغير متوقعة، وعلى الرغم من ذلك فقد قال: إن هذه الضربة الموجعة لن تُسقطنا، بل ستزيدنا قوة، لقد راح العدو الإسرائيلي يواصل قذف المنازل والمؤسسات الاقتصادية والتعليمية عبر طائراته وصواريخه ملحقًا ضررَا بالغًا بجنوب لبنان وضاحية بيروت الجنوبية. وكانت رسالة نتنياهو واضحة وقد اتسمت بالجبروت والاستعلاء من خلال خطاب وجهه إلى الإسرائيليين والمقاومين اللبنانيين حينما قال: «لن تتوقف الحرب إلا بعد عودة الإسرائيليين إلى مستوطناتهم في شمال إسرائيل»، وقد علق عليها حسن نصر الله بكل قوة: «لن نوقف هجماتنا على شمال إسرائيل إلا بعد توقف الحرب في غزة، وأتحداكم فلا سبيل إلى وقف المقاومة إلا بعد وقف القتال على غزة والضفة الغربية».

من خلال ضربة إسرائيلية واحدة استشهد فيها القياديان في حماس إبراهيم عقيل وأحمد وهبي ومعهما أكثر من ألف شهيد في هجوم مباغت على ضاحية بيروت الجنوبية، ومن خلال تصريحات الساسة الأمريكيين والإسرائيليين معًا يتحدثان عن هدفهما الحقيقي وهو تغيير خارطة المنطقة وهو ما صرح به نتنياهو في كثير من أحاديثه، بل تغيير خارط الشرق الأوسط برمتها، ومن الواضح أن إسرائيل ستعمل قريبًا على ضم الضفة الغربية ضمًا كاملا ولا أتصور أن ما حدث من هجوم على أحد مقرات حزب الله في جنوب بيروت أو الهجوم على جنوب لبنان والوصول إلى أماكن محددة اختارها العدو بكل عناية ودقة يمكن أن يكون عشوائيًا بل أستطيع القول إن إسرائيل زرعت لها عملاء سواء من اللبنانيين أو من أعضاء حزب الله وهو ما يستوجب الاهتمام والعناية وإجراء تحقيق دقيق للوصول إلى هؤلاء الخونة حفاظًا على سلامة الجبهة اللبنانية من الاختراق.

وسط كل هذا الدمار والقتل من عدو يملك كل مقومات الحرب الحديثة وبدعم متواصل من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب تعود حاملة الطائرات الأمريكية إلى شرق البحر المتوسط لكي تكون على أهبة الاستعداد لدعم إسرائيل في الوقت الذي يواصل فيه وزير الخارجية الأمريكي (بلينكن) تصريحاته المكررة بضرورة وقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات سلام بهدف إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، ولم يتحدث عن قتل المئات كل يوم في عزة والقطاع، وتدمير قطاع غزة لدرجة أن 75% من المباني والمنشآت قد دُمرت، ولم يشاهد أطفال غزة وهم يتحلقون وسط الأنقاض لتلقي دروسهم، وأخيرًا لبنان التي يُصرح الرئيس بايدن ووزير خارجيته بأن إسرائيل محقة في عدوانها على لبنان، والعجيب في الأمر أن ساستنا وإعلامنا يتحدثون صباح مساء عن دور الوسيط الأمريكي معتبرينه وسيطًا محايدًا، فهو ضالع ومتضامن مع إسرائيل تخطيطًا، وتنفيذًا، ودعمًا بهدف واضح للعيان وهو إيجاد شرق أوسط جديد لا نعرف له حدودًا ولا نهايات بعد أن ألقينا بكل أوراق الصراع في يد أمريكا وفي غياب واضح وفج من قادتنا العرب ومؤسساتنا، الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وهو ما يدعوني إلى الاعتقاد الجازم بأن البعض من قادة دولنا متورطين في هذا الصراع غير مكترثين بفكرة الشرق الأوسط الجديد الذي تعمل عليه أمريكا منذ عهد الرئيس ترامب.

السؤال الذي لم يجب عليه الإسرائيليون وأصدقاؤهم الأمريكان: ما هو مستقبل الشرق الأوسط الذي يزعمون قيامه؟ حتى إذا ضم الإسرائيليون غزة، والضفة، وجنوب لبنان هل سيتوقف الصراع؟ هل ستأمن إسرائيل على حياة أبنائها، واقتصادها، ورفاهية شعبها؟ فالتاريخ يقدم لنا دروسًا عملية لكل الدول التي سبق لها أن وقعت فريسة للاستعمار عبر التاريخ من الاستعمار البرتغالي، والبريطاني، والفرنسي، والألماني، جميعها تشكل دروسًا عملية يستقي منها الفلسطينيون أملهم وخبراتهم، وخصوصًا وأن المقاومة الفلسطينية واللبنانية صامدة مُصرة على القتال جيلا بعد جيل، فقد لا يُحسم الصراع في الجيل المعاصر ولكن هل ينسى الأبناء والأحفاد استشهاد آبائهم وهدم بيوتهم ومعاناة أهلهم؟

سيبقى الصراع ما بقيت إسرائيل مصرة على عدوانها وستأتي أجيال أكثر قوة وأشد عزيمة للقصاص مما حدث وهي قضية لم تستوعبها إسرائيل ولا الولايات المتحدة الأمريكية، التاريخ يحمل لنا دروسًا عظيمة لشعوب عظيمة تعرضت لعدوان أشد قسوة عبر كل مراحل التاريخ.

نحن جميعًا في حاجة إلى قراءة التاريخ جيدًا ولعل المثال الأكثر وضوحًا والذي نستعيده في هذه اللحظة الحرجة حينما وقعت فرنسا خلال القرن السادس عشر تحت الاحتلال الإنجليزي، والألماني والأسباني في عدوان مشترك إبان الحروب الإيطالية اُحتلت فيه العاصمة الفرنسية باريس، وراح الحلفاء يتفاوضون على إنهاء فرنسا من الوجود وتوزيع مناطقها بين الحلفاء المحتلين بعد أن أُبيد الجيش الفرنسي عن آخره، وقد انتفض الفرنسيون بقيادة فتاة (جان دارك) لم تتجاوز العشرين عامًا وقاومت مقاومة شرسة التف من حولها النساء والرجال مما شتت قوة الحلفاء وألحقت بهم هزيمة لم يتحملوها إلا أنهم ألقوا القبض عليها وقدمت لمحاكمة شهيرة بتهمة السحر لأنها أحدثت معجزة لم يستوعبها الحلفاء.

سيبقى التاريخ يمدنا بتجارب مذهلة لشعوب ناضلت في سبيل الحصول على حريتها ولعل الشعب الفلسطيني سيكون آخر هذه الشعوب المناضلة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: جنوب لبنان بعد أن

إقرأ أيضاً:

المشاكل الاقتصادية والأمنية والعسكرية متواصل.. جراحات “إسرائيل” تنزف رغم توقّف “الطّوفان” 40 يومًا.. التصعيد القادم “قاتل”

 يستمرُّ وقفُ إطلاق النار في غزة ولبنان، ومعها عملياتُ المساندة القادمة من اليمن والعراق، ومن المفترض أن يكون العدوّ الصهيوني في وضع أمني وعسكري واقتصادي جيّد، غير أن ما أفرزته “طوفان الأقصى” وجبهات الإسناد، أبقت كافة التأثيرات التي تأكل الكيان الإسرائيلي، وأكّـدت من جديد أنه قد أصبح كيانًا هَشًّا للغاية، حَيثُ ما يزال الاقتصاد الصهيوني في تدهور مُستمرّ رغم الهدوء، فيما الوضع المعيشي للغاصبين ينهار باستمرار، ومع ذلك ما يزال الخطر الأمني كابوسًا يطاردهم، بعد تفجيرات الحافلات الأسبوع الفائت والتوجُّسات المتصاعدة في أذهان الصهاينة.

كثير من المعطيات تؤكّـد أن الكيان الإسرائيلي بات هُلاميًّا ويعاني على كُـلّ المستويات من أبسط الظروف؛ ليتضح للعالم أن الطوفان قد جرف كامل المراتب التي كان الكيان الغاصب يباهي بها العالم اقتصاديًّا وأمنيًّا وعسكريًّا وغيرها.

العدوّ الصهيوني حصل على هدوء تامٍّ منذ دخول اتّفاق وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ في الـ19 من يناير الفائت، حَيثُ توقفت التهديدات الأمنية والعسكرية عليه، لا سيما تلك المنطلقة من اليمن، والتي كانت تشكّل تهديدًا حيويًّا واقتصاديًّا وسياحيًّا وتجاريًّا وأمنيًّا وعسكريًّا ضد “إسرائيل”، لكن ومع مرور 40 يومًا من الهدوء، يجد العدوّ نفسه غارقًا في ذات المشاكل.

فعلى المستوى الاقتصادي والمعيشي ظهرت مشاكل وانهيارات بالجملة، ولا يكاد يمر يوم دون ظهور أحد جوانبها، والجانب الأمني أشد سوءًا باستمرار مخاوف الغاصبين وعدم عودتهم للشمال المحتلّ وتفاقمت أكثر قبل أسبوع واحد بتفجيرات “يام” و”حولون” المحتلّتَينِ جنوب “يافا – تل أبيب” التي يعتبر اختراق أمنها تهديدًا لمركَزِ الوجود الصهيوني، وسواءٌ أكانت تلك التفجير مفتعلة أَو ليست كذلك، فَــإنَّ النتيجة واحدة وهي استمرار الرعب في قلوب الغاصبين.

أما على الصعيد العسكري فَــإنَّ تقارير عدة أظهرت حجم الخسائر البشرية وعجز العدوّ عن تلافي أوضاع المصابين بالجروح المباشرة، أَو الأمراض النفسية التي حيدت عشرات الآلاف من جنود الصهاينة وفق تقاريرَ دولية و”إسرائيلية”، وهذه الحصيلة هي التي ترغم المجرم نتنياهو على مواصلة تنفيذ مراحل الاتّفاق وحالت دون عربدته وإعادة إجرامه، وأفقدت العدوّ مكاسبَ كبيرةً، في مقدمتها سقوط “الردع” والخضوع لإجراءات المقاومة ومسانديها.

 نزيف اقتصادي لا يتوقف:

على المستوى الاقتصادي، فَــإنَّ آخر مظاهر معاناة العدوّ في هذا الجانب، هو ما كشفته منظمة صهيونية بشأن الانهيار المعيشي في الأراضي المحتلّة، حَيثُ تعيش أسرة من أصل ثلاث تحت خط الفقر؛ أَيْ إنَّ ثلث الغاصبين “المستوطنين” باتوا يعيشون تحت خط الفقر، بعد أن كان المعدل يشير إلى الربع أواخر العام 2024 في تقرير منظمة “لاتيت” الصهيونية الإغاثية، الصادر منتصف ديسمبر الفائت.

ونشرت منظمة “ياد عزرا وشولاميت” الصهيوني تقريرًا حديثًا، كشفت فيه أن “واحدة من كُـلّ ثلاث عائلات تعيش تحت خط الفقر في إسرائيل”، فيما نقلت صحف “إسرائيلية” تصريحات أحد قيادات المنظمة يدعى “شمعون جيفن”، أكّـد أن نتائج أعمالهم في المسح وتقديم المساعدات للغاصبين، تظهر أن عائلة من كُـلّ ثلاث عائلات في الأراضي المحتلّة يعيشون تحت خط الفقر؛ بسَببِ ما خلفته “الحرب”، مشدّدًا على ضرورة الإسراع في تقديم المساعدات لتلك العائلات، في إشارة إلى أن تداعيات الطوفان التي بدأت جليًّا أواخر 2023 أخذت مسارًا متصاعدًا حتى اللحظة رغم توقف الجبهات؛ وهو ما يؤكّـد أن أية عودة للحرب على غزة يعني عودة الردع المضاد الذي يزيد من إفقار العدوّ ولفيفه الغاصبين.

هذا التقرير جاء بعد يومين من لجوء العدوّ إلى مخاطبة البنوك التجارية بتخصيص نحو 900 مليون دولار لدعم العملاء المتضررين من الحرب؛ أَيْ إنَّ مالية العدوّ لم تعد قادرة على حَـلّ أية مشكلة، وأن لجوءَها لهذا الحل يعني خضوعها بمنح إعفاءات متعددة للبنوك والعملاء، وتعديل أسعار “الفائدة” خلال الفترة المقبلة، وهذا كله يولّد حرمانًا جديدًا لدى العدوّ من العائدات، فضلًا عن تصاعد مستويات التضخم وما يترافق معها من مشاكلَ جمة.

وقبل ذلك كان العدوّ قد اعترف الأسبوع الفائت بانهيار حاد لقطاع التكنولوجيا – الذي يمثل ربع موارد العدوّ – جراء تداعيات الضربات التي طالت العدوّ بحرًا وجوًا وفي العمق المحتلّ؛ ما أَدَّى لعزوف شركات الاستثمار في هذا القطاع وهجرة موظفيها المتخصصين بالآلاف، وتقليص الوظائف فيها؛ بسَببِ التوقف شبه التام لوتيرة الإنتاج، فيما سبق هذا الاعتراف – بيومين فقط – قيام ما يسمى “بنك إسرائيل” بتخفيض توقعات النمو الاقتصادي رغم الهدوء، وأبقى على سعر الفائدة عند مستوى 4.75 % للمرة التاسعة تواليًا؛ كمحاولة لتثبيت الانهيار الحاصل. وكل ذلك على وقع الاضطرابات الاقتصادية والمعيشية التي تحول دون أيِّ تعافٍ للعدو خلال العامين المقبلين على الأقل.

ومنتصف الشهر الجاري نشرت صحف صهيونية تقارير عدة بشأن بقاء مغتصبات الشمال كما هي غير صالحة للعيش، واصفةً إياها بمدن الرعب ومدن الأشباح، واستمرار نزوح غالبية الغاصبين الرافضين للعودة قبل تسوية أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية، وهو ما يكبد العدوّ مبالغ طائلة لرعايتهم في الأماكن التي هاجروا إليها، فيما العائدون القلة يشكون مآسيَهم ويهدّدون بالعودة إلى النزوح إذَا لم يتم إصلاح المغتصبات للعيش بالمستوى المتدني على الأقل، غير أن قدرات العدوّ المالية لا تسمح بذلك، وقد تبقي على موجة النزوح في استمرار.

وسبق ذلك بداية الثلث الثاني من الشهر الجاري، إعلان كبريات الشركات التجارية الصهيونية وشبكات التسوق، عن تراجع القدرة الشرائية للغاصبين بنسبة كبيرة، حتى في السلع الأَسَاسية؛ ما يؤكّـد مأساوية الوضع المعيشي، بعد أن ارتفعت جبايات الضرائب وأسعار المياه والكهرباء والمواد الغذائية بالتزامن مع قيام العدوّ بتخفيض الأجور والمرتبات وقبلها إزالة الحوافز والبدلات والمكافآت؛ أَيْ إنَّ الغاصبين يعيشون بين فَكَّي مقصل، الغلاء يرتفع من جهة، وتدني الدخل يهوي من جهة أُخرى.

 أزمات متشابكة وحلول متضاربة:

وبالتزامن مع كُـلّ هذه المعطيات، أعلنت ما تسمى “وزارة المالية” الصهيونية مطلع فبراير الجاري ارتفاع نسبة التضخم عن شهر يناير الفائت إلى قرابة 4 %، وهو ما يجعل منظومة العدوّ الاقتصادية والمالية والتجارية تدخل في ركود مُستمرّ مصحوبة بانهيارات تدريجية؛ فعلى وقع التضخم يظل النموُّ الاقتصادي وإعادة تنشيط الموارد الاقتصادية أمرَين بعيدَي المنال؛ فوجد العدوّ نفسه مجبرًا على اللجوء لرفع الضرائب – وهو ما تم منذ يناير الفائت بتحصيل أكبر مبلغ ضريبي في تاريخ الكيان – غير أن هذا الخيار فاقم تدهورَ الوضع المعيشي وارتفاع الأسعار وركود الاستثمار وإبقاء قطاع السياحة مورد اقتصادي خارج الحسابات رغم الهدوء، بعد أن انهار بنسبة 70 % جراء التهديدات العسكرية والأمنية التي عصفت بالعدوّ قبلَ وقف إطلاق النار، فضلًا عن عدم انتعاش حركة الشحن البحري؛ بفعل المخاوفِ من لغة التصعيد الصهوأمريكية التي حتمًا ستُعيدُ اليمن وصواريخه ومسيراته للإبحار من جديد، والحال ذاته بالنسبة لحركة النقل الجوي التي ما تزال راكدةً نسبيًّا؛ بفعل تمديد التعليق الذي جدّدته كُبرياتُ شركات الطيران مطلع يناير الماضي ويستغرق عدةَ أشهر لمعظمها حتى تعود.

وبهذه المعطيات على الجانب الاقتصادي، يدرك الجميعُ أن الكيانَ الصهيوني ولفيفه الغاصبين يعيشون في دوامة متداخلة، وأن حَـلّ أي جانب من جوانب المعاناة، يتسبب في فتح ثغرات على الجانب المقابل؛ فإبقاء سعر الفائدة حلًا لتفادي التضخّم وارتفاع القروض العقارية والتجارية، يعني إبقاء الركود الاستثماري وعدم تنشيط العجلة الاقتصادية. والحال ذاته في اللجوء للضرائب كحل لسد العجز المالي وتغطية النفقات وحل مشكلة شحة الموارد، لكنه أَيْـضًا يتسبب في ارتفاع الأسعار والوضع المعيشي بشكل عام، وهذا يتسبب في الهجرة العكسية وتنامي السخط ضد المجرم نتنياهو؛ أَيْ إنَّ الجميع يدرك ظروف العدوّ كشبكة متداخلة من الأزمات والمعاناة التي إذَا احتاج سحب أحد خيوطها فَــإنَّه يؤدي لتعقيد ارتباطات بقية الخيوط.

 معطيات إضافية.. من يخسر أكثر؟!:

وعلى الصعيد الأمني ما يزال القلق يخيِّمُ على العدوّ وغاصبيه، وما مغتصبات الشمال وأحداث جنوب تل أبيب، إلا شاهدٌ بسيط على ذلك.

أما جبهة العدوّ السياسية والعسكرية فهي ومنذ وقف إطلاق النار، تتمزق باستمرار بفعلِ تضارب سياسات المجرم نتنياهو مع أعضاء حكومته ومعاونيه، حَيثُ البعضُ منهم يعارضون توجُّـَهه لتفجير الحرب؛ فالنتن يدرك أن عودة المعركة يعني إبقاءَه في السلطة، فيما أعوانه المناهضون يدركون أن التصعيدَ القادمَ سيأكل ما تبقى من جسد العدوّ النازف من كُـلّ جانب، خُصُوصًا الجانب العسكري بعد تحييد أكثرَ من 50 ألف جندي لتعرضهم لإصابات جسدية ونفسية يرفضون على إثرها العودةَ للحرب، وسطَ أزمة التجنيد وخضوع مجرم الحرب لإعفاء “الحريديم” كخيار إجباري لتهدئة التوتر السائد في جبهة العدوّ الداخلية.

الجميع بات يدركُ عجزَ العدوّ و”كيانه” المنهك والمثخن بالجراح التي ما تزال تنزف حتى اللحظة رغم التهدئة، وهذا العجز ظاهر من خلال المعطيات الاقتصادية والأمنية والعسكرية المذكورة، وكذلك من خلال لجوء العدوّ الإسرائيلي إلى عربدة ترامب وتهديداته التي أسقطتها المقاومة وداست عليها بالنعال، وأسهمت في إسقاطها ردود فعل جبهات الإسناد وفي مقدمتها اليمنية التي أكّـدت جاهزيتها للتنكيل بالعدوّ فور أي تصعيد، وكذلك استعادة حزب الله عافيته العسكرية والأمنية بعد ترتيب صفوفه وتشييع أمينَيه كإعلان لمرحلة جديدةٍ لا مجالَ فيها للمواقف المطاطية أَو المراوغات.

بمعنى أن المعركة القادمة لن تكونَ على حساب غزة المدمّـرة، ولا جبهات الإسناد التي لم تساوم، وكذلك لم يعد لديها ما تخسره، بل على حساب العدوّ الصهيوني ورعاته الأمريكيين؛ فالفصائل المجاهدة في غزة قد ضخَّت دماءً جديدةً لقواتها ومدَّت شعبها بالمعنويات بعد مشاهد النصر التي رآها العالم خلال الطوفان، وخلال الهُدنة بما حملته مشاهدُ تسليم الأسرى، فيما حزب الله هو الآخر انتهى من بلسمة جراحه، والجميع أدرك رسائل التشييع بكل ما فيها بالصوت والصورة والكلمة.

أما الجبهة اليمنية التي باتت تمتلكُ مخزونًا استراتيجيًّا وغير مسبوق على وَقْعِ التهدئة وتوقف العمليات، ووفَّرت الأسلحة الغزيرة التي أظهرت كثافتها طيلةَ عمليات 15 شهرًا، فضلًا عن الرعب الأمريكي المتواصل من تصاعد القدرات اليمنية جوًا إلى جانب التفوق البحري، وهكذا حالُ كُـلّ جبهات الجهاد والمقاومة، التي ستجعل العدوّ يندم على ركونه للعربدة “الترامبية”، وتسقط رهاناته على نتائج إسقاط سوريا، وتبدّد أوهام تحييد جبهة “الجنوب”، وتبقى غزةُ هي السرَّ الذي وضعه الله في أقوى وأشجع خلقِه.

نوح جلّاس ـ المسيرة نت

مقالات مشابهة

  • صحيفة عبرية: إسرائيل تستغل الصراع بين إيران وتركيا حول النفوذ في سوريا
  • توسّع احتلالي في الجنوب رهن مزاج العدو.. حزب الله للحكومة: ننتظر الافعال لا الاقوال
  • الزحف من غزة إلى لبنان وسوريا.. هل تحقق إسرائيل حلمها الإمبراطوري؟
  • عزالدين: المقاومة حاضرة وجاهزة
  • المفتي طالب: زيارة رئيس الجمهورية للسعودية تشكل خطوة مهمة في التصدي لأطماع العدوّ
  • عبدالملك الحوثي يهدد إسرائيل ويتوعد باستهداف تل أبيب...في حال عودتها للحرب في غزة
  • الحوثي يهدد إسرائيل بحرب على كل الأصعدة في حال عودتها للحرب في غزة
  • إنا على العهد.. معادلة لا مجرد شعار
  • المشاكل الاقتصادية والأمنية والعسكرية متواصل.. جراحات “إسرائيل” تنزف رغم توقّف “الطّوفان” 40 يومًا.. التصعيد القادم “قاتل”
  • الحاج حسن للذين يتحدثون عن السيادة: ألا تعتبرون أن إسرائيل تخرق السيادة عندما تقتل شبابًا لبنانيين؟