يا خيل الله اركبي.. ضرورة المواجهة الحاسمة
تاريخ النشر: 28th, September 2024 GMT
أحمد بن محمد العامري
ahmedalameri@live.com
في خضم الأحداث المتسارعة التي يعيشها العالم العربي نجد أنفسنا أمام تحديات لا تحتمل الحلول الوسط أو التسويات غير المجدية، لقد كشف الاعتداء الإرهابي السافر على الضاحية الجنوبية ببيروت وما تبعه من عنجهية وصلف إسرائيلي متزايد حقيقة مريرة: "أن الفراغ الذي يخلّفه التخاذل العربي لا يملأه سوى عدوان أعمى، لا يُكبح جماحه إلا بقوة مواجهة حاسمة".
يُعيدنا هذا الواقع إلى ضرورة الشجاعة في التعامل مع الأزمات الكبرى، العدو لا يتردد في استغلال كل ثغرة ضعف، ولن يتوقف عن الاستمرار في عدوانه إلّا إذا واجهه من يقف بثبات ويضع له حدودًا واضحة.
لبنان، الدولة التي أصبحت رمزًا لمُعاناة طويلة ومستمرة يجسد اليوم بأوضح صور الفشل الشامل للمنظومة السياسية العربية، هذه المنظومة التي من المفترض أن تكون حصنًا للدفاع عن الأمن القومي العربي أضحت رهينة للتردد والتخاذل، وهذا الفشل لا يقتصر على لبنان فحسب؛ فالدول العربية الأخرى من فلسطين إلى العراق، مرورًا بالصومال وسوريا والسودان وليبيا واليمن، تشترك جميعها في هذا المصير المأساوي.
ما يحدث في هذه الدول ليس وليد لحظة عابرة بل هو نتيجة تراكمات من خيانات وتواطؤات بعض القادة العرب الذين خانوا قضيتهم المركزية وهي الدفاع عن كرامة الأمة والدفاع عن القدس الشريف، ولكن من هؤلاء من خذل ببساطة ومنهم من باع القضية علنًا، الأمر الذي سمح لإسرائيل وحلفائها بتوسيع نفوذهم وفرض هيمنتهم.
"الأيام دول" هو درس متجدد من دروس التاريخ، فلا أحد يأمن تقلّبات الزمن وخاصة من خان أو خذل من القادة العرب، فمن يظن أنه في مأمن اليوم قد يجد نفسه غدًا خارج المشهد السياسي، بلا دور يُذكر أو تأثير حقيقي، هذه هي سنة التاريخ التي لم تتغير عبر العصور، ولهم في ملفات مزابل التاريخ عبرة.
الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة ليست سوى محطات في سياق طويل من التآمر على المصير العربي، لكن من يظن أن الأمة ستظل صامتة إلى الأبد، فهو مخطئ، الشعب العربي لم يفقد تمامًا عزيمته وما زال قادرًا على النهوض، ولكن بشرط واحد: أن يتحمل مسؤوليته التاريخية ويواجه العدوان بنفسه بعيدًا عن انتظار الحلول التي لن تأتي من الخارج أو دعم الخونة والمتخاذلين.
الواضح اليوم هو أن الأنظمة قد أثبتت فشلها التام في مواجهة التحديات الكبرى التي تهدد الأمن القومي العربي ولم يعد بالإمكان التعويل على هذه الأنظمة التي تآكلت شرعيتها وأصبحت عاجزة عن تقديم الحلول الحقيقية، الأمل الوحيد المتبقي هو في الشعب العربي الذي ينبغي أن يتحمل المسؤولية ويتحرك للدفاع عن كرامة الأمة، ليس فقط عبر الوسائل التقليدية، بل عبر الكفاح المسلح وهو الأمر الذي نحتاجه اليوم، "لنكون أو لا نكون".
التاريخ يُعلمنا أن الشعوب التي تناضل وتقاتل من أجل حريتها وكرامتها هي التي تكتب مستقبلها بأيديها، أما التراجع أمام العدوان فلا يؤدي إلا إلى المزيد من الانكسارات، والآن الرد الوحيد الذي يمكن أن يوقف هذا التمادي هو مواجهة إسرائيل وجميع القوى المتحالفة معها في كل مكان، وليس فقط على حدود المواجهة التقليدية.
لقد بات واضحًا أن الحديث عن حقوق الإنسان والعدالة الدولية، رغم أهميتهما على الصعيد النظري، لن يقدما الحل المطلوب للأمن القومي العربي، المنظومات الدولية أصبحت عاجزة أو غير راغبة في تحقيق العدالة التي تنشدها الشعوب. في ظل هذا الواقع، لا يمكن للأمة العربية أن تنتظر طويلًا حتى تأتي هذه العدالة المفترضة.
يجب أن يكون الرد متناسبًا مع حجم العدوان، ويجب أن تُفعل كل الأدوات الممكنة في سبيل استعادة الكرامة، التاريخ مليء بالشواهد على أن القوى الطاغية لا تتوقف إلا إذا واجهتها قوة مقابلة.
"إنَّ السَّلامَ حَقيقةٌ مَكْذوبةٌ،
والعَدْلَ فَلْسَفةُ اللّهيبِ الخابي.
لا عَدْلَ إلاَّ إنْ تَعادَلتِ القوى،
وتَصادَمَ الإرهابُ بالإرهابِ".
وفي نهاية المطاف، لا بد أن ندرك أن التغيير لن يأتي إلا من الداخل، ومن إرادة الشعوب التي لا تعرف الخنوع، الأنظمة العربية أضاعت الكثير من الفرص لتحقيق نهضة شاملة، وتوحيد الصفوف في مواجهة المخاطر، لكن الشعوب ما زالت تملك القدرة على صنع الفرق، لا يكفي التنديد والاستنكار والاحتفاظ بحق الرد؛ يجب أن يتحول الغضب إلى فعل، والكلمة إلى سلاح، والإرادة إلى قرار.
التاريخ يفتح أبوابه لأولئك الذين يجرؤون على تغييره، والأمة العربية أمام مفترق طرق: إما أن تختار طريق الكرامة والكفاح، أو أن تظل أسيرة الخيانة والتخاذل، فلسراة الليل يهتف الصباح.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
«ملتقى الأزهر للخط العربي والزخرفة» يعقد محاضرة حول «تأريخ كتابة القرآن»
عقد ملتقى الأزهر للخط العربي والزخرفة، اليوم الأربعاء، محاضرة بعنوان «تأريخ كتابة القرآن الكريم»، بمشاركة أحمد عراقيب، أستاذ الخط العربي، وذلك في إطار فعاليات اليوم الرابع للملتقى الذي انطلق منذ الأحد 16 ويستمر حتى الثلاثاء 25 من فبراير الجاري.
أوضح عراقيب، أن تدوين القرآن الكريم مر بأربعة مراحل تاريخية متتابعة، ساهمت في ضمان حفظه من التحريف والتصحيف، ونقله إلى الأجيال التالية إلى ما نحن عليه الآن، فكانت المرحلة الأولى التي شهدت تدوين عدد من الصحابة رضوان الله عليهم له فور نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كانت مواد الكتابة في ذلك الحين عبارة عن قطع من سعف النخل، وجلود وعظام وأكتاف الحيوانات، وغيرها من المواد المتوفرة للكتابة في هذا الوقت.
وأضاف أستاذ الخط العربي، أن المرحلة الثانية من كتابة القرآن الكريم، كانت في عهد الخليفة أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، وذلك بعد أن استُشهد عدد كبير من الصحابة من حفظة القرآن الكريم في حروب الردة، وخشي أبو بكر رضي الله عنه ضياع القرآن، فاجتمع بعمر بن الخطاب رضي الله عنه، واتفقا على جمعه بمصحفٍ واحد.
وتابع "عراقيب"، أن المرحلة الثالثة لجمع القرآن الكريم وتوحيده بمصحفٍ واحد كانت في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، حين نشبَ خِلافُ بين قرّاء الشام والحجاز والعراق، وكان يتعصّب كلّ منهم لقراءته دون علمه لخطأه، فيعظم الخِلاف بينهم ويشتد، فأرسل عثمان بن عفان رضى الله عنه إلى حفصة بنت عمر بن الخطاب، أن أرسلي إلينا بالصحف، لتُنسخ بالمصاحف وقد فعلت، وبهذا تم نسخ عدة مصاحف أُرسِلَ منها أربعة مصاحف إلى كلّ من: البصرة والكوفة والشام ومكّة، وأبقى الخليفة عثمان واحدة منها بالمدينة، ونسخة واحدة اختصّ بها نفسه، وأمر رضوان الله عليه بحرق أيّ نسخة أخرى، غير ماتم توزيعه لتجنّب أي خلاف.
واستطرد أستاذ الخط العربي، أن المرحلة الرابعة كانت مرحلة تنقيط وتشكيل المصحف، حيث كانت المصاحف في صدر الإسلام خالية تماماً من التنقيط والتشكيل، وذلك لأن العرب كانوا فُصحاء بطبيعتهم، ولكن مع اختلاط العرب بالعجم بعد الفتوحات الإسلامية كالزواج والتجارة، وبعد دخول كثيراً من العجم الإسلام، وخشية اللحن في القراءة لاختلاف اللغات واللهجات وفهم الآيات على غير مقصدها، فكان القرآن في حاجة إلى التنقيط والتشكيل، ولسهولة القراءة أيضاً عليهم، ففي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، تمّ تكليف العالم النحويّ/ أبو الأسود الدؤلي، بوضع النقاط والتشكيل على كلمات القرآن، ثم كان هناك إصلاحاً آخر في عهد بني أُميّة، إذ أمر الحجاج بن يوسف الثقفيّ، كُتّابه بتمييز الحروف المتشابهة عن بعضها كالباء والتاء والثاء والجيم والحاء والخاء.
ويُعقد ملتقى الأزهر الشريف للخط العربي والزخرفة، بمشاركة نخبة من الخطاطين والفنانين من مصر والدول العربية والأجنبية، ويضم معارض فنية وورش عمل ومحاضرات، في خطوة تعكس اهتمام الأزهر الشريف بالحفاظ على التراث الفني الإسلامي، ونقله إلى الأجيال الجديدة بأساليب تعليمية متطورة تجمع بين الأصالة والمعاصرة.