أحمد بن محمد العامري

ahmedalameri@live.com

في خضم الأحداث المتسارعة التي يعيشها العالم العربي نجد أنفسنا أمام تحديات لا تحتمل الحلول الوسط أو التسويات غير المجدية، لقد كشف الاعتداء الإرهابي السافر على الضاحية الجنوبية ببيروت وما تبعه من عنجهية وصلف إسرائيلي متزايد حقيقة مريرة: "أن الفراغ الذي يخلّفه التخاذل العربي لا يملأه سوى عدوان أعمى، لا يُكبح جماحه إلا بقوة مواجهة حاسمة".

يُعيدنا هذا الواقع إلى ضرورة الشجاعة في التعامل مع الأزمات الكبرى، العدو لا يتردد في استغلال كل ثغرة ضعف، ولن يتوقف عن الاستمرار في عدوانه إلّا إذا واجهه من يقف بثبات ويضع له حدودًا واضحة.

لبنان، الدولة التي أصبحت رمزًا لمُعاناة طويلة ومستمرة يجسد اليوم بأوضح صور الفشل الشامل للمنظومة السياسية العربية، هذه المنظومة التي من المفترض أن تكون حصنًا للدفاع عن الأمن القومي العربي أضحت رهينة للتردد والتخاذل، وهذا الفشل لا يقتصر على لبنان فحسب؛ فالدول العربية الأخرى من فلسطين إلى العراق، مرورًا بالصومال وسوريا والسودان وليبيا واليمن، تشترك جميعها في هذا المصير المأساوي.

ما يحدث في هذه الدول ليس وليد لحظة عابرة بل هو نتيجة تراكمات من خيانات وتواطؤات بعض القادة العرب الذين خانوا قضيتهم المركزية وهي الدفاع عن كرامة الأمة والدفاع عن القدس الشريف، ولكن من هؤلاء من خذل ببساطة ومنهم من باع القضية علنًا، الأمر الذي سمح لإسرائيل وحلفائها بتوسيع نفوذهم وفرض هيمنتهم.

"الأيام دول" هو درس متجدد من دروس التاريخ، فلا أحد يأمن تقلّبات الزمن وخاصة من خان أو خذل من القادة العرب، فمن يظن أنه في مأمن اليوم قد يجد نفسه غدًا خارج المشهد السياسي، بلا دور يُذكر أو تأثير حقيقي، هذه هي سنة التاريخ التي لم تتغير عبر العصور، ولهم في ملفات مزابل التاريخ عبرة.

الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة ليست سوى محطات في سياق طويل من التآمر على المصير العربي، لكن من يظن أن الأمة ستظل صامتة إلى الأبد، فهو مخطئ، الشعب العربي لم يفقد تمامًا عزيمته وما زال قادرًا على النهوض، ولكن بشرط واحد: أن يتحمل مسؤوليته التاريخية ويواجه العدوان بنفسه بعيدًا عن انتظار الحلول التي لن تأتي من الخارج أو دعم الخونة والمتخاذلين.

الواضح اليوم هو أن الأنظمة قد أثبتت فشلها التام في مواجهة التحديات الكبرى التي تهدد الأمن القومي العربي ولم يعد بالإمكان التعويل على هذه الأنظمة التي تآكلت شرعيتها وأصبحت عاجزة عن تقديم الحلول الحقيقية، الأمل الوحيد المتبقي هو في الشعب العربي الذي ينبغي أن يتحمل المسؤولية ويتحرك للدفاع عن كرامة الأمة، ليس فقط عبر الوسائل التقليدية، بل عبر الكفاح المسلح وهو الأمر الذي نحتاجه اليوم، "لنكون أو لا نكون".

التاريخ يُعلمنا أن الشعوب التي تناضل وتقاتل من أجل حريتها وكرامتها هي التي تكتب مستقبلها بأيديها، أما التراجع أمام العدوان فلا يؤدي إلا إلى المزيد من الانكسارات، والآن الرد الوحيد الذي يمكن أن يوقف هذا التمادي هو مواجهة إسرائيل وجميع القوى المتحالفة معها في كل مكان، وليس فقط على حدود المواجهة التقليدية.

لقد بات واضحًا أن الحديث عن حقوق الإنسان والعدالة الدولية، رغم أهميتهما على الصعيد النظري، لن يقدما الحل المطلوب للأمن القومي العربي، المنظومات الدولية أصبحت عاجزة أو غير راغبة في تحقيق العدالة التي تنشدها الشعوب. في ظل هذا الواقع، لا يمكن للأمة العربية أن تنتظر طويلًا حتى تأتي هذه العدالة المفترضة.

يجب أن يكون الرد متناسبًا مع حجم العدوان، ويجب أن تُفعل كل الأدوات الممكنة في سبيل استعادة الكرامة، التاريخ مليء بالشواهد على أن القوى الطاغية لا تتوقف إلا إذا واجهتها قوة مقابلة.

"إنَّ السَّلامَ حَقيقةٌ مَكْذوبةٌ،

والعَدْلَ فَلْسَفةُ اللّهيبِ الخابي.

لا عَدْلَ إلاَّ إنْ تَعادَلتِ القوى،

وتَصادَمَ الإرهابُ بالإرهابِ".

وفي نهاية المطاف، لا بد أن ندرك أن التغيير لن يأتي إلا من الداخل، ومن إرادة الشعوب التي لا تعرف الخنوع، الأنظمة العربية أضاعت الكثير من الفرص لتحقيق نهضة شاملة، وتوحيد الصفوف في مواجهة المخاطر، لكن الشعوب ما زالت تملك القدرة على صنع الفرق، لا يكفي التنديد والاستنكار والاحتفاظ بحق الرد؛ يجب أن يتحول الغضب إلى فعل، والكلمة إلى سلاح، والإرادة إلى قرار.

التاريخ يفتح أبوابه لأولئك الذين يجرؤون على تغييره، والأمة العربية أمام مفترق طرق: إما أن تختار طريق الكرامة والكفاح، أو أن تظل أسيرة الخيانة والتخاذل، فلسراة الليل يهتف الصباح.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بدء فعاليات اليوم الثاني من المنتدى الديمقراطي الاجتماعي في العالم العربي

بدأت، منذ قليل، فعاليات اليوم الثاني من المنتدى الديمقراطي الاجتماعي في العالم العربي، والذي ينظمه الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي برئاسة الدكتور فريد زهران.

جلسات اليوم الثاني 

وبدأ اليوم الثاني بجلسة رئيسية بعنوان «التحديات التي تواجه اليسار في العالم في مواجهة احزاب اليمين المتطرف»، وتدير الجلسة النائبة أميرة صابر، عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وبمشاركة عدد من المتحدثين من أوروبا والصومال وفلسطين وكردستان والسويد.

كما شارك في المنتدى من الأحزاب الديمقراطية والقوى السياسية في المنطقة، مثل الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وحركة فتح، والمبادرة الفلسطينية، وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المغربي، والحزب الاشتراكي التقدمي اللبناني، وجبهة القوى الاشتراكية الجزائرية، والحزب الاشتراكي اليمني، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الديمقراطي الاشتراكي الكردستاني، والحزب الاشتراكي الصومالي، وحزب الشعب السوري، وجبهة النضال الفلسطينية، والحزب الديمقراطي الاجتماعي الأردني، إضافة لمشاركة نخبة من السياسيين والدبلوماسيين والقيادات السياسية الدولية.

مقالات مشابهة

  • بدء فعاليات اليوم الثاني من المنتدى الديمقراطي الاجتماعي في العالم العربي
  • «من الأرشيف».. كواليس القرارات الحاسمة في عهد الزعيم جمال عبد الناصر
  • عاجل - ما المناطق التي استهدفتها إسرائيل في ضاحية بيروت اليوم؟
  • النائب حنا جريس: استعادة النسيج الاجتماعي العربي ضرورة ملحة
  • مركز أبوظبي للغة العربية يتعاون مع مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية للحفاظ على التراث الثقافي العربي والإسلامي
  • أبو الغيط في الاجتماع الوزاري العربي بنيويورك: الاعتراف بالدولة الفلسطينية يمهد الطريق لتفاوض متكافئ
  • كان يدرب الحوثيين بصنعاء لإطلاق الصواريخ على السعودية.. من هو القيادي بحزب الله الذي تم اغتياله اليوم بالضاحية؟
  • وزير الخارجية يشارك باجتماع اللجنة العربية الإسلامية مع السكرتير العام للأمم المتحدة
  • اجتماع خبراء تحضيري للدورة 15للمجلس الوزاري العربي للكهرباء بالجامعة العربية