قِـمة عالقة بين الماضي والمستقبل
تاريخ النشر: 28th, September 2024 GMT
يميل التعاون الدولي إلى أن يكون أصعب منالا عندما تشتد الحاجة إليه. خلال الأيام الماضية، اجتمع زعماء العالم فـي نيويورك لحضور قمة المستقبل التي تَـعقدها الأمم المتحدة، والتي دعت إليها الدول الأعضاء فـي عام 2020، بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيس لأمم المتحدة. كانت أجندة الاجتماع طموحة كما يوحي اسمها، وتستهدف صياغة الإجماع حول السلام والأمن، والتنمية، والتكنولوجيات الجديدة، وحماية أجيال المستقبل.
تتفق الدول الأعضاء على نقطة واحدة: احتياج النظام المتعدد الأطراف الذي تأسس فـي عام 1945 إلى تحسينات كبرى لتمكينه من مواجهة أزمات اليوم العالمية. وهي تدرك تمام الإدراك عجز الأمم المتحدة عن وقف أو حتى إبطاء الحروب فـي السودان، ووسط أفريقيا، وغزة، وأوكرانيا، وعشرات غيرها من مناطق الصراع. كما أنها تعترف بفشلها فـي إعداد العالم للجائحة التالية، حتى بعد أن شهدت الدمار الذي خلفته جائحة كوفـيد-19. وهي تدرك أيضا الحاجة إلى اتخاذ تدابير سريعة وجادة لمعالجة أزمة الديون السيادية، وأزمة المناخ المتزايدة الـحِـدّة، وظهور تكنولوجيات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي وتعديل الجينات. ولكن من المؤسف أن الاتفاق على الحاجة إلى إصلاح النظام لا يمتد إلى كيفـية إصلاحه. فقد انتهت مفاوضات شاقة دامت أكثر من عام حول ميثاق المستقبل، وثيقة القمة الختامية، إلى نتيجة دراماتيكية صباح يوم الأحد، حيث احتجت روسيا على اعتماد الوثيقة النهائية، وكانت النتيجة رفضها. وفـي وقت لاحق من ذلك اليوم، نددت الأرجنتين بالميثاق واصفة إياه بأنه «أجندة استبدادية». فـي واقع الأمر، تكرر الوثيقة إلى حد كبير استخدام لغة مجردة متفق عليها سابقا. ولكن وسط الكلمات النبيلة، لا يخلو الأمر من دلائل تشير إلى اتجاهات من شأنها أن تعيد تشكيل السياسة العالمية وتساعد فـي بناء الأسس لنظام دولي قادر على مواجهة التحديات الحالية والمتوقعة فـي المستقبل. بعد تجربة حربين عالميتين ومواجهة خطر التصعيد النووي، صمم مهندسو الأمم المتحدة نظاما متعدد الأطراف من شأنه أن يمكن حفنة من القوى العظمى من توجيه العالم نحو السلام وتعزيز مصالحها الخاصة. بيد أن هذا النوع من الحكم العالمي لم يَـعُـد صالحا لعالم اليوم ــ وخاصة من منظور نحو أربعة مليارات شخص تحت سن الثلاثين. وحتى فـي مواجهة الصراع المتواصل فـي قارات متعددة، لم تعد الحرب البند الوحيد على الأجندة العالمية. إذ تتطلب تحديات مثل الجوائح الـمَـرَضية، وتغير المناخ، والفقر، والهجرة الجماعية، والكوارث التكنولوجية عملا دوليا فعالا وشاملا. فضلا عن ذلك، تتمتع مجموعة أوسع كثيرا من البلدان بالقدر الكافـي من القوة للتأثير على الشؤون العالمية. استحوذ صعود الصين على القدر الأعظم من الاهتمام، لكنها ليست الدولة الوحيدة التي تشكل الأجندة العالمية: فقد دفعت بربادوس نحو إصلاح النظام المالي الدولي. وسوف تستضيف البرازيل مجموعة العشرين هذا العام ومؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (مؤتمر الأطراف الثلاثين) الحاسم العام المقبل. من المثير للدهشة أن ميثاق المستقبل يعترف بهذا التعدد القطبي المتزايد من خلال التقدم الملموس، وإن كان تدريجيا، فـي واحدة من أكثر مشكلات الأمم المتحدة تعقيدا: إصلاح مجلس الأمن. بعد عقود من البدايات الخاطئة، تعمل الدول الأعضاء على الدفع بهذه العملية إلى الأمام من خلال الموافقة على تمثيل أكبر فـي المجلس يشمل «الدول النامية والدول الصغيرة والمتوسطة الحجم». كما يُـلزِم الميثاق الدول الأعضاء بمناقشة فرض قيود على «نطاق واستخدام» حق النقض الذي تمارسه الدول الخمس الدائمة العضوية فـي مجلس الأمن، وينظر بروية فـي التعامل مع تمثيل الدول الأفريقية باعتباره «حالة خاصة»، ويؤيد تكليف الجمعية العامة بدور نشط عندما يفشل مجلس الأمن فـي التحرك.
يتمثل اتجاه آخر انعكس فـي المفاوضات فـي الدور المهم الذي تضطلع به الشركات، والمنظمات غير الحكومية، والمدن، وغير ذلك من القوى الفاعلة فـي معالجة التحديات العالمية، وتشكيل شبكات تكمل عمل الحكومات الوطنية. من تغير المناخ إلى الذكاء الاصطناعي والمعلومات المضللة، تعمل كيانات غير تابعة لدولة بعينها بصورة متزايدة على تشكيل النتائج الأكثر أهمية للناس. ويتعهد ميثاق المستقبل «بتعزيز الشراكات» عبر «المجتمع بالكامل»، بما فـي ذلك الحكومات المحلية والإقليمية، والقطاع الخاص، والمجتمعات الأكاديمية والعلمية، والجماعات الدينية، والشعوب الأصلية. ويحدد الميثاق الرقمي العالمي، الذي جرى الاتفاق عليه كملحق للميثاق، القطاع الخاص والباحثين ومنظمات المجتمع المدني باعتبارها قوى «أساسية» لتحقيق أهدافه، ويلتزم بالتعاون بين أصحاب المصلحة المتعددين.
وأخيرا، تبنت القمة التحول نحو الحوكمة الأطول أمدا. إن تغير المناخ، وخطط معاشات التقاعد، والاستثمار فـي البنية الأساسية، وغيرها من «المشكلات الطويلة الأمد» لها أسباب وعواقب تتكشف على مدى أجيال عديدة. وفـي الإعلان بشأن أجيال المستقبل، وهو ملحق ثان للميثاق، تؤكد البلدان التزامها «بحماية احتياجات ومصالح أجيال المستقبل»، وهذا يعكس فحوى السطر الأول من ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945، حيث تعهد الأسلاف «بإنقاذ الأجيال القادمة من ويلات الحرب». تستند هذه التصريحات العظيمة إلى إجراءات محددة اتخذتها حكومات وطنية عازمة على توسيع أفق صنع القرار. فـي عام 2015، كانت ويلز أول حكومة تنشئ منصب المفوض لأجيال المستقبل. وفـي هذا الشهر، عينت المفوضية الأوروبية مفوضا للعدالة بين الأجيال.
كما تحركت كوريا الجنوبية مؤخرا فـي هذا الاتجاه، حيث أمرت المحكمة الدستورية الحكومة بوضع أهداف مناخية أكثر طموحا لحماية أجيال المستقبل. وبقدر ما يحفز الإعلان مزيدا من التغيير، يمكن اعتباره فـي النهاية قوة تحويلية، تماما مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948. فـي تقريره الصادر بعنوان «أجندتنا المشتركة» فـي عام 2021، توقع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش «مستقبلا من الأزمات الدائمة، أو اختراقا إلى مستقبل أفضل وأكثر استدامة وسلاما لشعبنا وكوكبنا». صحيح أن ميثاق المستقبل ليس الاختراق الذي كان يأمله كثيرون، لكنه يبدأ فـي تحديد ملامح نظام جديد قادر على تصحيح أوجه القصور التي تعيب النظام القديم.
توماس هيل أستاذ السياسات العامة العالمية في كلية بلافاتنيك للحكم في جامعة أكسفورد.
آن ماري سلوتر المديرة السابقة للتخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأمريكية، هي الرئيسة التنفيذية لمؤسسة نيو أمريكا للأبحاث، وأستاذة فخرية في السياسة والشؤون الدولية بجامعة برينستون.
خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: أجیال المستقبل میثاق المستقبل الأمم المتحدة الدول الأعضاء فـی عام
إقرأ أيضاً:
خطاب الوداع.. بايدن يستعرض إنجازاته ويحذر من تهديدات المستقبل
حذر الرئيس الأميركي، جو بايدن، من خطورة تركز السلطة في الولايات المتحدة بأيدي “حفنة من الأشخاص فاحشي الثراء”.
وفي خطاب وداعي ألقاه مساء الأربعاء في البيت الأبيض قبل تسليمه السلطة إلى سلفه الجمهوري دونالد ترامب في العشرين من هذا الشهر، استعرض بايدن أبرز إنجازات إدارته على مدار السنوات الأربع الماضية، مشيرًا إلى التقدم الذي حققته الولايات المتحدة في مجالات مثل الاقتصاد، والرعاية الصحية، والشؤون الخارجية.
ودعا بايدن إلى تعديل الدستور الأميركي لمنع أي رئيس من الحصول على حصانة عن الجرائم التي قد يرتكبها أثناء وجوده في المنصب.
واعتبر أنّ “الأميركيين غارقون في سيل من الأخبار المضلّلة” التي تنشرها مواقع التواصل الاجتماعي، محذّرا من خطورة أن يؤدي هذا الوضع إلى “إساءة استخدام السلطة”.
الرئيس بايدن حذر أيضا من خطورة “قوى كبيرة” تهدّد الإنجازات التي تحقّقت حتى الآن على صعيد مكافحة التغيّر المناخي، وأوضح أن خطة وقف اطلاق النار بين حماس وإسرائيل والتي أُعلن عنها الأربعاء، “تم تطويرها والتفاوض حولها من قبل فريقه وستنفذ من قبل الإدارة الأميركية المقبلة”.
وأشار بايدن إلى أن الديمقراطية الأميركية تتعرض لاختبارات مستمرة، مؤكدا أن نظام فصل السلطات هو ما حافظ على الديمقراطية لأكثر من 250 عاما.
واستعرض أبرز إنجازات إدارته، مثل توفير 17 مليون وظيفة جديدة، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ أي إدارة أميركية، حسب تعبيره، بالإضافة إلى تعزيز البنية التحتية، وتوفير الرعاية الصحية، وتشجيع الابتكار في الصناعات المحلية.
كما شدد بايدن على أهمية القوانين التي تم إقرارها لحماية المواطنين من العنف وتقليل الجريمة إلى أدنى مستوى منذ ثلاثة عقود، مؤكدًا أن هذه الإنجازات ستثمر في المستقبل وتستفيد منها الأجيال القادمة.
وفي ما يتعلق بالتحديات المستقبلية، حذر الرئيس من تركيز السلطة في يد فئة محدودة من الأثرياء، و”هو ما قد يهدد الديمقراطية وحقوق الأميركيين”.
وطالب بضرورة وجود قوانين ضريبية عادلة تضمن دفع الأثرياء نصيبهم العادل من الضرائب، بما يحقق مبدأ المساواة.
وتناول قضية التغير المناخي، مشيرًا إلى القوانين التي أقرها لمكافحة هذا التحدي وتوفير فرص العمل في مجال الطاقة النظيفة، مؤكدا أن حماية البيئة ودفع عجلة الاقتصاد يمكن أن يتم معًا دون تعارض.
في سياق آخر، شدد بايدن على أهمية التعامل مع التحديات المرتبطة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، محذرًا من أن غياب الضوابط قد يهدد خصوصية الأفراد ويؤثر على حياة الأميركيين. وأكد على ضرورة أن تقود الولايات المتحدة في هذا المجال وتكون رائدة فيه، بدلًا من ترك ذلك للخصوم.
وفي خطابه، أكد بايدن على أهمية تعديل الدستور الأميركي لضمان محاسبة الرئيس وعدم تركه في موقف لا يخضع للمساءلة، داعيًا إلى وضع قوانين لضمان الشفافية في الخدمة السياسية وتقليص فتراتها لضمان أن تكون الفرص متساوية للجميع.
وأعرب الرئيس عن تفاؤله بمستقبل الولايات المتحدة، مؤكدًا أن الوحدة والمشاركة الفاعلة في الديمقراطية ستضمن بناء أمة قوية ومتقدمة في المستقبل.
الحرة
إنضم لقناة النيلين على واتساب