لجريدة عمان:
2024-09-28@20:20:46 GMT

قِـمة عالقة بين الماضي والمستقبل

تاريخ النشر: 28th, September 2024 GMT

يميل التعاون الدولي إلى أن يكون أصعب منالا عندما تشتد الحاجة إليه. خلال الأيام الماضية، اجتمع زعماء العالم فـي نيويورك لحضور قمة المستقبل التي تَـعقدها الأمم المتحدة، والتي دعت إليها الدول الأعضاء فـي عام 2020، بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيس لأمم المتحدة. كانت أجندة الاجتماع طموحة كما يوحي اسمها، وتستهدف صياغة الإجماع حول السلام والأمن، والتنمية، والتكنولوجيات الجديدة، وحماية أجيال المستقبل.

تتفق الدول الأعضاء على نقطة واحدة: احتياج النظام المتعدد الأطراف الذي تأسس فـي عام 1945 إلى تحسينات كبرى لتمكينه من مواجهة أزمات اليوم العالمية. وهي تدرك تمام الإدراك عجز الأمم المتحدة عن وقف أو حتى إبطاء الحروب فـي السودان، ووسط أفريقيا، وغزة، وأوكرانيا، وعشرات غيرها من مناطق الصراع. كما أنها تعترف بفشلها فـي إعداد العالم للجائحة التالية، حتى بعد أن شهدت الدمار الذي خلفته جائحة كوفـيد-19. وهي تدرك أيضا الحاجة إلى اتخاذ تدابير سريعة وجادة لمعالجة أزمة الديون السيادية، وأزمة المناخ المتزايدة الـحِـدّة، وظهور تكنولوجيات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي وتعديل الجينات. ولكن من المؤسف أن الاتفاق على الحاجة إلى إصلاح النظام لا يمتد إلى كيفـية إصلاحه. فقد انتهت مفاوضات شاقة دامت أكثر من عام حول ميثاق المستقبل، وثيقة القمة الختامية، إلى نتيجة دراماتيكية صباح يوم الأحد، حيث احتجت روسيا على اعتماد الوثيقة النهائية، وكانت النتيجة رفضها. وفـي وقت لاحق من ذلك اليوم، نددت الأرجنتين بالميثاق واصفة إياه بأنه «أجندة استبدادية». فـي واقع الأمر، تكرر الوثيقة إلى حد كبير استخدام لغة مجردة متفق عليها سابقا. ولكن وسط الكلمات النبيلة، لا يخلو الأمر من دلائل تشير إلى اتجاهات من شأنها أن تعيد تشكيل السياسة العالمية وتساعد فـي بناء الأسس لنظام دولي قادر على مواجهة التحديات الحالية والمتوقعة فـي المستقبل. بعد تجربة حربين عالميتين ومواجهة خطر التصعيد النووي، صمم مهندسو الأمم المتحدة نظاما متعدد الأطراف من شأنه أن يمكن حفنة من القوى العظمى من توجيه العالم نحو السلام وتعزيز مصالحها الخاصة. بيد أن هذا النوع من الحكم العالمي لم يَـعُـد صالحا لعالم اليوم ــ وخاصة من منظور نحو أربعة مليارات شخص تحت سن الثلاثين. وحتى فـي مواجهة الصراع المتواصل فـي قارات متعددة، لم تعد الحرب البند الوحيد على الأجندة العالمية. إذ تتطلب تحديات مثل الجوائح الـمَـرَضية، وتغير المناخ، والفقر، والهجرة الجماعية، والكوارث التكنولوجية عملا دوليا فعالا وشاملا. فضلا عن ذلك، تتمتع مجموعة أوسع كثيرا من البلدان بالقدر الكافـي من القوة للتأثير على الشؤون العالمية. استحوذ صعود الصين على القدر الأعظم من الاهتمام، لكنها ليست الدولة الوحيدة التي تشكل الأجندة العالمية: فقد دفعت بربادوس نحو إصلاح النظام المالي الدولي. وسوف تستضيف البرازيل مجموعة العشرين هذا العام ومؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (مؤتمر الأطراف الثلاثين) الحاسم العام المقبل. من المثير للدهشة أن ميثاق المستقبل يعترف بهذا التعدد القطبي المتزايد من خلال التقدم الملموس، وإن كان تدريجيا، فـي واحدة من أكثر مشكلات الأمم المتحدة تعقيدا: إصلاح مجلس الأمن. بعد عقود من البدايات الخاطئة، تعمل الدول الأعضاء على الدفع بهذه العملية إلى الأمام من خلال الموافقة على تمثيل أكبر فـي المجلس يشمل «الدول النامية والدول الصغيرة والمتوسطة الحجم». كما يُـلزِم الميثاق الدول الأعضاء بمناقشة فرض قيود على «نطاق واستخدام» حق النقض الذي تمارسه الدول الخمس الدائمة العضوية فـي مجلس الأمن، وينظر بروية فـي التعامل مع تمثيل الدول الأفريقية باعتباره «حالة خاصة»، ويؤيد تكليف الجمعية العامة بدور نشط عندما يفشل مجلس الأمن فـي التحرك.

يتمثل اتجاه آخر انعكس فـي المفاوضات فـي الدور المهم الذي تضطلع به الشركات، والمنظمات غير الحكومية، والمدن، وغير ذلك من القوى الفاعلة فـي معالجة التحديات العالمية، وتشكيل شبكات تكمل عمل الحكومات الوطنية. من تغير المناخ إلى الذكاء الاصطناعي والمعلومات المضللة، تعمل كيانات غير تابعة لدولة بعينها بصورة متزايدة على تشكيل النتائج الأكثر أهمية للناس. ويتعهد ميثاق المستقبل «بتعزيز الشراكات» عبر «المجتمع بالكامل»، بما فـي ذلك الحكومات المحلية والإقليمية، والقطاع الخاص، والمجتمعات الأكاديمية والعلمية، والجماعات الدينية، والشعوب الأصلية. ويحدد الميثاق الرقمي العالمي، الذي جرى الاتفاق عليه كملحق للميثاق، القطاع الخاص والباحثين ومنظمات المجتمع المدني باعتبارها قوى «أساسية» لتحقيق أهدافه، ويلتزم بالتعاون بين أصحاب المصلحة المتعددين.

وأخيرا، تبنت القمة التحول نحو الحوكمة الأطول أمدا. إن تغير المناخ، وخطط معاشات التقاعد، والاستثمار فـي البنية الأساسية، وغيرها من «المشكلات الطويلة الأمد» لها أسباب وعواقب تتكشف على مدى أجيال عديدة. وفـي الإعلان بشأن أجيال المستقبل، وهو ملحق ثان للميثاق، تؤكد البلدان التزامها «بحماية احتياجات ومصالح أجيال المستقبل»، وهذا يعكس فحوى السطر الأول من ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945، حيث تعهد الأسلاف «بإنقاذ الأجيال القادمة من ويلات الحرب». تستند هذه التصريحات العظيمة إلى إجراءات محددة اتخذتها حكومات وطنية عازمة على توسيع أفق صنع القرار. فـي عام 2015، كانت ويلز أول حكومة تنشئ منصب المفوض لأجيال المستقبل. وفـي هذا الشهر، عينت المفوضية الأوروبية مفوضا للعدالة بين الأجيال.

كما تحركت كوريا الجنوبية مؤخرا فـي هذا الاتجاه، حيث أمرت المحكمة الدستورية الحكومة بوضع أهداف مناخية أكثر طموحا لحماية أجيال المستقبل. وبقدر ما يحفز الإعلان مزيدا من التغيير، يمكن اعتباره فـي النهاية قوة تحويلية، تماما مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948. فـي تقريره الصادر بعنوان «أجندتنا المشتركة» فـي عام 2021، توقع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش «مستقبلا من الأزمات الدائمة، أو اختراقا إلى مستقبل أفضل وأكثر استدامة وسلاما لشعبنا وكوكبنا». صحيح أن ميثاق المستقبل ليس الاختراق الذي كان يأمله كثيرون، لكنه يبدأ فـي تحديد ملامح نظام جديد قادر على تصحيح أوجه القصور التي تعيب النظام القديم.

توماس هيل أستاذ السياسات العامة العالمية في كلية بلافاتنيك للحكم في جامعة أكسفورد.

آن ماري سلوتر المديرة السابقة للتخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأمريكية، هي الرئيسة التنفيذية لمؤسسة نيو أمريكا للأبحاث، وأستاذة فخرية في السياسة والشؤون الدولية بجامعة برينستون.

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أجیال المستقبل میثاق المستقبل الأمم المتحدة الدول الأعضاء فـی عام

إقرأ أيضاً:

المغرب الأول إفريقيا في مؤشر الدول المتطلعة إلى المستقبل..

حل المغرب في المرتبة 47 عالميا في مؤشر الدول الأكثر تطلعا إلى المستقبل لسنة 2024، في تصنيف تقرير صدر عن “شبكة أخبار الولايات المتحدة وتقرير العالم” ( US News and World Report) الإعلامية الأمريكية، مسجلا بذلك تراجعا بسبع درجات مقارنة مع المرتبة التي احتلها سنة 2023.

وأظهر التقرير، الذي شمل 89 دولة حول العالم، أن المغرب حافظ على صدراته لدول القارة الإفريقية ضمن هذا المؤشر.

واستند تقرير المؤشر في تصنيفه إلى استطلاع رأي أجري خلال الفترة ما بين 22 مارس و 23 ماي 2024 وشمل أزيد من 17 ألف شخص.

مقالات مشابهة

  • دول الجنوب العالمي تحذر من مخاطر تصاعد الأعمال العدائية المستمرة في أوكرانيا
  • “قرار مفاجئ من الأمم المتحدة في مناطق سيطرة الحوثيين”
  • لحظة مغادرة وفود بعض الدول مع بدء كلمة نتنياهو أمام الأمم المتحدة (فيديو)
  • عاجل- احتجاجات عربية في الأمم المتحدة رفضًا لخطاب نتنياهو
  • حماس توجه رسالة لقادة الدول تزامنًا مع اجتماعات الأمم المتحدة
  • تفاصيل لقاء العليمي مع غوتيريش والإلتزام الذي أكد عليه الأمين العام للأمم المتحدة تجاه اليمن
  • المغرب الأول إفريقيا في مؤشر الدول المتطلعة إلى المستقبل..
  • المملكة تفوز برئاسة شبكة "غلوب إي" العالمية لمكافحة الفساد
  • المملكة تفوز بالإجماع في انتخابات رئاسة شبكة غلوب إي العالمية لمكافحة الفساد