بالأمس غزة واليوم لبنان.. فمن التالي؟
تاريخ النشر: 28th, September 2024 GMT
د. أحمد بن علي العمري
اتفقت كل من فرنسا وبريطانيا في مطلع القرن الماضي على بنود تفاهم سري عُرف باسم "سايكس بيكو" دون علم الدول العربية؛ حيث نفذت الدولتان هذا التفاهم من خلال تقسيم الأراضي العربية إلى مناطق نفوذ وذلك عام 1916، وفي العام التالي 1917 أُطلق "وعد بلفور" المعروف، بأنه "وعد من لا يملك لمن لا يستحق"، ومن هنا بدأت الشرارة مع تكوين الكيان الصهيوني الغاشم الذي حدَّد أطماعه واتجاهاته منذ البداية تحت شعار "من النيل إلى الفرات"!
وفي هذه النقطة بدأ التشرذم والتشتت والانقسام، بتقسيم المقسم، وتجزئة المجزأ، ليس في العالم العربي وحده؛ بل وفي العالم الإسلامي بأكمله، علمًا بأنَّه حسب الدراسة التي أجريت في عام 2023، فإنَّ تعداد المسلمين بلغ 2 مليار نسمة ويشكلون حوالي 25 بالمئة من سكان العالم، ولو اجتمع هذا العدد وتآلف وتكامل لأصبح قوة ضاربة في العالم بأسره، ولاستطاع أن يصنع غذاءه وسلاحه ودواءه، ولأضحى مهابة في العالم يحسب لها الجميع ألف حساب ويهابها الأعداء ويحترمها الأصدقاء، على قاعدة لا تتبدل ولا تتحول وهي "لا إله إلا الله مُحمَّدًا رسول الله".
والدول الأوروبية على الرغم من اختلاف لغاتها واختلاف ثقافاتها واختلاف مذاهبها، إلا أنهم كونوا الاتحاد الأوروبي، والكل فيهم يحترم الآخر دون محاولة للهيمنة من الدول الكبرى عندهم على الدول الأصغر حجماً أو اقتصادا ولديهم دفاع مشترك من خلال الناتو ولديهم عملة موحدة في كثير من دول الاتحاد وهي عملة اليورو، وحدودهم مفتوحة على بعض بكل سلاسة وحرية في التنقل.
فمتى نرى العالم الإسلامي يتحرر من الخلافات المذهبية والطائفية ويتخلص من الخلافات الفردية؛ بل ومن الحروب؟
لقد وصلت الأمور بنا إلى أن أبناء الشعب الواحد في الدولة الواحدة يتحاربون ويتقاتلون والشواهد كثيرة.
هنا بدأ الكيان الصهيوني الغاصب يلعب على أوتار التشتت والانقسام واستغلال الفرص والاستفاده من المشاكل والحروب الفردية بين الدول العربية والإسلامية للاستفراد بنا واحدا واحدا. فرمى باتفاقية أوسلو عرض الحائط وأهمل اتفاقية كامب ديفيد وتناسى كذلك اتفاقية وادي عربة ولم يقبل المبادرة العربية المعروضة عليه منذ سنوات، وبدأ ينهش في جسم الأمة خطوة خطوة؛ وبدأ من الأصغر إلى الأكبر، مدعوما بالولايات المتحدة الأمريكية، التي تزوده بالذخيرة والسلاح وكل المقومات، وكذلك أوروبا، والمصيبة أنَّ هذه الدول تردد مقولة "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" حتى وصلت بها الأمور إلى تسمية من يعتدي بأنه يدافع عن نفسه، في حين أن من يدافع عن نفسه وأرضه وشعبه وهم الفلسطينيون يسمونهم وبمنطوقهم "معتدين" و"إرهابيين"، وللأسف ونتيجة للإعلام العالمي الذي يملكونه ويسيطرون من خلاله على العالم أن هناك من أبناء جلدتنا من النشاز بدأوا يصدقونهم ويرددون مقولتهم دون تفكير أو تمعن أو حساب للمنطق والواقع. لقد هرول بعض العرب للأسف إلى التطبيع المجاني بدون سبب وبدون الحصول على المقابل، ولقد أثبتت الأيام أنهم لم يستفيدوا شيئًا من هذه الهرولة، حتى إسرائيل لم تعر لهم أي اهتمام، إن جاز لنا أن نحسب لهم شيئاً أو حتى من باب التعاطف. بينما تقول الحقائق إن اليهود بدأوا في مغادرة إسرائيل لأنهم يعرفون أنهم ليسوا أصحاب الأرض ويشهد على ذلك مطار بن جوريون على كثافة مغادريه، بينما الفلسطينيون في غزة وعلى الرغم من المعاناة والضير والظلم والقتل والتدمير يتشبثون بالأرض، ويرددون دائما بأنهم لن يغادروا بلادهم، رافعين شعار "باقون ما بقي الزعتر والزيتون". وهنا الفرق واضحاً وجليا بين أصحاب الارض الأصليين وأولئك المحتلين الغاصبين.
لقد دكت إسرائيل غزة بكل ما تملك من قوة بلا هوادة ولم يسلم منها لا البشر ولا الحيوان ولا الشجر ولا الحجر حتى الأسماك في بحر غزة لم تسلم ولا مياه الآبار ولا الطرق، ولا يختلف الحال كثيرًا في الضفة الغربية.
وعندما دمروا غزة تمامًا، تحولوا إلى لبنان، فدكوا العمارات بالصواريخ والقنابل، وأحرقوا الأخضر واليابس وزادوا على ذلك بتفخيخ البيجرات والاتصالات اللاسلكية، بينما العالم المنافق ما زال يردد من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها.
وحتى يوم الجمعة عندما دكت إسرائيل 6 مبانٍ وسوتها بالأرض واستخدمت في الهجوم القنابل الأمريكية التي وصلتها مؤخراً من الولايات المتحدة الأمريكية والتي يصل وزنها إلى 2000 رطل، كان كل ذلك بردا وسلاما على أمريكا ومعاضديها من المنافقين؛ بل وعندما تضرب إسرائيل أي موقع وتعلن أننا أبلغنا الولايات المتحدة الأمريكية، تُنكر أمريكا وتقول ليس لدينا علم، وهم ينكرون ومعاونوهم ينكرون ولكن تبقى للعدالو وجه واحد لن يتغير ولن يتبدل.
وأكيد عندما ينتهون من لبنان سيتوجهون إلى بلد آخر إلى الدولة التي تليها في أجندتهم، ونحن نتفرج وهم يستفردون كل مرة بدولة عربية، حتى يُكملوا مخططاتهم وأهدافهم ويصلوا لما خططوا له من البداية، حتى القرار الأممي رقم 1701 الذي صدر قبل أكثر من عشرين عاما لم تلتزم به إسرائيل في يوم من الأيام، ولم تطبقه ولا حتى تومن به ليصلوا لما خططوا له من البداية.
كيف وبأي منطق وأي مفهوم يفسر من يهاجم على أنه يدافع عن نفسه، بينما من يدافع عن نفسه وأرضه يوصف بالإرهابي؟!
لم يعر الضمير العالمي لهذه التوجهات أي اعتبار ولم يحسب لها أي حساب، وبالتأكيد إن لم نتضامن في محتوانا العربي والإسلامي فالدور سوف يأتي على الجميع.
والسؤال الذي يفرض نفسه: إلى متى سيبقى نتنياهو وبن غفير وسوموريتش يتحكمون في مقدرات العالم بلا رادع؟
ألا يوجد من يردع هؤلاء القتلة ويضع حدًا لهذا العدوان المتكرر؟
أسأل الله أن الله يجمع شمل أمتنا وتعود إلى رشدها وتكسب تضامنها ووحدتها وتعاضدها، وستبقى سلطنة عمان حكومة وشعبًا متعاضدة متحدة مع الأمتين العربية والإسلامية.
حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
من (وعي) المحاضرة الرمضانية السابعة للسيد القائد 1446هـ
أكد السيد القائد – عليه السلام – في محاضرته الرمضانية السابعة للعام الهجري 1446 هـ ، ان قرار سيدنا إبراهيم – عليه السلام – في تبيلغ رسالته كانت متدرجه لفهم الحقيقة باتجاه عملي في صورة البحث عن الحقيقة متجها باستعراض تأملي متسلسل في درجة الكمال بدأ مع الكوكب ثم مع القمر ثم مع الشمس، وكل هذه الأمور من المخلوقات ولم يرتض بها ربا لانها تختفي وتأفل، وكانت فئات الشرك كلها تختلف في أنواع آلهتها الا انهم استمعوا لسيدنا إبراهيم ولم يستفزهم ، وكان يستخدم مسألة ظهور الضوء وغيابه لتوضيح ما هو أكبر من ذلك، وفي هذا الاستعراض التأملي أمام قومه كان يستخدم الهداية لله، وسيدنا إبراهيم أكد الحقيقة الذي نحتاجها كبشر وهي هداية الله، وبدون هداية الله لا يمكن أن نتقدم في شيء وسيضل الإنسان مهما كان إنتاجه الفكري والثقافي ، ولا يمكن للإنسان أن يستغني عن هداية الله، الإنسان لا يصيب الحقيقة عندما لا يرتبط بهدى الله، وعلمنا الله في كل صلاة إلى طلب الهداية..
يؤكد نبي الله إبراهيم عليه السلام انه إذا لم يهده ربه ليكون من الضالين، وعندما استعرض الشمس استعرضها في حجم ضوئها وحجمها، وعندما أفلت انكر على قومه عبادتهم وإشراكهم بالله وأكد لهم ان الشمس مسيرة من الله وتأفل وتختفي بأمره، وبعد عرضه لدرجات التسلسل في درجات الكمال اعلن الإعلان الصريح والكبير وقال لقومه (اني بريء مما تشركون) وهذا الإعلان هو عبارة (البراءة) وهي عبارة توضح موقفه الحازم، لأن الشرك أساس الباطل والضلال الكبير والخطير، واتخذ موقف التوحيد لله وموقفاً من الشرك نفسه، ونبينا إبراهيم كان موحدا من الأساس، ولذلك اعلن موقفه من الشرك نفسه وهو موقف البراءة، ولهذا نجد في حركة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله الطاهرين كان موقفه حازماً مع قومه عندما حاولوا استمالته، والإنسان اذا اعتبر نفسه عبدا لغيره يحط من نفسه..
إن الأمور الواضحة في مسألة الاستعراض التأملي للكوكب والقمر والشمس لها دور صنعها الله لها لتقوم بمهمتها، ولو كانت تضر أو تنفع لاتخذت هي موقفا منه، ولكنها مسيرة لله، وسيدنا إبراهيم بعد ذلك وجه وجهه لله ولعبادة الله الذي فطر السموات والأرض، وهذا تعبير عن اتجاه نبينا إبراهيم بالعبادة بمفهومها الكامل والشامل لله وحده، واختياره لهذا التعبير يعني ان الله سبحانه له الكمال المطلق وهو سبحانه الجدير العبودية وهو مالك ما في السموات والأرض، وكان ملك عصره قد منع الحديث عن الله مثله مثل فرعون، وكان قد ذكرت كلمة (حنيفا) لسيدنا إبراهيم عدة مرات في القرآن وهو تعبير عن الاتجاه لله وحده بثبات وصدق وإخلاص وخشوع خضوع ومحبة لله ، وهي عنوان مهم لمفهوم عظيم، وهي مسألة مهمة للاتجاه الإيماني، وسيدنا إبراهيم نموذج عظيم للخضوع لله والانقياد التام، وهذا درس عظيم للمؤمنين..