قال معهد هندي إن هجمات الحوثيين على سفن الشحن في البحر الأحمر، تؤثر على عملية السلام في اليمن الذي يشهد صراعا منذ عقد من الزمان.

 

وذكر معهد "مانوهار باريكار" للدراسات والتحليلات الدفاعية في دراسة تحليلية ترجمها للعربية "الموقع بوست" إن "تورط الحوثيين في الحرب بين إسرائيل وحماس، أثر على تقدم المفاوضات بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا والحوثيين، وأضاف المزيد من التعقيد إلى جهود الوساطة وأضعف إمكانية التوصل إلى حل سلمي".

 

وأضاف أن "تصرفات الحوثيين في البحر الأحمر أثارت الشكوك بين الوسطاء بشأن التزامهم بعملية السلام، مما أدى إلى تعميق عجز الثقة، وفي حين لعبت الأمم المتحدة، إلى جانب الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان، دوراً محورياً في جلب الأطراف اليمنية إلى طاولة المفاوضات وتحقيق الهدوء النسبي، إلا أن هناك قلقاً متزايداً من أن تورط الحوثيين في الحرب بين إسرائيل وحماس قد يقوض سنوات من الجهود الدبلوماسية الرامية إلى استعادة السلام والوحدة في اليمن".

 

وأكد أن الحوار اليمني الداخلي الذي كان يتقدم منذ الاتفاق بين الحكومة اليمنية والحوثيين في أبريل 2022 والتقارب بين المملكة العربية السعودية وإيران في مارس 2023، يواجه الآن عقبات.

 

وقال إن "الصراع خلق عقبات جديدة في الحوار اليمني الداخلي، مما أدى إلى إبطاء وتيرة المحادثات وتآكل الثقة بين الأطراف. كما تعطلت عملية توصيل المساعدات الإنسانية إلى الناس. احتجز الحوثيون عددًا من مسؤولي الأمم المتحدة والدبلوماسيين وموظفي المنظمات غير الحكومية الدولية العاملين في اليمن. إلى جانب ذلك، استولوا أيضًا على السفن واحتجزوا أفراد الطاقم الذين لا يزالون تحت احتجاز الحوثيين. كما تعمل هذه التطورات على تفاقم الوضع السياسي والأمني ​​والاقتصادي في اليمن، مما يجعل احتمالات السلام أكثر هشاشة".

 

محادثات السلام اليمنية قبل الحرب بين إسرائيل وحماس

 

وأضاف المعهد الهندي "بعد مفاوضات مطولة، تم في أبريل/نيسان 2022 توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة لمدة شهرين بين الحكومة اليمنية والحوثيين. واتفق الطرفان على وقف هجومهما العسكري، والسماح لسفن الوقود بالوصول إلى ميناء الحديدة، واستئناف عمليات الطيران من صنعاء إلى مصر والأردن".

 

 وتابع "ونتيجة لذلك، تحسن الوضع بشكل كبير، على الرغم من استمرار الإبلاغ عن حالات متفرقة من العنف. وكان انخفاض حالات الاشتباكات المسلحة والإصابات إنجازًا إيجابيًا وملموسًا لليمن منذ بداية الحرب في عام 2015. وتم تجديد الاتفاق في يونيو/حزيران وأغسطس/آب 2022 لمدة شهرين في كل مرة. ومع ذلك، لم يكن من الممكن تمديده بعد أكتوبر/تشرين الأول 2022 بسبب الخلافات بين الطرفين".

 

وأردف "في مارس/آذار 2023، وقعت المملكة العربية السعودية وإيران اتفاقية تطبيع تاريخية، كان لها تأثير إيجابي على الوضع في اليمن. وللمرة الأولى منذ بداية التدخل العسكري بقيادة السعودية في عام 2015، أبدت كل من المملكة العربية السعودية والحوثيين استعدادهما للانخراط في الحوار ومعالجة صراعهما الطويل الأمد. وقد أدى هذا إلى عدة جولات من المفاوضات، بما في ذلك زيارة وفد من الحوثيين إلى الرياض، حيث التقوا بوزير الدفاع السعودي. ووصف المسؤولون السعوديون في وقت لاحق المناقشات بأنها إيجابية، حيث أعرب الطرفان عن تفاؤلهما بالتوصل إلى حل مقبول للطرفين لنزاعاتهما".

 

هجمات الحوثيين وأثرها على اليمن

 

واستدرك "مع اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس، أعلن الحوثيون دعمهم لفلسطين وانضموا إلى الحرب ضد إسرائيل. بدأوا في استهداف السفن التجارية في البحر الأحمر، والتي اعتقدوا أنها مرتبطة بإسرائيل. وفي وقت لاحق، استهدفوا السفن في البحر الأحمر، والتي لم تكن مرتبطة بإسرائيل على الإطلاق. أدى هذا إلى توترات في مياه البحر الأحمر".

 

واستطرد "تم تشكيل تحالف عسكري من 20 دولة بقيادة الولايات المتحدة أطلق عليه اسم "عملية حارس الرخاء" لضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر. منذ ذلك الحين، نفذت المملكة المتحدة والولايات المتحدة عدة هجمات على أهداف الحوثيين داخل اليمن. لقد نجحت عملية حارس الرخاء إلى حد كبير في ردع هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر".

 

وقالت الدراسة التحليلية "أطلق الحوثيون عدة صواريخ وطائرات بدون طيار باتجاه إسرائيل. وقد أصاب بعضها أهدافها في مدينة إيلات الساحلية الجنوبية. ونتيجة للهجمات، تم إغلاق العمليات في ميناء إيلات منذ نوفمبر 2023.2 وفي هجوم انتقامي كبير، ضربت إسرائيل منشأة نفطية في الحديدة. لا يمتلك الحوثيون سوى قدرة محدودة على إيذاء إسرائيل جسديًا، لكن مشاركتهم في الحرب أثرت على عملية السلام في اليمن بشكل كبير".

 

الوساطة والدبلوماسية

 

وأشارت إلى أن هناك قلق متزايد بين أصحاب المصلحة الإقليميين والأمم المتحدة من أن تورط الحوثيين في الحرب قد يعرض للخطر التقدم المحرز حتى الآن في عملية السلام اليمنية منذ أبريل 2022. أعرب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، هانز جروندبرج، عن قلقه من أن محادثات السلام اليمنية يجب أن تستمر.

 

وقالت لقد أدانت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا بشدة أنشطة الحوثيين في البحر الأحمر. ووصفت هجوم الحوثيين على السفن في البحر الأحمر بأنه "إرهاب منهجي" وتقول إن تصرفات الحوثيين من شأنها أن تؤدي إلى كارثة اقتصادية وبيئية في المنطقة.

 

وبحسب الدراسة فإن الحكومة اليمنية تزعم أن الحوثيين من خلال تصعيد الهجمات في البحر الأحمر، قوضوا العملية السياسية الجارية في البلاد. كما تتهم إيران بتزويد الحوثيين بالأسلحة مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية.7 وإلى جانب ذلك، تتهم الحكومة اليمنية الحوثيين بفرض حصار اقتصادي حيث انخفض عدد السفن التي تحمل المساعدات الإنسانية إلى اليمن أيضًا.8

 

ورأت أن "هناك اختلاف جوهري في التفكير بين الحكومة اليمنية والحوثيين. ففي حين تعتقد الحكومة اليمنية أن الدولة ومؤسساتها يجب أن تتعزز لتوفير الأمن والوصول الإنساني إلى الناس، فإن الحوثيين لا يريدون فقدان السيطرة على المناطق والتنازل عن أي سلطة للأولى".

 

ولفتت إلى أن الولايات المتحدة، اتخذت إجراءات عسكرية ضد الحوثيين بسبب أنشطتهم التخريبية في البحر الأحمر. في يناير 2024، ومع تزايد هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، أعلنت الولايات المتحدة تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية عالمية محددة بشكل خاص. وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر هي أعمال إرهابية.

 

وطبقا للدراسة فإن الولايات المتحدة ترى أن هذه الهجمات يجب أن تتوقف حتى تتقدم محادثات السلام دون أي عقبات. وقد صرحت الولايات المتحدة بأن هجمات الحوثيين لم تؤثر على الدول الإقليمية فحسب، بل على الشعب اليمني أيضًا. وأعربت عن قلقها من أن التصعيد في المنطقة سيكون له تأثير سلبي على محادثات السلام في اليمن.

 

وأوضحت أن سلطنة عُمان والسعودية تشترك في حدود برية مع اليمن ولديهما مصالح كبيرة في حل الصراع. وتجد المملكة العربية السعودية نفسها، بعد أن خاضت حملة عسكرية مطولة ضد الحوثيين منذ عام 2015، في وضع جيوسياسي وأمني معقد.

 

وزادت "على الرغم من التصعيد الأخير في البحر الأحمر، امتنعت السعودية عن اتخاذ موقف أكثر قوة ضد الحوثيين. ويعكس هذا التوازن الدقيق الموقف الدقيق للمملكة العربية السعودية تجاه الصراع في جوارها. ويمكن فهم الموقف السعودي من خلال حقيقة أنها انخرطت مع الحوثيين في مفاوضات ولا تريد أي مواجهة عسكرية من شأنها أن تعرقل الإنجازات التي تحققت في هذا الصدد.

 

وقالت "تتوسط عمان بين السعودية والحوثيين وتبذل جهوداً دبلوماسية للتوصل إلى حل سياسي. وأدانت مسقط الهجوم الإسرائيلي على الحوثيين قائلة إنه سيزيد من تصعيد الموقف وتعقيده".

 

ورداً على هجمات الحوثيين -حسب الدراسة- شنت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عدداً من الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار على أهداف عسكرية للحوثيين داخل اليمن. وأدانت عمان هذه الهجمات المستهدفة وأعربت عن قلقها إزاء الهجمات التي شنتها "دول صديقة".10 وعلى الرغم من تدهور الوضع وتورط الحوثيين في الحرب ضد إسرائيل، فإن عُمان والمملكة العربية السعودية تريدان الحفاظ على التقدم المحرز في تعاملهما مع الحوثيين.

 

الأمن والاستقرار الداخلي

 

يضيف "معهد مانوهار باريكار" بصرف النظر عن الهجوم على السفن في البحر الأحمر، قام الحوثيون بعدة أعمال استفزازية تهدد بعرقلة السلام النسبي الذي تحقق في البلاد منذ أبريل 2022. وهناك تقارير عن زيادة تعبئة القوات ووقوع اشتباكات مسلحة عنيفة في عدة أجزاء من البلاد، ولا تزال البيئة الأمنية العامة غير متوقعة. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الوضع وتدهور الظروف بشكل خطير.

 

وأكد أنه في يونيو 2024، استولى الحوثيون على ثلاث طائرات تابعة للخطوط الجوية اليمنية في صنعاء، في يونيو/حزيران 2024، احتجز الحوثيون 11 موظفاً من الأمم المتحدة من مختلف أنحاء البلاد، كما اختطفوا عدداً من اليمنيين العاملين في المنظمات الإنسانية ووكالات الإغاثة في اليمن، وفي 3 أغسطس/آب، استولى الحوثيون على مقر مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في صنعاء. وتشكل مثل هذه الإجراءات الأحادية والاستفزازية من جانب الحوثيين في وقت تحققت فيه مكاسب كبيرة تحديات كبرى لإعادة السلام والاستقرار في البلاد. كما أنها تخلق عوائق أمام التسليم السلس للمساعدات الإنسانية لملايين اليمنيين الذين هم في أمس الحاجة إلى المساعدة من أجل بقائهم.

 

التأثير الاقتصادي والمخاوف الإنسانية

 

ويرى المعهد الهندي أن اقتصاد اليمن لا يزال هشًا للغاية، ويشكل إحياء الحياة الاقتصادية أولوية للبلاد. والوحدة السياسية واستقرار البلاد ضروريان لإحياء الاقتصاد. ومع هجمات الحوثيين على البحر الأحمر وتباطؤ محادثات السلام، لا يزال اقتصاد البلاد يعاني.

 

وقال "في يوليو 2024، تم اتخاذ خطوة مهمة إلى الأمام حيث توصل الطرفان إلى اتفاق للتعاون في قضيتين حاسمتين: الخطوط الجوية اليمنية والقطاع المصرفي في البلاد. واتفق الجانبان على تنفيذ تدابير تهدف إلى توحيد البنك المركزي اليمني، وهي خطوة حاسمة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

 

يتابع "اتفقا الطرفان على استئناف الاتصال الجوي مع الأردن ومصر والهند. ويمثل هذان التطوران الأخيران تقدماً مهماً نحو استعادة الخدمات الأساسية وتحسين المشهد الاقتصادي في البلاد".

 

يشير إلى أن عدم الاستقرار في اليمن لأكثر من عقد من الزمان أدى إلى أزمة إنسانية، حيث أصبح أكثر من 18.2 مليون شخص، بما في ذلك 9.8 مليون طفل، في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية.

 

مخاوف الهند

 

ووفقا للمعهد فإن الهند تشعر بقلق بالغ إزاء التطورات الأخيرة في البحر الأحمر واليمن. مشيرا إلى أن للهند مصالح اقتصادية واستراتيجية ضخمة في سلامة وأمن خطوط الاتصالات البحرية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن.

 

وأوضح أن أي تعطيل لهذا الطريق البحري الحيوي يؤثر على اقتصاد الهند وأمنها. فضلاً عن ذلك، تظل الهند حذرة من احتمال عودة القرصنة قبالة الساحل الصومالي. وقد حافظت الهند على وجود بحري مستمر في خليج عدن منذ عام 2008 لمكافحة أنشطة القرصنة.

 

ولفت إلى أن لبحرية الهندية وفرت الأمن لعدد كبير من السفن التجارية المارة في المنطقة من هجمات القرصنة، وعلاوة على ذلك، فإن عددًا كبيرًا من السفن التجارية الدولية لديها أفراد طاقم هنود يواجهون غالبًا صعوبات عندما يتم الاستيلاء على السفن أو اختطافها. وهذا مجال آخر يثير قلق الهند.

 

خلال الأزمة في اليمن، دعمت الهند حكومة وشعب البلاد. كما قدمت الهند الغذاء والأدوية وغيرها من المساعدات الإنسانية إلى اليمن. كما تشعر الهند بالقلق إزاء أنشطة الجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش في اليمن والتي تحصل على ملاذ آمن بسبب البيئة المواتية في البلاد.16

 

وقال "حاليًا، تعترف الهند بمجلس القيادة الرئاسي الذي يتخذ من عدن مقراً له. لقد دعت الهند مرارا وتكرارا إلى عملية سياسية بقيادة يمنية ومملوكة لليمن لبناء خارطة طريق مستقبلية للبلاد. مؤكدا أن اليمن الموحد والمستقر يشكل أمرا إيجابيا للهند من وجهات نظر سياسية واقتصادية وأمنية. وبعد فجوة طويلة، عينت الهند الآن سفيرا غير مقيم في اليمن. ومن جانبها، عرضت الهند دائما تقديم كل الدعم الممكن لليمن في التعامل مع الأزمة. مشيرا أن هناك إمكانات هائلة للمشاركة الاقتصادية مع اليمن، والتي يمكن استكشافها بمجرد استقرار الوضع.

 

مستقبل غير مؤكد

 

وخلص المعهد الهندي "مانوهار باريكار" إلى أن اليمن يواجه أزمات متعددة، كما أدى تورط الحوثيين في الحرب بين إسرائيل وحماس إلى إضعاف احتمالات السلام.

 

وقال إن الوضع في البحر الأحمر الذي تفاقم بسبب هجمات الحوثيين، أضاف المزيد من التعقيد إلى جهود الوساطة وأضعف إمكانية التوصل إلى حل سلمي في اليمن.

 

ويرى أيضا أن تصرفات الحوثيين في البحر الأحمر أثارت الشكوك بين الوسطاء بشأن التزامهم بعملية السلام، مما أدى إلى تعميق عجز الثقة، وفي حين لعبت الأمم المتحدة، إلى جانب الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان، دوراً محورياً في جلب الأطراف اليمنية إلى طاولة المفاوضات وتحقيق الهدوء النسبي، إلا أن هناك قلقاً متزايداً من أن تورط الحوثيين في الحرب بين إسرائيل وحماس قد يقوض سنوات من الجهود الدبلوماسية الرامية إلى استعادة السلام والوحدة في اليمن".


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن البحر الأحمر الحوثي الأزمة اليمنية الحكومة المملکة العربیة السعودیة على السفن فی البحر الأحمر الحوثیین فی البحر الأحمر بین الحکومة الیمنیة هجمات الحوثیین على الولایات المتحدة محادثات السلام الأمم المتحدة عملیة السلام فی البلاد فی الیمن إلى جانب أدى إلى أن هناک إلى حل إلى أن

إقرأ أيضاً:

معادلات جديدة.. البحرية اليمنية تنهي الغرور الأمريكي

يمانيون/ تقارير

في الفترة التي سبقت ثورة الـ21 من سبتمبر ، وعلى وجه الخصوص في سبتمبر 2012، قامت الولايات المتحدة بعمليات أوسع لتقويض القوة الدفاعية لليمن بشكل عام. فقد عملت على تسريح ألوية حماية الحدود والقوات البحرية، واستبدالها بـ “وحدات أمنية رمزية”، وفقًا للتوجيهات التي أصدرها السفير الأمريكي خلال النظام السابق العميل.

وبتوجيه أمريكي، تم إنشاء جهاز “الأمن القومي” ليكون له نشاطات موجهة تخدم المصالح الأمريكية، بينما عملت السفارة على تشكيل وحدات لمكافحة “الإرهاب” ودعمها، وجعلها جزءًا من الجيش، حيث تم نقل تبعيتها من وزارة الداخلية إلى وزارة الدفاع. وقد وردت توجيهات واضحة بإلغاء قوات حرس الحدود والدفاع الساحلي، مما أدى إلى اقتصار المهام الأمنية الحدودية على وحدات رمزية.

كما ذهب السفير الأمريكي، بالشراكة مع السعوديين، إلى أبعد من ذلك من خلال فرض هيكلة الجيش اليمني، وتفكيك قوته وتجريده من الأسلحة الاستراتيجية. وقد تجلى ذلك فيما شهدته مناطق مثل مأرب من تدمير لصواريخ الدفاع الجوي.

وعلى ضوء هذه التحركات، باتت الحدود البحرية والبرية لليمن مفتوحة أمام الأطماع الخارجية “السعودية” على وجه الخصوص، التي بدأت في السيطرة على أجزاء من الأراضي تباعًا. كما انساقت إلى إدارة فيما أسمته “الحوار الوطني” لمحاولة تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، مما مهد الطريق لفرض هيمنة أكبر وتمرير مشاريع أنابيب النفط والسيطرة على الموانئ.

وتحولت السواحل اليمنية، نتيجة الافتقار للأمن، إلى مرتع مفتوح لسفن الصيد العالمية والقرصنة الأريترية، مما أدى إلى تدمير الثروة السمكية وتهديد حياة الصيادين اليمنيين بالاختطاف ومصادرة ممتلكاتهم.

 

على النقيض من ذلك

وفي سبتمبر 2024، ثورة 21 سبتمبر لم تعد قادرة على الاحتفاظ بإنجازاتها ومكتسباتها فحسب، بل انتقلت من المستوى المحلي إلى الإقليمي ثم العالمي، لتظهر حضوراً سياسياً وعسكرياً فاعلاً في المشهد الإقليمي، مستندةً على هوية إيمانية فريدة للشعب اليمني في نصرة ودعم القضايا العادلة للأمة الإسلامية، وخاصة القضية الفلسطينية.

وعبر عمليات القوات المسلحة اليمنية، تم تحقيق معادلات جديدة للسيطرة وفرض السيادة على المياه الاقليمية اليمنية وباشرت في منع السفن التجارية الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية، بالإضافة إلى تعزيز العمليات الصاروخية ضد موانئ فلسطين المحتلة ، بدءًا من ميناء أم الرشراش وحتى الموانئ في البحر الأبيض المتوسط.

لقد أسقطت ثورة اليمن، من خلال هذه التحركات، أسطورة التفوق البحري والجوي للكيان الإسرائيلي، مع فرار حاملات الطائرات والأساطيل أمام الضربات الفعالة لصواريخ وطائرات القوات المسلحة. بل تم إسقاط عشر طائرات تجسسية مقاتلة من نوع MQ9، مما يعد ضربة مؤلمة لتفوق الصناعة الجوية الأمريكية.

علاوة على ذلك، نفذت القوات المسلحة عمليات نوعية عميقة استهدفت مدينة يافا، المعروفة إسرائيليًا بـ”تل أبيب”، باستخدام طائرات مسيرة وصواريخ فائق الصوت، والتي قطعت مسافة 2040 كيلومتر في زمن قياسي لم يتجاوز أحد عشر دقيقة ونصف الدقيقة، مخترقة جميع أنظمة الدفاع الجوي. وهذه العمليات تعكس هزيمة ساحقة للكيان الإسرائيلي المحتل، ولرعاته أمريكا وأوروبا، وتعكس التفوق العسكري والتكنولوجي لليمن، مما اضطر القوى الكبرى إلى إعادة حساباتها بشكل جذري.

 

سفينة الإنقاذ جريحة

لم تقتصر تأثيرات العمليات العسكرية اليمنية على السفن العسكرية الأمريكية والبارجات وحاملات الطائرات وحسب، بل تعدت ذلك لتصل إلى سفن التزود بالوقود بالرغم من قدراتها العالية على التمويه والتخفي.

السفينة “يو أس أن أس بيغ هورن” الأميركية اضطرت للجنوح في بحر العرب، وهي السفينة الوحيدة التي تقوم بتزويد الوقود لمجموعة حاملة الطائرات “يو أس أس أبراهام لينكولن” الموجودة في “الشرق الأوسط”، بحسب ما أكده مسؤولون أميركيون لشبكة “سي بي أس نيوز ” الأميركية.

وأشار المسؤولون إلى أنّ هذه الحادثة وقعت يوم الاثنين الماضي (في الـ23 من أيلول/سبتمبر)، قبالة سواحل سلطنة عمان، مؤكدين أنّ الأضرار التي لحقت بالسفينة “كانت كبيرةً بما يكفي لتتسبّب بغمرها جزئياً”.

كما أضافوا أنّ زوارق سحبت السفينة إلى أحد الموانئ، حيث سيتم إجراء تقييم كامل بشأن ما تعرّضت له السفينة الوحيدة المتاحة في المنطقة لدعم “يو أس أس لينكولن” وأسطولها من البوارج وسفن الحراسة والطائرات.

وذكرت “سي بي أس” أنّ هذه الحادثة تأتي وسط مخاوف بشأن مدى توفّر الموارد التي تحتاجها البحرية الأميركية، وفي ظلّ مواجهتها تهديدات عالميةً متزايدة، لا في الشرق الأوسط فحسب، بل مع سعي الصين أيضاً لتكريس نفسها كقوة عسكرية في المياه المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي وحول تايوان.

في السياق نفسه، أوضحت الشبكة أنّ نقص العمالة في أحواض بناء السفن أدى إلى تراكم المتأخرات في إنتاج السفن وصيانتها، بينما تم إجراء تحوّلات فيما يتعلق بأولويات الدفاع، وارتفعت التكاليف عن المستويات المحددة مسبقاً.

ووفقاً لها، فقد أدت هذه العوامل إلى تأخّر البحرية الأميركية عن الصين، من حيث عدد السفن المتاحة للعمل.

“إسرائيل” بلا حركة ملاحة بحرية

واليوم، وليس بالأمس مطلقا. صحيفة “كالكاليست” الاقتصادية العبرية تذكر أن العمليات التي تقوم بها قوات الجيش اليمني ضد السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي قد عمقت الأزمة التي تواجه سلاسل التوريد للعديد من الشركات الإسرائيلية. وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الوضع يزيد من تعقيدات كانت قد بدأت بالفعل نتيجة لجائحة كوفيد والحرب الأوكرانية الروسية.

وأوضح تقرير الصحيفة أنه وفقاً لاستطلاع حديث أجراه مركز المشتريات الإسرائيلي بين كبار مديري المشتريات في الصناعة، أفاد حوالي 52.1٪ من هؤلاء المديرين أن الأزمة مع “الحوثيين” في البحر الأحمر لها تأثير كبير على سير سلاسل التوريد.

كما أبدى معظم المشاركين في الاستطلاع تفكيرًا إيجابيًا في نقل عملياتهم اللوجستية وسلاسل التوريد إلى شركاء تجاريين آخرين يمتلكون قدرات جيدة في هذا المجال. يعكس هذا التوجه القلق السائد في المجتمع الصناعي الإسرائيلي من المخاطر المتزايدة المرتبطة بتصعيد التوترات الإقليمية وتأثيرها على العمليات التجارية.

اليونان تعلن عن سحب الفرقاطة “بسارا”

وقبل أيام، اليونان تعلن عن سحب الفرقاطة “بسارا” من مهامها في البحر الأحمر، لتلتحق بذلك بالفرقاطة “هيدرا” بعد أن فشلت في التصدي للعمليات التي تقوم بها القوات اليمنية في المنطقة. وقد قامت الهيئة العامة للبحرية اليونانية بتأكيد هذا الانسحاب، حيث ستعود الفرقاطة إلى قاعدة سلاميس بعد مشاركتها في محاولة حماية السفن المرتبطة بالتحالف في المياه المشتعلة.

و نُقل عن طاقم الفرقاطة “هيدرا” تجربتهم المرعبة في البحر الأحمر، حيث وصفت الشهادات أنهم عاشوا ظروفًا قاسية وأطلقوا على المهمة اسم “الجحيم” و”المهمة الانتحارية”. وواجه طاقم “هيدرا” صعوبات كبيرة في التعامل مع ما بات الجانب اليمني من تحديات، والتي تضمنت قصفًا صاروخيًا. وكانت هناك حوادث مروعة، مثل الانفجار القريب من الفرقاطة أثناء مرافقتها لسفينة تجارية، مما أدى إلى استجابة عاطفية قوية من بعض عناصر الطاقم.

يُعتبر انسحاب الفرقاطتين من البحر الأحمر مؤشرًا على التحديات المتزايدة التي تواجهها القوات البحرية التي تحاول فرض أي نوع من السيطرة على الملاحة البحرية في المياه الإقليمية اليمنية، مما يطرح تساؤلات حول فعالية الاستراتيجيات والقدرات البحرية اليونانية في مواجهة التهديدات المحتملة في هذه المنطقة الحرجة. يعكس هذا الوضع أيضًا القلق العام بين القوات البحرية الامريكية بشأن القدرة على تسميه بحماية السفن وتأمين المصالح الاقتصادية في البحر الأحمر.

 

وبالمحور التحديات أكبر

وتواجه حركة الشحن البحري المرتبطة بالعدو الإسرائيلي تحديات أكبر نتيجة التصعيد مع حزب الله اللبناني. وهو الوضع الذي ألجأ العدو الإسرائيلي إلى الإعلان عن تعويضات للسفن التي قد تتعرض لأضرار في مياهها الاقتصادية، مما يعكس مخاوف كبيرة من عزوف السفن عن القدوم إلى الموانئ الإسرائيلية، وخاصة موانئ حيفا التي تستقبل معظم الواردات، نتيجة إغلاق ميناء “إيلات” بسبب عمليات الجيش اليمني.

وحسب تقرير نشرته وكالة “رويترز”، فقد أبقى سجل السفن في جزر مارشال، والذي يُعد أحد أكبر سجلات السفن في العالم، على أعلى مستوى أمني لميناء حيفا وكذلك أسدود في الجنوب. وأفادت جزر مارشال بأن “التهديد بوقوع أضرار جانبية للسفن التجارية قد زاد بشكل كبير”.

وأعلنت سلطة “الموانئ الحكومية” في الكيان الإسرائيلي، الثلاثاء، عن رسالة تؤكد أن “إسرائيل ستقدم تعويضات للسفن التجارية التي تبحر في مياهها الاقتصادية إذا تكبدت أي أضرار نتيجة الحرب”. وأشارت الرسالة إلى أهمية التأكيد على أن “موانئنا مفتوحة بالكامل للأعمال وتعمل بكامل طاقتها”. وادعت السلطة أن “الموانئ الإسرائيلية هي الأكثر أماناً في العالم بفضل الأمن متعدد المستويات، بما في ذلك معايير عالية للأمن الإلكتروني، إضافة إلى منظومة القبة الحديدية وأنظمة أخرى لاعتراض الصواريخ لحماية موانئنا”.

هذا البيان يتتبع بوضوح مخاوف عزوف السفن عن زيارة الموانئ “الإسرائيلية” بسبب التصعيد، خصوصًا في ظل تأثير عمليات الجيش اليمني ضد السفن المتجهة للكيان الإسرائيلي والتي تتعامل مع العدو الإسرائيلي في البحر الأحمر والبحر العربي والمحيط الهندي، وأيضًا في البحر المتوسط.

وذكرت تقارير رويترز أن السفن التي ترسو في الموانئ “الإسرائيلية” تواجه تهديدًا أكبر يتمثل في استهداف (جماعة الحوثي اليمنية- الجيش اليمني) لها داخل المياه المفتوحة في البحر الأحمر. بعد إغلاق ميناء “إيلات” على البحر الأحمر بسبب الحصار الذي تفرضه “قوات صنعاء” على السفن المتجهة إليه، تحولت معظم حركة الشحن إلى موانئ حيفا وأسدود، التي تضم عددًا من الموانئ، بما في ذلك ميناء حيفا الذي تشغله مجموعة (أداني) الهندية وميناء بايبورت الذي تديره شركة (سي.أي.بي.جي) الصينية.

كما أفادت التقارير أن صفارات الإنذار دوت في جميع أنحاء مدينة حيفا الإثنين، لأول مرة منذ بدء الحرب، بسبب رشقات صاروخية أطلقها حزب الله اللبناني ردًا على الغارات الإسرائيلية المكثفة على لبنان. وقد وثقت مقاطع الفيديو عمليات إطلاق مكثفة لصواريخ دفاعية فوق خليج حيفا.

وبحسب رويترز، فإن “أقساط مخاطر الحرب الإضافية” التي تُدفع عند إبحار السفن من آسيا عبر البحر الأحمر إلى “إسرائيل” ارتفعت إلى نحو اثنين بالمئة من قيمة السفينة مقارنة بمعدل واحد بالمئة في أغسطس، وفقًا لمصادر في قطاع التأمين. ومن المرجح أن يساهم التصعيد مع حزب الله في زيادة التأثيرات على حركة الموانئ الإسرائيلية، خصوصًا وأن موانئ حيفا وأسدود قريبة من نيران حزب الله الذي يمتلك ترسانة عسكرية هائلة.

 

في الختام

تتضح الرسالة جليا في أن القوات البحرية اليمنية قد حققت تقدمًا ملموسًا في قلب المعادلة الأمنية في البحر الأحمر، حيث تمكنت من فرض سيطرتها على مياهها الإقليمية. هذا النجاح يعكس التطور الملحوظ في قدرات البحرية اليمنية وإستراتيجياتها في مواجهة التهديدات، مما جعلها لاعبًا رئيسيًا في المنطقة.

في المقابل، أظهرت الوضعية الهشة التي آلت إليها القوات الأمريكية وما يحالفها، حيث تزايدت التحديات أمامها نتيجة الفعالية المتزايدة للبحرية اليمنية. هذا التغيير في موازين القوى ينذر بصعوبات جديدة في تحقيق الأهداف العسكرية والاستراتيجية للتحالف المعادي، ويعزز من قدرة اليمن على حماية سيادته ومصالحه في مياه البحر الأحمر.

مقالات مشابهة

  • القوات اليمنية تعلن استهدافها 3 مدمرات أمريكية في البحر الأحمر
  • القوات المسلحة اليمنية تستهدف 3 مدمرات أمريكية في البحر الأحمر
  • المبعوث الأميركي إلى اليمن: روسيا تجري مباحثات مع الحوثيين بشأن نقل أسلحة
  • أمريكا تتهم روسيا بتسليح الحوثيين
  • العليمي يبحث مع "البديوي" جهود السلام والتحديات الاقتصادية للحكومة اليمنية
  • واشنطن تتهم روسيا بتسليح الحوثيين
  • معهد فتيات الغردقة ينظم ندوة تثقيفية ضمن مبادرة " معًا لبناء إنسان "
  • تأكيد أمريكي جديد على الصلة بين هجمات الحوثيين والحرب في غزة
  • معادلات جديدة.. البحرية اليمنية تنهي الغرور الأمريكي