باب الشمس: عودة فلسطين إلى فلسطين
تاريخ النشر: 28th, September 2024 GMT
في تاريخ الأدب العالمي يحدث كثيرًا أن يُعرّفنا روائيّ مبدع على مدينة أو قرية كانت موجودة على الخريطة، ولكن لأن العالم كبير ومترامي الأطراف فقد كانت شبه مَنسية أو غير منتَبَهٍ لها، والأمثلة على ذلك كثيرة؛ من دبلن جيمس جويس، إلى إسطنبول أورهان باموك، إلى مرتفعات ويذرنج لإميلي برونتي. إن العمل الروائي يُسهم هنا في شهرة هذه المدن أو القرى بعد أن كانت مغمورة، أو لنقل إنه يُضفي عليها شهرة إضافية.
في صباح الحادي عشر من يناير 2013، هبّ عشرات المناضلين الفلسطينيين من مختلف أنحاء الضفة الغربية، لإقامة قرية فلسطينية جديدة على أرضٍ صادرها الاحتلال الإسرائيلي في القدس. رفض هؤلاء الاستسلام لسياسة الأمر الواقع التي تحاول إسرائيل فرضَها بين الفينة والأخرى، فنصبوا أربعين خيمة، وتداعَوا للسكنى فيها رغمًا عن أنف الاحتلال، مُطلِقين على قريتهم الجديدة اسم «باب الشمس»، تيمُّنًا برواية إلياس خوري الشهيرة الصادرة عام 1998م، بعد خمسين عاما من النكبة.
هذه الرواية تسرد كما هو معلوم حكاية يونس الأسدي، أحد المقاومين الفلسطينيين الذين عاشوا مرارة التهجير مِن قبَل المحتل الإسرائيلي، شخصيّة نسجها إلياس خوري من خياله المبدع لتجسد معاناة الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال والنكبة. بعد أن هُجّر يونس من قريته «عين الأسد» في فلسطين إلى مخيم شاتيلا بلبنان مُرغَمًا على ترك زوجته وحدها، لم يستسلم. كان يتسلل عبر الحدود اللبنانية، متحديا الأسلاك الشائكة وخطر الموت للعودة إلى قريته المحتلة، ذارعًا الجبال والوديان بين لبنان والجليل الفلسطيني، ليلتقي بزوجته سرًّا في مغارة أسماها «باب الشمس»، التي كانت رمزا للأمل والمقاومة، وكأنها قرية أخرى تعوضه عن قريتِه المصادَرة، كما يؤكد مقطع من الرواية: «لا أحد عرف سرك، أو دخل باب الشمس التي صنعتَها بيتًا وقرية وبلادًا».
في اليوم التالي لإقامة القرية، وتحديدًا في الثاني عشر من يناير 2013، وبعد أن انتشر خبرُها في كافة أصقاع الأرض، حتى بلغ إلياس خوري نفسَه، كتب الروائي اللبناني رسالة إلى المناضلين الذين أسسوا هذه القرية، وثقها بعد ذلك في كتابه «النكبة المستمرة»، قال فيها: «لن أقول يا ليتني كنتُ معكم، فأنا معكم. أراكم، وأرى كيف صار الحلم على أيديكم حقيقة منغرِسة في الأرض»، مضيفا: «عندما بنيتُم قريتكم الرائعة، أعدتم المعنى إلى المعنى، وصرتم أبناء هذه الأرض وأسيادها». أتخيّلُ إلياس خوري يطير فرحا في السماء وهو يرى فلسطين التي كانت حُلمًا في خيال يونس في «باب الشمس» تصبح واقعًا ملموسا. يقول في الرسالة نفسها: «كان ليونس حلمٌ من كلمات، فصارت الكلمات جروحًا تنزف بها الأرض، وصرتم أنتم يا أهالي باب الشمس كلماتٍ تكتب الحلم بالحرية، وتعيد فلسطين إلى فلسطين»، ويختم رسالته بطلب الانضمام إلى هذه القرية: «لي طلبٌ واحد هو أن تقبلوني مواطِنًا في قريتكم، أتعلم معكم معاني الحرية والحق».
كما كان متوقعًا، لاقت قرية «باب الشمس» المصير نفسه الذي لاقته مئات القرى الفلسطينية منذ نكبة عام 1948م، فقد اقتحم أكثر من خمسمائة شرطي إسرائيلي، مدججين بالسلاح، القرية وحاصروها وأخلوا سكانها من المناضِلين بالقوة. لكن المقاوِمين لم يستسلموا فأقاموا قرية أخرى أسموها «أحفاد يونس»، أي أحفاد بطل رواية «باب الشمس»، لكنّ حتى هذه القرية هدمها جيش الاحتلال أيضًا. يقول إلياس خوري في مقدمته لكتاب «النكبة المستمرة»: «لكن هاتين القريتين «باب الشمس»، و«أحفاد يونس» ، ومعهما مئات القرى الفلسطينية، لا تزال تعبق برائحة المطرودين من أهلها، وتنتظر العائدين من النكبة إلى الحلم».
وإذن، تبقى «باب الشمس» وغيرها من القرى المدمرة رمزا لا يُمحى من الذاكرة الجماعية الفلسطينية، ودرسًا متجددًا بأن المقاومة قادرة دائمًا على إعادة فلسطين إلى فلسطين، مهما طال الزمن، كما تُثبت أن الأدب الحقيقي، المنغمس في حياة الناس وآلامهم، قادر ليس فقط على التغيير، وإنما أيضًا على صنع المعجزات.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إلیاس خوری فلسطین إلى باب الشمس
إقرأ أيضاً:
قرية النعمان المقدسية.. نذر دمار وتهجير
ومع إقامة جدار الفصل الإسرائيلي عام 2002، عزل الاحتلال القرية عن مدينة القدس، مع أنها تقع داخل حدود بلدية المدينة، ووضع حاجزا عسكريا على مدخلها يقيد حركة السكان.
ومنذ أيام، وزعت سلطات الاحتلال إخطارات هدم على جميع مباني القرية بذريعة البناء من دون ترخيص مع أن بعضها بني خلال أربعينيات القرن الماضي، أي قبل احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية عام 1967، وفق الدكتور إبراهيم الدرعاوي، وهو أستاذ جامعي وأحد سكان قرية النعمان.
ويتطرق الدرعاوي إلى انعكاسات المضايقات والملاحقات الإسرائيلية وهدم المنازل ومنع البناء في القرية، والتي دفعت الشباب إلى الهجرة.
ووفق منظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية، فإن رفض وزارة الداخلية وبلدية القدس الاعتراف بسكان قرية النعمان بوصفهم مقدسيين هو جزء من سياسة حكومات إسرائيل المتعاقبة منذ عام 1967، التي تهدف بشكل رئيسي للحفاظ على "التوازن السكاني" في القدس.
الجزيرة نت- خاص31/1/2025