لجريدة عمان:
2025-04-24@20:32:30 GMT

باب الشمس: عودة فلسطين إلى فلسطين

تاريخ النشر: 28th, September 2024 GMT

في تاريخ الأدب العالمي يحدث كثيرًا أن يُعرّفنا روائيّ مبدع على مدينة أو قرية كانت موجودة على الخريطة، ولكن لأن العالم كبير ومترامي الأطراف فقد كانت شبه مَنسية أو غير منتَبَهٍ لها، والأمثلة على ذلك كثيرة؛ من دبلن جيمس جويس، إلى إسطنبول أورهان باموك، إلى مرتفعات ويذرنج لإميلي برونتي. إن العمل الروائي يُسهم هنا في شهرة هذه المدن أو القرى بعد أن كانت مغمورة، أو لنقل إنه يُضفي عليها شهرة إضافية.

أما أن يوجد الروائيّ قرية من نسج خياله، أي لم تكن موجودة أصلًا، ثم تتجسّد بعد ذلك على أرض الواقع، فهذا هو الأمر النادر، الذي لم يتحقق إلا لقلة من الروائيين في العالم، منهم اللبناني إلياس خوري الذي رحل عن عالمنا قبل أسبوعين.

في صباح الحادي عشر من يناير 2013، هبّ عشرات المناضلين الفلسطينيين من مختلف أنحاء الضفة الغربية، لإقامة قرية فلسطينية جديدة على أرضٍ صادرها الاحتلال الإسرائيلي في القدس. رفض هؤلاء الاستسلام لسياسة الأمر الواقع التي تحاول إسرائيل فرضَها بين الفينة والأخرى، فنصبوا أربعين خيمة، وتداعَوا للسكنى فيها رغمًا عن أنف الاحتلال، مُطلِقين على قريتهم الجديدة اسم «باب الشمس»، تيمُّنًا برواية إلياس خوري الشهيرة الصادرة عام 1998م، بعد خمسين عاما من النكبة.

هذه الرواية تسرد كما هو معلوم حكاية يونس الأسدي، أحد المقاومين الفلسطينيين الذين عاشوا مرارة التهجير مِن قبَل المحتل الإسرائيلي، شخصيّة نسجها إلياس خوري من خياله المبدع لتجسد معاناة الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال والنكبة. بعد أن هُجّر يونس من قريته «عين الأسد» في فلسطين إلى مخيم شاتيلا بلبنان مُرغَمًا على ترك زوجته وحدها، لم يستسلم. كان يتسلل عبر الحدود اللبنانية، متحديا الأسلاك الشائكة وخطر الموت للعودة إلى قريته المحتلة، ذارعًا الجبال والوديان بين لبنان والجليل الفلسطيني، ليلتقي بزوجته سرًّا في مغارة أسماها «باب الشمس»، التي كانت رمزا للأمل والمقاومة، وكأنها قرية أخرى تعوضه عن قريتِه المصادَرة، كما يؤكد مقطع من الرواية: «لا أحد عرف سرك، أو دخل باب الشمس التي صنعتَها بيتًا وقرية وبلادًا».

في اليوم التالي لإقامة القرية، وتحديدًا في الثاني عشر من يناير 2013، وبعد أن انتشر خبرُها في كافة أصقاع الأرض، حتى بلغ إلياس خوري نفسَه، كتب الروائي اللبناني رسالة إلى المناضلين الذين أسسوا هذه القرية، وثقها بعد ذلك في كتابه «النكبة المستمرة»، قال فيها: «لن أقول يا ليتني كنتُ معكم، فأنا معكم. أراكم، وأرى كيف صار الحلم على أيديكم حقيقة منغرِسة في الأرض»، مضيفا: «عندما بنيتُم قريتكم الرائعة، أعدتم المعنى إلى المعنى، وصرتم أبناء هذه الأرض وأسيادها». أتخيّلُ إلياس خوري يطير فرحا في السماء وهو يرى فلسطين التي كانت حُلمًا في خيال يونس في «باب الشمس» تصبح واقعًا ملموسا. يقول في الرسالة نفسها: «كان ليونس حلمٌ من كلمات، فصارت الكلمات جروحًا تنزف بها الأرض، وصرتم أنتم يا أهالي باب الشمس كلماتٍ تكتب الحلم بالحرية، وتعيد فلسطين إلى فلسطين»، ويختم رسالته بطلب الانضمام إلى هذه القرية: «لي طلبٌ واحد هو أن تقبلوني مواطِنًا في قريتكم، أتعلم معكم معاني الحرية والحق».

كما كان متوقعًا، لاقت قرية «باب الشمس» المصير نفسه الذي لاقته مئات القرى الفلسطينية منذ نكبة عام 1948م، فقد اقتحم أكثر من خمسمائة شرطي إسرائيلي، مدججين بالسلاح، القرية وحاصروها وأخلوا سكانها من المناضِلين بالقوة. لكن المقاوِمين لم يستسلموا فأقاموا قرية أخرى أسموها «أحفاد يونس»، أي أحفاد بطل رواية «باب الشمس»، لكنّ حتى هذه القرية هدمها جيش الاحتلال أيضًا. يقول إلياس خوري في مقدمته لكتاب «النكبة المستمرة»: «لكن هاتين القريتين «باب الشمس»، و«أحفاد يونس» ، ومعهما مئات القرى الفلسطينية، لا تزال تعبق برائحة المطرودين من أهلها، وتنتظر العائدين من النكبة إلى الحلم».

وإذن، تبقى «باب الشمس» وغيرها من القرى المدمرة رمزا لا يُمحى من الذاكرة الجماعية الفلسطينية، ودرسًا متجددًا بأن المقاومة قادرة دائمًا على إعادة فلسطين إلى فلسطين، مهما طال الزمن، كما تُثبت أن الأدب الحقيقي، المنغمس في حياة الناس وآلامهم، قادر ليس فقط على التغيير، وإنما أيضًا على صنع المعجزات.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إلیاس خوری فلسطین إلى باب الشمس

إقرأ أيضاً:

قنا تخطو نحو السياحة الريفية: شراكة مع الأمم المتحدة لتطوير قرية دندرة

قام الدكتور خالد عبد الحليم، محافظ قنا، بجولة ميدانية هامة برفقة وفد رفيع المستوى من برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية "UN Habitat"، وقد استهدفت الجولة الوقوف على المواقع الاستراتيجية المقترحة لإنشاء مجمع سياحي ريفي متكامل في قرية دندرة العريقة، الطامحة لتصبح مركزًا جاذبًا للسياحة الريفية في صعيد مصر.

وقد رافق المحافظ في هذه الجولة المثمرة كل من السيدة لمياء مليجي، مدير برنامج التنمية المحلية والسياسات الحضرية بمكتب الأمم المتحدة، والسيد سيد جاد الرب، مدير عام الإدارة العامة للآثار بقنا، والسيدة يارا هلال، مساعد برنامج التنمية المحلية والسياسات الحضرية، والسيد محمد قناوي، المسؤول الميداني لمشروع "حَيِّنَا" بقنا، بالإضافة إلى السيد محمد حلمي، رئيس مركز ومدينة قنا، وعدد من القيادات التنفيذية البارزة بالمحافظة.

وأوضح محافظ قنا أن هذه الزيارة تأتي في صميم جهود المحافظة للاستفادة القصوى من الخبرات القيمة للبرنامج الأممي في دعم مختلف الأنشطة الاقتصادية، وعلى رأسها تنمية قطاع السياحة الريفية.

ويهدف المشروع الطموح إلى تطوير المناطق المحيطة بمعبد دندرة التاريخي وتحويلها إلى وجهة سياحية متكاملة ومتنوعة، مما يسهم في تعزيز فرص الاستثمار الواعدة وخلق فرص عمل مستدامة لأبناء المنطقة.

وأكد المحافظ على ما تزخر به قرية دندرة من مقومات طبيعية خلابة وثقافية عريقة تجعلها مؤهلة بجدارة لتتبوأ مكانة مرموقة كإحدى أبرز قرى السياحة الريفية الواعدة في جمهورية مصر العربية.

وشملت الجولة أيضًا زيارة تفقدية لموقع بوابة معبد حورس الأثري المجاور لمعبد دندرة الشهير. وخلال الزيارة، وجّه المحافظ بضرورة تطبيق الضوابط العمرانية الصارمة على المنازل الواقعة بالقرب من المنطقة الأثرية، وذلك بهدف الحفاظ الأمثل على الطابع الجمالي والتراثي الفريد للمنطقة.

كما وجّه المحافظ بتحويل مبنى مجاور للمعبد إلى "مركز لخدمة المجتمع" متكامل، وذلك في إطار خطة شاملة تهدف إلى الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمواطنين في مختلف القطاعات الحيوية.

وامتدت الجولة لتشمل المرسى السياحي الواقع بقرية دندرة، والذي يمثل جزءًا لا يتجزأ من مشروع تنمية السياحة الريفية الطموح. ويهدف هذا المرسى إلى ربط كورنيش قنا الشرقي بقرية دندرة عبر نهر النيل الخالد، وصولًا إلى معبد دندرة، وذلك من خلال إنشاء مسار سياحي متكامل وجذاب.

ومن المقرر أن يضم المشروع أيضًا إقامة معرض دائم للحرف التراثية الأصيلة ومركزًا متطورًا للخدمات السياحية لتلبية احتياجات الزوار. وقد وجّه المحافظ بسرعة طرح إدارة المرسى على شركات النقل السياحي المتخصصة لتفعيل الاستفادة القصوى منه في أقرب وقت ممكن.

وخلال جولته الميدانية، حرص محافظ قنا على التفاعل المباشر والبنّاء مع أهالي القرية، مؤكدًا على الأهمية القصوى للمشاركة المجتمعية الفعالة في تحديد أولويات وخطط التنمية المحلية. وقد استمع باهتمام بالغ إلى أحد المواطنين الذي تقدم بفكرة مبتكرة لإقامة "منزلة" على الطراز الريفي القديم لاستقبال السائحين وإطلاعهم على نمط الحياة الريفية الأصيل، مستلهمًا هذه الفكرة من جلسة الحوار المجتمعي التي عُقدت سابقًا برئاسة المحافظ.

وقد عبّر المواطن عن خالص شكره وتقديره لتبني هذه الفكرة التي تجسد بحق روح التعاون الوثيق بين الأجهزة التنفيذية والمجتمع المحلي.

مقالات مشابهة

  • انتشال جثة غريق من البحر اليوسفي في قرية بسمالوط
  • قوات الاحتلال تقتحم قرية زعترة شرق بيت لحم بالضفة الغربية لتنفيذ عمليات هدم
  • إصابة 3 فلسطينيين بالرصاص في هجوم للمستوطنين على قرية بالأغوار الشمالية
  • الحكومة السودانية: الدعم السريع أحرقت 270 قرية في شمال دارفور
  • قنا تخطو نحو السياحة الريفية: شراكة مع الأمم المتحدة لتطوير قرية دندرة
  • دعاء الأم على أبنائها.. هل يستجاب حتى ولو كانت ظالمة ؟
  • طقس فلسطين: أجواء خماسينية شديدة الحرارة وتحذير من التعرض لأشعة الشمس
  • ترامب: جميع الدول تقريباً كانت تنهب أمريكا في السابق
  • مجتمعاتٌ في قرية عالميَّة
  • وفاة الفنان السوري إلياس الناصر .. والنقابة تنعيه