الصين وتطورات الوضع في الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 28th, September 2024 GMT
تشو شيوان **
في ظل ما يحدث ويتطور على أرض الواقع في الشرق الأوسط خصوصًا بعد توسُّع نطاق الحرب في الجنوب اللبناني وإسرائيل وتحديدًا بعد انفجار مُعدات الاتصالات في لبنان، يبدو أنَّه سيكون من الصعب القول إنَّ المنطقة بعيدة عن توسع للعمليات العسكرية والانجرار وراء حرب أشمل وأوسع، ولعل البعض يتساءل ما موقف الصين تجاه كل ما يحدث؟
الإجابة قد تكون معقدة وبسيطة في نفس الوقت؛ فالصين تربطها علاقات قوية بمنطقة الشرق الأوسط، وفي نفس الوقت تجد الصين نفسها دولة مسؤولة عن حماية الاستقرار العالمي، ولهذا الإجابة على تساؤلنا اليوم ليست بالأمر السهل، غير أن هناك حقيقة واضحة للعيان بأن الصين ومنذ بداية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الأخير، وهي تدعو الجميع إلى ضبط النفس وتجنب الحسابات الخاطئة، وبالنسبة للصين فإنَّ الأولوية القصوى حاليًا تتمثل في عدم السماح للصراع اللبناني الإسرائيلي بالاستمرار في التصعيد أو حتى التطور إلى حرب واسعة النطاق.
إنَّ الخطر الأكبر جراء هذا التصعيد الكبير للصراع في الشرق الأوسط يكمُن في أن تتكبد الأطراف المتحاربة خسائر فادحة وتخلق أزمة إنسانية جديدة في المنطقة والأزمة الإنسانية في غزة نجدها تنتقل للبنان، ولن يكون بمقدور المجتمع الدولي تقديم ما يلزم لحماية المدنيين أو تقديم ما يلزم للجرحى والمصابين، هذا من جانب أما من جانب آخر فأجد أن ما يحدث حاليًا سيؤدي أيضًا إلى تصاعد الصراع بين معسكرات ما يمكن تسميته بمحور المقاومة في الشرق الأوسط وإسرائيل؛ مما يؤدي إلى أزمة جيوسياسية أكثر خطورة في قادم الوقت.
عندما نعود للوراء قليلًا وتحديدًا ليوليو الماضي عندما وقعت الفصائل الفلسطينية لإعلان بكين التي يُعتبر خطوة مهمة نحو حل القضية الفلسطينية وتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، خصوصًا وأن هذا الإعلان يعد وثيقة المصالحة الفلسطينية الأولى التي تُبرم خارج الدول العربية. والصين تنظر للصراع الفلسطيني الإسرائيلي والخلافات الفلسطينية الداخلية على أنه خلاف ينطوي على خلفيات ومصالح بالغة التعقيد، الأمر الذي يجعل من طريق المصالحة طويلًا ومتعرجًا. ولهذا وجدت الصين أن من مسؤولياتها أن تسبق العالم بخطوة وتبادل في المصالحة الفلسطينية لخدمة المنطقة بأكملها ودفعها نحو الاستقرار، ولكن وجدنا أن المحور الغربي بقيادة الولايات المتحدة يعمل على الجهة المغايرة لدفع المنطقة نحو الهاوية.
تاريخيًا.. حرصت الصين على اتخاذ موقف غير منحاز في الصراعات الإقليمية بعكس الولايات المتحدة التي دائمًا ما وجدناها تدفع جهة على حساب جهة، بينما الصين تعمل للتأكيد على مبادئ السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. وفي ظل التصاعد الأخير للعنف في المنطقة، تظل الصين متمسكة بنهجها القائم على التركيز على الدعوة للحوار وحل النزاعات بطرق سلمية، سواء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وحتى فيما يخص الجبهة اللبنانية، مع تصاعد التوترات بين إسرائيل وحزب الله فإن الصين لن تتخذ موقف منحاز لأي من الطرفين، وتدرك الصين أن استقرار الشرق الأوسط ضروري ليس للمنطقة؛ بل للعالم أجمع.
إنَّ النظرة الصينية للأحداث في الشرق الأوسط تُركِّز بشكل كبير على الاستقرار طويل الأمد. بالنسبة للصين، فإنَّ أي تصعيد واسع النطاق في المنطقة من شأنه أن يعطل إمدادات الطاقة ويؤثر على الاقتصاد العالمي، ولذلك الصين تتبنى دبلوماسية هادئة تسعى من خلالها إلى تعزيز الحوار وإيجاد حلول سياسية للنزاعات.
وخلاصة لذلك.. فإن موقف الصين مما يحدث في الشرق الأوسط يتسم بالتوازن والحياد؛ حيث تحرص على الحفاظ على علاقاتها الدبلوماسية مع جميع الأطراف، مع التركيز على الدعوة للحوار والحلول السياسية، وتسعى الصين إلى تعزيز استقرار المنطقة كجزء من استراتيجيتها الأوسع لضمان الاستقرار العالمي، وفي الوقت نفسه تدعو الجميع بعدم الانخراط المباشر في الصراعات بشتى أحجامها وطبيعتها، وتحاول من حين لآخر أن تقوم بدور الوسيط الدبلوماسي بعيدًا عن الانحياز.
** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
كيف خانت جامعة كولومبيا قسم الشرق الأوسط فيها؟
يشهد قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة كولومبيا (MESAAS) اضطرابات، بعد أن طمأنت الجامعة رواد هذا القسم خلف الكواليس، قبل أن تتخلى عنهم وتستسلم لمطالب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مقابل إعادة 400 مليون دولار من التمويل الفدرالي.
ويذكر موقع إنترسبت -في تقرير له عن الموضوع- أن طلاب القسم وأعضاء هيئة التدريس فيه أصيبوا بالذهول بعد أن تلقوا بعد يوم واحد من طمأنة الجامعة لهم أخبارا تفيد بأن جامعة كولومبيا أجرت تغييرات مفاجئة في سياستها اعتبرها كثيرون خيانة للحرية الأكاديمية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كاتب أميركي: هكذا يمكن لقوة عظمى مارقة أن تعيد تشكيل النظام العالميlist 2 of 2صحف عالمية: ما يحدث في غزة قرار سياسي وليس فشلا إنسانياend of list
وأضاف أن الجامعة غيّرت مسارها بالموافقة على تغييرات في سياساتها فرضت إشرافا خارجيا على دراسات الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن ذلك يشمل تعيين نائب رئيس أول لمراجعة البرامج وضمان أن تكون المناهج "متوازنة"، وهي خطوة اعتبرها الطلاب وأعضاء هيئة التدريس تقويضا للحرية الأكاديمية واستهدافا للأبحاث النقدية حول فلسطين والاستعمار.
كما وافقت كولومبيا على إنشاء هيئة تدريس جديدة تكون مرتبطة بمعهد الدراسات الإسرائيلية واليهودية.
وعن تأثير هذه الخطوات على الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، يقول إنترسبت -في تقرير لكاتبيه ميغناد بوس وساشا بيازو- إن القلق دب في نفوس الطلاب وشعروا بالخيانة والخوف وبتقييد حريتهم في التعبير، خاصة أولئك الذين يُجرون أبحاثا عن فلسطين.
إعلانوذكر الموقع أن بعض الطلاب يفكرون، نتيجة لما حدث، في ترك الدراسة بسبب ما يرون فيها من "مناخ عدائي"، كما يشعر أعضاء هيئة التدريس بالاستبعاد من عملية صنع القرار، ويخشون تنامي الرقابة وتآكل السيطرة الأكاديمية.
وهذا القسم الذي هو في قلب العاصفة يهتم بالدراسات في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا.
وثمة مخاوف أوسع نطاقا لدى الطلاب وهيئة التدريس في هذا القسم، إذ تُعتبر هذه التغييرات جزءا من حملة قمع أيديولوجي واسعة، تستهدف الدراسات الفلسطينية، ونظرية العرق النقدية، والمعارضة، ويقول الباحثون إن جامعة كولومبيا تُعطي الأولوية للتهدئة السياسية على حساب النزاهة الأكاديمية، ويذكرون أن حوادث مماثلة شهدتها هارفارد وجامعات أخرى، مما يُشير إلى وجود اتجاه وطني في هذه المسألة.
ويجادل منتقدو التدابير التي اتخذتها جامعة كولومبيا بأنها تعكس السعي وراء التوافق الأيديولوجي، وليس المخاوف بشأن الدقة الأكاديمية، كما تشكل تهديدا للتفكير النقدي والمعارضة العلمية.
وينقل الموقع عن طالب دكتوراه في هذا القسم -طلب عدم ذكر اسمه للحفاظ على تأشيرته- قوله: "بصراحة، لا أفهم معنى كل هذا. هذا غير منطقي. ما معنى ادعائهم أنهم سيتمكنون من رؤية مدى ’توازن‘ شيء ما؟ إنهم ليسوا خبراء في هذه المجالات".