بمشاركة واسعة من داخل اليمن وخارجه.. انطلاق أعمال المؤتمر الثاني للرسول الأعظم بالعاصمة صنعاء
تاريخ النشر: 28th, September 2024 GMT
يمانيون/ صنعاء انطلقت اليوم بصنعاء فعاليات وأعمال المؤتمر الدولي الثاني للرسول الأعظم بمشاركة وحضور رسمي وعلمائي وأكاديمي وثقافي محلي وخارجي.وفي افتتاح المؤتمر الذي تنظمه الجمعية الخيرية لتعليم القرآن الكريم على مدى ثلاثة أيام، ألقى رئيس مجلس الوزراء أحمد غالب الرهوي، أشار فيها إلى أهمية هذا المؤتمر الذي يرتبط بأعظم رجل وأنجح قائد عرفته البشرية محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وقال” هذا المؤتمر هو تظاهرة علمية غير مسبوقة بالنظر إلى موضوعه وحجم الباحثين المشاركين فيه من اليمن وخارجه الذين اجتمعوا للحديث عن مناقب الرسول الكريم من كافة الجوانب سواء فيما يخص خلقه العظيم أو نهجه في بناء الدولة بجوانبها الإدارية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والإنسانية “.
واعتبر الرهوي، المؤتمر رسالة قوية لمن يسيئون في الغرب للرسول الأعظم والقرآن الكريم بأن رسولنا الكريم هو قائد للبشرية كافة وسببا لهداية المليارات من البشر وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
وأضاف” علينا كمجتمعات إسلامية أن نتأسى بأخلاق الرسول العظمية وأن نجعل سلوكه وعدله منهجا لمختلف أعمالنا وحياتنا اليومية”.. لافتا إلى المشاق التي تحملها النبي الخاتم من أجل أن تصل إلينا رسالة الإسلام التي انتشلت الأمة من ظلمات الجهل إلى فسحة النور والحق والعدل.
وعبر عن الشكر للمنظمين لهذا المؤتمر وكل الباحثين الذين شاركوا فيه بأبحاثهم ودراستهم القيمة من داخل وخارج اليمن.
وتطرق رئيس مجلس الوزراء إلى مستجدات العدوان الصهيوني وما يدور وما يحصل في غزة منذ عام من قتل وغطرسة وعنجهية صهيونية بمساندة ومشاركة الأمريكي والبريطاني وبعض دول أوروبا والتصعيد الإرهابي الذي يقوم به الكيان الصهيوني في لبنان.
وبين أن تصعيد العدو الصهيوني يقابل بتصعيد من محور المقاومة للرد على الكيان المتغطرس الذي تدعمه الإدارة الأمريكية والرأسمالية الغربية.
وأكد الرهوي أن حزب الله يمتلك اليوم القدرة الكافية العددية والتسليحية للرد على العدوان الإرهابي الذي تجاوز كل الخطوط والحدود.. معتبرا ما يقوم به الكيان الصهيوني من إرهاب وتجبر إشارة واضحة لقرب زواله وأن النصر لأحرار هذه الأمة بات قريبا جدا.
وفي المؤتمر الذي حضره نائب رئيس مجلس النواب عبدالرحمن الجماعي وأمين سر المجلس السياسي الأعلى الدكتور ياسر الحوري وعدد من الوزراء وأعضاء مجلسي النواب والشورى، أشار وزير التربية والتعليم والبحث العلمي حسن الصعدي إلى حاجة الأمة اليوم إلى الهداية لتخرج من أزماتها وصراعاتها ومآسيها وأحزانها المتراكمة، التي أفقدت شبابها ونخبها البوصلة.
وقال “لم يعد يرى الناس ما هو المخرج وأين يتجهون في الكثير من المراحل التي تراكمت فيها الأزمات وتجددت فيها الهزائم والانتكاسات أمام أعداء لا يمثلون رقما وليسوا شيئا لو كانت قوية ومتمسكة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأن الله قد وعد المؤمنين بالنصر وأكد في كتابه أن الأعداء عاجزون عن المواجهة في الميادين”.
وأكد الوزير الصعدي أن الأمة بحاجة ماسة إلى النبي صلوات الله عليه وآله وسلم في كافة الميادين العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية والثقافية وبحاجة للعودة إلى حياته وأسلوبه وجهاده وأخلاقه واستدعاء شخصيته في مؤسساتها السياسية والثقافية وفي كل شؤون حياتها لأنها تواجه أعداء يتحركون بكل ما أوتوا من قوة.
وأوضح إن النبي قدم علينا كما تلعمون في مناهجنا وفي السيرة وجامعاتنا وفي كل المحافل والمناسبات والدروس كشخصية لا تليق أبدا بمن هو خاتم الانبياء مبلغ رسالات الله وارث الرسالات الذي استطاع في فترة وجيزة أن يغير الدنيا وأن يحول أمة جاهلة متناحرة إلى أمة قوية وتملا الدنيا نورا وجهادا
ولفت إلى أن هذا المؤتمر ليس ظاهرة شكلية أو صوتية أو دعاية بل يمثل أهمية بالغة في ظل الحاجة الحقيقية إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأن الأمة لا يمكن لها أن تعود كريمة وقوية إلا بالنبي كما قدمه الله في كتابه الكريم.
وتطرق وزير التربية والتعليم والبحث العلمي إلى الأهمية التي يكتسبها المؤتمر في إعداد الدراسات والأبحاث المرتبطة بالقرآن الكريم لتدخل مخرجاتها إلى المدارس والجامعات والمؤسسات وكل شؤون الحياة لتتمثلها الأمة سلوكا وفكرا وعقيدة.
وأكد على ضرورة أن تحمل الأمة ثقافة محمد صلى الله عليه وآله سلم في قوته على الكافرين وغلظته على المنافقين وفي رحمته على المؤمنين وفي حركته بالرسالة والإسلام وفي تجسيده للقرآن الكريم عملا وسلوكا وأخلاق حتى أصبح نورا يستضاء به عبر التاريخ.
وتوجه الوزير الصعدي بالشكر لكل من عمل وساهم في الإعداد لهذا المؤتمر وشارك فيه بالأبحاث والدراسات والمتابعة والاهتمام.
من جانبه أوضح عضو اللجنة الإشرافية – نائب رئيس المؤتمر ضيف الله الشامي إلى أن انعقاد المؤتمر يأتي في ظل مرحلة استثنائية في تاريخ الأمة العربية الإسلامية التي هي في أمس الحاجة إلى العودة الصادقة والعملية إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإلى القران الكريم خصوصا وهي في ذروة الصراع مع أعدائها من اليهود والنصارى.
وأشار إلى ما تعيشه الأمة من ذلة وتبعية للأعداء على أيدي من سلموا رقابهم وشعوبهم ومقدراتهم للعدو وأصبحوا يمارسون دورا سلبيا بالتدجين والترهيب والقمع لشعوبهم خدمة لأعداء الأمة.
ولفت إلى أن الشعب اليمني المجاهد تميز بموقف إيماني مشرف إلى جانب المظلومين في فلسطين وخاض معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس في مواجهة مباشرة مع قوى الاستكبار أمريكا وإسرائيل وبريطانيا ومن يدور في فلكهم.. مبينا أن هذا الموقف أعطى ثماره الكبيرة على كل المستويات وشد أنظار العالم الحر إلى المشروع القرآني للبحث عن المنطلقات والدوافع والثقافة التي جعلت لهذا الموقف فاعليته وأثره خصوصا والعالم يعرف أن اليمن يتعرض لعدوان وحصار وتدمير ممنهج لسنوات سابقة.
وشدد نائب رئيس المؤتمر على أهمية تعريف العالم بشخيصة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقديم صورة علمية حقيقية عن حياته ومناقبه ومنهجيته الحياتية في المجالات الثقافية والاجتماعية وإدارته للشؤون السياسية والاقتصادية وتعاملاته التربوية والتعليمية ودوره في تنظيم الأعمال المهنية والحرفية وتكوينه لمنظومة إعلامية توعوية إرشادية وإبراز خبراته ومواقفه في الجوانب الأمنية والعسكرية كشخصية جهادية وتقديمه للناس كما قدمه الله في القرآن الكريم.
وأفاد بأن أعمال المؤتمر الدولي الأول انطلقت العام الماضي بالتزامن مع انطلاق معركة “طوفان الأقصى” المباركة ضد العدو الصهيوني لتجسد صورة عملية وواقعية عن التأسي والاقتداء بالرسول في صبره وجهاده ومواجهته للظلم والطغيان.
وقال “يأتي انعقاد المؤتمر الثاني ونحن على مشارف عام كامل من الصمود والتضحيات والمتغيرات الدولية وقد تكشف للعالم الكثير من الحقائق وتغربل العالم بين مؤمن صريح ومنافق صريح فلم يعد هناك منطقة متوسطة يمكن لأحد أن يختفي خلفها في ظل العدوان الاجرامي الكبير على الشعبين الفلسطيني واللبناني وما يرتكبه العدو من مجازر بحق الأطفال والنساء وتمثيل بالجثث وإعدامات جماعية وإحراق للقرآن الكريم وإساءة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وأوضح الشامي أن المؤتمر يهدف إلى ترسيخ الولاء لرسول الله في سبيل حماية الأمة من الانحراف خصوصا مع بروز التحديات والانحرافات التي يقودها اللوبي الصهيوني في العالم من خلال أذرعه المتعددة وفي مقدمتهم أئمة الكفر أمريكا وإسرائيل.
واعتبر المؤتمر تظاهرة علمية يقدم من خلاله الباحثون والمفكرون العلوم والمعارف وما توصلت إليه أبحاثهم لربط الأمة والبشرية جمعاء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبرسالته العظيمة في مواجهة التحديات المعاصرة للأمة.
وأكد أن المؤتمر سيعمل على تحقيق الأهداف الرئيسة المتمثلة في تصحيح النظرة إلى النبي من خلال ما قدمه الله في القرآن وما قدمه الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي في دروسه “من هدي القرآن الكريم” وما يقدمه السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، وأهمية الاستفادة من البعد العملي لحياة الرسول في الواقع المعاصر إضافة إلى تصويب النظرة للسيرة النبوية من سرد تاريخي وأرقام وتواريخ إلى دليل عملي للحياة يكون قادرا على النهوض بالأمة انطلاقا من حركة الرسول الأعظم.. مبينا أن المشاركين في المؤتمر يمثلون 43 جامعة ومركزا دراسيا وبحثيا وكليات وأكاديميات.
ولفت إلى أن المؤتمر سيسلط الضوء على منهجية الرسول في الصراع مع أعداء البشرية وتقديم النموذج النبوي في إدارة الصراع مع أهل الكتاب من اليهود والنصارى.. مؤكدا الحرص على الاستفادة من مخرجات المؤتمر والأبحاث لتصحيح الخلل وتقويم الاعوجاج وحل الاشكاليات التي تعاني منها الأمة ورفد مؤسسات الدولة بالأبحاث والدراسات التي تعينها في بناء الدولة وتقديم النموذج الإسلامي الصحيح.
فيما أشاد أمين عام شورى العلماء في العراق العلامة يوسف الناصري في مداخلة عبر دائرة تلفزيونية بموقف اليمن المشرف في إسناد الشعب الفلسطيني وكسر شوكة العدو الصهيوني.. لافتا إلى أهمية هذا المؤتمر الذي ينعقد في مرحلة حساسة تمر بها الأمة لاستعادة عوامل قوتها المتمثلة في العودة والارتباط الوثيق بالرسول الأعظم.
وأشار إلى أن الرسول الكريم استطاع أن يبني حضارة إسلامية غيرت مجرى التاريخ بعد أن كان العرب مجرد بدو رحل غارقون في الجهل والظلام.
ويهدف المؤتمر الذي تنظمه الجمعية الخيرية لتعليم القرآن الكريم على مدى ثلاثة أيام إلى إبراز جهود الشهيد القائد والسيد القائد في تصحيح النظرة إلى الرسول الأعظم وتسليط الضوء على الأبعاد العلمية في شخصية الرسول والاستفادة منها في الواقع المعاصر إلى جانب تصويب النظرة للسيرة النبوية وتحويلها من مجرد سرد تاريخي إلى دليل عملي لإدارة الحياة، ومنهجية الرسول الكريم في ميدان الصراع مع أعداء البشرية.
كما يهدف المؤتمر إلى العمل على تعزيز النموذج النبوي في الصراع مع أهل الكتاب، واستنهاض الأمة الإسلامية للدفاع عن الرسول الأعظم وعن المقدسات الإسلامية، وتوحيد الفهم الصحيح لسيرة الرسول الأكرم وربطها بواقع المسلمين اليوم، والانطلاق من المؤتمر لإصلاح الخلل وحل الإشكاليات التي تعاني منها الأمة إلى جانب رفد مؤسسات الدولة بأبحاث ودراسات تعينها في بناء الدولة اليمنية الحديثة وتقديم النموذج الإسلامي الصحيح.
ويناقش المؤتمر على مدى ثلاثة أيام 107 أبحاث تتوزع على محاور المؤتمر السبعة وهي “الثقافي والاجتماعي، والسياسي والإداري، والاقتصادي، والتربوي والعلمي، والمهني والحرفي، والإعلامي، والأمني والعسكري، وذلك بمشاركة واسعة من قبل الباحثين والأكاديميين والعلماء والمثقفين من داخل وخارج اليمن.
تخللت افتتاح المؤتمر فقرة إنشادية لفرقة الرسالة، وقصيدة للشاعر بديع الزمان السلطان جسدت واقع الأمة وما حل بها من انتكاسة نتيجة ابتعادها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: النبی صلى الله علیه وآله وسلم الرسول الأعظم القرآن الکریم المؤتمر الذی هذا المؤتمر الصراع مع إلى النبی ما قدمه الله فی إلى أن
إقرأ أيضاً:
حادثة الإسراء والمعراج وإيمان أبو بكر الصديق
في رحلة اختارها الله لنبيه الكريم تجاوزت حدود الزمان والمكان البشري، لتكون أحد المعجزات التي أراد المشركون التكذيب بها، فدمغهم الرسول الكريم بأدلته الواضحة الجلية بوصفه للمكان الذي جلاه الله أمامه، لتكون نقطة فاصلة في مسألة الإيمان بالله تعالى والإيمان بالغيب، وتجلت حقيقة الإيمان والتصديق المطلق بالرسول الكريم عند المسلمين الذين ما زادتهم هذه الحادثة إلا إيمانا، وأولهم صديقه المقرب أبو بكر الذي سمي بالصديق وأصبح هذا لقبه إلى يوم الدين بسبب تصديقه بهذه الحادثة الفريدة، التي ما زالت ناضحة بالدلالات والإشارات الإيمانية.
فهذه الحادثة تعتبر واحدة من أعظم المعجزات التي حدثت في تاريخ البشرية، ففي ليلة مباركة، انتقل النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحارم في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في القدس، ثم عُرج به إلى السماوات السبع، حيث شهد عجائب خلق الله ورأى الأنبياء في أماكنهم السماوية، وعندما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قومه بما حدث، كان الرد من قريش هو التشكيك والرفض.
ولو تأملنا موقف أبو بكر الصديق لهذه الحادثة العظيمة من خلال مكانته في المجتمع ومن خلال قدراته العقلية والمعرفية التي يمتلكها، ومن خلال نظرته إلى حقيقة الإيمان وتدعيم الإيمان بهذه الحادثة من خلال حادثة أعظم، لوجدنا أن شخصية أبو بكر الصديق كانت شخصية اعتبارية في مجتمعها، فد كان تاجرا بارعا، وعندما وقعت رحلة الإسراء المعراج كان أبو بكر الصديق راجعا من رحلة تجارية، كما أنه عالم بأنساب العرب، فعندما أراد حسان بن ثابت أن يهجو قريشا طلب منه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يلجأ إلى أبو بكر الصديق لأنه عالم بأنساب قريش لكي يستل نسب الرسول صلى الله عليه وسلم منهم، فيهجوهم ولا يلحق هجائه لهم بنسب الرسول الشريف، فعلم الأنساب يحتاج إلى قدرات ربط عقلية، وإلى ذاكرة كبيرة، وإلى معرفة بالأعلام وعلاقاتهم وروابطهم الأسرية، وهذا ما تميز به أبو بكر الصديق رضوان الله عليه، فهو في تصديقه المطلق للرسول صلى الله عليه وسلم ليس تصديقا ساذجا لا يستند إلى رجاحة عقلية ومعرفة فكرية، وإنما هو تصديق يتجاوز العقل إلى فضاء أرحب، وهو الإيمان بالغيب وهو أحد أركان الإيمان التي تشربها أبو بكر الصديق من بداية إيمانه بالله وبرسوله، على خلاف المشركين الذين كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه أخبرهم بأمر يتجاوز النواميس الكونية، ويتجاوز مدركات ومحسوسات العالم المادي، وهم كان هدفهم المعلن ومقصدهم الأصيل ليس الوصول إلى الحقيقة، وإنما التكذيب بكل ما يأتي به الرسول صلى الله عليه وسلم.
لم يكن تصديق أبو بكر الصديق في حادثة الإسراء والمعراج مجرد قبول عقلي أو منطقي، بل كان تصديقًا نابعًا من قلبه قبل عقله، كان إيمانه قوياً لدرجة أنه لم ينتظر إثباتًا ماديًا لما سمعه، بل قبل الأمر مباشرة من فم النبي صلى الله عليه وسلم، قد يعتقد البعض أن مثل هذه الحادثة العجيبة قد تثير التساؤلات والشكوك، لكن بالنسبة لأبي بكر، كان النبي صلى الله عليه وسلم هو المصداقية بعينها، فالتصديق لم يكن مجرد فعل عقلي، بل كان شهادة على قوة إيمانه.
فالصديق يعلم علم اليقين أن الكون ونواميسه ليس خارجا عن قدرة الله المطلقة التي يستطيع أن يخرق هذه القوانين متى شاء لمن يشاء ومن هنا تنبثق المعجزات للأنبياء والرسل تأكيدا على صدق دعوتهم، وقد دلل أبو بكر الصديق على صدق هذه الحادثة بحادثة أعظم وهي نزول الوحي عليه الصلاة والسلام، فعندما جاء المشركون ليخبروه بما أخبرهم به الرسول صلى الله عليه وسلم من رحلة خارقة، لم يكن لديه أدنى تردد في التصديق، فقال كلمته الخالدة: "إن كان قال فقد صدق" مؤكدا بذلك على إيمانه الراسخ بصدق النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكتف بذلك، بل عزز موقفه بقوله: " إني لأصدقه في ما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة "، في إشارة إلى أن من يؤمن بالوحي لا يمكن أن يشك في قدرة الله على إنفاذ معجزة الإسراء والمعراج.
وأبو بكر الصديق كان ثابتا في موقفه من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم قبل بعثته وبعدها، بينما كان موقف المشركين قبل بعثة الرسول الكريم مختلفا بعد بعثته، فقد أطلقوا عليه قبل البعثة لقب الصادق الأمين، فلك أن تتخيل كيف أن مجتمعا بأسره يلقب رجلا بصفتين عرف بهما ولم يعرف بخلافهما، وقد قالوا له من شدة تصديقهم له: "ما جربنا عليك كذبا" لكنهم كذبوا بدعوته، وكذبوا بكل ما يتصل بها من أحداث عنادا وكبرا وحسدا.
في ضوء هذه الحادثة، يمكن القول إن أبو بكر الصديق لم يكن فقط أول المصدقين، بل كان رائدًا في تقديم مفهوم متكامل للتوازن بين العقل والإيمان، فقد كان مؤمنًا لا يتردد، لكنه أيضا لم يكن غافلا عن منطق الأشياء، بل كان يدرك أن هناك أبعادًا لا يصلها العقل وحده، هذا التوازن يطرح سؤالا إيمانيا معاصرا، وهو كيف يمكن للإنسان اليوم أن يحافظ على إيمانه في عالم يفرض عليه رؤية مادية للأشياء، وموقف أبو بكر الصديق يقدم إجابة واضحة وهي أن الإيمان لا يتناقض مع العقل، لكنه أيضًا لا يخضع له بالكامل، بل يتجاوزه نحو أفق أوسع، حيث يدرك الإنسان أن عجزه عن الفهم لا يعني استحالة الأمر، بل يعني فقط أنه لم يصل إلى مستوى الإدراك الكامل بعد، فلذلك يكمل هذا النقص المعرفي بما يخبره به الله من خلال أنبيائه ورسله للعوالم الغيبية، التي لا يصلها العقل.
هذه النظرة الأوسع والأشمل تجعل المؤمن في حالة يقين وطمأنينة واستقرار وأن كل ما يقع في هذه الأرض من أحداث ومواقف، تقع في ملك الله وقدرته وجبروته، وهي تحت عنايته وتدبيره للأمور، وعلى الإنسان أن يسلم بمواقع القدر، ويستقبل الحوادث بصدر رحب، فيرحب بأقدار الله ويعلم علم اليقين أن العاقبة للمتقين.