سودانايل:
2024-09-28@11:28:14 GMT

فاوضني بلا طمع

تاريخ النشر: 28th, September 2024 GMT

لامخرجَ من محنتنا الكارثية إلا عبر التصالحِ والتسامح. الشعبُ المكلوم المثقلُ بالحزن فوق الاحتمال يجأر بالإلحاح لتخرجوا من ذواتكم الضيقة المشبعةِ بالجشع والأنانية .التصالحُ فعلُ العقل والحكمة ،شيمةُ الرجولة والنخوة، ميسمُ الشجاعة والثقة.التسامح نداء الوطن لكل من يدّعي الفداءَ في سبيل وحدة التراب والتضحية لصالح الشعب.

التصالح والتسامح مهمةُ الساسة والعسكر بغية بناء سودان جديد حافلٍ بالسلام والاستقرار ، الخير والازدهار ، الحريةو العدالة . لنجعل نهاية هذه الحرب بداية خروج الشعب من كل نكساته . لنجعل التسامحَ والتصالح مفتتحَ التجرد من تاريخنا الملتبس بانتماءاتنا العصبية إلى جغرافية الوطن الشاسع. من الممكن دوما القفز على الماضي لكن لا مهربَ البتة من المستقبل .فالخيرُ لنا صناعتُة بأيدينا بدلاً عن الاستسلام لغدٍ من صناعة غيرنا أو القبولُ بعيش الأمر الواقع مرغمين.فمن (دون التسامح لن يكون هناك مستقبل ) وفقا لنصيحة ديزمونت توتوالأسقف الأفريقي الحائز على نوبل للسلام
*****

آن الأوان لنتعلم كيف نتبادل التنازلات بدلاً عن الحماقات من أجل وقف النزيف ، مدواة الجراحات ورتق الفتوق. التسامح أو التصالح لايعني حتماً إعادةَ إنتاج أي نظامٍ ألحق الأذى بأي فئة من بنات و أبناء الشعب. بل المستهدف بناءُ نظامٍ يؤمّن النجاةَ من كل خطايا و أخطاء المنظومات السابقة . علينا الانطلاقُ من قناعات صادرةٍ عن استيعاب عميق للماضي . فكل ثورةٍ توهمنا إنجازَها أضحت في مهدها ثورةً مضادة. وكل فعلٍ ثوري أمسى جرعةً لتسكين الأعراض من غير اجتثاث الأمراض . لعلنا أفقنا كذلك على أن مصدرَ البلايا فسادُ أفكار النافذين و أدواتهم. ثمة أكثرَ من خيار غير عمليات الثأر والانتقام لمعالجة المتأذين ولرد الإعتبار للمتضررين واسترداد الحقوق ومعاقبة ممارسي العقوق .فالتصالح يعني إخماد جمر السخط والغضب وتجفيف بؤر الحقد والضغائن. فكما تساءل المعلم المهاتما غاندي (إذا قابلت الإساءة بإساءة فمتى تنتهي الإساءة؟).
*****

القدرة على التسامح والتصالح لا يصدران عن فكر أو موقف ضعيفٍ أو مهزوم. بل هما عطاءُ عقليةٍ قوية ثرية تُعلي الوحدةَ على الفرقة والتصامنَ فوق الصراعات. التسامح هو ملاطُ تماسك المجتمعات متعددة الأعراق والثقافات. هو أحدى ركائز العدالة. لاشيء يسع الجميع مثل الحرية ، الحوار المنطقي والتسامح . فالحوار يعني تبني المحاججة بالمنطق محل المقارعة بالسلاح . هو مصدرٌ طاقةٍ يبث القدرة على الاحترام المتبادل . (فمن لا يتسلح بالتسامح يدمر جسرا يجب عليه هو نفسه عبوره )حسب رؤية القصاص الانجليزي هربرت جورج ويلز. أما( اذا أردت الإنتقام فاحفر قبرين أحدهما لنفسك) وفق وصية القس الأميركي دوغ هورتون.
*****

أي قارئ حصيف للتاريخ يدرك أن الحروب تفكك اشتباكاتها على طاولات التفاوض. لذلك تحرص الأطراف المتقاتلة على ولوج القاعات وفي رصيدها ما يعزز ثقلها على الطاولة. الموقف الراهن على جبهات القتال يكشف انهاك الطرفين على نحوٍ يُطيل أمدَ الكارثة دون اقتراب أحدهما من اليقين بنصر حاسم وشيك. جولات الكر والفر لا تحسم الحرب .لذلك من الأفضل لهولاء الحمقى ألايأتي أحدُهما عارٍ من أثقال القوة مكسور الجناح غير قادرٍ على المواجهة أو مقاومة الضغوط المصاحبة لعملية التفاوض عادةً. في الوقت نفسه لا ينبغي ذهابه إلى الطاولة متسلحاً بتصلُّب من يرى في تقديم التنازلات هزيمةً.فمن يبادر إلى تجسير المسافة على الطاولة كالعود عند ابي العتاهية في نظر الشعب (يزيده الإحراق طيبا).فالتنازلاتُ المستهدفُ بها شعباً مبعثراً في فضاء الأحزان غير المبرر ة ينظر إليها سبلَ انجازاتٍ وطنية.
*****

بهذا الفهم للتسامح وتبادل التنازلات يسترد الشعب بأسره فرص التعايش السلمي. فالتعايش في معناه المبسط هو وعي فسيفساء الشعب بالتساكن وممارسةالحياة المشتركة بما يترتب عليها من حقوق وواجبات مبرّأةٍ من العصبية ،العدوان أو الظلم. لنا في جنوب أفريقيا مثلٌ فاتنٌ على الانتقال السلس من التناحر ألى التجانس. الهند أنموذج ٌ باهرٌ على تعزيز التساكن بين الطوائف المتباينة.سنغافورة كما ماليزيا أنموذج جاذبٌ لكيفية ادارة التعدد المجتمعي.لسنا أقل قَدْرٍ أو قُدرات على نسج ابداع فريد للتعايش على منوال السلم الاجتماعي . فقط نحتاج لنبذ الأنانية الذاتية و كسر أطواق العصبيات الصدئة وإلقاء أدوات العنف. كما نحتاج إلى شجاعة أصحاب الحكمة والقلوب غير الواجفة.
*****

لعل الورقة الرابحة على طاولة التازلات تتمثل في خروج المقاتلين من البيوت. من هنا نبدأ المشوار .هذا تنازل غير مُكْلفٍ لقيادات الدعم السريع مثلما هو مصدرُ ارتياح للشعب قبل العسكر. هذا الخروج مشروط بتنازل مسبّق في المقابل هو تأمينَ طرق خالية من كافة أشكال الموانع بما في ذلك التهديد إلى مقار تجمعات منتقاة .هذه الخطوة الأولى من شأنها إعادة بناء جسور الثقة المدمَّرة بين كافة قطاعات المجتمع.هي كذلك خطوة تبث الأمل في صدور كل القيادات بالقدرة على العبور من الدمار إلى العمار. من شأن هذه الخطوة كذلك فتح الأفق بغية تحقيق اختراقات على جبهات أخرى لجهة تشكيل سلطة تجسد نواة الدولة. هذه خطوة حاسمة تشكل العتبة الثانية على درج بناء مجتمع يسوده الوئام والتعاون وفق شرط العقل والعدل.على قدر عدم ربط تبادل التنازلات بفرضية البقاء في السلطة أو مقاسمتها يكون النجاح لصالح الشعب ،الدولة والسلام.
*****

من هنا فقط نبدأ مهام استرداد السلِم الوطني . مَن قال إن الحروب تُحسم فقط على جبهات الإقتتال .؟ فطاولات التفاوض هي دوماً مسارح العمليات الحربية الأخيرة . و معارك صناعة السلام لا تقل عن الحرب بأساً وشراسة .بالطبع هذه طريق شاقة ، وعرة وطويلة. والأجندة في شأنها عديدة وشائكة لكنها الخيار الوحيد الناجع من أجل إعادة بناء سودان واحد موحد يستند إلى الاستقرار ويستهدف التساكن ، التعايش وصولا إلى التخالط و الإنصهار والازدهار.تلك مرحلة قبول التنوع في أشكاله المتعددة بغية تكريس السلام .ربما يستوجب الفهم العميق لمفهوم التعايش السلمي إنشاء وزارة تُرسّخ هذا المفهوم السياسي على الصعيد الاجتماعي .
*****

تبادل التنازلات خطوة تستأهل التهليل للمتحاورين لكنها لا تؤمّن قبول الشعب بقاء المتنازلين في السلطة ضربة لازب. فثمة قناعة غالبة بأن هذه حربٌ بين شر و شر آخر. لعل تبادل القناعة بالمغادرة يمثّل أفضل التنازلات.فلتُقْبِل الأطراف على طاولة السلام مستلهمةً الأغنية الشعبية(فاوضني بلا زعل) وتزيد علي كلماتها ( فاوضني بلا طمع)!

*****

aloomar@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

محافظ المنيا يسلم 105 عقود تقنين جديدة بعد التصالح في مخالفات البناء

دعا اللواء عماد كدواني، محافظ المنيا، المواطنين الراغبين فى التقنين بالإسراع فى إنهاء الإجراءات الخاصة بهم، واستغلال كافة التيسيرات المقدمة لهم من أجل تقنين أوضاعهم حرصًا من الدولة على تحقيق مصالحهم ومصالح الأجيال القادمة، مشدداً على ضرورة إخطار المواطنين لاستكمال ملفاتهم وإنهاء الإجراءات الخاصة بالتقنيين فى أسرع وقت.

تسليم 105 عقود تقنين جديدة

وأضاف «كدواني»، خلال تسليمه لـ 105 عقود تقنين جديدة، منها 71 عقد زراعة، و34 عقد مبان للمستفيدين من واضعي اليد على أملاك الدولة، مع استكمال كافة الإجراءات الخاصة بالتقنين وموافقة الجهات المعنية طبقاً للقانون، بحضور عدد من القيادات التنفيذية وأعضاء لجنة الاسترداد .

محافظ المنيا يناقش مع المواطنين

وأجرى المحافظ حوارًا مفتوحًا مع عدد من المواطنين راغبي التقنين، استمع إليهم وأجاب على استفساراتهم، موجهاً الشكر للحضور على اهتمامهم وسعيهم الجاد لتقنين أوضاعهم، مما سيكون له عظيم الأثر على عائد التنمية لهم وللدولة، في إطار قانون يحمي الجميع ويحفظ حقوقهم.

مقالات مشابهة

  • برلماني يشيد بإعداد كتيب من الإسكان حول قانون التصالح في مخالفات البناء
  • آخر فرصة للتصالح على مخالفات البناء.. «قدم طلبك قبل انتهاء المهلة»
  • فيديو.. مزايا التصالح على المباني المخالفة والمستندات المطلوبة
  • وزارة الإسكان تشرح للمواطنين مزايا التصالح على المباني المخالفة (فيديو)
  • "الشعبة البرلمانية" تؤكد موقف الإمارات الداعم لقيم التسامح والسلام
  • محافظ أسيوط يؤكد على استمرار تكثيف العمل بملف التصالح في مخالفات البناء   
  • محافظ المنيا يسلم 105 عقود تقنين جديدة بعد التصالح في مخالفات البناء
  • المواطنة وقيم التسامح ضمن فعاليات ثقافية وتوعوية بالغربية احتفالًا بمولد الرسول
  • سكرتير عام مطروح المساعد للأهالي: التصالح هو ميراثك للأجيال القادمة