يمكن الإقرار بأن دور المحاضن التربوية في الحد من ظاهرة الانفلات القيمي بين الشباب ترتبط ارتباطا وثيقا بالرؤية المستقبلية والمشروع المجتمعي. لهذا، فالتشخيص أصبح ضروريا لفهم موقع هذه المحاضن من الظاهرة لتجاوز مسبباتها. هل هذه المحاضن (ليس في معظمها بل في بعضها) أصبحت مواقع للتيه القيمي والأعطاب السلوكية من قبيل الإدمان على المخدرات والسلوكات الشاذة والعنف والتطرف وثقافة الكراهية، … ؟
يبدو أن هذا التيه القيمي أنتج قسوة عاطفية والتي تشكل متغيرا قارا في ظاهرة الاحتباس القيمي؛ وذلك لأن متغيرات من قبيل الوضع الاجتماعي والاقتصادي أو الارتباك الهوياتي تبقى متغيرات غير قارة لأنه لا يمكن الجزم بأن شباب الطبقات الفقيرة هم المعنيون فقط بالاحتباس؛ فالانفلات يميز جميع الشباب على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية.
ولكي تتصدى محاضن التنشئة (الأسرة والمدرسة ودور الشباب والجامعة والحزب والجمعية و النادي …) لظاهرة الانفلات القيمي لدى الشباب يتوخى إعادة توجيه السياسات العمومية في أفق الاستجابة للقيم المادية من قبيل التشغيل والصحة والتعليم والرياضة… من أجل بناء مواطنة هادئة وغير متشنجة لتجاوز مختلف أشكال الإحباط المجتمعي ولتتمكن المحاضن التربوية بالاضطلاع بدورها في التنشئة القيمية المستدامة.
فمنطق تصحيح الأفكار المسبقة تتبعه آليات التأطير القيمي فإذا كان هناك « سلوك صديق للبيئة » فمع تناسل الوقائع التي تنم عن عدوانية سلوكية أصبح من المفروض الحديث عن « سلوك صديق للإنسان » لتجاوز وضعية الاحتباس القيمي؛ فالتعايش والعيش المشترك مهددان كما هي البيئة.
من المستحب إذن التفكير في ميثاق وطني لضبط الاحتباس القيمي والحيلولة دون انتشار وتغول أسباب العزوف عن القيم في المجتمع المغربي لأن التمرد على القيم هو تشجيع وقبول للتنميط السلوكي الذي ترعاه محاضن التربية من خلال إهمال غير المتفوقين وغير المندمجين أو طردهم أو عدم توجيههم إلى مدارات تأطيرية أخرى: مهنية أو رياضية أو فنية … لا سيما مع استحضار نظرية المهارات المتعددة.
إن المقاربة المتوخاة هي مقاربة مجتمعية ثقافية تداولية تفضي إلى تحديد عناصر التنشئة الأساسية المحكومة بالتأطير والتعلم والممارسة و »التجارب الاجتماعية »؛ فالتداول لا يقتضي فقط استراتيجيات وآليات وأدوات الإشراك والتتبع بل يحتم توظيف القدرة على الاستماع للشباب ومعايشتهم والاحتكاك بعوالمهم الواقعية والافتراضية لأنهم هم الشهود المباشرون على الاحتباس القيمي واستثمار آلية الإنصات إليهم ومواكبة تجاربهم لأنهم حاملون لتجربة تردي منظومة القيم ومنظومة التربية.
ليتم في الأخير فتح المجال للاقتراحات والتدابير وبناء إبداع وتصور مشترك ومتفاوض عليه لمضامين مرجعية وخلفية ثقافية متوافق عليها لتصويب الانفلات القيمي. يمكن أن تقوم هذه المقاربة على مقولات مثل تَمَغْرِبِيتْ والمواطنة والاعتراف بالاختلاف والتنوع واحترام الأخلاق العامة وثقافة السلم والتسامح …. التي يتم احتضانها من داخل منظومة التربية والتعليم.
كل هذه المضامين المرجعية لا يمكن استتبابها إلا من خلال تدعيمها بمقاربة وقائية لردع المخالفين في احترام تام للقانون والحريات. لهذا فالمقاربة الناجعة لا تعدو أن تكون اندماجية، تستمد قوتها وأسسها من المشترك الثقافي والتربية على التعايش وعناصر العيش المشترك والرابط الاجتماعي لكي يتمكن الشباب واليافعون والأطفال من التعايش مع محددات وشروط التعدد والتنوع في أفق إنضاج المشروع المجتمعي وانخراطهم فيه.
المصدر: اليوم 24
إقرأ أيضاً:
«تعليم قنا» تُطلق مبادرتي «كلنا مهذبون» و«الأندية الحوارية» لتعزيز القيم الإيجابية بين الطلاب
تحت رعاية الدكتور خالد عبد الحليم، محافظ قنا، أطلقت مديرية التربية والتعليم مبادرتي "كلنا مهذبون" و"الأندية الحوارية"، بهدف تعزيز القيم الإيجابية بين الطلاب وتنمية وعيهم تجاه السلوكيات البناءة.
من جانبه، أكد هاني عنتر، وكيل وزارة التربية والتعليم بقنا، أن مبادرة "كلنا مهذبون" تستهدف جميع طلاب المراحل التعليمية الثلاث، وتهدف إلى غرس قيم الاحترام والتسامح بينهم، وتوجيه السلوكيات غير السوية نحو التفاعل الإيجابي البنّاء، إلى جانب نشر ثقافة القيم الإيجابية داخل المجتمع المدرسي.
وأضاف "عنتر" أن الإدارات التعليمية طرحت المبادرة على جميع المدارس، حيث تم تقييم الأعمال المقدمة، وصولًا إلى اختيار الفائزين بالمراكز الأولى في كل مرحلة تعليمية، وأسفرت النتائج عن فوز مدرسة بئر عنبر الابتدائية بقفط عن المرحلة الابتدائية، ومدرسة حامد سليمان الإعدادية بقنا عن المرحلة الإعدادية، ومدرسة الفنية الصناعية بنات الثانوية بقوص عن المرحلة الثانوية.
وأشار وكيل وزارة التربية والتعليم بقنا، إلى أن المديرية، بالتعاون مع الإدارات التعليمية، شكلت لجانًا متخصصة للإعداد والتجهيز والتنفيذ، بالإضافة إلى المتابعة والإشراف، لضمان تحقيق أهداف المبادرة على أكمل وجه.
أما فيما يخص مبادرة "الأندية الحوارية"، فقد أوضح "عنتر" أنها تستهدف جميع طلاب المرحلة الثانوية، وتهدف إلى تنمية الفكر الطلابي، وإعداد جيل واعٍ قادر على الحوار الفعّال، مع تعزيز قيم الاحترام والتسامح والتفاعل الإيجابي البنّاء.
كما أشار إلى أنه تم عقد ورش عمل بمقر مديرية التربية والتعليم بقنا، وأجريت التصفيات القبل نهائية على مستوى جميع الإدارات التعليمية خلال شهر فبراير الماضي، فيما تستعد المديرية حاليًا لإجراء التصفية النهائية للمشاركين في المبادرة.
وتأتي هذه المبادرات في إطار جهود مديرية التربية والتعليم بقنا لتعزيز القيم الأخلاقية بين الطلاب، وإعداد جيل قادر على بناء مستقبل مشرق قائم على الحوار والتفاهم والتعاون.