ابحيص للجزيرة نت: كلما تصاعد العدوان على الأقصى تصاعد الدفاع عنه
تاريخ النشر: 28th, September 2024 GMT
القدس المحتلة- في الذكرى 24 لاندلاع انتفاضة الأقصى تشهد فلسطين أطول حرب في تاريخها منذ بدء الصراع انطلاقا من بوابة الدفاع عن المسجد الأقصى أيضا، لكن ما زالت تفاصيل صباح يوم 28 سبتمبر/أيلول 2000 عالقة في ذاكرة المقدسيين عندما اقتحم زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك أرييل شارون ساحات الأقصى المبارك بحماية ألفي جندي إسرائيلي.
وفي اليوم التالي للاقتحام والذي وافق يوم الجمعة، اندلعت مواجهات بين المصلين في حرم الأقصى الشريف وقوات الاحتلال التي فتحت نيران أسلحتها نحوهم، فاستشهد 7 فلسطينيين خلال ساعات، وأصيب العشرات بجراح، وسرعان ما امتدت المواجهات بالحجارة من القدس إلى كافة نقاط التماس بالأراضي الفلسطينية.
وقد استشهد خلال سنوات الانتفاضة الخمس 4412 مواطنا، وجرح نحو 49 ألفا، بينما قُتل 1100 إسرائيلي بينهم 300 جندي، وجرح نحو 4500 آخرين.
وفي الذكرى الـ24 لاندلاع انتفاضة الأقصى، حاورت الجزيرة نت الباحث في شؤون القدس زياد ابحيص عبر الهاتف من العاصمة الأردنية، والذي أكد أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى للسيطرة على هذا المقدس وصولا للإحلال الديني فيه، وأن قوى اليمين القومي والديني ستستغل موسم الأعياد اليهودية الوشيك لتجديد عدوانها على الأقصى المبارك.
وفيما يلي نص الحوار:
هل كان شارون يدرك عند اقتحامه للأقصى جوهرَ الخلاف بين المشروع الصهيوني وإرادة الفلسطينيين؟نعم، كان يدرك أن المسجد الأقصى يجسد جوهر الخلاف بين المشروع الصهيوني بطبيعته الاستعمارية الإلغائية، وبين إرادة الشعب الفلسطيني بالبقاء والمقاومة انطلاقا من هوية راسخة وامتداد إقليمي وعالمي واسع، فأراد أن يقول إن الأقصى ليس من القضايا التي يمكن تسويتها، وإنه بات أرضا إسرائيلية خالصة بعد احتلاله، كمقدمة لمجموعة من مقولاته التي آمن بها حول شطب حق العودة وفرض التسوية المناسبة لإسرائيل من طرف واحد.
وقد مهد ذلك بالفعل لتوليه رئاسة الوزراء لاحقا، وتسلمه مسؤولية خوض المواجهة التي أطلقها بيديه عن سابق تقدير لما يمكن أن يحمله اقتحامه من تداعيات.
كيف أُفرزت الصهيونية الدينية وما مآربها بالمسجد الأقصى؟المشروع الصهيوني بدأ تحت قيادة نخبة أرادت للصهيونية أن تكون النسخة اليهودية من القومية العلمانية الغربية بما تحمله من نزعة استعمار وإلغاء، وأن تنتج نفسها على أرض فلسطين على هذا النمط لتحافظ على الرعاية الغربية لها عبر تماهيها مع النخبة الغربية وفكرها، وهذه القوى التي تسمي نفسها زورا "اليسار الصهيوني" وواقع الأمر أنها قوى صهيونية علمانية ليبرالية.
ومع بدء الهجرة الاستيطانية الصهيونية، أفرزت التجربة نسخة أخرى أكثر تشددا، تحتفظ ببعدها القومي العلماني ظاهرا لكنها تستمد تعريف القومية اليهودية من النص التوراتي باعتباره النص المؤسس للشعب اليهودي، وهذه النخبة جسدها تيار فلادومير جابوتنسكي في المنظمة الصهيونية ثم مناحيم بيغن في حزب "حيروت" أي "الحرية" بعد نشأة الكيان الصهيوني.
وجاء شارون لاحقا ليجمع حوله كتلة أوسع من الطيف السياسي فحوّله إلى حزب "الليكود" أي "التجمع" ويتواصل اليوم هذا التحول الصهيوني المستمر نحو اليمين ونحو المزيد من التمسك بالعناصر الدينية اليهودية ليفرز تيارا آخرا هو "الصهيونية الدينية".
ويرى هذا التيار أن الصهيونية حركة قومية ودينية في الوقت عينه، ويجب أن تؤسس وطنا للشعب اليهودي وأن تحقق فيه إرادة الرب لشعبه، عبر فرض الروح اليهودية الخالصة وإلغاء كل من هو غير يهودي على هذه الأرض، وعبر تأسيس الهيكل في مكان المسجد الأقصى، وفرض التشريعات التوراتية، وهذا التيار هو التيار القائد في المجتمع الصهيوني اليوم.
كيف تغيرت النظرة تجاه المسجد الأقصى مع تحول القوى من صهيونية علمانية إلى قومية ثم دينية؟
كما كان شارون حلقة الوصل التي حولت أقلية بيغن إلى أكثرية، فقد كان حلقة الوصل كذلك في ملف المسجد الأقصى، فقاد تحول القوى القومية الصهيونية العلمانية الليبرالية إلى قوى قومية يمينية وصولا إلى الصهيونية الدينية التي خلفته.
وكان في الوقت ذاته حلقة الوصل بين سياسة "السيطرة على المسجد الأقصى" التي تبنتها القوى القومية العلمانية التي قصرت هدفها في الأقصى على وضعه تحت سيطرة شرطة الاحتلال، ليقدم هو في مكانها فكرة "السيادة على المسجد الأقصى" باعتبارها رؤية اليمين القومي العلماني تجاه المسجد، ولتنتهي في المحصلة إلى فكرة "الإحلال الديني في المسجد الأقصى" بتحويله إلى هيكل، والتي تقدمها الصهيونية الدينية اليوم.
أدى هذا التحول إلى اشتعال المواجهة من بوابة المسجد الأقصى فلو نُعرّج على أبرز محطات المواجهة؟الانزياح الصهيوني المتتالي نحو تبني المقولات الأكثر تشددا والأقرب إلى توظيف النص التوراتي في المشروع الاستعماري كان يعني بالضرورة تصاعد الخطر والعدوان على المسجد الأقصى، وتصاعد جهود الدفاع عنه والتي لم تتأخر بدورها، فتُرجمت في هبّات وانتفاضات وحروب وفي تجربة الرباط المنظم من الأراضي المحتلة عام 1948.
وإذا كانت انتفاضة الأقصى عام 2000 ثالثة محطات المواجهة على الأقصى من بعد مجزرة الأقصى 1990 وهبة النفق 1996، فقد تلتها 7 محطات لاحقة بدءا من تجربة الحراك الشبابي بالقدس والاعتكافات التي خاضها عام 2013، وهبّة السكاكين (القدس) عام 2015 وهبّة باب الأسباط عام 2017 وهبّة باب الرحمة عام 2019.
وبالإضافة للهبّات المتتالية ومعركة سيف القدس عام 2021 ومعركة الاعتكاف في رمضان 1444 هـ/2023 ثم حرب طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتخلل كل ذلك تجربة الرباط المنظم ما بين 1996 وحتى حظر الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني عام 2015.
وباختصار كما تصاعد العدوان على المسجد الأقصى تصاعدت جهود الدفاع عنه وحماية هويته، وقدم فيها الشعب الفلسطيني الغالي والنفيس، باعتبارها معركة وجود.
بالتركيز على معركة طوفان الأقصى في أي سياق تأتي على وجه التحديد؟
يأتي طوفان الأقصى ليواجه ذروة فكرة الإلغاء والإحلال الديني في المسجد، فالاحتلال بدءا من عام 2017 -الذي اعترف فيه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل بشطريها- كان واضحا أنه ذاهب باتجاه حسم جميع الجبهات والحسم الديني في الأقصى أحدها.
وكان يريد أن يفرض تحويل الأقصى إلى مقدس مشترك بأي شكل من الأشكال تمهيدا لتحويله لاحقا إلى مقدس يهودي، فمسألة الاشتراك مؤقتة في العقل الصهيوني الحالي.
وجاء هذا الطوفان ليتوج فكرة رفض ومواجهة هذا الحسم من بوابة المسجد الأقصى، وليقول إن هذا الحسم لن يمر لأن هناك مقاومة وشعبا يقف في وجهه، فموضوع طوفان الأقصى لم يأتِ لأن الأقصى مقدس فقط رغم أهمية ذلك، ولكن ليقول إن تهويده لن يمر كما لن يمر إلغاء حق العودة وشطبنا من أرضنا وتهجيرنا، كما لن تمر محاولة يهودية الدولة وإنهاء أي وجود (فلسطيني) عربي إسلامي، ولن يمر التطبيع مع الخارج على أساس إلحاق العرب (الفلسطينيين) بالكيان الصهيوني باعتباره هو السيد والقائد في هذه المنطقة.
وجاء هذا الطوفان ليقول أيضا إننا نخوض حربا وجودية وإن بوابة معركة الطوفان هي الأقصى الشريف، وبالمقابل رد الكيان الصهيوني بكامل قواه ومنها تيار الصهيونية الدينية والليكود بالتمسك بفكرة الحسم على كل الجبهات.
فأعاد ترجمة الحسم على شكل إبادة في غزة وتهجير في الضفة الغربية وحسم في الأقصى المبارك وإنهاء لوجود الأونروا وحق العودة.
وتمسك الاحتلال بفكرة الحسم باعتبارها نظرية الحرب الحالية وبأنها يجب أن تنسحب على جميع الجبهات، وهذا ما يجعله يذهب إلى لبنان الآن والضفة الغربية ومختلف الأماكن، والأقصى يجسد فكرة هذا الحسم ويجسد عدم إمكانيته أيضا، لأنه في كل مرة كان يستطيع أن يستدعي قوى جديدة ومقاومة جديدة تمنعه، وأظن أنه سيبقى كذلك رغم كل هذا وسيتمكن من منع الحسم مرة أخرى.
نحن مقبلون على موسم الأعياد اليهودية الأطول والذي سيحلّ للمرة الأولى في ظل الحرب فكيف تقرأ المشهد؟نعم، في الذكرى الـ24 للانتفاضة يتجدد موسم العدوان، فكثير من محطات الهبّات السابقة كانت تنطلق في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول من العام الميلادي لتزامنها مع موسم الأعياد اليهودية الطويل الذي يتكون من 4 أعياد تشمل "رأس السنة العبرية والغفران والعُرش وختمة التوراة".
وقد حولت قوى اليمين القومي الصهيوني وقوى الصهيونية الدينية هذه الأعياد إلى موسم العدوان الأشد على المسجد الأقصى، فتحول في المحصلة مع حضور إرادة المقاومة والتصدي إلى موسم "ثورات الأقصى" وهي ثورات مرشحة للتجدد اليوم مع استمرار المسار الصاعد للخطر الوجودي المحدق بالأقصى.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الصهیونیة الدینیة على المسجد الأقصى طوفان الأقصى الدینی فی لن یمر
إقرأ أيضاً:
ما وراء سماح إسرائيل بالصلاة في المسجد الأقصى في رمضان
قد يظن البعض أن سماح الاحتلال بتسيير أمور العبادة والصلوات في المسجد الأقصى المبارك خلال شهر رمضان يشير إلى هدوء الأوضاع في المسجد والمدينة المقدسة عمومًا، أو يرقى لاعتباره إنجازًا للمقدسيين وللشعب الفلسطيني.
والواقع أن هذا القول يفتقر إلى الموضوعية في النظر إلى طبيعة وفلسفة الإجراءات التي يقوم بها الاحتلال أصلًا في المسجد الأقصى المبارك. ذلك أن اتخاذ الاحتلال قرارات تتعلق بطبيعة الصلوات والعبادات في المسجد الأقصى، يعتبر في أصله مشكلةً ينبغي التعامل معها دون انتظار.
عند دراسة مفهوم الوضع القائم في المسجد الأقصى المبارك من الناحية القانونية البحتة فإن النتيجة التي نصل إليها هي أن الاحتلال ينبغي ألا يكون له أي دورٍ في إدارة شؤون المسجد الأقصى لا من قريب ولا من بعيد، وذلك لأن مفهوم الوضع القائم في المسجد يشير بالدرجة الأولى إلى بقاء الأوضاع على ما كانت عليه قبل الاحتلال الإسرائيلي للمسجد صباح يوم السابع من يونيو/حزيران عام 1967، وهذا يعني بالضرورة أن تبقى إدارة المسجد بيد دائرة الأوقاف الإسلامية التابعة للأردن.
هذا الوضع حاولت إسرائيل تغييره بعد الاحتلال مباشرةً، حين أرسلت وزارة الأديان الإسرائيلية يومها رسالةً إلى إدارة الأوقاف الإسلامية وطلبت منها قوائم بأسماء العاملين في المسجد ليتحولوا إلى موظفين تابعين مباشرةً لوزارة الأديان الإسرائيلية بدلًا من وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية.
إعلانوكان رد علماء ومشايخ القدس يومها بزعامة الشيخ عبدالحميد السائح رفض هذا الأمر قطعيًا، بل إن الشيخ ومن معه رفضوا فتح أبواب المسجد الأقصى واستئناف العبادة فيه تحت سيادة سلطة الاحتلال، ورفع يومها الشيخ السائح شعاره الشهير الذي أصبح عنوانًا لمذكراته: (لا صلاة تحت الحِراب).
واجتمع عدد من علماء المدينة المقدسة وأسسوا الهيئة الإسلامية العليا لإدارة شؤون المسلمين في المدينة، فتراجعت سلطات الاحتلال فورًا؛ خوفًا من تكرار تجربة المجلس الإسلامي الأعلى في عصر الانتداب البريطاني، وأعادت شؤون المسجد الأقصى إلى دائرة الأوقاف كما كانت عليه، وطبقت قانون الوضع القائم في المسجد.
الفكرة التي أشير إليها هنا في الإجراءات التي اتخذها الشيخ السائح ومن معه في تلك المرحلة المفصلية كانت تمثل رفضًا لفكرة فرض السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى بأي شكل، وهذا الأمر هو الأكثر أهمية في ذلك الحدث.
فقد رأى السائح في مجرد وجود إشرافٍ إسرائيلي – ولو نظريًا – على المسجد الأقصى تدخلًا في شؤون المسجد، وقبولًا بسيادة الاحتلال على المسجد والمدينة المقدسة، وهو ما كان سيفتح الباب للاحتلال لاحقًا لتغيير ما شاء من إجراءات وقوانين وإدارات في المسجد بما يجعله هو المتحكم الوحيد فيه مستقبلًا.
وذلك ما استدعى العمل مباشرةً لرفض هذا الإشراف بأي شكلٍ وبمنتهى القوة، وكانت تلك نظرةً إستراتيجيةً موفقةً من السائح وعلماء القدس في ذلك العام.
هذا بالضبط ما يعمل عليه الاحتلال خلال السنوات العشرة الأخيرة، فالاحتلال يعمل على مدار عشر سنواتٍ على إقحام نفسه في إدارة المسجد الأقصى على حساب دائرة الأوقاف الإسلامية، بحيث ينحصر دور الدائرة في إدارة الوجود الإسلامي في المسجد فقط، لا إدارة المسجد نفسه، وهو ما يعني أن السيادة على المسجد ستؤول بشكلٍ أو بآخر لإسرائيل مستقبلًا، وهو ما يعمل عليه الاحتلال جاهدًا.
إعلانوينبغي علينا من خلال هذا المبدأ النظرُ إلى التوصية التي قدمتها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية للمستوى السياسي قبيل بداية شهر رمضان المبارك بتحديد عدد المسلمين في صلوات الجمعة خلال الشهر الفضيل بعشرة آلاف مصلٍّ فقط.
فالفكرة الخطيرة هنا ينبغي ألا نفهمها على أنها متعلقةٌ بالعدد الذي قدمته الأجهزة الأمنية، فهذا الإعلان قد يكون القصد منه فعليًا قياس رد الفعل الفلسطيني والعربي والإسلامي على هذا الرقم (العشرة آلاف)، بحيث يرفع المستوى السياسي الإسرائيلي العدد قليلًا، فيتم تصوير الأمر على أنه انتصار للمقدسيين، وأنهم "انتزعوا" من الاحتلال عددًا أكبر سيسمح لهم الاحتلال بأداء الصلاة في المسجد، وهذا منبع الخطر وأصله، لأنه يعني أن العقل الجمعي الفلسطيني سيكون في هذه الحالة قد سلّم للاحتلال بسلطته في تحديد عدد المصلين المسموح لهم بأداء الصلاة في المسجد في شهر رمضان، أي التسليم للاحتلال بسيادته على الأقصى، بينما تكمن القضية الأساسية في أن الاحتلال ليس له أي سلطةٍ أصلًا لمنع أو السماح أو تحديد أو عدم تحديد أعداد المصلين في المسجد الأقصى.
القضية في المسجد الأقصى ليست مسألة السماح أو عدم السماح للمصلين بالوصول إلى المسجد في رمضان لأداء الصلاة، أو مسألة الأعداد المسموح لها بالصلاة، أو مسألة السماح أو عدم السماح بإقامة الاعتكافات داخل المسجد، بل إن القضية أخطر وأعمق، وتتعلق في الحقيقة بضرورة منع الاحتلال من فرض نفسه طرفًا في إدارة شؤون المسجد الأقصى.
وعلى ذلك، فإن مجرد تفكير الاحتلال بمسألة السماح للمسلمين بدخول المسجد أو منعهم منه، ينبغي أن يكون مثيرًا للغضب الشعبي العارم ضد الاحتلال. فالصمت الذي شهدناه على إجراءات الاحتلال المماثلة لهذا الإجراء على مدار السنوات الماضية أدى إلى تجاوز الاحتلال خطوطًا حمراء كثيرة جدًا، حتى وصل به الأمر في شهر مايو/أيار الماضي إلى إعادة تعريف المسلمين في القدس ليستثني منهم المسلمين البريطانيين ومسلمي جنوب إفريقيا ويعتبرهم مجرد "سياح" عليهم الدخول في أوقات الاقتحامات التي يقوم بها المستوطنون، ويمنعهم من دخول المسجد في أوقات صلوات المسلمين.
إعلانهذه الخطوات المتصاعدة من الاحتلال تهدف إلى ترسيخ فكرة كونه صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في المسجد الأقصى، بما يجعله على الحقيقة صاحب السيادة على المسجد، لا دائرة الأوقاف الإسلامية.
كما تهدف إلى تدجين المقدسيين ليرضخوا لهذه الإجراءات الإسرائيلية ويجعلوها هي الحاكم الأساسي في تحركاتهم نحو وداخل المسجد الأقصى سواء في شهر رمضان أو غيره، وشهر رمضان الحالي هو الأفضل في نظر الاحتلال لترسيخ هذه الفكرة، نظرًا لأنه يأتي في ظل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وبدء الحملة العسكرية على الضفة الغربية.
ويأمل الاحتلال أن يكون خلال العام والنصف الماضي، قد نجح في بث الجزع في نفوس المقدسيين، بحيث يفضلون إقامة شعائرهم في المسجد الأقصى بسلامةٍ وأمانٍ نسبي بغض النظر عن الكيفية.
وقد ساهمت صدمة الوحشية الإسرائيلية التي زرعها الاحتلال خلال الحرب في وقف أي تحركاتٍ داخل المسجد الأقصى خلال شهر رمضان الماضي، وهو يريد أن يكون رمضان هذا العام وقتَ التجربة النهائية لنتيجة إجراءاته التي عمل عليها طوال السنوات الماضية وخاصة خلال الحرب، ولذلك نجده يخفض السقف أمام المقدسيين إلى حدٍّ لا يطاق، ثم يرفع هذا السقف قليلًا ويصور الأمر على أنه إنجازٌ للمقدسيين.
والمصيبة في حال نجاحه هو أنه سيكون قد أرسى نظرية "المُصلّي المهذب"، بحيث يربط إمكانية الدخول والصلاة في المسجد الأقصى بمدى الصمت والهدوء المقدسي الشعبي على إجراءات الاحتلال في الضفة وغزة وحتى في القدس، فهو يضرب عدة عصافير بحجرٍ واحد، ومما يدل على ذلك أننا رأينا حرص الاحتلال على استمرار اقتحامات المستوطنين بكثافةٍ كبيرةٍ في بداية شهر رمضان المبارك.
لا أريد أن أبدو سوداوي النظرة هنا، ولكني في الحقيقة أحاول فتح العيون على ما وراء أفعال الاحتلال وقراراته، وعملية الخداع الإستراتيجي التي يمارسها على المقدسيين بالذات والفلسطينيين عمومًا، فالمسألة لم تكن أبدًا متعلقةً بالأعداد التي يسمح بها الاحتلال، وإنما بوجود مبدأ السماح نفسه!
إعلانوالشعب الفلسطيني يتمتع في الضفة الغربية والقدس بأعداد كبيرة يخشاها الاحتلال، ولذلك فهو يحاول في الحقيقة ترويضه ليصبح الشعب الفلسطيني متقبلًا لفكرة السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى المبارك، وفي اللحظة التي يشعر فيها الاحتلال بأنه نجح في هذا المسعى، فإنه بلا شك سيضرب ضربته الكبرى باقتطاع جزءٍ من المسجد الأقصى وإقامة كنيسٍ داخله، وعند ذلك سيكون العلاج أصعب بكثير من الوقاية.
الكرة الآن في ملعب الشعب الفلسطيني الذي يملك سلاح العدد، والجموع الفلسطينية التي سبق لها أن استعملت هذا السلاح ونجحت عدة مرات في عدة هبّات شعبيةٍ كبرى على مدار السنوات العشر الماضية يمكنها أن تكسر إرادة الاحتلال وتمرغ أنفه في التراب مرةً أخرى، وقد أكدَت تلك الأحداثُ أكثر من مرة أن الشعب الفلسطيني إذا فهم حقيقة المؤامرة التي تجري عليه وعلى مقدساته فإن تحرُّكَه لا يمكن أن يوقِفَه شيء.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline