لم تربح الطائفية والمناطقية حربها هذه المرّة. فالنازحون من جنوبي لبنان وبقاعه وعاصمته هرعوا نحو سائر المناطق ليجدوا أحضاناً مفتوحة تنتظرهم لتأويهم وتسترهم بعدما هجّرهم العدوان الإسرائيلي. المشهد شمالاً، وتحديداً في طرابلس، يثلج القلب ويريح النفس. إذ استقبل الأهالي كل من أرغمته الحرب على ترك بيته، وأمّنوا لهم ما تيسّر من أمان ومحبّة، فضلاً عن مستلزمات يحتاجونها.


وفي هذا الإطار، إستنفرت "جمعية العزم والسعادة الاجتماعية" ومؤسساتها، وبناء على توجيهات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، لمواكبة وصول النازحين الى مدينة طرابلس، حيث تم وضع المستوصفات الصحية والمراكز الطبية بتصرف النازحين والتي شهدت أيضا حركة ناشطة من مؤسسات العزم لجهة تأمين الفرش والأغطية ومواد التنظيف.
وعن عملها، كان لـ"لبنان 24" حديث مع مدير عام الجمعية رياض علم الدين، الذي أكّد أن "العزم والسعادة" تجهد لمواكبة النازحين وإغاثتهم صحياً واجتماعياً، وتساعد كل من يأتيها طلباً للمساعدة، علماً أن الجمعية وضعت كل مراكزها في حالة إستنفار كاملة لتأمين ما يحتاجه النازحون بالتعاون مع الهيئة العليا للاغاثة ومختلف الجمعيات الفاعلة.
وعن عدد النازحين الذين وجدوا في الشمال مأواهم، تقول مديرة قسم الشؤون الصحية والاجتماعية في جمعية "العزم والسعادة" الاجتماعية بارعة حمد لـ"لبنان 24" إن لا أرقام واضحة المعالم حتى الساعة، إلا أن مراكز الإيواء التي يبلغ عددها 34 مركزاً في الشمال بلغت قدرتها الإستيعابية، هذا فضلاً عن مراكز أخرى تفتح تباعاً وعدا عن معارف أو أقرباء يمكن أن يكون نازحون قد لجأوا إليهم.
وأكّدت أن الجزء الأكبر من النازحين أتى من الجنوب وتحديداً من كل أقضية صور بالإضافة إلى قرى البقاع مثل بعلبك ورياق وغيرها، وجزء آخر نزح من الضاحية الجنوبية لبيروت.
وبما أن الجمعية تعمل على تقديم الدعم المعنوي والإجتماعي والصحي، تؤكد حمد أن خلية الأزمة وضعت خطة تقضي بتخصيص مدرسة أو مدرستين لمراكز الرعاية الصحية لمتابعة المرضى صحياً من خلال توفير خدمة الإسعاف الجوال نحو البيوت والمراكز التي يتواجد فيها النازحون بشكل مجاني، على أن يتمّ تنظيم هذا الأمر رسمياً وبدء العمل به في الأيام المقبلة.
وكشفت أن لجنة الكوارث التي أنشأها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي نظّمت العمل بشكل كبير، وارست تعاوناً هائلاً بين الجمعية واللجنة، فوضعت خارطة الطريق ليتم العمل بشكل ممنهج وصحيح في هذا المصاب الجلل.
وشددت حمد على أن الرئيس ميقاتي أعطى توجيهاته بأن يكون فريق عمل الجمعية جاهزاً لتلبية النداء في مختلف أي أزمة، وهذا ما حصل منذ بدء العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، مشيرة إلى أن عديد فريق العمل كبير جداً لخدمة النازحين ومساعدتهم.
وأضافت أنه منذ اليوم الأول "توجه فريقا العمل الصحي والإجتماعي إلى الأرض وكان الإندفاع كبيراً كما هو الحال دوماً لتلبية النداء بمحبة وتفانٍ، بحسب توجيهات القيّمين على الجمعية"، مشددة على أن "هدفنا واحد وهو مصلحة المستفيد أي مساعدة النازح الذي ترك منزله وبيئته".
وأكدت أن المهمّ في عمل الجمعية حالياً، ليس فقط توفير حاجات النازحين المادية، إنّما أيضاً مؤازرتهم نفسياً ومعنوياً، وقالت في هذا الإطار: "النازحون بحاجة للحديث، فهم كرماء النفس، ونعاملهم مثلما نحبّ أن يتم التعامل معنا"، مشددة على أن "نخاطبهم كأهلنا وليس كنازحين، إذ ندرك أنه فيما لو انقلبت الأدوار سيستقبلوننا بدورهم ويساعدوننا كما نساعدهم اليوم".
ونوّهت بنشاط المجتمع المدني واندفاعه بين نساء وشباب وعاملين من خلال كل النشاطات التي يقومون بها، قائلة إن خلية الأزمة تقوم بدورها بما يرضي الله، والمجتمع المدني " كلو عالأرض".
"جسم متعدد الاطراف بس القلب الواحد". على هذا النهج تسير "جمعية العزم والسعادة الاجتماعية" لمؤازرة النازحين نحو الشمال، في خضمّ مشاهد مهيبة لمن تركوا بيوتهم عنوة، على امل العودة اليها سريعا.   المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: على أن

إقرأ أيضاً:

عقدة الدونية لدى الجنجويد

"كل الإحترام والتقدير لكل قبائل السودان حيث ليس هناك قبيلة أفضل من الأخرى ولا فرد أفضل من أي فرد، وبهذا أخص مليشيا الجنجويد فقط، وداعميها".

تتعدد العوامل النفسية والاجتماعية والسياسية التي تقف خلف هذه الحرب، لكن من أبرزها عقدة الدونية التي يعاني منها الجنجويد تجاه أهل الشمال. هذه العقدة ليست مجرد شعور عابر بالنقص، بل هي ديناميكية متجذرة تشكّل سلوكهم السياسي والعسكري، وتدفعهم إلى العنف كوسيلة لتعويض إحساسهم التاريخي بالتهميش.

الأصل النفسي لعقدة الدونية

من منظور علم النفس الاجتماعي، تنشأ عقدة الدونية (Inferiority Complex) عندما تتراكم مشاعر النقص عبر الأجيال نتيجة عوامل ثقافية أو اقتصادية أو سياسية. في حالة الجنجويد، فإن الإحساس المتوارث بالتهميش أمام أهل الشمال، الذين ظلوا تاريخياً مركز السلطة والنفوذ في السودان، خلق لديهم نزعة تعويضية قوامها العنف والقوة المفرطة، بدلاً من تحقيق التفوق عبر تطوير الذات والاستفادة من الموارد البشرية والطبيعية المتاحة لهم.

الجذور التاريخية للتهميش

لا يمكن فهم عقدة الدونية هذه بمعزل عن التمييز التاريخي في السودان. فمنذ الحقبة التركية-المصرية ثم الاستعمار البريطاني، تمتع الشمال السوداني بنفوذ أكبر في مؤسسات الدولة، نتيجة تفوقه في التعليم والإدارة والتنمية في كنف المستعمر، بينما بقيت مناطق مثل دارفور وكردفان على هامش الدولة بسبب سياسة المستعمر التي ركزت التنمية حول ضفاف النيل ولم تكن مهمومة بالأطراف.

هذا التفاوت ولّد شعوراً بالحرمان لدى بعض الجماعات العربية في دارفور، فوجدوا في الميليشيات المسلحة، وعلى رأسها الجنجويد، فرصة لتعويض هذا الحرمان عبر القوة والسلاح. وقد ساهم نظام البشير في تعميق هذه الأزمة، إذ صنع الجنجويد كأداة لمواجهة حركات الكفاح المسلح الدارفورية، مما رسّخ للجنجويد شعوراً بأنهم أصحاب دين مستحق على أهل الشمال، رغم أن حكومة البشير نفسها كانت تمثل قلة معزولة من أهل الشمال لم تكن تحظى بإجماعهم.

العنف كأداة تعويض نفسي

عندما اجتاح الجنجويد مناطق واسعة في السودان، لم يسعوا إلى طمأنة المواطنين أو تقديم مشروع سياسي يعزز شرعيتهم، بل تحولوا إلى أدوات قمع وحشية، يمارسون القتل والنهب والاغتصاب بلا رحمة. وبدلاً من توظيف القوة لتحقيق التنمية أو بناء مجتمع أكثر عدالة، استخدموها كأداة انتقام ونزع سلطة عبر العنف. والمفارقة أن شعورهم بالدونية لم يدفعهم إلى تجاوز تاريخ الجرائم التي ارتكبوها في دارفور، بل دفعهم إلى ارتكاب المزيد من المجازر، في محاولة يائسة لتعويض نقصهم عبر فرض الهيمنة المطلقة.

الحلقة المفرغة للعنف

من منظور التحليل النفسي التجريبي، فإن عقدة الدونية لا تتلاشى مع الزمن، بل تتعزز كلما استمر الصراع. فبدلاً من أن يؤدي القتل والنهب إلى تحقيق الإحساس بالتفوق، فإنه يعمّق العداء، ويكرّس فكرة أنهم العدو الذي يجب محاربته، مما يخلق حلقة مفرغة من العنف المتكرر. فكلما زادت قسوتهم، زادت مقاومتهم، وكلما فقدوا الشرعية، ازدادوا وحشية، حتى أصبحوا كياناً منبوذاً لا يمكن التعايش معه.

الحل السياسي: تفكيك المركزية لإنهاء الصراع

الحل الجذري للأزمة السودانية يقتضي تجاوز الحلول العسكرية، وإعادة التفكير جذرياً في المنظومة المركزية العقيمة التي كانت جذر كل الحروب. فبدلاً من اللجوء إلى القوة كخيار وحيد، تحتاج الدولة إلى حلول سياسية جريئة، مثل:
• إعادة هيكلة الحكم الفيدرالي ليكون كونفدرالياً في بعض الأقاليم
• منح الأقاليم ذات التعقيد التاريخي والاجتماعي، كدارفور، نوعاً من السيادة الكونفدرالية الذاتية، أو حتى الاستقلال التام

لكن الأزمة لا تتوقف عند صراع الجنجويد مع أهل الشمال، بل تمتد حتى داخل معسكر النضال الدارفوري نفسه، حيث عجزت عشرات الحركات المسلحة عن التوحد تحت هدف مشترك، مما جعل النزاع أكثر تعقيداً. وبينما تواصل السلطة المركزية تجاهل هذه التناقضات، يظل السودان عالقاً في دوامة نزاعات كان يمكن تفاديها لو وُجدت إرادة سياسية حقيقية، تعمل على تفتيت المشكلات الكبرى إلى مشكلات أصغر عبر إعادة توزيع السلطة كونفدرالياً لمنع النزاعات و وقف الحروب.

٤ أبريل ٢٠٢٥
sfmtaha@msn.com

   

مقالات مشابهة

  • غزة.. جوع وعطش و"براغيث" بين النازحين
  • رئيس وزراء العراق يؤكد أهمية عودة النازحين الموجودين في مخيم الهول
  • إسرائيل تجدد قصفها على قطاع غزة وتستهدف خيام النازحين في دير البلح
  • قائمة بالهواتف التي سيتوقف واتساب عن العمل عليها بداية من الشهر المقبل
  • تحالف العزم: سامراء ستبقى عراقية الهوية وأي خطاب طائفي مرفوض بشدة
  • فياض يتحدث عن طريق واحد لعودة الاستقرار في لبنان
  • معاناة النازحين الفارين من هجمات قوات الدعم السريع في السودان
  • لو كنت تواجه ضعفا في عزم السيارة.. اعرف الأسباب
  • المفتي قبلان: اللحظة للتضامن الوطني وليس لتمزيق القبضة الوطنية العليا التي تحمي لبنان
  • عقدة الدونية لدى الجنجويد