إن من يدفع ثمن الحرب التي أشعلتها دولة إسرائيل الفاشية يوم الإثنين المصادف لـ23 سبتمبر(أيلول)، هو جماهير لبنان التي قتل منها خلال أقل من يومين فقط ما يقارب نصف ما قتل في حرب يوليو(تموز) 2006 خلال شهر.
الحملة العسكرية الواسعة على لبنان من قبل إسرائيل ليست لها أي علاقة بإعادة سكان إسرائيل إلى مناطقهم أو منازلهم، ولا لها علاقة بفصل حزب الله عن حماس، كما يدعي بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي.إنها امتداد للحرب الوحشية والبربرية التي تقودها دولة إسرائيل الفاشية بعد تدمير قطاع غزة وقتل أكثر من 40 ألف مدني، ربعهم من الأطفال.
إن الحرب على جماهير لبنان فرصة ذهبية ونادرة لن تتكرر لإسرائيل، فمسعاها في إعلان حملتها العسكرية الواسعة على لبنان، هي محاولة لاسترداد مكانتها وتفوقها عبر العنجهية العسكرية بعد الضربة التي وجهت لها في السابع من أكتوبر(تشرين الأول) في العام الماضي، وفي الوقت ذاته استغلال حربها على لبنان لتحويل أنظار العالم عما اقترفت من جرائم حرب وحملة إبادة جماعية لسكان فلسطين في غزة.
وقد اتضح مرة أخرى أن الطبقة الحاكمة في إسرائيل من يسار ويمين ومعارضة، هي طبقة منسجمة وموحدة خلف سياسة نتنياهو وحكومته اليمينية الفاشية، أن الصراع بين أجنحة هذه الطبقة، الذي يبدو صاخباً في العلن ويراهن عليه الحمقى من كل حدب وصوب لإيقاف رحى طاحونة الحرب في غزة، هو صراع بالرؤى حول كيفية إدارة الحرب.
إن كلا الطرفين المتحاربين من إسرائيل وحزب الله يختلقان الذرائع لتبرير الحرب، إلا أن الوقائع تدل على أن استهتار إسرائيل بحياة الأبرياء في لبنان مرده وقوف الأنظمة الغربية وبقيادة الولايات المتحدة خلف حكومة أقل ما توصف به هي كونها نازية.
وعلى الجانب الآخر، لم يكن لدخول حزب الله على خط المواجهة مع إسرائيل في اليوم الثامن من أكتوبر(تشرين الأول) أي علاقة بنصرة أهالي غزة أو إسناد المقاومة، وقد أشرنا إليه في وقت سابق وفي الأيام الأولى لحرب إسرائيل على سكان غزة، إنما كان هدف حزب الله هو استعراض العضلات العسكرية للحيلولة دون شن، أو نزع فتيل، حرب شاملة عليه بعد الانتهاء من حماس في غزة، واعترف بذلك ضمنا حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله في أحد خطاباته قبل أشهر، ولهذا وجدنا وبالرغم من الخسائر التي لحقت بعناصر حزب الله طوال أحد عشر شهرا واغتيال الكثير من القادة في صفوفه، أنه حافظ على قواعد الاشتباك في حربه مع إسرائيل.
وفي ظل تفشي رائحة الموت والدمار، تأتي من بعيد صيحات مسؤولي الاتحاد الأوروبي وألمانيا وبريطانيا حول ما يجري في لبنان، إلا أن تلك الأصوات الخالية من المواقف، لا تتجاوز كلمات النعي في عزاء لجماهير لبنان التي لا عزاء لها، وهي وضعت بين مطرقة إسرائيل وسندان حزب الله.
واللافت في مشهد الدراما السياسي في المنطقة والذي لم يكن مفاجئاً أبداً بالنسبة إلينا هو موقف إيران، التي يتحدث رئيسها مسعود بزشكيان عن السلام، وأن إيران مستعدة للعودة إلى الالتزام بالاتفاق النووي في الوقت الذي لا يتم الحديث في الغرب عن الاتفاق النووي، وأن حزب الله غير قادر على مواجهة إسرائيل المدعومة غربيا لوحده، وتلت حديث الرئيس الإيراني تصريحات مساعده جواد ظريف بأن إيران ستدافع عن نفسها، وأن إيران مستعدة للتعاون مع الدول الأخرى لإيقاف حرب غزة، وكأن الدور وصل إليها أي لإيران بعد حزب الله، وبعد أن باتت تستشف أن مرحلة التهديدات البهلوانية بنسف إسرائيل والقضاء عليها انتهت، وأن وضع حزب الله العسكري لا يحسد عليه بعد تفجيرات البيجر واغتيال الصف الأول من قيادته، وتحولت كل جهود إيران لا بالدخول في خط المواجهة العسكرية والانتقام لاغتيال إسماعيل هنية وقادة حزب الله، بل تصب بإيقاف الحرب في غزة، وعلى حزب الله الذي بات يدفع ثمنا باهظا بالدفاع عن هيمنة النفوذ القومي للجمهورية الإسلامية في المنطقة.
لقد حققت إسرائيل هدفها غير المعلن في غزة وهو تأخير تحقيق تشكيل دولة فلسطينية مستقلة، وتحاول من خلال حربها على لبنان بحجة وجود حزب الله فرض هيمنتها العسكرية والسياسية في المنطقة، ويلاحظ أن إدارة بايدن راضية على الأداء العسكري لدولة إسرائيل، وهذه المرة بشكل علني وواضح ودون أي نفاق سياسي أو وضع الرتوش على تصريحاته، التي جاءت على لسان مستشارها للأمن القومي جيك سوليفان الذي قال لا خطوط حمراء على استخدام الأسلحة الأمريكية، وسنزود إسرائيل بكل ما تحتاجه من أسلحة، وأكثر من ذلك ترسل الولايات المتحدة المزيد من القوات الحربية إلى الشرق الأوسط كي تحافظ على انفراد إسرائيل واستهتارها بالمنطقة، وتحميها من أي حرب محتملة تشنها إيران عليها.
إن إسرائيل تسعى لاستعادة مكانتها واعتبارها من خلال حربها على لبنان، وتحاول استرداد زمام المبادرة، وقوة الردع وتعيد تلميع صورة تفوقها العسكري والتكنولوجي في المنطقة، ويعني من الجانب الآخر استعادة "هيبة" بلطجة السياسة الأمريكية في المنطقة عبر أداتها الشريرة والجهنمية التي تسمى إسرائيل.
إن ما حدث في غزة وما يحدث اليوم في لبنان، وما نتج من استقطابات دولية في المنطقة، وما يحدث من مسرحيات هزيلة وهزلية، وتساقط دموع التماسيح على سكان غزة واليوم على جماهير لبنان وما نسمعه من تأسيس دولة فلسطينية، هو ليس أكثر من مسعى كل طرف من الأطراف الدولية للبقاء في المعادلة السياسية، أو تغيير التوازنات في المعادلة السياسية من أجل النفوذ الجيوسياسي، وإن الحقيقة الوحيدة التي أمامنا اليوم، هي فضح هذا النفاق والزيف الدولي بخصوص التباكي على سكان غزة وفلسطين وجماهير لبنان وكشف فحوى هذه الحرب الرجعية، وأن نبلور قطبا جديدا، يشكّل من الطبقة العاملة والجماهير التحررية للوقوف بوجه هذه الهمجية التي تقودها إسرائيل وداعموها في المنطقة، وتتغذى عليها أمثال الجمهورية الإسلامية وحزب الله وحثالة أحزاب وجماعات وميليشيات الإسلام السياسي.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: إسرائيل وحزب الله تفجيرات البيجر في لبنان رفح أحداث السودان الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية لبنان فی المنطقة على لبنان حزب الله فی لبنان فی غزة
إقرأ أيضاً:
هيئة البث: إسرائيل الآن أقرب إلى توسيع العمليات العسكرية في غزة
كشفت هيئة البث الإسرائيلية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عقد، اليوم، جلسة مشاورات أمنية رفيعة المستوى مع كبار قادة المؤسسة العسكرية والأمنية، في ظل التطورات المتسارعة المتعلقة بالوضع في قطاع غزة.
ووفقًا لما نقلته الهيئة، أكد مسؤولون إسرائيليون أن الأجواء داخل الاجتماع عكست ميلاً واضحًا نحو خيار تصعيد العمليات العسكرية بدلًا من السعي للتوصل إلى اتفاق تهدئة.
وصرح بعض هؤلاء المسؤولين لهيئة البث أن "إسرائيل الآن أقرب إلى توسيع العمليات العسكرية في غزة من تحقيق أي تقدم في المفاوضات الجارية"، مشيرين إلى أن العروض المطروحة حتى الآن لا تلبي الشروط الإسرائيلية الأساسية، وعلى رأسها ضمان الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة حماس.
نتنياهو يواصل خطابه التصعيدي .. ويزعم: غيرنا وجه الشرق الأوسط
نتنياهو يكرّر رفضه لإقامة دولة فلسطينية ويتهم الفلسطينيين بعرقلة السلام
وتأتي هذه التصريحات في وقت تشهد فيه الجهود الدولية، التي تقودها أطراف إقليمية ودولية بينها مصر وقطر والولايات المتحدة، تعثرًا ملحوظًا.
كما تتزامن مع تصاعد العمليات العسكرية على الأرض، حيث كثفت القوات الإسرائيلية قصفها على مواقع متعددة في قطاع غزة خلال الأيام الأخيرة، مما أدى إلى سقوط المزيد من الضحايا المدنيين وتفاقم الأزمة الإنسانية.
من جانبها، حذرت مصادر أمنية إسرائيلية من أن توسيع العمليات قد يؤدي إلى مواجهات أكثر شراسة وطول أمد، مشيرة إلى أن الجيش الإسرائيلي يستعد لاحتمالات تشمل اجتياحًا بريًا أوسع للقطاع أو استهداف قيادات كبرى في حماس والجهاد الإسلامي.
على الجانب الآخر، تؤكد الفصائل الفلسطينية أن التصعيد الإسرائيلي لن يمر دون رد، مشددة على أنها تملك "أوراق قوة" يمكن استخدامها إذا استمر العدوان، وهو ما يهدد بانفجار الوضع بشكل أكبر، وبتوسيع رقعة المواجهة إلى مناطق أخرى في المنطقة.
نتنياهو يواصل خطابه التصعيدي .. ويزعم: غيرنا وجه الشرق الأوسط
نتنياهو يكرّر رفضه لإقامة دولة فلسطينية ويتهم الفلسطينيين بعرقلة السلام
وفي ضوء هذه التطورات، يترقب الشارع الإسرائيلي والفلسطيني على حد سواء الساعات والأيام القادمة، حيث من المتوقع أن تتضح معالم المرحلة المقبلة، سواء باتجاه تصعيد عسكري كبير أو نحو فرصة ضئيلة لعودة المفاوضات.