إسرائيل: إسبارطة الصهيونية وأوهام السلام
تاريخ النشر: 28th, September 2024 GMT
«تصعيدٌ من أجل خفض التصعيد» هذا هو التخريج الذي تناقلته وسائل الإعلام لتفسير منطق وأهداف الهجوم الإسرائيلي الأخير ضد لبنان. وذكرتني هذه المقولة السريالية بالمقطع الشهير من رواية جورج أورويل 1984، الذي كان قد عاد إلى الواجهة والأذهان بعيد شيوع خطاب «الحرب على الإرهاب» ومفرداته وهو، أن «الحرب سلام.
الحرية عبودية.
وليس من مبالغة البتة في المقولة التي تردد إن إسرائيل جيشٌ يمتلك دولة. يمكن الرجوع إلى كتاب الباحث الإسرائيلي حاييم برشيث – زابنر «جيش لا مثيل له: كيف صنع الجيش الإسرائيلي دولة»، الصادر بالإنكليزية عام 2000، الذي يستفيض في تحليله للموضوع.
كان الجيش وما زال مركز الوجود الإسرائيلي منذ عهد بن غوريون، الذي رأى أن الجيش سينهض بمهمة تكوين الدولة، بينما تحول القومية «المعدن الخام الذي يمثله يهود الغيتوهات إلى ذهب خالص يمثله الجندي الإسرائيلي».
كان برشيث – زابنر قد هاجر مع والديه البولونيين الناجيين من المحرقة إلى فلسطين في عام 1948. ومع أنهما لم يكونا ذوي عقلية استعمارية، حتى إن والده رفض التدرب على السلاح على متن السفينة، لكنهما تآلفا وتطبعا مع المشروع الاستعماري في ما بعد.
يحاجج برشيث – زابنر بأن الخدمة العسكرية في إسرائيل تبدأ حتى قبل الولادة، لأن البنى الاجتماعية معسكرة بشكل تام، وأن أجهزة الدولة والمجتمع تشكّل منظومة سياسية ـ ثقافية ـ عسكرية – صناعية. ويبين ارتباطها بالحقل الأكاديمي أيضاً. وقد نشرت مايا وند كتاباً مهمّاً مؤخراً حول هذا الموضوع عنوانه «أبراج العاج والفولاذ: كيف تحرم الجامعات الإسرائيلية الفلسطينيين من الحرية»، توثّق فيه دور المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية كذراع في مشروع الاستعمار الاستيطاني.
بالعودة إلى مركزية العنف في المجتمع الإسرائيلي، بعد أحد عشر شهراً من الإبادة، هناك مئات اللقطات والأدلة التي سجّلها الجنود الإسرائيليون بأنفسهم، وهم يحتفلون ويتباهون ويتلذذون بالتدمير والعنف الوحشي الذي مارسوه ضد فلسطينيي غزّة.
في الأيام الأخيرة انتشر مقطع من شريط وثائقي عن المستوطنين يظهر فيه عدد منهم وهم يركبون سفينة تجوب البحر قبالة سواحل غزّة ليتفرّجوا عليها وهي تقصف. وتتحدث دانييلا فايس، وهي واحدة من قادة مجموعات المستوطنين عن العودة إلى غزّة واستيطانها وجعلها يهودية، وتظهر أيضاً عضو الكنيست سون هار- ميليخ، متحدثة عن صهيون في غزّة. ويشير الأطفال بسباباتهم إلى غزّة. وقد ظهر أكثر من سياسي إسرائيلي في الأيام الأخيرة يدعو إلى استيطان جنوب لبنان أيضاً.
إسرائيل هي إسبارطة العصر الحديث بامتياز. مجتمع ودولة عمادهما الحرب وقيمها وثقافتها. تساءل أحد المعلقين الإسرائيليين في افتتاحية نشرت في يناير/ كانون الأول 2023. «لماذا لم نكن مستعدين للسابع من أكتوبر/تشرين الأول؟» وكان جوابه: «لأن شعبنا لا يريد أن يصبح نسخة يهودية من إسبارطة».
ويفترض المعلق، مثلما افترض آخرون غيره من الإسرائيليين في السنة الأخيرة، أن إسرائيل كانت، حتى عهد قريب، «أثينا» في مناخها السياسي والثقافي، بكل ما تمثله في المخيال التاريخي (والمؤسطر) من انفتاح وتنوّع وديمقراطية، لكن السابع من أكتوبر أجبرها على أن تكون إسبارطة! ويلتقي هذا الخطاب مع الشعار الترامبي «فلنجعل أمريكا عظيمة ثانية»!
ما هو أفق إسبارطة الصهيونية؟ وما الذي يريده الصهاينة؟ حروب لا تنتهي؟ ومعاهدات سلام مع أنظمة لم تحاربهم أصلاً؟ وهي ليست معاهدات سلام بقدر ما هي اتفاقيات تعاون عسكري واستخباراتي واقتصادي مع الأنظمة، لا مع الشعوب.
لم تبق إسرائيل بلداً مجاوراً لم تقصفه أو تهجم عليه
لم تبق إسرائيل بلداً مجاوراً لم تقصفه أو تهجم عليه، وهي تحتل أراضي سوريا ولبنان وفلسطين، ولم تحدد رسمياً حدودها النهائية حتى اليوم. لم تكن حكومات إسرائيل يوماً جديّة في أي سعي إلى «السلام»، بل حرصت على جعله مستحيلاً بـالمماطلة «خلق حقائق على الأرض»، حتى ابتذلت مفردة «السلام» وأفرغت من دلالاتها. فما معنى السلام من دون عدّالة واعتراف بالحقوق؟
كان واضحاً من البداية وحتى قبلها أن إسرائيل لن تكون «أثينا». كتبت حنّة أرندت في 1948 محذّرة مما ستؤول إليه الأمور: «سيعيش اليهود المنتصرون محاطين بشعوب عربية معادية كلياً، معزولين داخل حدود مهدّدة دائماً.
منغمسين في الدفاع عن النفس إلى درجة يغطي فيها ذلك على كل المصالح والفعاليات الأخرى.. سيتمحور الفكر السياسي حول الاستراتيجية العسكرية.. وسيكون هذا مصير دولة سيظل شعبها صغيرا يفوقه عددياً جيران معادون، مهما استوعبت من مهاجرين وتوسعت حدودها… سينحط اليهود في فلسطين ويصبحون واحدة من تلك القبائل المحاربة التي قال لنا التاريخ الكثير عن أهميتها واحتمالاتها منذ زمن إسبارطة.
ستصبح علاقتهم مع يهود العالم إشكالية، لأن مصالحهم الدفاعية ستصطدم في أية لحظة بمصالح البلدان التي يعيش فيها عدد كبير من اليهود. سينفصل اليهود في فلسطين في نهاية المطاف عن يهود العالم وسيصبحون في عزلتهم شعباً آخر».
في مقالة كتبها بعد أسابيع من حرب الإبادة الإسرائيلية ضد غزّة، تساءل الكاتب والمترجم الأمريكي (اليهودي) إليوت واينبرغر «عمّا إذا كانت إسرائيل جيدة لليهود أصلاً».
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه لبنان لبنان غزة الاحتلال الإبادة الجماعية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة عربية سياسة عربية سياسة دولية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
كيف تفضح طموحات نتنياهو نقاط ضعف الاحتلال الإسرائيلي؟
نشر موقع "فلسطين كرونيكل" تقريرًا يسلط الضوء على الأساليب التي يعتمدها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، للتغطية على نقاط ضعف "إسرائيل" وفشلها في تحقيق أهدافها، وذلك بالأساس من خلال استراتيجية "الهروب إلى الأمام" وإثارة المزيد من التوترات على أكثر من صعيد.
وقال الموقع في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن حملة نتنياهو ضد مصر مثال آخر على عجز إسرائيل عن حسم الحرب في غزة وتغيير الواقع السياسي في القطاع، بعد مرور 17 شهرًا على انطلاق الحرب المدمرة.
وحسب الموقع، فإن نتنياهو كان قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 في حالة من النشوة السياسية؛ حيث بدا أن دبلوماسيته في الجنوب العالمي قد كسرت عقودًا من العزلة الإسرائيلية، كما أن نجاحه في الحصول على الاعتراف الدولي دون تنازلات كبيرة أكسبه شعبية هائلة في الداخل، وكان المتطرفون المحيطون به يتطلعون لإعادة تشكيل المنطقة وتعزيز مكانة إسرائيل عالميا بدعم غير مشروط من الولايات المتحدة.
فشل إسرائيلي ذريع
لكن هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وما رافقه من فشل إسرائيلي ذريع على جميع الجبهات، كشف -وفقا للموقع- عن فشل نتنياهو في تحقيق تطلعاته، وسرعان ما تجلت الأزمة في غضب عالمي عارم ضد حرب الإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيل على الفلسطينيين، وأصبح رئيس الوزراء الإسرائيلي مجرمًا مطلوبًا للمحكمة الجنائية الدولية.
وأوضح الموقع أن نتنياهو اختار التصعيد في مواجهة هذه الإخفاقات، فقد أصر على مواصلة الحرب في غزة، والإبقاء على حضوره العسكري في لبنان، وتنفيذ حملات قصف متكررة وواسعة النطاق في سوريا، لكنه فشل حتى الآن في تحقيق أي من أهدافه المعلنة من الحرب المدمرة على غزة، والتي كلفت إسرائيل خسائر غير مسبوقة.
وفي الوقت نفسه، تتعمق الانقسامات بين النخب السياسية والعسكرية، وآخر مظاهر الانقسام إقالة العديد من كبار الضباط وإعادة ترتيب الأوراق في الجيش بما يتماشى مع طموحات نتنياهو السياسية.
وتزامنا مع تكثيف التهديدات تجاه غزة ولبنان وسوريا، صعدت إسرائيل لهجتها تجاه مصر رغم أنها ليست طرفا في النزاع الحالي وكانت أحد الوسطاء الثلاثة في محادثات وقف إطلاق النار.
وأكد الموقع أن السبب الأساسي لهذا التصعيد هو أن نجاح الاستراتيجية الإسرائيلية في ترحيل سكان غزة إلى صحراء سيناء يتطلب موافقة مصر، وقد بدأ كبار المسؤولين الإسرائيليين بتوجيه أصابع الاتهام إلى القاهرة في غياب أي بوادر على إمكانية تحقيق "نصر كامل" في حرب غزة.
التصعيد الإسرائيلي تجاه مصر
وأخذ التصعيد الإسرائيلي تجاه مصر منحى أكثر حدة -وفقا للموقع-، حيث اتهمت بعض الأطراف القاهرة بتسليح حماس، أو بعدم القيام بما يكفي لوقف تدفق الأسلحة إلى المقاومة الفلسطينية.
وعندما رفضت مصر الاتهامات الإسرائيلية وعارضت خطة التطهير العرقي وتهجير سكان غزة، بدأ القادة الإسرائيليون يتحدثون عن تهديد عسكري مصري، زاعمين أن القاهرة تحشد قواتها على الحدود مع إسرائيل.
واعتبر الموقع أن الهدف من توريط مصر في النزاع هو صرف الانتباه عن الفشل الإسرائيلي في ساحة المعركة، لكن هذا التكتيك تحول إلى عملية تضليل، أي إلقاء اللوم على مصر بسبب عدم قدرة إسرائيل على الانتصار في الحرب أو تحقيق هدفها بتهجير سكان غزة.
يضيف الموقع أن نتنياهو شعر أنه حصل على التزام أمريكي واضح بتصدير مشاكل إسرائيل إلى أماكن أخرى بعد أن طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطته لتهجير سكان غزة نحو الأردن ومصر. كما لعب زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد ورقة مصر لصرف الانتباه عن فشله في منافسة نتنياهو سياسيا، حيث اقترح في مؤتمر له بواشنطن أن تشرف القاهرة على القطاع لعدة سنوات.
لكن ما لم ينتبه إليه كثيرون -وفقا للموقع- هو إسرائيل لم تأخذ تاريخيا الإذن من أحد لتهجير الفلسطينيين واحتلال أرضهم عندما كانت قادرة على القيام بذلك، ما يعني أن الضغوط التي تمارسها حاليا على الدول العربية للرضوخ لمخططات التطهير العرقي هو علامة على أنها تمر بأكثر اللحظات ضعفا في تاريخها.