ثورة 21 سبتمبر ..افشال المخططات التأمرية ومواجهة القوى الاستعمارية
تاريخ النشر: 28th, September 2024 GMT
د.عبدالرحمن المختار- عضو مجلس الشورى
المحور الأول
الثورة وما التبس بها وما سبقها وتفردها في نقائها وفلسفتها
الفرع الأول: الثورة وما التبس بها من مصطلحات
يبدو وللوهلة الأولى- لغير المطلع – أن القوى الاستعمارية الخارجية تُقر بحق الشعب اليمني في الثورة على رموز الفساد، وحقه في اختيار حكامه ونظام حكمه بحرية مطلقة، وأن ما ينكره تحالف العدوان هو الانقلاب على شرعية الحاكم المستمدة من الشعب، بوصفه صاحب السيادة، ومالك السلطة ومصدرها، ولذلك فتحالف العدوان بكل ما ارتكبه من فظائع إنما يدافع عن حقوق الشعب اليمني، وهذا منطقه خلال سنوات العدوان!
وقد يكون الأمر ملتبساً على تحالف العدوان في ما بين الثورة والانقلاب، باعتبار أن نظام الحكم في أغلب دول تحالف العدوان وراثي ولا علاقة للشعب في هذه الدول بالسيادة الشعبية، وما يترتب عليها من حقوق اختيار الحكام، بل ونظام الحكم، فالملك أو الأمير أو الشيخ هو صاحب السيادة، وما الشعوب إلا رعية للحكام، والحكام هم أصحاب السمو، ولا سمو للشعب يعلو على سموهم.
وبذريعة استعادة السلطة أعلن تحالف العدوان عن عملياته العسكرية على بلادنا لمحاربة الانقلاب ونصرة (الشرعية) التي تمثل الشعب اليمني، حسب زعم التحالف، وإعادة الحاكم إلى سدة الحكم، ولو لم يبق شعب ليحكمه.
وقد اتضح مؤخراً أن القوى الخارجية غير معنية بالشعب اليمني، ولا بالشرعية المزعومة، وإعادة رمزها إلى سدة الحكم، فقد ظلت القوى الخارجية تنفذ عدوانها تحت عنوان استعادة شرعية الرئيس هادي، فهذه القوى لم تجد حرجاً في عزل هادي واستبداله بما أسمته مجلس القيادة الرئاسي()، دونما اعتبار لإرادة الشعب اليمني، وحقه في اختيار من يحكمه، فقد أحلت القوى الخارجية إرادتها محل إرادة الشعب اليمني في اختيار الحاكم، بل فرض الحكام العملاء لهذه القوى.
ولأن ما يؤخذ على القوى الثورية وفي مقدمتها حركة أنصار الله من جانب القوى الخارجية، وأدواتها في المنطقة، وعملائها في الداخل، هو السيطرة على سلطة الدولة عن طريق (الانقلاب) على السلطة الشرعية، ولإزالة تلبيس وتضليل أولئك حول الثورة اليمنية، وخلطهم بينها وبين ما يزعمونه من انقلاب، فلا بد في هذه الورقة أولاً من توضيح مفهوم الثورة، وتمييزه عن مفهوم الانقلاب، فلعل تحالف العدوان والقوى الخارجية المساندة له، وعملاء الداخل بذلك أن يفهموا ولو متأخراً أن ما حصل في بلدنا ثورة شعبية خالصة، وأن من نفذوا الانقلاب ينعمون بالدفء منذ عشر سنوات في أحضان تحالف العدوان، الذي يزعم زوراً وكذباً وتضليلاً محاربة الانقلاب دفاعاً عن حقوق الشعب اليمني.
أولا: مفهوم الثورة
يمكن تعريف الثورة بأنها، فعل شعبي عفوي تلقائي غير منظم، يهدف إلى إحداث تغيير جذري شامل في بنية النظام السائد في المجتمع.
ووفقاً لهذا المفهوم فالأصل أن هدف الثورة يتحدد بشكل تلقائي، وتلتقي عنده توجهات جميع الثوار، وهذا المفهوم يؤكد نضج الشعب الثائر في تحديد هدفه والعمل على تحقيقه، وهنا قد تتولى فئات من الشعب زمام المبادرة لتكون في مقدمة صفوف الثورة، سعياً مع غيرها لتحقيق غايتها، فتبرز هذه الفئة بحكم جرأتها وإقدامها في حال نجاح الثورة لقيادة مرحلة الانتقال التالية لها.
وقد تواجه هذه الفئة عنف السلطة القائمة، الذي قد يصل إلى حد الفتك بها تماماً، ومن ثم تصبح هذه الفئة قيادة مثالية للثورة، يترتب على تضحياتها التعجيل بوصول الثورة إلى تحقيق هدفها المنشود، وتكون هذه القيادة بتضحياتها قد رسمت الخطوط العريضة للثورة، ولا يتطلب الأمر من الآخرين سوى السير على هداها، واستكمال ما يتعلق بها من تفاصيل.
ثانيا: مفهوم الانقلاب
يمكن تعريف الانقلاب بأنه: فعل منظم تنفذه مجموعة منظمة هدفها السيطرة على السلطة من خلال إزاحة الممسكين بها عنها، والحلول محلهم في الإمساك بزمامها.
ويختلف الانقلاب عن الثورة في أن قيادته من داخل السلطة ()، وغالباً ما تكون من العسكريين، تخطط مسبقاً للانقلاب على الحاكم، وترتب وتوزع الأدوار بين المجموعة الانقلابية المنظمة، وقد تحدد مسبقاً منصب القيادة العليا لما بعد نجاح الانقلاب، بعكس الثورة الشعبية، التي لا تتحدد في ظلها قيادات السلطة العليا في الدولة لما بعد نجاح الثورة، بل إن الأفعال المبادرة لصنّاعها هي التي يمكن أن تتحدد وفقاً لها قيادات السلطة العليا في الدولة لما بعد نجاح الثورة.
الفرع الثاني: ما سبق ثورة 21 سبتمبر 2014
أولا: ثورة 11فبراير 2011
انطلقت ثورة فبراير 2011 معلنة عدداً من المطالب على رأسها إسقاط النظام، وتصاعدت وتيرة مطالب الثورة عندما قرر الشباب الاعتصام في عدد من الميادين والساحات العامة، إلى حين رحيل رأس النظام الحاكم، الجاثم على سدة الحكم في البلاد منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وأفراد عائلته الذين شغلوا أهم المناصب في الدولة مدنية وعسكرية، وقد تمددت الثورة في ساحات وميادين الاعتصام وحاصرت الحاكم وحصرته في زاوية ضيقة جعلت خياراته محدودة()، غير أن العوامل التي طرأت على الثورة منحت الحاكم سعة في الحركة والمناورة، والعمل بالتنسيق مع القوى الخارجية وعملائها في الداخل، لمحاصرة الثورة الشعبية والالتفاف عليها واحتوائها ومصادرتها في نهاية المطاف.
ثانيا: العوامل الدخيلة على ثورة 11فبراير 2011
طرأت على خط الثورة عوامل دخيلة حرفتها عن مسارها، فحين أعلن الجنرال العجوز على محسن الأحمر، قائد الفرقة الأولى مدرع الانضمام إلى الثورة ومساندتها، وتحت مبرر حماية الثورة تم الالتفاف عليها، واكتملت عملية الالتفاف والمصادرة بانضمام عدد من الأحزاب السياسية الانتهازية() إلى ساحات الثورة، ولتتحول الثورة لاحقاً إلى انقلاب ناقص، حين اتفق المنضمون إلى صفوف الثورة من العسكريين والسياسيين على تشكيل حكومة ائتلافية، مناصفة مع من خرجت الجماهير للثورة عليه، بل إن الثورة كانت في الأساس، ومنذ بداية انطلاقتها تهدف إلى إسقاط النظام بما فيه أولئك المنضمون لصفوفها سياسيين وعسكريين، غير أنهم تمكنوا من الالتفاف على الثورة تحت مبرر حمايتها، لتتحول من ثم إلى ثورة بنصف انقلاب.
العامل العسكري وذريعة حماية الثورة
الأصل أن وسائل حماية الثورة ذاتية، تتجسد في نضج ووعي الثوار، وإيمانهم بنبل أهداف ثورتهم وغاياتها، التي يرخص في سبيل تحقيقها كل غالٍ ونفيس، باعتبار أن الثورة ما انطلقت إلا لتحمي قيمة أو قيماً سامية تعرضت للانتهاك والانتقاص، وتوفير هذه الحماية ليس لجيل الثورة فقط، بل للأجيال القادمة، إذاً فالثورة إنما انطلقت لتحمي لا لتُحمى بغض النظر عن الثمن الذي تدفعه سداداً لفاتورة أهدافها وغاياتها النبيلة.
لكن إذا كان ذلك ما يتعلق بالحماية الذاتية أو الداخلية للثورة، فماذا عن الحماية الخارجية لها؟ وما آثار هذه الحماية على الثورة ومسارها؟
لقد برز في مراحل الثورة الشعبية اليمنية السلمية عاملان أحدهما عسكري والآخر سياسي، اتفقا ظاهراً على تبني الثورة وحمايتها والدفاع عنها، ويختلف العاملان من حيث الطبيعة والأهمية، ويتمثل الأول: في إعلان قسم مهم في المؤسسة العسكرية تأييده للثورة الشبابية الشعبية السلمية، والتزامه الدفاع عنها في مواجهة قوات السلطة وبلاطجتها، وهذا العامل بطبيعته متميز تماماً عن الثورة الشبابية الشعبية السلمية وغير مندمج فيها، وهنا وفي ما يتعلق بهذا العامل تُطرح عدد من التساؤلات الملحة حول نطاق الحماية التي قدمها هذا العامل للثورة الشعبية السلمية؟ وما إذا كانت هذه الحماية مشروطة ببقاء شباب الثورة في النطاق المكاني لساحات الاعتصام دونما تمدد خارجها؟
لم يكن واضحاً بالطبع نطاق الحماية التي قدمها هذا العامل وشروطها، فإذا ما افترضنا أن نطاق الحماية لا يحده مكان كان هذا الأمر إيجابياً من ناحية، وسلبياً من ناحية أخرى، فإذا ما تمددت الحماية بالتوازي مع تمدد واتساع ساحات وميادين الاعتصام، إلى أن تتهاوى وتسقط أركان النظام، دونما احتكاك عنيف بين أدوات هذا العامل، وأدوات بقايا سلطة النظام الحاكم، تحقق وفقاً لذلك الجانب الإيجابي لهذه الحماية، ويتحقق الجانب السلبي لهذه الحماية من وجهين:
الوجه الأول: إذا ما كان سقف هذه الحماية يقتصر فقط على حدود النطاق المكاني لساحات وميادين الاعتصام، فتصبح الثورة وفقاً لهذا الوجه محاصرة تحت مبرر الحماية فتُحجم وتتضاءل وتتلاشى.
الوجه الثاني: يتمثل في الالتزام بالحماية في كل الأحوال والظروف مع حصول اشتباك مسلح غير محدود بين أدوات سلطة النظام، وأدوات الحماية التي يملكها العامل العسكري، وهو ما سيعني انحراف الثورة عن شعار سلميتها وشعبيتها وانزلاقها إلى العنف، وينحصر من ثم الصراع المسلح بين فريقين بيد كل منهما أدواته، مع إمكانية انخراط شباب الثورة السلمية أو بعضهم على الأقل في هذا الصراع، وهو ما سيعني وأد الثورة السلمية التي ستخلو ساحاتها وميادينها حتما من وجود غير طرفي الصراع المسلح فيها، وتحقق هذا الوجه يُعد مصادرة للثورة، وتصبح النتيجة التي تحسم الصراع لصالح أحد طرفيه هي المعول عليها في ترتيب ما بعده، وليس ما كان مطروحاً في ظل الثورة السلمية في ميادينها وساحاتها.
العامل السياسي وذريعة مساندة الثورة
يتمثل العامل السياسي في المعارضة المنضوية في ما عُرف باللقاء المشترك، والتي أعلنت الانضمام للثورة الشعبية السلمية، وتبني مطالبها برحيل سلطة النظام الحاكم، والعامل السياسي لا يختلف عن العامل العسكري من حيث أثره على الثورة، فله أثران أحدهما إيجابي والآخر سلبي؛ فإعلان هذه الأحزاب الانضمام للثورة يمثل قوة ضغط سياسية إضافية على السلطة الحاكمة تدفع عجلة الثورة إلى الأمام، شريطة إجادة استخدام هذه القوة، غير أن الأثر السلبي للعامل السياسي تمثل في استمرار سلوك أحزاب اللقاء المشترك في سياستها التحاورية الانتهازية مع السلطة، القائمة على أساس الصفقات السياسية التي تبرمها قيادات هذه الأحزاب بعيداً عن قواعدها، والتي برع الحزب الحاكم في تجريعها لها على مدار عقدين من الزمن.
ولقد برزت على السطح بعض السلوكات التي أكدت سير هذه الأحزاب على نهجها السابق، رغم ركوب موجة الثورة الشعبية السلمية في حينه، وبتظافر العاملين الدخيلين تم الالتفاف على الثورة ومصادرتها عندما تم تشكيل حكومة بالمناصفة بين الطرفين، فكان أول عمل لها تجريف مخيمات الاعتصام من الساحات والميادين العامة، وقمع من تبقى فيها من قوى ثورية، وتشتيتها وتفريقها وتمزيقها حتى تتلاشى.
ثالثا: تحول ثورة 11 فبراير إلى انقلاب ناقص
تعرّف الثورة – كما أسلفنا- بأنها فعل شعبي عفوي غير منظم يهدف إلى إحداث تغيير جذري شامل، ووفقاً لهذا المفهوم فكل من خرج ثائراً لم يكن بينه وبين غيره ترتيب أو تنسيق أو تنظيم مسبق، فالكل خرجوا فقط استجابة لشعورهم جميعاً بضرورة وحتمية تغيير أوضاع حياتهم، وهم يدركون تماماً أن الثمن يمكن أن يكون حياتهم، أو سلامتهم الجسدية، إذاً فالجميع يدرك أن السكوت لم يعد مجدياً، وأن الثورة هي الأمل في التغيير، وأن الخروج للثورة هو الذي سيغير الأوضاع، وأن لهذا الخروج ثمناً، وأن كل ثائر يدرك أنه معني بدفع هذا الثمن، مهما كان باهظاً، فالثائر قد يمضي إلى سبيل ربه، لكن هدف الثورة يتحقق لأنه يستحيل وفقاً للمجرى الطبيعي للأمور أن يدفع الثوار الثمن ولا يتحقق الهدف، وإلا كان معنى ذلك أن الثورة ليست ثورة، وإنما شيء آخر.
الفرع الثالث: نقاء ثورة 21سبتمبر ورقي فلسفتها
أدرك الثوار أن ثورتهم قد تم التآمر عليها ومصادرتها، وأن أولئك الانقلابيين باعوا دماء شهداء الثورة بثمن بخس، وباعوا ثورتهم بنصف انقلاب، فكان لسان حال الثوار الأحرار هيهات أن تموت الثورة، وهيهات أن ننسى دماء شهدائنا، وجسدوا ذلك في خطوات عملية لاستعادة الثورة وهدفها المعلن إسقاط رموز ومكونات النظام الفاسد، وبعد مسيرات سلمية واعتصامات وتضحيات جسيمة تمكن الثوار من الدفاع عن ثورتهم في مواجهة من تآمروا عليها وصادروها، وواجهوا بكل حزم عنف أدوات الاجرام والطغيان حتى كتب الله للثورة النجاح، وللثوار الانتصار على الظلم والجبروت والطغيان والاجرام، الذي واجهتهم به الحكومة الائتلافية.
وبتضحيات الثوار وإصرارهم على العبور بثورتهم إلى بر الأمان تمكنوا بنجاح ثورتهم من تغيير ذلك الواقع البائس المزري، الذي فرضته على الشعب لعقود من الزمن سطوة الفاسدين باستحواذهم على السلطة العامة، وموارد الشعب ومقومات حياته.
وكون ثورة 21 سبتمبر ثورة شعبية خالصة، فقد كان لها فلسفتها الخاصة، في التعامل مع من أفسدوا حياة المجتمع في جميع مظاهرها، هذه الفلسفة التي اختلفت عن فلسفة الثورات الأخرى القديمة منها والحديثة والمعاصرة، وفي مختلف دول العالم، بل لقد اتسمت الثورة اليمنية بالتسامح، وكان جل مطالب الثوار إصلاح الفاسدين أنفسهم، والمشاركة في تحمل مسؤولية إدارة الشأن العام، وفقاً للتوجه الجديد الذي أعلنته الثورة، فلم تنصِب الثورة اليمنية المشانق لمعاقبة خصوم الشعب، ولم تفتح المعتقلات والسجون لتلقي بهم في غياهبها، ولم تشكل المحاكم الثورية المستعجلة لتقرر مصير أولئك الفاسدين، وتصادر ممتلكاتهم.
وتجسيداً لهذه الفلسفة وقعت قيادة الثورة مع من كانوا في سدة الحكم (اتفاق السلم والشراكة) لإدارة شؤون البلاد وإصلاح أوضاعها الاقتصادية والأمنية والسياسية والاجتماعية، ومع كل التسامح الذي اتسمت به الثورة، وما منحته للفاسدين من فرصة لإصلاح أنفسهم، فإن الفساد المتغلغل في نفسياتهم والارتهان للقوى الخارجية، حال دون اقتناص أولئك للفرصة الأخيرة الثمينة التي منحها إياهم الثوار، فاختاروا الاستمرار في طريق التآمر والخيانة والارتهان للقوى الخارجية، لتبدأ بذلك مرحلة جديدة من التآمر على ثورة الشعب، ومحاولات لإجهاضها، وتدخلت في هذه المرحلة القوى الخارجية بشكل مباشر إلى جانب عملائها، بعد فشل المحاولة الجديدة للالتفاف على ثورة 21 سبتمبر 2014، المتمثلة في قبول التوقيع على اتفاق السلم والشراكة.
المحور الثاني
محاولات القوى الاستعمارية وأد الثورة واغلاق الصراع داخليا
أولا: إفشال مخططات القوى الاستعمارية لوأد الثورة
مؤكَّـدٌ أنَّ الأعداءَ -سَوَاء في المحيطِ العربي أَو خارجه- لم يكونوا يرغبون أبدًا بالدُّخولِ في مواجَهةٍ مباشرةٍ مع شعبِنا اليمني؛ ولأجل ذلك خططوا طويلًا، ووضعوا سيناريوهاتٍ متعددةً؛ لإيصال البلد إلى مرحلة التدمير الذاتي، التي يتولَّى فيها أبناءُ الشعب تدميرَ بلدهم بأيديهم، من خلال اقتتالٍ بيني شاملٍ غيرِ محدَّدِ المدى زمنيًّا وجغرافيًّا؛ ليقتصرَ دور القوى الإجرامية على تمويل أدواتها، وإمدَادها بالعتاد الحربي، وضبط تحَرّكاتها؛ بما يخدُمُ توجُّـهات هذه القوى، ولتتفرَّغَ لتنفيذ أجنداتها الخَاصَّة، في غفلة من أبناء الشعب المنشغلين بصراعهم البَيني غير المحدود، وَفْــقًا للسيناريوهات المعدة سلفًا من جانب هذه القوى الإجرامية، ولقد أسست المبادرة الخليجية لسيناريوهات التدمير الذاتي، التي جرى ترتيبها بشكل تسلسلي ليحل الثاني محل الأول في حال الفشل، وهكذا.
وكان أول سيناريو للتدمير الذاتي عوَّلت عليه القوى الإجرامية، هو التالي لمرحلة الاستفتاء على الدستور خلال النصف الأول من عام 2015م؛ فلم يكن هناك من شك لديَّ تلك القوى بأن الاقتتال سيبدأ مباشرة في اليوم التالي لعملية الاستفتاء على الدستور، ليس على مستوى الأقاليم فحسب، بل على مستوى المحافظات أَو الولايات والمديريات؛ إذ سيتم بشكل تلقائي تفعيل بذور الصراع التي زُرِعت بعناية فائقة في مشروع الدستور خلال عام كامل، جابت خلاله لجنة الصياغة عواصم ومدن بلدان متعددة في المنطقة وخارجها، جرى خلالها التأكّـد من قدرة وفاعلية ما تم زراعته من بذور الصراع في إحداث تدمير ذاتي كلي شامل، دون تدخل مباشر من جانب قوى العدوان الإجرامية وعلى رأسها الإدارة الأمريكية().
ورغم حرص وحيطة الأعداء على نجاح هذا السيناريو في تلك المرحلة المبكرة، إلا أنهم خسروا؛ بسَببِ يقظة وانتباه شعبنا اليمني وقيادته الحكيمة لمخطّطاتهم الشيطانية، وبطبيعة الحال فالأعداء لم يستبعدوا احتمالات الفشل؛ فكان السيناريو البديل جاهِزًا للعمل وبشكل أشدَّ قوةً وفَتْكًا بالشعب وكل مقومات حياته، وتمثل هذا السيناريو في إيعاز القوى الخارجية إلى الحكومة بالاستقالة، وكذلك رئيس الدولة، وعلى يلتزم الجميع منازلهم منذ لحظة إعلان الاستقالة المتزامنة مباشرة.
ويقتضي هذا السيناريو خلوَّ مناصب الحكومة ورئاسة الدولة بشكل مفاجئ؛ وهو ما سيترتب عليه انقسام المؤسّسة العسكرية والأمنية الهشة أَسَاساً، وانهيار الخدمات -شبه المنهارة- بشكل كامل، وبهول المفاجأة والصدمة والانقسام العميق، سيحدث الانفجار الكبير والسقوط المدوي الانهيار الحتمي لمؤسّسات الدولة، وتحل الفوضى الشاملة، نهبًا وقتلًا ودمارًا، ويتحقّق بذلك مخطّط القوى الإجرامية في إحداث حالة التدمير الذاتي للبلد، وتحميل الثورة وقيادتها مسؤولية كُـلّ ذلك، غير أن السحر انقلب على الساحر (فخسر هنالك المجرمون وانقلبوا صاغرين)، وخرجوا جميعاً أذلة منكسرين من عاصمة شعب الإيمَـان والحكمة.
وتمكّن شعبنا -بقيادته الحكيمة ورجاله المخلصين- من المحافظة على ما تبقى من مؤسّسات الدولة؛ لتقديم المتاح من خدماتها للمواطنين، وأدرك الأعداء المجرمون أنه لم يتبق بأيديهم سوى ما سبق لهم أن صنعوا من أدوات تكفيرية؛ فاعتقدوا مخطئين أن الوضع الداخلي هش للغاية؛ فلا خبرة لدى الثوار، ولا كوادر كافية لإدارة مؤسّسات الدولة، وأن قليلًا من الإرباك -تسببه الأدوات التكفيرية- يمكن أن يحقّق لهم ما سبق أن فشلوا في تحقيقه، وَفْــقًا لمخطّطات وسيناريوهات معدة بدقة وإحكام.
وبالفعل فقد فعّلوا تلك الأدوات القذرة، التي ارتكبت بشكل متزامن جرائمَ بشعة في المساجد والساحات والميادين العامة، ووسائل المواصلات وفي كُـلّ تجمعات المواطنين، غير أن تلك الأدوات الإجرامية ما لبثت أن تهاوت في معاقلها تحت وقع الضربات لقاصمة من جانب الجيش واللجان الشعبيّة في حينه، والمفاجأة أن حالة الإرباك التي أرادوا أن تحدثها الأدوات الإجرامية في الساحة الوطنية انقلبت عليهم؛ فإذا بهم هم المربَكون المحبَطون من فشل جميع مخطّطاتهم للتدمير الذاتي للبلد.
ولجأت قوى العدوان الإجرامية بعد فشل السيناريوهات السابقة إلى آخر ما في جعبتها وهو سيناريو العدوان المباشر؛ وحرصًا منهم على فعالية هذا السيناريو، وقدرته على تحقيق ما سبق لهم أن فشلوا في تحقيقه؛ فقد تم الإعلان عن بدءِ العمليات العسكرية، وَفْــقًا لهذا السيناريو من عاصمة الشيطان الأكبر واشنطن، وهذا الإعلان بحد ذاته كافٍ -وَفْــقًا لاعتقاد المجرمين- بإحداث حالة انهيار داخلي خلال أَيَّـام؛ وهو ما عبَّرَ عنه متحدِّثُ قوى الإجرام خلال الأيّام الأولى للعدوان، ناهيك أن تشترك الإدارة الأمريكية وغيرها من القوى الاستعمارية بشكل مباشر في الدعم اللوجستي والاستخباري والإعلامي والغطاء السياسي الدولي.
وبعدَ مضي عام تقريبًا على بدأ العمليات العسكرية جوًّا وبرًّا وبحرًا متزامنة مع حصار خانق على كافة المستويات، أدرك ابن سلمان حجم ورطة بلاده في الحرب، خُصُوصاً بعد أن طالت اليد الطولى لجيشنا الوطني عصب حياته وعمقه الجغرافي، حينها وزيرُ خارجيته، وهو الشخص ذاتُه الذي أعلن من واشنطن بدءَ العمليات العسكرية، أعلن خانعًا منكسرًا بتاريخ 16 مارس 2016 أن الحل في اليمن لا يمكن أن يكون عسكريًّا، وأن الحل لن يكون إلا سلميًّا سياسيًّا؛ فخرج في مساء ذات اليوم متحدث البيت الأبيض (جوش أيرنست) ليعلن بكل وقاحة وصلف أن (الحل السياسي في اليمن لا يزال بعيد المنال) ليمثل ذلك صفعة لابن سلمان، ورسالة واضحة له، مفادُها أن تقرير حالة الحرب أَو السلم ليس من شأنك، بل من شأن أسيادك.
وانتهى الأمر بانصراف ابن سلمان عن محاولات الخروج بماء الوجه، لتستمر حالة الحرب لقرابة عقد من الزمان، وفي المرحلة التي تمكّن فيها الشعب اليمني من إيلام الإدارة الأمريكية ذاتها، التي أدركت أن نُــــذُرَ أزمة داخلية يمكن أن تعصف بها؛ بسَببِ ما يمكن أن تؤدي إليه عمليات جيشنا اليمني من قطع لإمدَادات الطاقة التي تمثل (عصب الحياة) بالنسبة لأمريكا خُصُوصاً وللغرب عُمُـومًا؛ فأوعزت إلى أدواتها بالذهاب إلى هُدنة وإن طال أَمَدُها لحين إعادة ترتيب أوراقها.
ثانيا: إفشال مخطط القوى الاستعمارية اغلاق الصراع على الداخل
بعد أن ادركت القوى الاستعمارية أن مخططاتها الرامية لاستعادة السيطرة على البلاد من خلال وأد الثورة أو احتوائها قد فشلت تماما، وأن أدواتها التي أوكلت إليها هذه المهمة قد هُزمت، وأن الشعب وقيادته الثورية في حالة عزيمة وإصرار وصمود لا نظير لها، وأن هذه الحالة تزداد مع مرور الأيام والاشهر والاعوام، وأن زمام المبادرة أصبح بيد القيادة الثورية المسنودة بتأييد شعبي كبير، لكل دلك قررت قوى الاستكبار العالمي تغيير استراتيجيتها في مواجهة الشعب اليمني وقيادته الثورية، وقد أنصب جهود هذه القوى الاجرامية على إعداد مخطط جديد اعتقدت أن هذا المخطط كفيل بتحقيق ما سبق لها أن فشلت في تحقيقه وفقا لمخططاتها السابقة التي باءت جميعها بالفشل.
وقد اقتضى المخطط الجديد عزل هادي من منصب الرئاسة لإيهام الشعب بأن هادي سبب التدخل الخارجي، باعتبار أنه هو من دعا للتدخل عسكريا لاستعادة الشرعية المزعومة، واعتقدت هذه القوى أنه بعزل هادي سينتهي ما علق بذهنية الرأي العام خلال سنوات الحرب العدوانية من اعتقاد أن هادي هو المتسبب في التدخل الخارجي كونه هو استدعى ذلك التدخل، وانه بإحلال مسمى مجلس القيادة الرئاسي محل هادي في منصب الرئاسة سينسى أبناء الشعب اليمني جرائم تخالف العدوان بقيادة السعودية والامارات ومن ورائهما قوى الاستكبار الاجرامية الاستعمارية الغربية وعلى رأسها الإدارة الأميركية، واقتضى المخطط الجديد أيضا انهاء التدخل المباشر للأدوات الإقليمية للقوى الاستعمارية، ولتتقمص هذه الأدوات دور حلف الناتو في أوكرانيا.
وقد كانت تلوحُ في الأُفق نُـــذُرُ تجدُّدِ الحرب العدوانية على شعبنا اليمني، والتي بدأت بحرب اقتصادية كان الواضح أنها مقدمة لحرب عسكرية، لكنها مختلفة تماماً عن سابقتها خلال السنوات الماضية، فالصيغة الجديدة جرى التخطيط لها مبكرًا، وقبِل بها ثنائيُّ الإجرام ابن سلمان وابن زايد، وقد اقتضت أولى خطواتها الإطاحة بـ (هادي) الذي ارتبط في الذهنية السياسية والإعلامية والشعبيّة، على الأقل بالنسبة لغير الداخل، أن سببَ الحرب العدوانية هو دعوتُه للتدخل لإنقاذ شرعيته المزعومة، واستعادة الدولة من أيدي الانقلابيين، وَفْــقًا لما تم الترويجُ له في حينه.
وبإزاحة هادي من المشهد اعتقد المجرمون أنه قد تم فَكُّ الارتباط بينه وبين دول تحالف العدوان بما فيها القوى الغربية، وأنه -وَفْــقًا للسيناريو الجديد- لن يكون هناك تدخُّلٌ عسكري مباشر عقب تشكيل ما سُمِّيَ بمجلس القيادة الرئاسي، وأن دور دول تحالف العدوان سيقتصر على التمويل والتسليح والإسناد والدعم اللوجستي والاستخباري، إضافة إلى الحصار الاقتصادي، ووَفْـــقًا لهذا السيناريو اعتقدت القوى الاستعمارية وأدواتها في المنطقة – ابن سلمان وابن زايد – أن عمقهما الجغرافي سيكون في مأمن من أي استهداف من جانب جيشنا الوطني؛ باعتبَار أن الاقتتال سيكون بَينيًّا، ولا علاقة مباشرة بينهما وبين أطراف النزاع المسلح في الداخل، وأنه سيترتب على ذلك التزام الطرفَين المتقاتلين بتأمين طرق إمدَادات الطاقة، كما كان عليه الحال خلال الحرب العدوانية في سنواتها الماضية.
وبذلك ينعم ابن سلمان وابن زايد وبلداهما بالأمن والهدوء، وما يدور في الداخل اليمني شأنٌ يمني لا علاقة لهما مباشرة به، وهما -والحال هذه- يتقمصان دور حلف الناتو في أوكرانيا، الذي تقدم الدول المنضوية فيه الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي، دون أن تتعرض لأي رد مباشر من جانب موسكو، وهذان الغِـــرَّان يبدو أنهما إما مجبرون على ذلك، وإما أنهما استحسنا تقمص هذا الدور، وقبولهما لذلك في كلا الحالين خطأ جسيم في التقدير والقياس؛ فالخونة العملاء ليسوا أوكرانيا، والشعب اليمني ليس روسيا، والغِـــرَّان معًا ليسا الناتو، وعليهما أن يدركا جيِّدًا أن شعبنا -بقيادته الحكيمة- مدرِكٌ جيِّدًا لترتيبات ما بعد خَلع المخلوع (هادي) وأن الشعبَ قد استعدَّ وأعدَّ لمتطلباتها جيِّدًا، وأنه إلى جانب ذلك لم ينسَ ولن ينسى أبدًا ما ارتكباه من فظائعَ وجرائمَ على مدى سنوات العدوان الماضية، بدايةً بالحصار ونهاية بالقصف والقتل والدمار، وأيُّ عدوان يتجدد على شعبنا -وَفْــقًا لأية صيغة كانت- سيكون محوره الرياض وأبو ظبي، وإن تذرَّعَ غِــــرَّاهما بتقمص دور الناتو؛ فلسانُ حال شعبنا يردد عبارة قائده (حَــــذَارِ حَــــذَارِ، وقد أُعذر مَن أنذر).
ويرتكز هذا السيناريو على فرضية إغلاق الصراع داخليا ويمننة أطرافه ليستمر لحين تحقيق أهداف القوى الخارجية وإن طال أمد هذا الصراع فلا مشكلة فوقوده أبناء الشعب اليمني ويقتصر دور القوى الاستعمارية وأدواتها الإقليمية على التمويل، وتوجيه واسناد عملائها في الداخل، ولم يكن مصير هذا السيناريو بأفضل من تلك التي سبقته، بل كان مصيره هو الأسوأ من بين سيناريوهات القوى الاجرامية، التي اعتقدت أن تواجدها في البحر الأحمر بعد عملية السابع من أكتوبر سيؤدي الى تشديد الحصار الاقتصادي على أبناء الشعب اليمني، وهو ما سيترتب عليه حالة تذمر داخلي من شأنها أن تخدم المهمة المكلف بها عملاء أدوات القوى الاستعمارية.
المحور الثالث
مواجهة الثورة للقوى الاستعمارية
أولا: الإجراءات البحرية الضاغطة
مع أن قوى الاجرام الدولية اعتقدت أن سيناريو اغلاق الصراع على الداخل اليمني محكم غير أنها فوجئت بقرار قائد الثورة المجسد لإرادة الشعب، أخذ زمام المبادرة لإسناد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وهو ما ترتب عليه كسر حاجز اغلاق الصراع داخليا وفتح الباب على مصراعيه، ليصبح تأثير الفعل الثوري متجاوزا للحدود الجغرافية بألاف الكيلومترات، ويتسع نطاق المواجهة ليشمل الوجود العسكري للقوى الاستعمارية الغربية في النطاق الجغرافي للمنطقة العربية وفي مقدمتها قاعدتها المتقدمة المسماة دولة إسرائيل.
ويأتي إعلان قائد الثورة السيدُ عبدالملك –يحفظه الله- بحزم موقفَ شعب الإيمَـان المساند لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة تلبية للواجب الديني والإنساني والاخلاقي، وقد أقضَّ هذا الموقف مضاجعَ الأشرار، الذين لم يكن واردًا بذهنيتهم أن تقومَ ليمن الإيمَـان قائمة، بعد عشر سنوات من الحصار والقتل والدمار، ناهيك أن ينهضَ مدافعًا عن غيره، وبعنجهيةِ المستكبرين تحَرّكت حاملةُ الردع وطواقمُها صوبَ البحر الأحمر، لتفرِضَ من سطح مياهِه حالةً ردع خَاصَّةً؛ كون حالة الردع العامة التي فرضتها بحريةُ قوى الاستكبار على المنطقة عُمُـومًا، لم تكن لها أيةُ فاعليةٍ أَو أثرٍ على أولي القوة والبأس الشديد.
ويبدو أن الاعتقاد الذي ساد لدى قوى الكِبر والعناد، أن مُجَـرَّدَ وصولِ الحاملة وطواقمها إلى البحر الأحمر لردعِ شعبٍ ساد الاعتقاد أنه منهَك، وغيرُ قادِرٍ على الحركة محليًّا، ناهيكَ عن إمْكَانية القفز على أسوار الجغرافيا المرتفِعة، وبتلك العقلية الاستعلائية الاستكبارية القديمة، اعتقدت الإدارةُ الأمريكيةُ أن انطلاقَ طائراتها من على متن الحاملة لتنفيذ عددٍ من الغارات الجوية في مناطقَ متفرقةٍ من الجغرافيا اليمنية، يمكنُ أن يثبِّطَ شعبَ الإيمَـان عن أداء واجبه، تجاهَ نصرة إخوانِه في قطاع غزةَ، ويمكن أن يدفعَ قيادتَه الثورية للتراجع عن سابق الوعود لأبناء غزة بأنهم ليسوا وحدَهم، وأن شعبَ الإيمَـان دومًا إلى جانبهم، حتى يأتيَ الله بنصره وفتحه المبين.
وتصاعدت العمليات البحرية والصاروخية والطيران المسيَّر، مترافقة بتطوير نوعي مُستمرٍّ من حَيثُ المَدَيات وتقنية تجاوز الرادارات والدفاعات الجوية المتطورة، وقد وجدت إدارةُ الشر الأمريكية نفسَها في مأزِقٍ كبير، حين أدركت أن نتائجَ وآثارَ عملياتها العسكرية ضد شعبنا كانت عكسيةً تماماً؛ فلم تدمّـر القدرات العسكرية، التي سبق أن روَّجت لذلك أبواقُها الإعلامية، ولم تحُدْ من فاعليةِ هذه القدرات، بل أَدَّت إلى التطوير المُستمرّ والمتسارع والنوعي، خلال المراحل المعلَن عنها، حَيثُ تضمنت كُـلُّ مرحلة منها فارقًا جديدًا كميًّا ونوعيًّا في السلاح وتقنيته.
ولم تجدِ الإدارةُ الأمريكية بُدًّا في بداية الأمر من الإعلان عن مواجهتها لصعوباتٍ كبيرة، وهي تتصدى للصواريخ والطيران المسيَّر، وأنها تتكبَّدُ خسائرَ كبيرةً في سبيل ذلك، وتطلُبُ من جميع الدول الإسهامَ في جهود حماية طرق الملاحة الدولية، وحماية وتأمين حركة الناقلات، كما روَّجت لذلك؛ بهَدفِ تحشيد المزيد من الدول إلى جانبها في تحالفها المعلَن المسمى (حارس الازدهار) إلَّا أنها لم تفلِحْ في هذه المهمة، فلم تلقَ الاستجابةَ المعهودةَ في تحالفاتها السابقة، التي تتسابق للانضمام إليها الكثيرُ من الدول.
وقد مثَّلَ ما سبق مقدمةً لاعتراف إدارة الشر الأمريكية بعجرِها عن حماية السفن التجارية، التابعة للكيان الصهيوني أَو تلك المتجهة إلى موانئ الأراضي الفلسطينية المحتلّة، ولم تفلح في حماية سفنها التجارية وسفنِ تابعتها الذليلة بريطانيا، التي استقر بعضُها في قعر البحر على أيدي المجاهدين من أحفاد الأنصار، والأبعدُ من ذلك أنها فشلت في حماية سفنها وبوارجها ومدمّـراتها الحربية، ودُرَّةِ تاج سلاحها البحري حاملة الطائرات (آيزنهاور) التي آثَرت السلامةَ وولَّت الأدبارَ هاربةً بعد تعرضها للهجوم مراتٍ متعدِّدة.
وتحت عنوان “إعادة الانتشار” سحبت إدارةُ الشر الأمريكيةُ من البحر الأحمر عملاقَ البحارِ حارس الازدهار، حاملةَ طائراتها تحتَ وطأة الخوف من أن تلحَقَ بها فضيحةٌ مدوية، قد لا ترى بعدَها عافيةً، وقد لا تتمكّنُ مستقبلًا من أن تجوبَ البحارَ والمحيطات، شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، إذَا ما تمكّن المجاهدون من أبناءِ شعبنا “بعونِ الله تعالَى” من إغراق تلك الحاملة أَو إحدى البوارج المرافِقة لها.
وبذلك تمكن المجاهدون من فرض حصار بحري محكم وخانق ومؤثر ليس على الكيان الصهيوني فحسب، بل وعلى شركائه من القوى الاستعمارية الغربية وعلى رأسها الإدارة الأميركية، ولولا موقف بعض الأنظمة العربية والإسلامية المساند للكيان الصهيوني وشركائه من القوى الغربية لكان الأثر المباشر للإجراءات البحرية الضاغطة من جانب بلانا هو الانهيار الاقتصادي للكيان الصهيوني ، فقد كان لاستمرار سلسلة التوريدات لمختلف الاحتياجات من جانب بعض الأنظمة العربية والإسلامية الى الكيان الصهيوني دور مهم في التخفيف من أثار الحظر البحري على الواردات الى الكيان الصهيوني حين اتسعت دائرته لتشمل المحيط الهندي والبحر المتوسط، إضافة الى البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن.
ثانيا: الاسناد الجوي للإجراءات البحرية الضاغطة
رغم أهمية وفاعلية الإجراءات البحرية الضاغطة إلا أن قائد الثورة ومنذ أن أعلن موقف بلادنا المساند لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023م حدد بشكل صريح أن اسناد بلادنا سيشمل الطيران المسير والصواريخ البالستية، وبالفعل فقد كانت ميناء أم الرشراش ( ايلات) هدفا مباشرا للصواريخ والطيران المسير، وقد ساهم ذلك الاستهداف بشكل كبير في تعطيل هذا الميناء المهم بشكل شبه كامل، ومع استمرار كيان الاحتلال الصهيوني وشركائه من القرى الاستعمارية الغربية في فرض الحصار على قطاع غزة، وتنفيذ أفعال إبادة مستمرة ومتتابعة بحق أبنائه، أكد قائد الثورة في كلماته الأسبوعية على استمرار تطوير قدرات قوات بلادنا المسلحة البحرية والجوية -الصواريخ والمسيرات- لتتمكن من تجاوز العوائق التقنية للقوى الاجرامية.
وبالفعل فقد تجسدت وعود السيد القائد ولمس الأعداء صدق العزيمة والإصرار على كبح جماح الة القتل الصهيوغربية، حين وصلت الطائرة المسيرة يافا الى عاصمة كيان الاحتلال الصهيوني واستهدفت منطقة حساسة، متجاوزة كافة طبقات أنظمة الدفاع الجوي الغربية المنتشرة بشكل واسع في المنطقة، وهو ما أثار القلق والرعب لدى قيادة الكيان الصهيوني وشركائه في الجريمة من القوى الاستعمارية الغربية، وقد حاول قادة الكيان الصهيوني في حينه صرف الانتباه عن هذا الحدث المهم، وذلك بارتكابه جريمة إحراق خزنات الوقود في ميناء الحديدة، معتقدا أن تصاعد السنة اللهب يمكن أن تلجم جرأة قيادتنا وشعبنا في كسر كل الحواجز وتجاوز كل الخطوط الحمراء، وأن عملية الاستهداف للميناء يمكن ان يترتب عليها تذمر شعبي واسع ضد القيادة الثورية، لكن الموقف الشعبي كان بعكس التوقعات الصهيوغربية تماما.
وما هي إلا أسابيع حتى تم تجربة انجاز صاروخي نوعي في غاية الأهمية حين استيقظت عاصمة الاحتلال على صفارات الإنذار محذرة من هجوم وشيك فحط الفرط صوتي اليماني رحاله في قلب يافا بعد رحلة استغرقت اثناعشر دقيقة ونصف الدقية، قطع خلالها الفين وأربعين كيلو متر، ومع أن كيان الاحتلال زعم أن الفرط صوتي سقط في منطقة مفتوحة، غير أن أثاره المسموح بنشرها كانت واضحة تماما، ناهيك عما لم يسمح بنشره من أثار، وبهذا الإنجاز المهم وضع الكيان الصهيوني نصب عينيه أن الحظر البحري قد يتضاعف أثره وخطره إذا ما تمكن أبناء الشعب اليمني من فرض حظر جوي خصوصا أن الصاروخ الفرط صوتي حط رحاله بالقرب من مطار بن قورين، ولعل ما أعلنته كندا يوم أمس من تعليق جميع رحلاتها الى كيان الاحتلال الصهيوني حتى نهاية العام أحد المؤشرات المهمة على الأثر المباشر للصاروخ اليماني الفرط صوتي.
ولولا ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر ما كان لبلدنا أن يتبوأ هذه المكانة المهمة وما كان له أن يضطلع بهذا الدور الحاسم، فقبل الثورة سارعت الإدارة الأميركية ومعها النظام العميل في العاصمة صنعاء لتدمير القدرات الدفاعية لجيشنا الوطني، وتم استكمال عملية التدمير في عهد الخائن العميل هادي تحت عنوان إعادة هيكلة الجيش، ولم تتوقف هذه الجريمة الا بعد نجاح ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر التي نقلت بلادنا نقلت نوعية من التبعية الى الندية، ومن الهامشية الى العالمية، لتواجه القوى الاستعمارية الصهيوغربية بعد افشال مخططاتها الاجرامية التأمرية.
ورقة عمل قُدمت إلى الندوة السياسية والفكرية التي نظمتها مؤسسة الثورة للصحافة والطباعة
والنشر. بعنوان “٢١ سبتمبر ثورة الحرية والتغيير”.
صنعاء .. 19 ربيع الأول 1446هـ
الموافق 2024/9/22م
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: الاستعماریة الغربیة أبناء الشعب الیمنی القوى الاستعماریة الکیان الصهیونی الحرب العدوانیة القوى الخارجیة الثورة الشعبیة تحالف العدوان کیان الاحتلال هذا السیناریو ثورة 21 سبتمبر البحر الأحمر قائد الثورة هذه الحمایة فی قطاع غزة ثورة الشعب الفرط صوتی هذا العامل على السلطة على الثورة فی المنطقة سدة الحکم على رأسها هذه القوى ابن سلمان الثورة فی فی الداخل بعد نجاح من القوى إلى جانب ف الثورة ب الثورة فی حینه یمکن أن من جانب غیر أن وهو ما ما بعد ما کان فی هذه لم یکن ما سبق إذا ما
إقرأ أيضاً:
السلام طريق إنقاذ الوطن وبنائه على أسس جديدة
السلام طريق إنقاذ الوطن وبنائه على أسس جديدة
عمر الدقير
لم يكن شعار ثورة ديسمبر الأثير: “حرية، سلام وعدالة”، مجرد هتاف تصدح به الحناجر في الشوارع، بل كان تعبيراً عن شروط الوجود الكريم – منذ أول احتكار للقوة وحتى آخر احتقار للإنسان الأعزل – مثلما كان إعلاناً لقطيعة مع ثلاثة عقود من ثنائية الاستبداد والفساد، وتبشيراً بتأسيس وطنٍ جديد معافى من خيبات الماضي.
إن بلداً يمتاز بهذا القدر من التنوع والتعدد، ويحمل إرثاً من الأزمات – التي تفاقمت بفعل سياسات النظام البائد – كان من الطبيعي أن تتعرض فيه مسيرة الانتقال بعد انتصار الثورة لصعوبات وعثرات، خاصة وأن النظام القديم لم يغادر المشهد بعد سقوط سلطته السياسية، بل ظل منذ اليوم الأول للانتقال يمارس عملية الشد العكسي لعرقلة التغيير.
ومع ذلك، لا بد من الاعتراف بأن قوى الثورة نفسها لم تكن بمنأى عن الأخطاء، إذ تفرقت صفوفها وابتعدت عن خندقها الموحد على خلفية قضايا صغيرة تتقاصر عن غايات الثورة السامية. هذا التذرُّر أفسح المجال أمام قوى الشد العكسي لتنظيم صفوفها واستدعاء ممكناتها في المجالات كافة، حتى تمكنت من استهداف مسيرة الثورة بشكلٍ مباشر في مرتين: الأولى بانقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ والذي أجهضته جماهير الثورة عبر مقاومة باسلة وتضحيات جسام، والثانية باشعال فتيل الحرب في ١٥ أبريل ٢٠٢٣
لقد كان الهدف الأساسي لقوى الشد العكسي، ولا يزال، هو القضاء على ثورة ديسمبر التي أطاحت بنظامهم ورفعت راية الحلم بحياة كريمة. لكن غاب عنهم أن أحلام الشعوب في الحرية والكرامة لا تموت مهما أمعنوا في إطلاق النار عليها .. ومهما تمادوا في التآمر عليها فإن غايات ثورة ديسمبر تظل عصية على النسيان والتخلي، ويظل الزحف نحوها مستمراً مهما بلغت التحديات.
تخطّت الحرب شهرها العشرين، ونجحت في تحويل السودان إلى أكبر حالة كارثة إنسانية يشهدها العالم اليوم. حصدت أرواح الآلاف، وشرّدت الملايين من ديارهم، وجعلت الحصول على الغذاء، والدواء، والتعليم، وكافة الخدمات الأساسية أمراً بالغ الصعوبة لغالبية السودانيين. وفي ظل هذه المآسي، أصبحت أمنية السودانيين الأولى وهاجسهم الدائم هو إيقاف الحرب لإنهاء معاناتهم المستمرة.
وغنيٌّ عن القول أن إيقاف الحرب في السودان يستلزم وجود تيار سياسي واجتماعي واسع يعبر عن إرادة السودانيين الغالبة، ويعمل برؤية مشتركة وجهود موحدة لإسكات البنادق والإمساك الجماعي بخشبة الخلاص لعبور مستنقع الأزمة.
تشكيل هذا التيار هو مسؤولية الجميع – وعلى القوى السياسية والمدنية بشكل خاص أن تتحمل نصيبها من المسؤولية التاريخية – وشروط تحقيقه ليست مستحيلة، بل تتطلب وعياً نزيهاً ومشحوناً بالاستقامة، وترفعاً عن الحسابات الضيقة، مع تقديم الأولويات الجوهرية على القضايا الثانوية، والتنازلات المتبادلة خدمةً للهدف المنشود.
السلام لم يعد خياراً يقبل التأجيل، بل ضرورة وطنية ووجودية لمواجهة الكارثة الإنسانية وإبعاد شبح التقسيم عن فضاء الوطن، لكن تحقيق السلام لن يتم بالأماني ولا بالتصريحات المتواترة بينما الفعل ممنوع من الصرف، ولن يأتي من خارج الحدود، بل يتطلب توحيد الإرادة الوطنية من خلال اجتماع القوى السياسية والمدنية على مبدأ الحل السياسي السلمي، وبلورة مبادرة وطنية بمبادئ عامة ورؤية مشتركة تتصدى بها لدعوات استمرار الحرب وخطاب الكراهية الذي يذكي نارها، وتفتح بها حواراً مع قيادتي الطرفين المتحاربين لبحث القضايا ذات الصلة المباشرة بالحرب وفي مقدمتها إنهاء حالة تعدد الجيوش لصالح الجيش القومي المهني الواحد والعدالة وعموم ترتيبات ما بعد الحرب بقيادة سلطة انتقالية مدنية متوافق عليها، بما يُمكِّن من الوصول إلى اتفاق إيقاف العدائيات لمعالجة الكارثة الإنسانية وتهيئة المناخ لعملية سياسية تناقش جذور الأزمة وتطرح حلولاً توافقية تحافظ على وحدة السودان وسلمه الأهلي وتفضي لتأسيس دولة مدنية ديمقراطية.
في ظاهر الأمر، يبدو التاريخ كأنه سردية طويلة لمعاناة الإنسان وآلامه، لكن الحقيقة الكبرى أن الإنسان كان على الدوام ينتصر بفضل إرادته التواقة للحرية والسلام والعدالة .. وإذ يشهد التاريخ أن المعاناة، مقرونة بإرادة الحياة والوعي بشروطها الكريمة، تفرز مضادات الاستبداد وتستنهض مقاومته، فإنها كذلك تفرز المناعة اللازمة لمواجهة جرثومة الحرب الخبيثة واجتثاثها. ولولا هذه الجدلية التي تربط بين المعاناة والوعي والمقاومة، لظل التاريخ يسير على مجرىً راعِف ولأفضى إلى استدامة الاستبداد والدمار.
لن نكفّ عن التأكيد على أن الواجب الوطني يُحتم على القوى السياسية والمدنية الارتقاء إلى مستوى التحديات المصيرية التي تهدد الوطن. إن المرحلة تستوجب تجاوز الخلافات البينية وتقديم المصلحة العامة على الحسابات الذاتية، ورفع راية الانحياز للوطن ومطلب شعبه المُلحّ بإيقاف الحرب فوراً .. ولنتذكّر دائماً أن كلمة السرّ في انتصار ثورة ديسمبر، وما سبقها من المآثر الوطنية الكبرى في تاريخنا، كانت تكمن في وحدة الهدف والإرادة.
التحية لذكرى ثورة ديسمبر المجيدة، الرحمة لشهدائها، والسلام والمحبة لشعبنا العظيم.
الوسومالسودان ثورة ديسمبر حرب 15 أبريل