النائب علاء عابد يكتب: «حل الدولتين» يبقى الحل الوحيد
تاريخ النشر: 28th, September 2024 GMT
من غزة إلى لبنان، يعيد الاحتلال الإسرائيلى سيناريو المجازر وحرب الإبادة والدعايات المفبركة لينقل استراتيجية الفشل للمنطقة العربية.
وفور بدء الغارات المكثفة على لبنان، بدأت إسرائيل تختلق الذرائع لتبرير عدوانها الهمجى على المدنيين، كما جرى فى قطاع غزة، راحت تروج لاستخدام عناصر حزب الله المدنيين دروعاً بشرية، وهى نفس الأكذوبة التى استخدمتها إسرائيل فى عدوانها المستمر على غزة، ذلك المبرر الكاذب لشرعنة قتل المدنيين، فى وقت كانت كل الشهادات فيه تُثبت أن الاحتلال هو من يستخدم المدنيين دروعاً بشرية.
وها هو الكاتب الإسرائيلى «بى مايكل» يتهم حكومة بنيامين نتنياهو بأنها نقلت إرهاب الدولة من قطاع غزة والضفة الغربية إلى لبنان، وتساءل فى مقاله بصحيفة هآرتس عن الفرق بين تفجير 5 آلاف قنبلة فى 5 آلاف منزل بلبنان (تفجيرات البيجر)، وبين زرع قنبلة فى حافلة أو إسقاط قنابل عنقودية على الأحياء داخل إسرائيل.
فيما تخوَّف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش أن يفتح النزاع بين إسرائيل وحزب الله «أبواب الجحيم فى لبنان»، فى حين أرى أن تلك المخاوف ستظل تؤرق الجميع حتى يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار فى غزة. بعد أن كانت أنظار العالم تتجه للحرب فى غزة، يتخوف الجميع من توسع الصراع ليصبح حرباً «شاملة» فى الشرق الأوسط، وتبذل واشنطن ومصر ودول المنطقة جهوداً للتوصل إلى «تسوية يمكن أن تغير المنطقة بأكملها تغييراً جذرياً» بحسب ما قال الرئيس الأمريكى، جو بايدن، فى مقابلة مع شبكة «إيه بى سى».
أرى أن وقف إطلاق النار فى غزة والدخول بقوة إلى «حل الدولتين» سيهدئ من التصعيد فى المنطقة، وفى ذات الوقت أرى ضرورة إعادة الالتزام الكامل بتنفيذ القرار 1701 الخاص بلبنان، والذى أصبح الآن أكثر أهمية من أى وقت مضى لمعالجة الأسباب الكامنة وراء الصراع وضمان الاستقرار الدائم، بعد الأيام الماضية التى شهدتها لبنان، وهى الأكثر دموية منذ نهاية الحرب الأهلية عام 1990، حيث قُتل ما لا يقل عن 560 شخصاً بينهم عشرات النساء والأطفال، فيما أصيب أكثر من 1800 آخرين. كل المواقف الدولية تتبنى حل «الدولتين» لتسوية الصراع فى فلسطين المحتلة، وقد قدمت خارطة الطريق عام 2005 موقف الولايات المتحدة برعاية مفاوضات حول هذا الحل بناء على القرارين الأمميين رقمى 383 و1397. ويظل القرار 242 هو أشهر القرارات الأممية بهذا الشأن والذى جاء بعد هزيمة عام 1967.
وأكرر بأن كل شىء يبدأ من وقف إطلاق النار فى غزة، وإطلاق سراح الرهائن، وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع، والمضى فى مسار «حل الدولتين»، وهذا يؤدى مباشرة إلى وقف إطلاق النار فى لبنان ويدفع حزب الله إلى إنهاء عملياته العسكرية، ويقلل من التوترات فى جميع أنحاء المنطقة، وهو ما يتطلب جهوداً فاعلة من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامى، ودول مجلس التعاون الخليجى، إلى جانب الدور المحورى لمصر فى المنطقة.
وأحذر من أن أى تسوية أو اتفاق دون ضغط أمريكى حقيقى على حكومة نتنياهو سيكون مصيره الفشل، فما سمعنا بموافقة إسرائيل على أى هدنة أو اتفاق لوقف إطلاق النار، والتى قد تقود إلى «تسوية شاملة»، فإدارة بايدن غير قادرة على الضغط والتأثير على الحكومة الإسرائيلية، وليس لها نفوذ قوى لدفع إسرائيل لوقف الحرب، وهى فى ذات الوقت ملتزمة بتزويد إسرائيل بالأسلحة ومعدات الحرب فى غزة.
لا تملك إسرائيل خيارات عسكرية كفيلة بتحقيق نتيجة أفضل من «الحل التفاوضى»، فهى منذ ما يقرب من العام لم تستطع إنهاء الحرب فى غزة ولا تملك سوى قتل المدنيين وارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، وهو ما تكرره الآن فى لبنان.
تدرك إسرائيل أن وقف إطلاق النار مع حزب الله يرتبط بوقف دائم لإطلاق النار فى غزة، وهذا أحد أسباب تردُّدها فى الموافقة على الطرح الأخير. لكن تحقيق ذلك يعنى أن على إسرائيل أن تحدد ما هى قدراتها. وتدل كل المؤشرات على أن خياراتها قليلة. وقد تكون جعجعتها الخطابية ناجمة عن الإحباط الذى تشعر به لأن النتيجة الأكثر منطقية هى العودة إلى الوضع الذى كان قائماً قبل 7 أكتوبر الماضى. قد لا تقبل الحكومة المتطرفة فى إسرائيل بذلك، لكن فى ظل الأوضاع الراهنة، ليست لديهم أى نهاية بديلة مقنعة لصراعهم مع الفلسطينيين فى غزة والضفة أو حزب الله فى لبنان.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: فلسطين إسرائيل لبنان مصر إطلاق النار فى غزة وقف إطلاق النار حزب الله فى لبنان
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شعبان يكتب: نظرية العصر الإسرائيلي
لا خلاف في أن ما يمر بالمنطقة العربية من تطورات خلال العام الأخير، ومنذ انطلاق طوفان الأقصى 7 أكتوبر 2023، جد خطير وغير مسبوق، وإذا قلنا إنه خريف عربي مفعم بالمآسي والأزمات فلن نبتعد كثيرا عن واقع الحال.
والحاصل، أن طوفان الأقصى الذي انطلق لتوجيه لطمة لإسرائيل على ما أتصور، ومقايضتها بآلاف الأسرى الفلسطينيين الموجودين في السجون الإسرائيلية، وإحداث "تحريك" في الملف الفلسطيني بعد أكثر من 17 عاما من الجمود التام وعقب سيطرة حركة حماس على القطاع، قد انقلب إلى كارثة كبرى أو سيل يجرف أمامه البلدان العربية، وأول ضحاياها قطاع غزة نفسه، الذي يشهد حتى اللحظة، أكبر مهزلة إنسانية في التاريخ، بعشرات الآلاف من الشهداء وعشرات الآلاف من المصابين ودمار ليس له نظير ووضع على حافة المجاعة.
لكن قضيتنا اليوم، ليست فيما حدث في غزة وهو وضع بالغ الصعوبة وكارثة يراها العالم بأجمعه، ولا يمكن استمراره أكثر من هذا، وإنما المقصود بمقال اليوم هو تداعيات هذا "الطوفان"، والأطراف التي استغلت هذه اللحظة على الأمن القومي العربي والتداخلات الغريبة في المنطقة، والتي من المنتظر أن تشهد تدخلات أكبر وأكثر شراسة مع قرب بدء ولاية ترامب واستلام مهام منصبه رسميا في يناير.
ويمكن إجمال ما حدث من هزّة شديدة في الأمن القومي العربي انطلاقا من دراما غزة في نقاط شديدة الوضوح كالتالي:-
-قطاع غزة تعرض لدمار شديد، ولم ينجح الطوفان في إحداث اللطمة التي كانت مطلوبة لمقايضة الأسرى والتحريك، ولكنه ساعد إسرائيل على مد يدها الطويلة لتمزيق القطاع إربا إربا والتصريح علانية باستمرار القوات الإسرائيلية فيه، يعني إعادة احتلاله بشكل كامل، ونسف كل ما سبق من تفاهمات بعد قيام إسرائيل باغتيال صف كامل من قيادات حماس بدأت بإسماعيل هنية وحتى يحيى السنوار، فالطوفان أطلق يد إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، وأصبح حلم الدولة الفلسطينية نفسه على المحك، ومع وصول ترامب وتأييده الشديد لخطوات إسرائيل فإن هذا الحلم قد أصبح بعيدا جدا.
-جاءت تداعيات الطوفان على لبنان، بعدما تدخل حزب الله في المعادلة، وقال إنه يدافع عن غزة أو يقوم بعملية إسناد جبهة غزة، وكانت النتيجة كارثية أيضا، فلم ينجح حزب الله بانتماءاته الإيرانية المعروفة في وقف الحرب على غزة، بل لم ينجح في الدفاع عن نفسه، وتعرض للتدمير شبه التام واغتيال كامل قيادة التنظيم وأولهم حسن نصر الله، والأسوأ أن تدخل حزب الله في الحرب، أطلق يد إسرائيل في لبنان، ما أدى لسقوط 4 آلاف عنصر ودمار شديد في جنوب لبنان ودمار مروع في بيروت، واستمر ذلك حتى وقف اطلاق النار قبل ثلاثة أسابيع، مع ضمان حق اسرائيل في القصف والضرب حال مخالفة حزب الله أو حكومة لبنان ما تم الاتفاق عليه.
-تداعيات الطوفان، لم تقف عند حدود لبنان ولكنها انتقلت لسوريا، فبعد الضربات العنيفة التي وجهتها إسرائيل لحزب الله في لبنان وطرق الإمداد السورية لأسلحته وتواصل هذه الضربات ضد معسكراته في ضواحي دمشق وغيرها من المدن السورية، ما أدى لانهيار منظومته في دمشق، فإن هيئة تحرير الشام مدعومة بقوة إقليمية، رأت أن ذلك مناسب للهجوم المضاد في أضعف حالات النظام السابق وترنح حليفه حزب الله، ما أدى لسقوط النظام في دمشق خلال 12 يوما فقط لا غير، ولم تكن هذه المشكلة، ولكن استغلال إسرائيل للوضع الذي تمر بها سوريا كان فادحا، بعدما قامت اسرائيل وبتوجيهات مباشرة من نتنياهو، باقتحام المنطقة العازلة في هضبة الجولان السوري المحتل وأعلن نتنياهو سقوط الاتفاقية والسيطرة على قمة جبل الشيخ الاستراتيجية، وقام سلاح الجو الإسرائيلي بمسح الأسطول البحري السوري من الوجود، وتدمير كافة مواقع وثكنات الجيش السوري تدميرا ممنهجًا وكافة المراكز البحثية، وأصبحت إسرائيل على بعد عدة كيلو مترات من العاصمة دمشق.
نتنياهو، لم يترك الفرصة وإنما اعترف علانية وفي ظل غياب تحرك عربي قوي وموحد أمامه، أن تل أبيب تغير منطقة الشرق الأوسط، وأن لبنان لم يعد لبنان الذي نعرفه، يقصد وقت وجود حزب الله، ولا سوريا التي نعرفها، يقصد وقت وجود الجيش السوري الذي جرى تفكيكه وتدمير أسلحته وطائراته، ولا كذلك قطاع غزة.
المثير للدهشة، أن جماعة الحوثي في اليمن، لم تتعظ من كل ما حدث وكذلك المجموعات الإيرانية المسلحة في العراق، فاشتعلت الصواريخ والمسّيرات القادمة من البلدين نحو إسرائيل، ما ينذر بحملات جوية عنيفة على البلدين انطلقت منها واحدة اسرائيلية بالفعل نحو اليمن، لتكسير مقدرات الحوثي و"الأشياء الضئيلة" التي يمتلكه الشعب اليمني الذي يعيش خارج العصر، منذ الربيع العربي الأسود في عام 2011.
وهو ما يدفع للسؤال مجددا عما تسبب فيه طوفان حماس؟ وعما إذا كان ذلك قد جرنا بالفعل للعصر الإسرائيلي وهيمنة تل أبيب على مقدرات عدة دول عربية وتغيير أوضاعها، وضربها لتحقيق مصالحها المباشرة، وهو ما دفع رئيس وزراءها للقول علانية أن بلاده تقوم بتغيير الشرق الأوسط وستستمر في ذلك؟!!
فهل هذا معقول أو مقبول او يمكن الاستمرار فيه؟! أعتقد أن الدول العربية عبر مؤسساتها الجامعة وفي مقدمتها الجامعة العربية، مطالبة بالتحرك لمواجهة العصر الإسرائيلي وإيقاف نزيف الخسائر والتفتيت والتقسيم عند هذا الحد.