صحيفة الاتحاد:
2025-03-16@15:39:24 GMT

د. عبدالله الغذامي يكتب: عصر القارئ

تاريخ النشر: 28th, September 2024 GMT

التراث هو ما تنتجه البشرية، بمعنى أن كل ما ننتجه هو تراث ينتسب إلينا، بوصفنا فئةً بشريةً لها لغة ولها أرض ولها هوية ثقافية وحضارية، وهذه معانٍ متصلة لا تقف عند حد، وفيما يخص الجانب المعرفي والثقافي فإن الآداب والفنون والفلسفة هي أبرز المعالم التي تصف حال أي أمة من الأمم، على أن الأمم كلها قد انتقلت من الأمية إلى الكتابية في فترات مبكرة من تواريخها، والنقلة تلك خلدت موروثها الفكري والأدبي، وقد ساد مصطلح التراث ليعني ما حفظته اللغة والذاكرة من قيم ثقافية بكافة أنواع الخطابات اللغوية شعراً ونثراً وسرديات، ومن أبرز المورثات الأساطير والحكايات والأمثال، وجرى التعامل معها على أنها مدونات كبرى تمثل ذاكرة الأمة وقيمتها المعنوية، غير أن مصطلح التراث ملتبس من حيث كونه يوحي بالقديم دون الجديد، ومن ثم جاء مصطلح الحداثة وكأنه يعني المواجهة مع القديم، غير أن النظر الواقعي يكشف أن كل قديم كان جديداً في زمنه، وكل حداثي سيكون قديماً لدى الآتين من بعده، بينما مصطلح التراث سيشمل الجانبين معاً، بما في ذلك كلامنا هذا الذي سيدخل في ذاكرة الثقافة بمجرد نشره، ومن هنا فإن الصراع بين الحداثة والتراث هو صراع في (التأويل) وفي التوظيف، وهذا يعني أننا نحن كبشر أحياء نظل نستعيد الأموات عبر قراءتنا لهم، وكل استعادة هي توظيفٌ متجدد لما تم إنجازه من قبل، لأن القراءة تفعل حالة إحياءٍ للمقروء، وأي مكتوب لن يفعل فعله إلا عبر قراءتنا له، ومن ثم فإننا نعيد استيحاء المتنبي كلما ذكرنا اسمه وقرأنا نصوصه، وسيتبع ذلك أننا سنقوم بتفسير نصه حسب مهاراتنا، أي أن النص للمتنبي نسبةً وانتساباً ولكنه لنا توظيفاً وتأويلاً وتفعيلاً، ومن هنا فما نسميه بالتراث هو فعلٌ من أفعال القراءة وفعلٌ من أفعال الإنتاج أو إعادة الإنتاج.

والعصور كلها ستتساوى في فعل القراءة بينما ستتنوع القراءات. ومقولة عصر القارئ تقوم على ثنائية المشاكلة والاختلاف، فنحن مع القراءة نقف مع مؤلف النص المقروء على موقع واحد، هو نص قديم بين يدي قارئ حديث أو نص لمؤلف ميت ولكنه نص بين يدي قارئ حي، ومن هنا يتحول النص نفسه من نص قديم إلى نص حديث حسب مهارة القارئ في فعل القراءة، وفرق بين القراءة المجردة وبين قراءة التأويل؛ أي بين قراءة الشرح والفهم وقراءة التفسير والتحليل، وهذه حالة تشاكل واختلاف في آن واحد، وهي حالة موت للمؤلف وحياة للقارئ. والنصوص دوماً تسير مسار اللغة بمعناها العام، وكلما اتسعت حال اللغة اتسعت معها حال النص، أي أننا سنمنح ألفاظ المتنبي مثلاً معاني لم تكن مما خطر له ببال.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: المشاكلة والاختلاف د. عبدالله الغذامي يكتب: أبو الطيب/ أبو محسد

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي

إقرأ أيضاً:

مناهج التعليم

مداخلة قيّمة من الزميل دكتور فيصل حسين الأمين محمد أستاذ الإدارة والتخطيط التربوي بجامعة بخت الرضا أشار بوضوح لفشل نظامنا التربوي في غرس القيم والأخلاق التي تمثل أهم مرتكزات المنهج التربوي، وليس أدل على ذلك من وجود متعاونين مع المليشيا، وشفشافة، وساسة عملاء شروا وطنهم في سوق النخاسة السياسي للإمارات وكيل الماسونية الصهيونية العالمية بدراهم معدودة، وكانوا فيه من الزاهدين، وإذا كان هدف التربية هو إعداد المواطن الصالح فإن حرب الكرامة أثبتت بأن نظامنا التربوي فشل في تحقيق ذلك الهدف، بيد أنه لفت إنتباهنا إلى ضرورة الإسراع في كنس آثار القراي في النظام التربوي، فالرجل ترك مقررات مدرسية لا تستند على فلسفة تربوية واضحة، أعدها للمرحلتين: الإبتدائية والمتوسطة على استعجال، وحتى لا أطلق الحديث على عواهنه، فإن مقررات اللغة العربية والتربية الإسلامية أُعدت بعد تسريح علماء الشعبتين الذين رفضوا أن يكونوا مطية للفكر الجمهوري المنحرف، لقد بدأ أولئك العلماء في إعداد كتب مدرسية ممتازة ومحكمة علميًا ومستوفية للمعايير المطلوبة، ولكن إذا طالعت كتب اللغة العربية التي أعدها القراي ستجد فيها من الأخطاء ما يشيب له الولدان. فلابد من تغيير شامل للمنظومة التربوية على مستوى التعليم العام وذلك بتبني فلسفة إسلامية واضحة تعبر عن السواد الأعظم من أهل السودان. وخلاصة الأمر نضم صوتنا لمثل تلك الآراء النيّرة والقيّمة، وهي الخطوة الأولى والسليمة في بناء المواطن الصالح. خلاف ذلك سوف نكون مع ساقية جحا للأبد.

د. أحمد عيسى محمود
عيساوي
السبت ٢٠٢٥/٣/١٥

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • هل يجوز قراءة القرآن من المصحف في صلاة التراويح؟ الإفتاء تجيب
  • مناهج التعليم
  • ما هو قدر القراءة في صلاة التراويح؟ اعرف آراء العلماء
  • د. عبدالله الغذامي يكتب: ثمن الكلام
  • محتاجة أتحضن وأتشال.. لقاء الخميسي: ما ينفعش نقول الست بـ 100 راجل
  • تأملات في الكتابة عن العبقرية
  • مصطلح الإسلام السياسي
  • ضرورة تقدير الموقف
  • المنشاوي.. "القارئ الباكي" الذي نجا من محاولة اغتيال بالسم
  • «القراءة انفتاح على العالم».. أمسية ثقافية لـ«كُتّاب الإمارات»