د. عبدالله الغذامي يكتب: عصر القارئ
تاريخ النشر: 28th, September 2024 GMT
التراث هو ما تنتجه البشرية، بمعنى أن كل ما ننتجه هو تراث ينتسب إلينا، بوصفنا فئةً بشريةً لها لغة ولها أرض ولها هوية ثقافية وحضارية، وهذه معانٍ متصلة لا تقف عند حد، وفيما يخص الجانب المعرفي والثقافي فإن الآداب والفنون والفلسفة هي أبرز المعالم التي تصف حال أي أمة من الأمم، على أن الأمم كلها قد انتقلت من الأمية إلى الكتابية في فترات مبكرة من تواريخها، والنقلة تلك خلدت موروثها الفكري والأدبي، وقد ساد مصطلح التراث ليعني ما حفظته اللغة والذاكرة من قيم ثقافية بكافة أنواع الخطابات اللغوية شعراً ونثراً وسرديات، ومن أبرز المورثات الأساطير والحكايات والأمثال، وجرى التعامل معها على أنها مدونات كبرى تمثل ذاكرة الأمة وقيمتها المعنوية، غير أن مصطلح التراث ملتبس من حيث كونه يوحي بالقديم دون الجديد، ومن ثم جاء مصطلح الحداثة وكأنه يعني المواجهة مع القديم، غير أن النظر الواقعي يكشف أن كل قديم كان جديداً في زمنه، وكل حداثي سيكون قديماً لدى الآتين من بعده، بينما مصطلح التراث سيشمل الجانبين معاً، بما في ذلك كلامنا هذا الذي سيدخل في ذاكرة الثقافة بمجرد نشره، ومن هنا فإن الصراع بين الحداثة والتراث هو صراع في (التأويل) وفي التوظيف، وهذا يعني أننا نحن كبشر أحياء نظل نستعيد الأموات عبر قراءتنا لهم، وكل استعادة هي توظيفٌ متجدد لما تم إنجازه من قبل، لأن القراءة تفعل حالة إحياءٍ للمقروء، وأي مكتوب لن يفعل فعله إلا عبر قراءتنا له، ومن ثم فإننا نعيد استيحاء المتنبي كلما ذكرنا اسمه وقرأنا نصوصه، وسيتبع ذلك أننا سنقوم بتفسير نصه حسب مهاراتنا، أي أن النص للمتنبي نسبةً وانتساباً ولكنه لنا توظيفاً وتأويلاً وتفعيلاً، ومن هنا فما نسميه بالتراث هو فعلٌ من أفعال القراءة وفعلٌ من أفعال الإنتاج أو إعادة الإنتاج.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي
إقرأ أيضاً:
سلطان القاسمي يُفصح عن مكنونات تجاربه الذاتية وتأملاته الحياتية في "وسِّع عقلك"
الرؤية- ريم الحامدية
صدر للكاتب سلطان بن محمد القاسمي كتابه الجديد بعنوان "وسِّع عقلك"، عن دار كنوز المعرفة؛ وهو عمل أدبي وإنساني يحمل بين دفتيه أكثر من 40 مقالًا كتبها المؤلف في فترات متفرقة من حياته، وانطلقت من تجاربه الشخصية وتأملاته العميقة في تفاصيل الحياة اليومية.
وقال القاسمي- في تصريحات خاصة لـ"الرؤية"- إن تأليف الكتاب لم يكن بدافع النشر فقط؛ بل جاء استجابة لحاجة داخلية للتعبير عن مواقف ومشاعر وتفاصيل مر بها كإنسان قبل أن يكون كاتبًا، مؤكدًا أن الكلمات التي يتضمنها الكتاب ليست حروفًا عابرة؛ وإنما رسائل تحمل في طيّاتها ضوءًا قد يلامس مشاعر القراء ويفتح أمامهم نوافذ أمل.
ويطمح الكاتب من خلال هذا العمل إلى أن يجد القارئ نفسه بين السطور وأن يشعر بأنه ليس وحده في مواجهة تساؤلات الحياة وتقلّباتها، مؤمنًا أن التوسّع في فهم الذات والعلاقات والتجارب هو ما يمنحنا القدرة على عيش الحياة بطريقة أعمق وأجمل. وقد ركز الكتاب على موضوعات تمسّ القيمة الداخلية للإنسان كقضايا الفقد والضغط المجتمعي والسعي للحفاظ على التوازن النفسي، وهي قضايا قال القاسمي إنه كتبها بقلب ممتلئ لأنها لامسته شخصيًا وأراد أن يُوصل من خلالها رسالة تعاطف وتفهّم بدلاً من التوجيه والوعظ المباشر.
وأضاف القاسمي أن كل مقال كان يمثل له تجربة شعورية مختلفة يمر بها قبل أن يُمسك قلمه، فبعض المقالات كتبها ودموعه تملأ عينيه وأخرى خرجت منه وكأنها تواسيه قبل أن تواسي القارئ، معتبرًا أن الكتابة حالة شعورية متكاملة وليست مجرد نشاط ذهني. وحول مستقبل القراءة الورقية في ظل الثورة الرقمية، أشار القاسمي إلى أن الكتاب الورقي لا يزال يحتفظ بمكانته رغم تراجع الإقبال عليه، لما يحمله من خصوصية وارتباط وجداني بالقارئ، مؤكدًا في الوقت نفسه حرصه على توفير نسخة إلكترونية من الكتاب لتلبية احتياجات الجيل الرقمي والوصول إلى جمهور أوسع أينما كان، فالمهم في رأيه ليس الشكل؛ بل وصول الفكرة والروح إلى قلب القارئ بأي وسيلة كانت.
ويؤكد القاسمي في ختام تصريحه أن الكتاب "ليس غلافًا ولا تنسيقًا؛ بل فكرة وروح، وإذا وصلت هذه الروح إلى قلب القارئ، وسواء كان يقرؤه من هاتفه أو من كتابه المطبوع، فإن الغاية قد تحققت".