لجريدة عمان:
2025-10-19@20:48:32 GMT

الفلسفة والأدب بين إدراك الحقيقة ونسج الخيال «3»

تاريخ النشر: 27th, September 2024 GMT

الفلسفة والأدب بين إدراك الحقيقة ونسج الخيال «3»

••في المقالة السابقة، تناولت مفهوم الأدب والفلسفة، وبيّنت أن الفلسفة تناقش الموضوعات الوجودية الكبرى وأنها تميل إلى العقل، وبيّنت أيضًا أن الأدب يعتمد على الخيال. هذه الخصوصية للأدب واعتماده على الخيال دفعت الفيلسوف أفلاطون إلى استبعاد الأدب من مدينته الفاضلة، وذهب إلى توصيف العلاقة بين هذين الحقلين المعرفيين بعلاقة العداوة وأن بينهما معركة، فالفيلسوف من وجهة نظره هو وحده القادر على فهم الحقيقة، أما الشاعر والأديب فهو يصنع الوهم.

•في هذه المقالة، سوف أبيّن أن المعركة القديمة بين الفلسفة والأدب لم تدم طويلًا، وأن ثمة التقاء ومصاهرة بينهما، فمع تطور الإنسان من الأسطورة إلى العقل، وخاصة في أوروبا، انبلج عصر الإصلاح الديني وأعقبه عصر التنوير الذي ولدت من رحمه الحداثة، وبدأ التقارب بين الحقلين المعرفيين وبدأ ينظر إليهما بنظرة واحدة مضمونها أنهما يشتركان في إنتاج المعرفة.

•وبالرغم من المقاربة بينهما في أنهما ينتجان المعرفة، إلا أنه كان هناك من يزال يقر بالاختلاف بينهما من حيث الموضوع واللغة، لكن بقفزة هائلة قفزها الفيلسوف نيتشه وكذلك الفيلسوف هايدجر، دحروا هذا الاختلاف من خلال استخدامهم للغة الأدبية في التعبير عن أفكارهم وتصوراتهم، فغاص هايدجر في بحر البيان بمحسناته البديعية وما يشتمل عليه من استعارة ومجاز، فعشق الشعر والنثر، واعتبر اللغة وما تنطوي عليه من سحر وبلاغة هي سر الكينونة ومن خلالها يتم التعرف على هذه الكينونة، وكذلك كان نيتشه يفصح عن تصوراته وأفكاره الفلسفية من خلال استخدامه للغة أدبية رشيقة تنطوي على الصور الجمالية والمجازية والاستعارات، والتي جعلت أسلوبه مميزًا في انسيابيته وتدفقه.

•فنيتشه الفيلسوف الذي قدم فلسفته في قالب أدبي من خلال أسلوب السرد الروائي المعتق بالانزياح والجماليات هو في رأيي من أذاب الحدود والفواصل بين الفلسفة والأدب، فقد استخدم نيتشه اللغة الأدبية بما تزخر به من صور بديعة وجماليات للتعبير عن الحقائق والفكر. فمن خلال الأدب كان يتلمس نيتشه الحقيقة، واستطاع أن يصورها من خلال معطيات اللغة الأدبية المنسابة والمتدفقة والتي بثها معاني نفسه وروحه وألبسها رداء روحه ووجدانه، فعبّر عن الحقيقة بكل وجوهها من خير وحق وجمال وعدالة، وفسّر العالم وقام بتأويله من خلال هذه اللغة الأدبية رحبة المدى واسعة الأفق والتي وسعت نفسه ومشاعره، وعبّرت عن خوالج نفسه وروحه من خلال التعبير الرمزي والتصوير المجازي، وتجسد ذلك التعبير من خلال جل مؤلفاته الفلسفية وتحديدًا في مؤلفه البديع والقيم «هكذا تكلم زاردشت»، وبهذه الرؤية النيتشوية الوجدانية الماثلة من العمق الإنساني عمق العلاقة بين الفلسفة والأدب فجعلهما ذرية بعضها من بعض، فكلاهما يرفدان وهجهما من خلال رؤيتهما الرحبة للعالم، وكلاهما تجليات إبداعية إنسانية، وكلاهما يستمدان وجودهما من رحم الحرية، ففلسفة نيتشه تقوم على إدراك حقيقة الوجود باستجلاء عمق المشاعر الإنسانية وذلك من خلال تعبيراته الأدبية الساحرة والذي أجادها ببراعة، فمن خلال هذه التعبيرات استطاع أن يفصح عن تصوراته وأفكاره.

•إن الفلسفة النسقية التقليدية القديمة كانت لا تقبل هذا التقارب بينها وبين الأدب، ففلسفة «إيمانويل كانط» العقلانية لا تسمح بمقاربة الأدب الذي يغرق في الخيال، وينحو بعيدًا عن صرامة المنطق الذي يجافي فكرة التدفق والانسياب واستخدام الصور الجمالية، اختلف الأمر تمامًا مع الفلسفة المعاصرة، فجاء نيتشه ليزيد التقارب، وكذلك «آرثر شوبنهاور» الذي أكد على أن الإنسان لا يستطيع أن يخرج من أزمته إلا بالفن، وكذلك فعل الفيلسوف «هيجل»، الذي تناول أفكاره الفلسفية بلغة شاعرية وأعلى من قيمة الفن والموسيقى والتراجيديا، هكذا كانت الفلسفة المعاصرة التي قاربت بينها وبين الأدب. ومن أهم الفلسفات التي ولدت من رحم الأدب، هي الفلسفة الوجودية التي يتزعمها الفيلسوف «جان بول سارتر»، فتناول أفكاره الفلسفية برؤية أدبية ووجدانية عميقة، ونجد ذلك في روايته «الغثيان» التي أصّل فيها لنظرته للإنسان وفكرة وجوده، وكذلك نجد الفيلسوف «ألبير كامو» ينحو منحى سارتر في روايته «الغريب» التي عرض فيها للوجود الإنساني من خلال تعرضه لأزماته الوجودية، وانبثقت من خلال أعماله، سواء في رواية الغريب أو في كتابه «المتمرد»، رؤيته الخاصة عن الوجود الإنساني، وبلور رؤيته وصاغها بأسلوب أدبي ممزوج بمشاعره الإنسانية الفياضة، وبلغة الأديب صاغ أفكاره الفلسفية التي تبحث عن الماهية والوجود والحرية والحياة والموت.

•ويُعد الأديب الروسي «فيدور دستويفسكي» هو الأب الملهم للمذهب الفلسفي الوجودي، فأدبه الزاخر بالأفكار الفلسفية هو من أمدّ هذا المذهب بفكرة الوجودية، فأدب دستويفسكي هو تعبير عن الوجودية الإنسان وفهم طبيعته وسبر غور عمقه الإنساني من خلال تناول حياته وما يدور فيها من أحلام وآمال وتطلعات وانتكاسات ومخاوف وغيرها من المشاعر الإنسانية.

•لا شك أنه توجد علاقة وطيدة بين الأدب والفلسفة منذ نشأتهما، وبالرغم من نشوب معارك للفصل بينهما، لكنها لم تفلح في ذلك نظرًا للتقارب الشديد بينهما، فكما ذكرت آنفًا أنه توجد بينهما آصرة قربى من خلال وحدة الرؤية، فكلاهما يبحثان عن الحقيقة من خلال رؤيتهما للعالم، وكلاهما تجليات للإبداع الإنساني.•

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من خلال

إقرأ أيضاً:

الرئيس السيسي يرد على الشائعات التي طالت مصر خلال حرب غزة

رد الرئيس عبد الفتاح السيسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، على الشائعات التي طالت مصر خلال حرب غزة، قائلا: «مصر لم تتوقف عن دعم غزة خلال الحرب الأخيرة».

وقال الرئيس السيسي أثناء الندوة التثقيفية الـ42 للقوات المسلحة المنعقدة بمركز المنارة في القاهرة: «بذلنا جهودًا كبيرة لوقف الحرب في قطاع غزة».

وأضاف:« أحداث 2011 كانت شكلا من أشكال الحرب التي واجهتها مصر»، مشددا على أن مصر اجتازت التحديات التي واجهتها خلال السنوات الماضية بفضل الله.

الندوة التثقيفية الـ42 للقوات المسلحة

شهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، اليوم الأحد، الندوة التثقيفية الثانية والأربعين، والتي تقيمها القوات المسلحة، بمناسبة الذكري الـ 52 لانتصارات حرب أكتوبر المجيدة، وذلك بمركز المنارة للمؤتمرات الدولية بالقاهرة الجديدة.

تأتي هذه الندوة ضمن سلسلة الفعاليات الوطنية التي تهدف إلى تعزيز الروح الوطنية وتسليط الضوء على بطولات القوات المسلحة المصرية في حماية الوطن وتحقيق نصر أكتوبر

يشارك في الاحتفالية رئيس مجلس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، ووزير الدفاع والإنتاج الحربي الفريق أول عبد المجيد صقر، وقادة الأفرع الرئيسية بالقوات المسلحة، وكبار رجال الدولة وعدد من الشخصيات العامة، إضافة إلى أبطال حرب أكتوبر.

اقرأ أيضاًاليوم.. الرئيس السيسي يشهد الندوة التثقيفية الـ42 للقوات المسلحة

كلمة الرئيس السيسي في منتدى أسوان للسلام والتنمية.. «النص بالكامل»

مقالات مشابهة

  • "اوعوا متجوش".. مايان السيد تروج للعرض الأول لفيلمها "ولنا في الخيال حب" بمهرجان الحونة
  • د. عادل القليعي يكتب: الفلسفة وقضايا العصر !
  • الرئيس السيسي يرد على الشائعات التي طالت مصر خلال حرب غزة
  • مكتبة مصر العامة بقنا تحصد المركز الثانى في ملتقى الأقصر السنوى للفنون والأدب
  • مصرع شاب على يد صديقه خلال مشاجرة بسبب خلافات بينهما فى البحيرة
  • مشكلة الشرّ... جرح الفلسفة المفتوح
  • "ولنا في الخيال حب".. رومانسية أحمد السعدني ومايان السيد تثير الجدل بمهرجان الجونة
  • النقد الدولي يدعو الراغبين باستخدام الأصول الروسية إلى إدراك العواقب
  • كم عدد الشاحنات التي دخلت غزة خلال أسبوع؟
  • هرتسوج يلتقي مع الأسرى الإسرائيليين: أنتم العامل الذي وحد الشعب