لجريدة عمان:
2025-01-27@19:12:17 GMT

الانسجام مع الذات

تاريخ النشر: 27th, September 2024 GMT

••متى استطاع أحدنا الانسجام مع ذاته، حصل في الوقت نفسه على أغلب الحلول لقضاياه ومشاكله، ولربما أتاح له الانسجام في اللحظة ذاتها التفكير في كثير مما كان بعيدا عن تفكيره في أغلب الأوقات، ولأننا - في غالب أوقاتنا - غير منسجمين مع ذواتنا، لذلك نحن عالقون في مساحات تائهة تبحث عن عنوان يوصلها إلى الضفة الأخرى من النهر، حيث تضيع الخرائط، وتتشابه الطرقات، فلا نحن مع قضايانا الخاصة فنحركها نحو الصواب، ولا مع قضايا العامة لنسهم في جزء من حلولها، فشتات الذهن يغيبنا عن كثير مما نود أن نكون عليه، وربما قد نحتاج إلى زمن طويل لنسترجع جزءا من هذا الانسجام للملمة شتات أنفسنا.

•لعل أقسى اللحظات التي نتصادم فيها مع ذواتنا هي تلك اللحظات التي يطلق عليها اللحظات الحرجة، وما أكثرها في حياتنا اليومية، وهذا الصدام هو جزء من عدم الانسجام، حينها نرفض منطق الأشياء، وعندما يواجهنا الآخرون، نرى في مواجهتهم الكثير من الـ«حشرية» ولذلك نسارع بالقول: «هذا شيء لا يعنيك» نقولها حتى لأقرب الناس إلينا، من الذين يودوننا، ويخافون علينا، ويجلون قدرنا، ويدركون خطأنا، ويعرفون مآلات تصرفاتنا الغبية، ومع ذلك نواجههم بقوة، وبتعنت، وكأننا ملكنا نواصي الأمور، وأدركنا نتائج الأقدار.

•ربما، في ظروف بالغة القسوة، نعيش حالات من عدم الاتزان، فـ«المرء في المحنة عي» كما هو الفهم السائد، ولذلك يحتاج إلى كثير من التبصير، وهذا لا نجده إلا عند المخلصين، كما نحتاج إلى كثير من التبصر، وهذا لا نجده إلا عند أنفسنا، والخطورة الكبرى في هذه الحالة عندما نفتقد بوصلة التوجيه لا إلى هذا، ولا إلى ذاك، فتغرقنا التفاصيل، ونتوه في مساحات ممتدة من اللاوعي، ولذلك تأتي النصيحة دائما في حالة الهيجان أو الاحتقان التي نمر فيها لظرف ما، إن كنا واقفين فعلينا الجلوس، وإن كنا جالسين، فعلينا الاضطجاع، وفي التوجيه النبوي علينا بوضوء الصلاة، كل ذلك لنعيد أنفسنا المستنفرة إلى طبيعتها، وطبيعتها إنسانية بلا جدال، فالإنسان لن يخرج عن إنسانيته إلا في «ظروف اللحظة الحرجة».

•في كثير من مواقف امتحانات الذات، تغالبنا العزة، فندفع ثمنها بالإثم، هو نوع من التكبر والنرجسية، وربما، الغطرسة في بعض المواقف، ونظن بذلك قد كسبنا رهان الاستحقاق لما نقف معه أو ضده، وهذا التقييم ليس صحيحا، والدليل، أنه بعد لحظة زمنية، قد لا تطول، نتعرض لسيل قاس من عتاب النفس، ونقول لأنفسنا: ما كان ينبغي أن ننتصر للباطل، وننأى بالحق جانبا، فالانتصار للباطل هو ظلم للآخر، مهما كانت المبررات، وأجزم أن ليس هناك عاقل يسعى إلى حتفه باعتناق الباطل للضرر بالآخرين، فهذه كلها صور تؤكد أن هناك مواقف كثيرة تعكس حالات الانفصام التي نعيشها مع أنفسنا، أدركنا ذلك مع «سبق الإصرار والترصد» أو لم ندرك ذلك، حيث يتغشانا الدرن على كل مفاصل تصرفاتنا.

•في مشهد مؤثر جدا في بلد غير إسلامي، كان هناك طفل لا يتجاوز عمر السنوات العشر الأولى يتلو آيات من القرآن الكريم في أحد برامج مسابقات الأصوات، فاستطاعت آلة التصوير أن تعمل مسحا سريعا على وجوه من حضر على المسرح، وعلى لجنة التحكيم، فإذا بالعيون تذرف دموعا غزيرة ترطبت بها الخدود، حيث عندها، تحقق انسجام الأنفس مع ذاتها، بفعل آيات القرآن الكريم.، وهذا يعودنا إلى المعنى الكبير في حديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه...» فالانسجام واحد من تحققات الفطرة السوية.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: کثیر من

إقرأ أيضاً:

هل يتنازل حزب الله قبل الذهاب إلى الاستقرار؟

في الايام الماضية كان الحديث عن ان فشل اتفاق رئيس الحكومة المكلف نواف سلام مع "الثنائي الشيعي" سيؤدي الى قيام الاول بتقديم حكومة امر واقع قبل "انتهاء مهلة الـ ٦٠ يوما" وبالتالي حتى لو لم تأخذ الثقة، ستصبح هي الحكومة الحاكمة التي تصرف الاعمال، وقد تم استخدام عبارة "انتهاء مهلة الـ ٦٠ يوماً" من قبل بعض اوساط سلام للاشارة الى موعد تقديم التشكيلة، ولم يستخدموا عبارة "نهاية الاسبوع".

ليس عابراً ربط السياسة الداخلية واستحقاقاتها بالحرب الاسرائيلية على لبنان او بفترة الهدنة، هناك بالقرب من "حزب الله" من لديه شعور بأن جزءا من الاداء العسكري الاسرائيلي خلال الهدنة مرتبط بالحراك السياسي الداخلي وهذا يمكن وصفه بالعصا الغليظة التي تُرفع في وجه الحزب لتقديم تنازلات سياسية واضحة في مواجهة خصومه، على اعتبار ان الهدف الاميركي اليوم هو تغيير واقع وتوجه السلطة في لبنان.

خلال الحرب وصل "حزب الله" الى اسوأ حالاته لكنه بدأ بالتأقلم والتعافي  تدريجيا وتحت النار، وهذا حال كل التنظيمات غير النظامية التي لديها قدرة سريعة على التعايش مع الظروف، ومقارنة مع بداية الحرب او مع نهايتها، قطع "حزب الله" اليوم اشواطاً في مسيرة التعافي، وهذا ما سيؤدي، وان بنسب محددة، الى ردم هوة الردع التي كسرتها اسرائيل ولن تكون بعد انتهاء مهلة الـ ٦٠ يوماً هناك قدرة مماثلة على التهديد بالحرب.

هناك قاعدة ثابتة في الحروب تقول بأن الهُدن تساعد التنظيمات على التأقلم والترميم لكنها تجعل الجيوش النظامية تتراخى، لهذا ولاسباب كثيرة اكثر اهمية، لا يبدو ان الحزب ستعود، وعليه فإن الانجازات الداخلية للقوى المعارضة للحزب، واذا كانت تستند الى ضعف الحزب العسكري فإنها لن تعود صالحة بعد انتهاء المهلة وانسحاب الجيش الاسرائيلي.

عامل اخر سيجعل الحزب يستعيد قدرته السياسية داخلياً، هو تشييع الامين العام السيد حسن نصرالله، اذ ان الحشد الشعبي المتوقع في هذا الحدث قد يقلب المعادلة الداخلية او يعيد للحزب قدرته على التوازن. عمليا لا يحتاج الحزب في اي عملية اثبات حضور سياسية في الداخل للصواريخ الاستراتيجية التي من المفترض ان اسرائيل قصفتها، بل الى القدرات الشعبية وهذا ما قد يستعرضه خلال التشييع.

بمعنى اخر، اذا لم تحصل قوى المعارضة على تنازلات من "حزب الله" خلال المرحلة الحالية فإن الامر سيصبح اكثر صعوبة مع مرور الوقت، اضف الى ذلك ان الدول المعنية والمهتمة بالاستقرار في لبنان واعادة انعاش الاقتصاد لن تخاطر بالذهاب الى الفوضى السياسية الى ما لا نهاية. المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • زياني: “هذه الصعوبة التي واجهها ديلور وسليماني في البطولة المحلية”
  • العدوّ الإسرائيليّ اتّصل برئيس بلديّة... وهذا ما طلبه منه
  • الحقيقة التي أدركها أخيرًا كثير من جنود الميليشيا وضباطها من المخدوعين (..)
  • أنشيلوتي: مبابي «كثير من الجودة»
  • أبو زيد يُحيي توافد أبناء الجنوب إلى قراهم.. وهذا ما قاله
  • عبدالباري طاهر: لا مخرجَ أمامنا كيمنيين غير العودة إلى أنفسنا والتخلي عن أوهام القوة
  • د.حماد عبدالله يكتب: 21 شيئًا ستندم عليها لاحقًا !!
  • عملية دهم للجيش في مخيم نهر البارد.. وهذا ما ضبطه
  • قُل من أنت؟
  • هل يتنازل حزب الله قبل الذهاب إلى الاستقرار؟