حرص العمانيون منذ بزوغ فجر الإسلام وانتشاره في البلاد على تأصيل علاقتهم بالدين وتوثيق ارتباطهم الروحي بتعاليمه ومبادئه، فكان سعيهم لوجود مكان يجمعهم لهذا الغرض هو أحد أبرز اهتمامهم، فلم يكن هناك خيار أفضل من المساجد لتكون حاضنة للمجتمع المسلم الوليد، ومع انتشار المدن وتوسّع العمران تعددت المساجد حتى أضحت تغطي كل بقعة من بقاع المدن العمانية؛ حيث إنه وانطلاقًا من تلك الأهمية شرع العمانيون في بناء المساجد وإعمارها فنادرًا أن تمر بمنطقة أو جهة ولا تسمع فيها صوت (الله أكبر) ينطلق ليملأ الآفاق ويضيء الكون بنفحاته ونورانيته، وتتميز مدينة نزوى بوجود أعداد كبيرة من المساجد المنتشرة في كل مكان بالولاية منها ما هو قديم ومنها الجديد ومنها ما تم تجديده مع الاحتفاظ باسمه، كيف لا وهي مدينة التاريخ والعلم حيث انتشرت وتعددت في كل حي وشارع، وفي إحصائية برنامج المساجد بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية يوجد قرابة 497 جامعًا ومسجدًا معمورًا بالإضافة إلى جامع السلطان قابوس وجامع القلعة وجامع أكاديمية السلطان قابوس لعلوم الشرطة، وغيرها الكثير من المساجد التي لم تعد مأهولة ولكن بناؤها ما زال صامدًا إلى يومنا هذا، حيث يقدّر الكثير من كبار السن والمؤرخين أن بالولاية ما يربو على 1000 مسجد بين عامر بالذكر والصلوات الخمس وقائم يحافظ على بنيانه ومكانه.

يقول الكاتب والمؤرخ محمد بن عبدالله بن سعيد السيفي: منذ دخول العمانيين في الإسلام وعبر القرون المتطاولة كان المسجد مركزا مهما للإنسان العماني المسلم فقد كانت هذه المساجد ولا زالت تقوم برسالة روحية سامية لربط المسلم بين مطالب الروح والجسد؛ وأضاف: بلورت مساجدنا كثيرًا من الأدوار في الحياة العامة فهذه المساجد حقل في تقويم شخصية المسلم وبناء دوره الفكري الأخلاقي فينشأ في المجتمع نشأة أخلاقية سلوكية، وأضاف: كانت هذه المساجد مراكز تعليمية كما قامت بأدوار اجتماعية تتعلق بعقد الزواج والصلح بين الخصوم وفي أروقتها المباركة يجتمع الناس لمناقشة ما يحتاج له المجتمع وما يحتاج له الفقير من أوقاف وإعانات، وظل الأمر كما هو عليه وإن اختلفت طرق عرضه وصيغ تنفيذه وقد رأينا في المساجد مشاهد كثيرة تبيّن اللحمة الإسلامية والارتباط الجمعي بين المسلمين في لقاءاتهم عبر خمس صلوات يوميًا حيث يتعرف كل واحد على أخيه وما يحتاجه وما هو عليه فينشأ بذلك رابط الجسد الواحد وإن اختلفت الأرواح، ونشير إلى أن المساجد لها أوقاف كثيرة تعزز الوحدة الإسلامية والرابطة الأخوية الإيمانية الوثيقة.

ترسيخ قيم التسامح

وعن دور المسجد في ترسيخ قيم التسامح والترابط الاجتماعي قال السيفي: إن اجتماع المسلمين في اليوم خمس مرات كفيلة بزرع الروح الواحدة بين فئات المجتمع مهما تباينت طبقاتها واختلفت مواقعها واتجاهاتها وقد علّمنا رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ذلك حين قال ( وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ) وإن النماذج الكثيرة التي قدمتها المساجد في غرس قيمة التسامح مثل أولئك النفر الذين أتوا من مضر في حالة فقر مدقع فأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أصحابه بعونهم وإسنادهم والتصدق لهم هو المشهد الذي يتجدد يوميا في مجتمع بين تلاحم وتزاور وبين إقامة المناسبات المتعلقة بالمولد الشريف أو في شهر رمضان والإفطار الجماعي والصلح وتلاشي الطبقية إلى غير ذلك من مضامين القيم الاجتماعية المتعددة.

تمازج فريد

وعن الطُرُز المعمارية والطابع التراثي للمساجد وترابطه مع باقي الأبنية قال: كما أن العمانيين اهتموا بالجانب الروحي فإن هذا الجانب برزت فيه لمسات الإبداع والهندسة والنموذج الفريد في المحاريب الجصية التي يحشد فيها الناحت كثيرًا من الزخارف والنقوش الدقيقة والهندسية، ونحن نتجول في أروقة العقر التاريخية نجد شموخ البناء مع تواضعه كما نجد تلك المحاريب الجصية التي يمتلأ بها محراب مسجد الشواذنة الذي هو ثاني صرح في العبادة بني في عمان، ونجد ذاك البناء الذي يتقاسم مع الطبيعة في اللون والمواد المستخدمة، وتنهض في حارة سعال بنزوى ثلاثة مساجد زخرفية يتصدّرها جامع سعال الذي به أقدم نقش جصي زخرفي في سلطنة عمان يعود لسنة ٦٥٠ هجرية، وهكذا في حارة الشرجة النزوية، ولم يكن هذا الأمر قاصرا على نزوى وحدها فهناك نماذج هندسية فريدة في الزخرفة والبناء في جامع بهلا ونماذج في الرستاق ونخل وعبري، وسائر بلدان عمان تحتفظ بتلك النفحات الهندسية والطرز المعمارية الثابتة.

نماذج من الجوامع

وربطًا لهذا الموضوع نلقي الضوء على بعضٍ من المساجد بالولاية حسب أهميتها وتاريخها مع الإشارة إلى أن هذه الاقتباسات هي اجتهاد لتوثيق جانب من أهم الجوامع والمساجد وليست للحصر، وعند الحديث عن جوامع الولاية لابد من البدء بأهم جامع على مر العصور الجامع المسمّى حاليًا "جامع القلعة" وكان بمسمى جامع نزوى وجامع عقر نزوى، وقد بني في القرن الثاني الهجري، وليس هنالك من تاريخ يحدد سنة بنائه، وأغلب الظن أنه بني في عهد الإمام غسان بن عبدالله الذي بويع له سنة 192هـ، ثم جدد بناؤه في عهد الإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي بعدما أتم بناء قلعة نزوى فوسّعه وزاد عليه بعض التحسينات، وقد أعيد بناؤه في نهاية السبعينيات وأدخلت عليه زيادة كبيرة في المساحة وبني بناء يليق ومكانته الدينية والتاريخية وعلى أحدث الأنظمة المعمارية الإسلامية، حيث يمتاز بمئذنته السامقة وقبته الكبيرة وتقدر مساحته الداخلية بمائتين وخمسين ألف متر مربع وهو يتسع لألف وثمانمائة مصل وتحيط به ساحة خارجية تقدر بخمسة عشر ألفًا وتسعمائة متر مربع، ويضم الجامع مكتبة إسلامية عامرة بالمراجع والمصادر حيث يقصدها الباحثون وناشدو المعرفة لينهلوا من معينها العلمي والأدبي والديني،وفي المسجد معهد تدرس فيه علوم القرآن والحديث وسيرة السلف الصالح إضافة إلى العلوم الحديثة ويعتبر استمرارا لمسيرة هذا المسجد العلمية الضاربة في أعماق التاريخ، وتقام في هذا الجامع شعائر صلاة الجمعة المباركة وسائر الصلوات والندوات والمحاضرات المختلفة، وقد أمر السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيّب الله ثراه- بإعادة بنائه إدراكًا منه مكانة هذا الجامع في هذه المدينة فبُني بناءً يليق بمكانته الدينية والتاريخية ليعانق القلعة الشهباء طولًا وشموخًا وحمل اسم (جامع السلطان قابوس) حيث افتتحه السلطان الراحل -طيب الله ثراه- يوم الجمعة الخامس عشر من نوفمبر عام 1980 وألقى فيه خطبة الجمعة المباركة وتم تغيير مسمّاه إلى جامع القلعة عند إنشاء جامع السلطان قابوس الحالي في العام 2015.

جامع السلطان قابوس

يقع جامع السلطان قابوس بنزوى في متوسط الطريق الذي يربط محافظة الداخلية بمحافظات ظفار والظاهرة ويتميّز بكونه معلما إسلاميا بارزا في سلطنة عمان ويأتي الجامع بالترتيب الثالث على مستوى سلطنة عمان من حيث الفخامة والعمارة والسعة حيث بني الجامع على مساحة تبلغ 80 ألف متر مربع، شاملة كافة مرافق الجامع والمسطحات الخضراء ومواقف السيارات، أما مساحة البناء للجامع فبلغت 13.200 ألف متر مربع ويتسع لأكثر من 1000 مصل، حيث يستوعب الجامع من الداخل قرابة 4500 مصل، بالإضافة إلى إمكانية استخدام صحونه الخارجية للصلاة والتي تتسع لحوالي 5300 مصل، ومن معالمه الفريدة وجود أربع منارات يصل ارتفاعها إلى 80 مترًا وقد تم افتتاح الجامع في يوم الجمعة الموافق 18سبتمبر 2015م.

مسجد جامع سعال

يقع بقرية سعال ولا يعرف تاريخ بنائه إلا أنه من الراجح أنه بني في السنة الثامنة من الهجرة وجدد بناؤه عدة مرات، ولكن المحراب باقٍ؛ لأن فيه تاريخ البناء، ولقد عمّر هذا المسجد عدد من العلماء والأفاضل والأولياء الصالحين، وأقيمت فيه حلقات الذكر والتدريس، وتخرج منه عدد كبير من العلماء، وله دور كبير في نشر التعليم الديني، وتم ترميم المسجد قبل سنوات قليلة وهو عامر بالمصلين والحمدلله، كما تقام به بعض الدروس الدينية كسابق عهده حيث كان مدرسة تخرج منها العديد من العلماء.

مسجد الشواذنة

بني هذا المسجد في العام 7 هـ، وهو مبني على قاعدة صخريّة وتحيط به طرق أو أزقة ضيّقة ومتعرّجة ويرتفع عن أرضيّة الطريق المحيط به بحوالي ثلاثة إلى خمسة أمتار ورمم عدة مرات لكن المحراب لم يزل قائما باقيا منذ بنائه الأول، ويقع هذا المسجد في قلب محلة العقر بنزوى ولقد عمّر هذا المسجد عدد من الأفاضل العلماء الذين لازموا فيه العبادة وحلقات الذكر ونشروا من خلاله العلوم في العقيدة وأصول الفقه والحديث واللغة من نحو وصرف وبلاغة ولقد جدد بناؤه مرارا وهو عامر بالمصلين.

مسجد الشيخ

ينسب إلى الشيخ البشير بن المنذر العقري النزوي، وكان هو المتقدم في عقر نزوى، وله رهط كبير وهم بنو زياد وبنو نافع، ويعتبر هذا الشيخ الركيزة العلمية الثانية بعمان بعد العلامة موسى بن جابر الأزكوي، يقع هذا المسجد جنوبي الحصن بعقر نزوى، وبناه هذا الشيخ في العقد التاسع من القرن الثاني الهجري، أي بعد عودته من البصرة، وقد أقام فيه حلقات للتدريس، وتخرج منه عدد من العلماء والفقهاء، واستمر التدريس في المسجد حتى عهد الإمام محمد بن عبدالله الخليلي -رحمه الله- وقد أعيد بناء المسجد في عام 1413هـ الموافق 1993م على النمط المعماري الحديث.

مسجد مزارعة

يقع في حارة العقر بولاية نزوى وحسب الشواهد يعد المسجد من المساجد التاريخية والأثرية القديمة ويظهر ذلك من خلال قِدم بنائه والذي بُني في القرن الثالث الهجري ولا يعرف من الذي قام ببنائه أو تمويله حيث تذكر الروايات أن رجلاً أراد تمويل بناء المسجد على نفقته الخاصة دون أن يعرف أحد بذلك فاتفق مع الرجل الذي سيشرف على العمل وبعد فترة توقف البناء فذهب أحد الصالحين وسأل المشرف على إدارة البناء عن سبب توقف العمال عن البناء وعدم إكمال العمل فقال المشرف على البناء بأن الرجل الذي كان يموّل العمل قد توفاه الله فقال الرجل الصالح أكملوا العمل بنفس الأجر الذي تتقاضونه على نفقتي بشرط ألا تخبر أحدا ويكون بذلك قد تعاقب شخصان على بناء المسجد ولا أحد يعرف من هما.

مسجد اليعاربة

يقع هذا المسجد في بركة الموز على ضفاف فلج الخطمين، وبناه الإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي في القرن الحادي عشر الهجري حالما كان يقوم بشق فلج الخطمين، لكن لم يكن بهذه السعة التي عليها الآن، فأكمله ووسعه وأتقن بناءه السيد محمد بن الإمام أحمد بن سعيد عندما قام ببناء بيت الرديدة وذلك في مطلع القرن الثالث عشر الهجري ولا يزال هذا المسجد قائما عامرا بالمصلين إلى يومنا هذا.

مسجد الفرض

بني قبل قرابة ألف عام أو أقل من الآن عن طريق العالم الجليل أحمد بن محمد من بني محيص الذي كان يسكن حارة العقر بولاية نزوى في قلب الحارة وعلى مسافة قرابة 100 متر من حصن نزوى القديم الذي قام ببنائه الإمام الصلت بن مالك الخروصي في القرن الثالث الهجري، وكان المسجد يؤدي دوره الديني والاجتماعي منذ ذلك الحين وبرغم تقادم السنين إلا أن المسجد بقي صامداً أمام تقلبات الزمن محافظًا على كينونته وقدسيته حيث لا يزال يؤدي دوره إلى يومنا هذا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: جامع السلطان قابوس هذا المسجد من المساجد من العلماء المسجد فی فی القرن متر مربع بنی فی جامع ا

إقرأ أيضاً:

تريندز يدشن مكتبه العاشر عالمياً في جاكرتا

دشن مركز تريندز للبحوث والاستشارات، مكتبه في جاكرتا ليصبح المكتب العاشر عالمياً، جسراً معرفياً في القارة الآسيوية، كما أطلق أربعة كتب باللغة الإندونيسية بشراكة إعلامية مع مركز الاتحاد للأخبار.

جاء ذلك ضمن جولته البحثية الآسيوية، وتزامناً مع مشاركته في معرض إندونيسيا الدولي للكتاب 2024 بصفته راعياً رئيسياً.

أخبار ذات صلة «تريندز» يستشرف مستقبل علاقات دول التعاون وجنوب شرق آسيا «تريندز» يشارك في «معرض إندونيسيا للكتاب 2024»

وقال الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، خلال حفل تدشين المكتب بحضور السيدة ني ماد أيو مارتيني نائب وزير التسويق والسياحة والاقتصاد الابداعي الإندونيسي، وجمع من الباحثين والأكاديميين، إن مكاتب تريندز العالمية، التي سيصل عددها إلى 15 مكتباً مع نهاية العام 2024، تأتي لتعزيز عمله البحثي، وتعميق دوره والحصول على المعلومات ونشر المعرفة من واقع الأحداث، بما يشكل جسراً معرفياً عالمياً.


وأضاف: "نؤمن في تريندز بأهمية التعاون بين مراكز الفكر، ونضع هذا الأمر في مقدمة أولوياتنا، ونعتقد أن مكتب تريندز -جاكرتا، سيُساهم في تعزيز تبادل المعرفة والأفكار بين مراكز الفكر في آسيا والمنطقة، وسيفتح آفاقاً جديدة للتعاون في مختلف المجالات".

المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • مركز جامع الشيخ زايد الكبير يعزز مكانته على خريطة السياحة الثقافية
  • مركز جامع الشيخ زايد الكبير بأبوظبي يعزز مكانته على خريطة السياحية الثقافية
  • تريندز يدشن مكتبه العاشر عالمياً في جاكرتا
  • خريطة افتتاحات المساجد في 7 محافظات اليوم.. اعرفها
  • الكنيسة تحتفل الليلة بعيد الصليب.. مراسم دينية تضيء المساء
  • «الشارقة للعمل التطوعي» تضيء على تجارب ملهمة
  • انطلاق الدورة الثانية من دورات التعامل اللائق مع رواد المسجد للعمال
  • التشهير يرسل فايسبوكياً إلى السجن بسيدي بنور
  • انطلاق دورات التعامل اللائق مع رواد المسجد وضيوف الرحمن لعمال المساجد