باريس- يبدو أن تأثير أقصى اليمين على السلطة التنفيذية في فرنسا بدأت ظلاله تتكشف بوضوح، وأثبت أن الأوراق بيده في سياق التشكيلة الجديدة للحكومة التي يرأسها ميشال بارنييه والمقترحات الأمنية المناهضة للهجرة التي قدمها وزير الداخلية برونو ريتيليو.

وفي حين يُعتبر بارنييه أحد مهندسي قانون الهجرة في مجلس الشيوخ الفرنسي، جاء تعيين ريتيليو ليكون بمنزلة العودة المؤكدة لملف المهاجرين داخل حكومة ذات توازنات محفوفة بالمخاطر.

ويرى محللون أن تركيز الحكومة الجديدة على الهجرة -بوصفها أولوية وطنية- أمر مبالغ فيه، منتقدين "الخلل الذي ينهش مؤسسات البلاد"، بما في ذلك هيكلة الوزارات وتقسيم السلطات بين الكتل السياسية.

إيقاع يميني

ومنذ اختيار الرئيس إيمانويل ماكرون لبارنييه، حافظ المسؤولون التنفيذيون في حزب أقصى اليمين الذي تقوده مارين لوبان على الغموض بشأن الطرق والتبريرات التي سيمنحون من خلالها الحكومة فرصة الاستمرار، مكتفين بالتشديد على ضرورة "أخذ حالات الطوارئ الكبرى للفرنسيين بعين الاعتبار، أي القوة الشرائية والأمن والهجرة".

ويعتبر أستاذ العلوم السياسية توماس غينولي أن هيكلة الحكومة تتوافق تماما مع المواصفات المطلوبة "وكان من الضروري دفع الثمن لحزب الجمهوريين اليميني بعدد المقاعد لأن دعمه كان محوريا لتشكيلها، أما باقي المقاعد فخُصصت لأعضاء الكتلة الماكرونية".

وقال غينولي للجزيرة نت إن خط الحكومة السياسي المعلن لن يخضع لرقابة أقصى اليمين، لأنه متوافق ومقبول بالنسبة إليه، والدليل على ذلك تنصيب شخصية يمينية متشددة في وزارة الداخلية، وهو برونو ريتيليو.

من جانبه، يرى الوزير السابق بالحكومة الفرنسية عزوز بقاق أن البلاد أمام بداية النهاية، مفسرا ذلك بالقول "يعلم الجميع أن ماكرون يمهد الطريق أمام اليمين المتطرف للفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة لجعل فرنسا تبدو مثل إيطاليا جورجيا ميلوني، وحتى ألمانيا يحكمها هوى سياسي يميني بعد أن حاربت أدولف هتلر والفاشية".

وأضاف للجزيرة نت أن السياسة تدور حول فكرة محورية، وهي أن "كل شيء مباح لكي تحصل على ما تريد"، مشبها ما يحدث في فرنسا بسياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يستعد لجعل الحرب على غزة إقليمية لإنقاذ نفسه، أو الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي يتبع "المنطق الانتحاري نفسه"، وفق وصفه.

سياسة الهجرة والتخويف

ومنذ تولي ريتيليو منصبه في وزارة الداخلية خلفا لجيرالد دارمانان، الاثنين الماضي، ركز خطابه في أثناء نقل السلطة على كلمة الهجرة، متوعدا بـ"وضع حد للدخول غير القانوني" و"زيادة الترحيل".

وفي اليوم ذاته، أحدث دارمانان زوبعة إعلامية قبل تسليمه مفاتيح ساحة بافاو إلى أقصى اليمين عندما قال: "لو كان اسمي موسى دارمانان، لما تم انتخابي رئيسا للبلدية ونائبا، وبلا شك، لم أكن لأصبح وزيرا للداخلية".

وعلقت رئيسة جمعية حقوق المسلمين (إيه دي إم) سهام زين، قائلة إن ذلك "أثبت أننا على حق بشأن العنصرية الممنهجة، وقد أخفت المتحدثة الرسمية بريسيلا ثيفينوت أيضا جزءا من اسمها، لأنها ابنة لمهاجرين، ونراهم اليوم يعلنون وجود العنصرية بعد ترك مناصبهم الوزارية".

وتابعت "تدعي باريس أنها ستتعرض للغزو من المهاجرين، وهذا كذب مطلق، لأن هناك عددا أقل بكثير من الأجانب الراغبين في المجيء إلى فرنسا في السنوات الأخيرة". وأوضحت للجزيرة نت أن المسلمين في فرنسا أصبحوا هدفا للسياسات الأمنية منذ عام 2015، إذ تم استخدام جميع الأدوات الممكنة التي لا يمكن تصورها لشيطنتهم، مما يزيد من حدة التمييز ويجعل حياتهم صعبة للغاية.

ووفقا لها، وثقت منظمتها كل الاعتداءات على حقوقهم من خلال العمل الميداني، مع الإشارة إلى انتهاكات الحقوق وتنبيه المؤسسات الدولية، متوقعة "زيادة الخطاب العنصري، لأنه لم يعد هناك أي عائق".

أما المحلل السياسي غينولي، فيعتبر أن المبالغة في تخويف الفرنسيين من شبح الهجرة الجماعية "مشكلة لا أساس لها"، مستشهدا بأرقام المعهد الوطني للإحصاءات والدراسات التي تعترف بأن نسبة المهاجرين الوافدين لا تتعدى 0.3% سنويا. لذا، يرى أنه من الجنون مشاهدة وزير الداخلية وهو يعطي الأولوية لهذه المسألة، و"إذا اعتبرت الحكومة أن هناك الكثير من العرب في البلاد، فهذا لا يعني أننا أمام مشكلة هجرة، وإنما عنصرية واضحة".

وبينما أصبحت الهوية الأوروبية قضية رئيسية لعديد من الناخبين في أوروبا، لأن أقصى اليمين فاز في الحرب الدعائية التي اعتمد فيها على خطة التخويف وجعلت من العرب "كبش الفداء"، لا يؤمن بقاق بوجود جالية مسلمة أو عربية في أوروبا أو غيرها. وتساءل "هل يمكن لأحد أن يصدق اليوم أن المسلمين والعرب لا يستطيعون فعل أي شيء لتجنب المذبحة في غزة أو لبنان؟".

أما بالنسبة لتصريحات دارمانان، فيصفها بقاق بـ"العار" و"أكبر فضيحة" لوزير الداخلية الذي اكتسب سمعته من الأمن ومكافحة الهجرة وضد المسلمين. وقال إن ذلك يؤكد أنه إذا أردت أن تكون شخصا مهما في فرنسا، فعليك إخفاء أنك مسلم أو عربي، لهذا لم يجرؤ أبدا على القول إنه اضطر إلى إخفاء اسمه الأول موسى من قبل لتحقيق النجاح في المجتمع السياسي الفرنسي.

خلل النظام

وقبل الاجتماع الأول لمجلس الوزراء ظهر الاثنين الماضي، التقى ميشال بارنييه فريقه الحكومي المكون من 39 وزيرا في قصر ماتينيون للتعرف على بعضهم بعضا، بعد أن حل محل غابرييل أتال ودارمانان وبرونو لومير وغيرهم أسماء غير معروفة لعامة الشعب.

وفي ظل هذه التشكيلة الحكومية الجديدة، يستذكر بقاق الفترة التي كان فيها وزيرا، قائلا "لقد كنت عربيا ومسلما وصديقا للرئيس الراحل جاك شيراك ووزير خارجيته دومينيك دو فيلبان الذي كان فرنسيا جمهوريا يتمتع بمهارة دولية، وهذه هي القيم التي اختفت تماما في فرنسا التي تمر بتدهور دبلوماسي واقتصادي وفلسفي خطير وسامّ للغاية".

من جهته، اعتبر المحلل توماس غينولي أن السياسة الفرنسية أظهرت أنه يمكن أن تحدث تحولات غير متوقعة طوال الـ20 عاما الماضية، "فلو أخبرني أحدهم من قبل أن اليمين المتطرف سيحصل على أكثر من 40% في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية كنت سأنفجر ضحكا، وأقول إن ذلك مستحيل".

وبحسب المتحدث، يعود ذلك إلى انهيار الآلة المؤسسية في البلاد بعد أن أصبحت السلطة التنفيذية تمثل عكس الرسالة التي عبر عنها الفرنسيون خلال الانتخابات. ولم يقم ماكرون بأي خطوة غير قانونية أو غير دستورية، لكنه جعل من الممكن أن تتناقض المؤسسات مع حكم صناديق الاقتراع.

وبشأن ما وصفه بـ"الخلل العميق في الديمقراطية الفرنسية"، يفسر غينولي ذلك بالقول إن "اليسار فاز في الانتخابات، لكنه ليس في السلطة، وخسر ماكرون الانتخابات لكنه ظل في الرئاسة، وبينما تعرض اليمين لضربة قوية في الانتخابات، يمثل نفسه اليوم من خلال رئيس الوزراء".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أقصى الیمین فی فرنسا

إقرأ أيضاً:

ماذا تعني الانتخابات الأمريكية لأوكرانيا والشرق الأوسط والناتو؟

منذ الغزو الروسي في فبراير (شباط) 2022، أبقت الولايات المتحدة أوكرانيا على أجهزة الإنعاش، من خلال جهد دبلوماسي عالمي وأكثر من 55 مليار دولار من المساعدات العسكرية، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوية والبحرية، وأكثر من 2000 صاروخ ستينغر مضاد للطائرات، وآلاف العربات المدرعة، وملايين قذائف المدفعية والهاون.

بدت هاريس أكثر استعداداً لانتقاد إسرائيل


وكتب أليستر دوبر في صحيفة التايمز البريطانية، أنه عندما زار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي البيت الأبيض، الخميس، أدرك بشكل غير مريح، أن الدعم الاستثنائي، الذي أظهرته إدارة الرئيس جو بايدن لبلاده، يدخل الآن أسابيعه الأخيرة.
وقالت إن الدور الذي أعلنته أمريكا لنفسها كشرطي، والذي نشأ بدرجات متفاوتة من الحماس منذ أربعينيات القرن العشرين، بات الآن مطروحاً فعلياً على صناديق الاقتراع.

 

"It's pretty clear now that if he becomes President, Ukraine's outlook is pretty desperate.'

As President Zelenskyy's US visit creates friction, @IainDale and The Atlantic Council's Peter Dickinson discuss what a win for Trump could mean for the Russia-Ukraine war. pic.twitter.com/Vt2aG3C901

— LBC (@LBC) September 26, 2024


لكن بعيداً عن أمريكا، في العواصم الأوروبية، وفي مختلف أنحاء الشرق الأوسط، في بكين وموسكو وطهران، تخضع هذه الانتخابات الأمريكية لدراسة مكثفة، ربما أكثر من أي انتخابات أخرى في التاريخ الحديث.
كامالا هاريس، المرشحة الديمقراطية، التي لم تمنحها خلفيتها كمدعية عامة في ولاية كاليفورنيا وكعضو في مجلس الشيوخ سوى القليل من الخبرة في السياسة الخارجية، ظلت حتى الآن قريبة من قواعد اللعب الخاصة ببايدن. ومن ناحية أخرى، دفع ترامب بنظرة عالمية أكثر انعزالية، وأشار إلى أنه سيستأنف نهج التعامل ذاته مع القوى الأجنبية الذي انتهجه خلال ولايته الأولى.        
وعندما وصف ترامب زيلينسكي، ذي الشخصية الكاريزمية في زمن الحرب، بأنه "أعظم بائع في التاريخ" لم يكن ذلك من قبيل المجاملة. وبدلاً من ذلك، كانت رسالته إلى الناخبين في ولاية بنسلفانيا المتأرجحة هذا الأسبوع، هي أن معركة كييف الوجودية تضر بجيوبهم.
وقال: "في كل مرة يأتي فيها زيلينسكي إلى البلاد، يخرج ومعه 60 مليار دولار"، في إشارة إلى المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا، والتي تمت المصادقة عليها أخيراً في أبريل (نيسان) بعد أشهر من معارضة بعض الجمهوريين. وأضاف أنه يريد أن تفوز هاريس بهذه الانتخابات بشدة، لكنني سأفعل ذلك بشكل مختلف – سأعمل على تحقيق السلام".

 

What the US election could mean for Ukraine, the Middle East and Nato https://t.co/O8nXNekI2G via ⁦@thetimes⁩

— Nino Brodin (@Orgetorix) September 26, 2024


وهذا النهج يثير قلق حلف الناتو. وقد وعد ترامب بأنه سيجعل أعضاء التحالف يدفعون تكاليف الدفاع عن أنفسهم، واقترح أن تتحمل الدولة المضيفة كلفة القوات الأمريكية المتمركزة في أنحاء العالم، من الشرق الأوسط إلى ألمانيا وكوريا الجنوبية. ويزعم أنه إذا قلص أحد حلفاء الناتو من الإنفاق الدفاعي ثم تعرض لهجوم من روسيا، فإنه لن يرد.       
ولم تقدم هاريس تفصيلاً دقيقاً لنهجها حيال أولويات السياسة الخارجية الحالية. لذلك من الصعب التنبؤ بما إذا كانت ستكون أكثر أو أقل تدخلاً من بايدن في بعض الأزمات مثل الحرب الأهلية في السودان، حيث قُتل أكثر من 150 ألف شخص، وتحولت العاصمة إلى خراب، وتم تهجير أكثر من 20 في المائة من السكان قسراً من منازلهم خلال العام ونصف العام الماضيين.
وبدت هاريس أكثر استعداداً لانتقاد إسرائيل، في حين لا تزال تصف التزام واشنطن بأمن الدولة العبرية بأنه "مضمون". وفي يوليو (تموز)، عقب اجتماعها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، قالت: "إلى كل من يدعو إلى وقف النار وإلى كل من يتوق إلى السلام، أنا أراك وأسمعك". وقال ترامب الأسبوع الماضي، إن إسرائيل ستختفي من الوجود في غضون عامين أو ثلاثة أعوام، إذا فازت هاريس في الانتخابات.
إن إسرائيل وغزة ولبنان هي أيضاً القضية الوحيدة التي يتردد  صداها بقوة في الانتخابات بسبب أهمية الناخبين اليهود والناخبين العرب الأمريكيين أو المسلمين، في التحالف الذي سيحتاج الديمقراطيون إلى حشده لتحقيق الفوز. ويتركز عدد كافٍ من هؤلاء الناخبين في الولايات المتأرجحة وستظهر ولاءاتهم الحاسمة في نوفمبر.
وسعت حملة ترامب إلى ربط إدارة بايدن-هاريس، ودعمها للمساعدات للفلسطينيين، بهجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول). وقالت: "لقد ضحت كامالا بأكبر حليف لأمريكا على الإطلاق من أجل الحفاظ على الدعم، من قاعدتها المعادية للسامية، بينما تناضل إسرائيل من أجل وجودها، وبعد مرور عام تقريباً، كل ما يتعين على هاريس أن تظهره هو التزام عديم الفائدة بوقف النار الذي لا يمكنها تحقيقه".
كما تواصل حملة ترامب تذكير الناخبين بالانسحاب "الفاشل" للقوات الأمريكية من أفغانستان في عهد بايدن، ووصفه بأنه "من بين أكبر كوارث السياسة الخارجية في التاريخ الحديث".
وأظهر استطلاع أجراه معهد الشؤون العالمية في مجموعة أوراسيا، أن الناخبين في الولايات المتأرجحة الرئيسية يثقون بترامب أكثر في ما يتعلق بالسياسة الخارجية. في حين أن غالبية الأمريكيين  (53 في المائة) يثقون بهاريس على المستوى الوطني بشكل أكبر لمتابعة سياسة خارجية تفيدهم.
ويعتقد 58 في المائة، أن ترامب أقدر من هاريس على انهاء الحروب في أوكرانيا وغزة، وتتوقع النسبة نفسها منه، أن يرد بشكل أكثر فعالية إذا هاجمت الصين تايوان.
 

مقالات مشابهة

  • ماذا تعني الانتخابات الأمريكية لأوكرانيا والشرق الأوسط والناتو؟
  • الحزب الاشتراكى بالنمسا: سنفعل كل شئ لمنع اليمين المتطرف من قيادة الحكومة المقبلة
  • ما الذي ينتظر رئيس سريلانكا الجديد؟
  • ماذا ينتظر إسرائيل إذا شنّت هجوماً بريّاً في لبنان؟
  • ماذا تعني الانتخابات الأميركية لأوكرانيا؟
  • اتفاق الهجرة مع الجزائر.. بين مصالح فرنسا وتهديداتها
  • وزير الداخلية الفرنسي يتعهد بإجراءات جديدة لمكافحة الهجرة بعد مقتل طالبة بيد مهاجر مغربي
  • وزير الداخلية الفرنسى الجديد يتعهد بالحد من الهجرة
  • الرئيس السريلانكي المنتخب يبدأ مشواره بتعيين سيدة على رأس الحكومة الجديدة