"26 سبتمبر".. عندما تعرف العالم على اليمن واليمنيين
تاريخ النشر: 27th, September 2024 GMT
*ماجد زايد
عام 1963مـ، في الذكرى الأولى لثورة 26 سبتمبر، أيّ بعد عام واحد فقط من سيطرة ثوار سبتمبر على الحكم، نشرت نيويورك تايمز خبرًا عريضًا في واجهة أخبارها قائلة: خلال عام واحد فقط، اليمن يتقدم 100 عام نحو الأمام، وفي ذات العام 1963 أرسلت الأمم المتحدة بعثتها لليمن واستهلت تواجدها في البلد، وهذا هو الشاهد بحسب وسائل الإعلام الدولية، شاهد ثورة اليمن الجمهوري التي ألحقت الوطن المجهول في ركاب العالم، وأنشأت المدارس والمستشفيات والمؤسسات والبعثات، واستقبلت التجار والمستثمرين، ومضت في تسارع نحو بناء دولة عصرية.
بالفترة التي تلت الثورة بأيامها وأسابيعها الأولى، كان اليمن وثورته محط أنظار وسائل الإعلام العربية والعالمية، منها من تفاجأ ومنها من بقي يحلل ومنها من تغنى بالبطولات، لكنها بمجملها قدمت اليمن كدولة حديثة تستحق الاعتراف، وشعب انتفض من مقابره وعصوره الحجرية، معظم وسائل الإعلام العربية والعالمية اشتركت في فكرة تخلص اليمن واليمنيين من نظام رجعي متخلف، واختلفت في تفاصيل التكتلات والتوهمات، لكنها بمجملها خلصت إلى حقيقة مفادها أن ثورة اليمنيين أخرجت اليمن من عهود الظلام وقيود العبودية نحو النور والتحرر والديموقراطية، وهذه توصيفات خالدة ضمن ملحمة سجلتها الصحف العربية والعالمية.
صحيفة الأخبار السورية، نشرت بعد شهر واحد من الثورة، تحليلًا رئيسيًا قالت فيه: كل شيء في اليمن انتصر وبدأ الحياة، وفي ذات الشهر وذات العام نشرت صحيفة المصور المصرية في صفحتها الأولى عنوانًا عريضًا قالت فيه: اليمن السعيد يقهر الشقاء ويؤسس جمهوريته، وفي سياق النص تحدثت عن صنعاء عاصمة الأئمة منذ الف عام، وكيف أنها صنعت ثورتها وعيناها مفتوحتان على الحدث العظيم الذي سحق الطغيان ووحد الشعب، من ناحيتها، كتبت صحيفة الشعب اللبنانية بعد أسابيع من الثورة اليمنية، تقريرًا في صفحتها الأولى، قالت فيه: إذا لم يكن للثورة اليمنية من مغزى سوى أنه كشف للعالم شعبًا يعيش ويحيا، لكفى، لقد كانت اليمن أشبه بصحراء مجدبة، ولكنه نجا وبدأ المضي نحو تحويل الصحراء إلى واحة خضراء، لقد قامت الجمهورية على أنقاض نظام ملكي متخلف ورجعي ومنحرف الى حد التندر، لهذا فكل الثوار في اليمن متمهون بكل شيء إلاّ في وطنيتهم. وهكذا عنونت صحف عربية أخرى، كالأهرام والأخبار والمساء والمصور واليوسف وآخر ساعة وأخبار اليوم وغيرها من الصحف المصرية واللبنانية والسورية والجزائرية والعراقية وبقية البلدان العربية.
غربيًا، كان أول صحفي أجنبي قد دخل اليمن عقب الثورة بأيام، الصحفي البريطاني رونالد باتشيلود، الذي بعث أول تقاريره الصحفية لوكالة رويترز بعنوان قال فيه: كل شيء في اليمن يدل على انتصار الجمهورية، ثم أضاف: ثورة اليمن استغرقت عشر ساعات فقط لتنتصر، بعد عقود من الملكية، أما صحيفة الجارديان البريطانية فقالت في مقال افتتاحي عقب الثورة بأيام، قالت فيه: اليمن يشهد ثورة بمعناها الصحيح، الجمهوريون يواجهون مخاطر عدة بعد كسرهم لقيود الاستبداد، ولكنهم يخططون للانتصار وإقامة الدولة والجمهورية، وفي سياق مقالها طالبت صحيفة الجارديان من الحكومة البريطانية الاعتراف بالثورة اليمنية، وبالمثل تعاطت بقية الصحف في لندن، كالتايمز والصانداي وغبرها، تمامًا كمعظم الصحف الأمريكية والأوروبية.
أخيرًا، ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962 هي بالفعل أعظم حدث شهدته اليمن منذ ألف وخمسمائة عام.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك
المصدر: وكالة خبر للأنباء
كلمات دلالية: ثورة الیمن قالت فیه
إقرأ أيضاً:
السلام طريق إنقاذ الوطن وبنائه على أسس جديدة
السلام طريق إنقاذ الوطن وبنائه على أسس جديدة
عمر الدقير
لم يكن شعار ثورة ديسمبر الأثير: “حرية، سلام وعدالة”، مجرد هتاف تصدح به الحناجر في الشوارع، بل كان تعبيراً عن شروط الوجود الكريم – منذ أول احتكار للقوة وحتى آخر احتقار للإنسان الأعزل – مثلما كان إعلاناً لقطيعة مع ثلاثة عقود من ثنائية الاستبداد والفساد، وتبشيراً بتأسيس وطنٍ جديد معافى من خيبات الماضي.
إن بلداً يمتاز بهذا القدر من التنوع والتعدد، ويحمل إرثاً من الأزمات – التي تفاقمت بفعل سياسات النظام البائد – كان من الطبيعي أن تتعرض فيه مسيرة الانتقال بعد انتصار الثورة لصعوبات وعثرات، خاصة وأن النظام القديم لم يغادر المشهد بعد سقوط سلطته السياسية، بل ظل منذ اليوم الأول للانتقال يمارس عملية الشد العكسي لعرقلة التغيير.
ومع ذلك، لا بد من الاعتراف بأن قوى الثورة نفسها لم تكن بمنأى عن الأخطاء، إذ تفرقت صفوفها وابتعدت عن خندقها الموحد على خلفية قضايا صغيرة تتقاصر عن غايات الثورة السامية. هذا التذرُّر أفسح المجال أمام قوى الشد العكسي لتنظيم صفوفها واستدعاء ممكناتها في المجالات كافة، حتى تمكنت من استهداف مسيرة الثورة بشكلٍ مباشر في مرتين: الأولى بانقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ والذي أجهضته جماهير الثورة عبر مقاومة باسلة وتضحيات جسام، والثانية باشعال فتيل الحرب في ١٥ أبريل ٢٠٢٣
لقد كان الهدف الأساسي لقوى الشد العكسي، ولا يزال، هو القضاء على ثورة ديسمبر التي أطاحت بنظامهم ورفعت راية الحلم بحياة كريمة. لكن غاب عنهم أن أحلام الشعوب في الحرية والكرامة لا تموت مهما أمعنوا في إطلاق النار عليها .. ومهما تمادوا في التآمر عليها فإن غايات ثورة ديسمبر تظل عصية على النسيان والتخلي، ويظل الزحف نحوها مستمراً مهما بلغت التحديات.
تخطّت الحرب شهرها العشرين، ونجحت في تحويل السودان إلى أكبر حالة كارثة إنسانية يشهدها العالم اليوم. حصدت أرواح الآلاف، وشرّدت الملايين من ديارهم، وجعلت الحصول على الغذاء، والدواء، والتعليم، وكافة الخدمات الأساسية أمراً بالغ الصعوبة لغالبية السودانيين. وفي ظل هذه المآسي، أصبحت أمنية السودانيين الأولى وهاجسهم الدائم هو إيقاف الحرب لإنهاء معاناتهم المستمرة.
وغنيٌّ عن القول أن إيقاف الحرب في السودان يستلزم وجود تيار سياسي واجتماعي واسع يعبر عن إرادة السودانيين الغالبة، ويعمل برؤية مشتركة وجهود موحدة لإسكات البنادق والإمساك الجماعي بخشبة الخلاص لعبور مستنقع الأزمة.
تشكيل هذا التيار هو مسؤولية الجميع – وعلى القوى السياسية والمدنية بشكل خاص أن تتحمل نصيبها من المسؤولية التاريخية – وشروط تحقيقه ليست مستحيلة، بل تتطلب وعياً نزيهاً ومشحوناً بالاستقامة، وترفعاً عن الحسابات الضيقة، مع تقديم الأولويات الجوهرية على القضايا الثانوية، والتنازلات المتبادلة خدمةً للهدف المنشود.
السلام لم يعد خياراً يقبل التأجيل، بل ضرورة وطنية ووجودية لمواجهة الكارثة الإنسانية وإبعاد شبح التقسيم عن فضاء الوطن، لكن تحقيق السلام لن يتم بالأماني ولا بالتصريحات المتواترة بينما الفعل ممنوع من الصرف، ولن يأتي من خارج الحدود، بل يتطلب توحيد الإرادة الوطنية من خلال اجتماع القوى السياسية والمدنية على مبدأ الحل السياسي السلمي، وبلورة مبادرة وطنية بمبادئ عامة ورؤية مشتركة تتصدى بها لدعوات استمرار الحرب وخطاب الكراهية الذي يذكي نارها، وتفتح بها حواراً مع قيادتي الطرفين المتحاربين لبحث القضايا ذات الصلة المباشرة بالحرب وفي مقدمتها إنهاء حالة تعدد الجيوش لصالح الجيش القومي المهني الواحد والعدالة وعموم ترتيبات ما بعد الحرب بقيادة سلطة انتقالية مدنية متوافق عليها، بما يُمكِّن من الوصول إلى اتفاق إيقاف العدائيات لمعالجة الكارثة الإنسانية وتهيئة المناخ لعملية سياسية تناقش جذور الأزمة وتطرح حلولاً توافقية تحافظ على وحدة السودان وسلمه الأهلي وتفضي لتأسيس دولة مدنية ديمقراطية.
في ظاهر الأمر، يبدو التاريخ كأنه سردية طويلة لمعاناة الإنسان وآلامه، لكن الحقيقة الكبرى أن الإنسان كان على الدوام ينتصر بفضل إرادته التواقة للحرية والسلام والعدالة .. وإذ يشهد التاريخ أن المعاناة، مقرونة بإرادة الحياة والوعي بشروطها الكريمة، تفرز مضادات الاستبداد وتستنهض مقاومته، فإنها كذلك تفرز المناعة اللازمة لمواجهة جرثومة الحرب الخبيثة واجتثاثها. ولولا هذه الجدلية التي تربط بين المعاناة والوعي والمقاومة، لظل التاريخ يسير على مجرىً راعِف ولأفضى إلى استدامة الاستبداد والدمار.
لن نكفّ عن التأكيد على أن الواجب الوطني يُحتم على القوى السياسية والمدنية الارتقاء إلى مستوى التحديات المصيرية التي تهدد الوطن. إن المرحلة تستوجب تجاوز الخلافات البينية وتقديم المصلحة العامة على الحسابات الذاتية، ورفع راية الانحياز للوطن ومطلب شعبه المُلحّ بإيقاف الحرب فوراً .. ولنتذكّر دائماً أن كلمة السرّ في انتصار ثورة ديسمبر، وما سبقها من المآثر الوطنية الكبرى في تاريخنا، كانت تكمن في وحدة الهدف والإرادة.
التحية لذكرى ثورة ديسمبر المجيدة، الرحمة لشهدائها، والسلام والمحبة لشعبنا العظيم.
الوسومالسودان ثورة ديسمبر حرب 15 أبريل