هل يجوز الجمع بين الصلوات لعذر؟.. الإفتاء تُجيب
تاريخ النشر: 27th, September 2024 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية إن الأصل أداء الصلوات المفروضة في وقتها، وهو من أحب الأعمال إلى الله تعالى، والترخص بالجمع بين الصلاتين -الظهر والعصر أو المغرب والعشاء- لمرض أو سفر أمر جائز شرعًا.
هل يجوز الجمع بين الصلوات لعذر؟
وتابعت دار الإفتاء المصرية أن الجمع بينهما لعذر غير ذلك كقضاء حاجة أو انشغال بعمل ونحو ذلك، أمر جائز شرعًا بشرط ألَّا يصير ذلك عادة.
وأضافت دار الإفتاء أن ذلك يأتي مع مراعاة أن ينوي الجمع بين الصلاتين في وقت الأولى منهما إذا أراد جمع التأخير، وعند الإحرام بالأولى أو في أثنائها إذا أراد جمع التقديم، وألَّا يكون هناك فاصل كبير بين الصلاتين.
وقد شرع جمع الصلوات للعذر؛ فتؤدي الظهر مع العصر تقديمًا أو تأخيرًا، وتؤدي المغرب مع العشاء، بشرط أن ينوي ذلك قبل دخول وقت العصر أو العشاء، ومن هذه الأعذار الوحلُ؛ قياسًا على السفر بجامع المشقة في كل؛ فلقد أخرج الإمامان البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا"، وما أخرجه الإمام مسلم عن معاذ رضي الله عنه قال: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا".
منزلة الصلاة في الإسلام
الصلاة ركن من أركان الإسلام، ومنـزلتها من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، وقد عُنِي الإسلام في كتابه وسنته بأمرها، وشدَّد كل التشديد في طلبها وتقييد إيقاعها بأوقات مخصوصة؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103]، وقد حذَّر أعظم التحذير من تركها؛ ففي "الصحيحين" -واللفظ لمسلم- عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ».
وقد بلغ من عناية الإسلام بها أن أمر المسلمين بالمحافظة عليها في الحضر والسفر، والأمن والخوف، والسلم والحرب، حتى في أحرج المواقف عند اشتداد الخوف حين يكون المسلمون في المعركة أمام العدو؛ قال تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ. فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 238-239]، أي: فَصلُّوا حال الخوف والحرب، مشاة أو راكبين كيف استطعتم بغير ركوع ولا سجود بل بالإشارة والإيماء، وبدون اشتراط استقبال القبلة؛ قال تعالى: ﴿وَللهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 115].
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الصلاة المسلمين الإسلام الجمع بين الصلوات دار الافتاء المصرية الصلاة في الإسلام الجمع بین ى الله الله ع
إقرأ أيضاً:
فن الإدارة في الإسلام.. نموذج فريد للتنظيم والقيادة
عبدالعزيز بن حمدان الإسماعيلي **
a.azizhh@hotmail.com
تُعد الإدارة عنصرًا أساسيًا في نجاح أي مؤسسة أو مجتمع، وقد قدم الإسلام نموذجًا إداريًا متكاملًا يستند إلى مبادئ العدل والشورى والمسؤولية والأمانة، وقد انعكست هذه المبادئ بوضوح في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، مما أسهم في بناء دولة إسلامية قوية ومستدامة.
الإدارة في الإسلام ليست مجرد عملية تنظيمية، بل هي منظومة متكاملة تهدف إلى تحقيق التنمية والاستقرار وفق مبادئ أخلاقية تعزز من العدالة والشفافية، فمبدأ الشورى يشكل جوهر الإدارة الإسلامية؛ حيث يعتمد القائد على التشاور مع أهل الرأي والخبرة قبل اتخاذ أي قرار مصيري، مما يضمن اتخاذ قرارات سليمة تحقق الصالح العام، كما أن العدل يعد ركنًا أساسيًا إذ يجب على القائد التعامل مع الأفراد بإنصاف بعيدًا عن المحسوبية والتمييز، مما يضمن الاستقرار وخلق بيئة عمل صحية.
المسؤولية والمحاسبة هما من الدعائم التي تقوم عليها الإدارة في الإسلام، إذ يُحمّل القادة مسؤولية أعمالهم ويخضعون للمحاسبة أمام الله وأمام الأمة، مما يؤدي الى توطيد روح النزاهة والالتزام، وإلى جانب ذلك تشكل الأمانة في القيادة عنصرًا أساسيًا، حيث يجب على المسؤولين أداء أدوارهم بصدق وإخلاص، متجنبين أي ممارسات قد تضر بالمصلحة العامة، أما التخطيط والتنظيم الفعّال فيُعد ركنًا جوهريًا لضمان استغلال الموارد بشكل أمثل وتحقيق الأهداف بكفاءة عالية.
ولقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قائدًا إداريًا بارعًا، استطاع بناء دولة قوية رغم التحديات التي واجهته، فقد اعتمد في إدارته على الشورى فلم يكن يتخذ القرارات بشكل فردي بل كان يشاور أصحابه لضمان أفضل الخيارات الممكنة، أما على الصعيد المالي فقد وضع نظامًا دقيقًا للموارد المالية مثل الزكاة والغنائم، وخصصها لتحقيق العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على اختيار الشخص المناسب للمكان المناسب، فكان يعين القادة والمسؤولين بناءً على الكفاءة والنزاهة، مما عزز كفاءة المؤسسات الإدارية في الدولة.
ولم يقتصر نجاح النبي صلى الله عليه وسلم الإداري على الشؤون الداخلية، بل امتد ليشمل العلاقات الخارجية فقد برع في التفاوض وإبرام المعاهدات، مثل صلح الحديبية الذي شكّل نموذجًا بارعًا في الدبلوماسية وإدارة الأزمات، كما أنه وضع نظامًا دقيقًا للرقابة والمحاسبة، حيث كان يحاسب المسؤولين ويعفي من يقصر في أداء مهامه، مما وطد الانضباط الإداري والعدالة في تولي المناصب.
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، واصل الخلفاء الراشدون نهجه الإداري، كلٌ بأسلوبه الذي يعكس احتياجات عصره، فقد واجه أبو بكر الصديق رضي الله عنه تحديات كبيرة، أبرزها حروب الردة التي تعامل معها بحزم؛ مما أسهم في الحفاظ على وحدة الأمة، كما حرص على ترسيخ الاستقرار المالي، وأدار الموارد بفعالية لضمان استدامة الدولة، إلى جانب بدئه للفتوحات الإسلامية في العراق والشام؛ مما عزَّز نفوذ الدولة الإسلامية.
أما عُمر بن الخطاب فقد أحدث نقلة نوعية في الإدارة الإسلامية، حيث أنشأ الدواوين، مثل ديوان الجند وديوان الخراج، لتنظيم شؤون الدولة المالية والعسكرية، كما وضع نظامًا دقيقًا لمراقبة أداء الولاة والموظفين، لضمان النزاهة وتحقيق العدالة، ولم يقتصر إبداعه الإداري على ذلك؛ بل امتد إلى التخطيط العمراني، فأسس مُدنًا جديدة مثل الكوفة والبصرة مما أدى الى ارساء الاستقرار والتنمية وكان حريصًا على وضع تشريعات جديدة لحماية حقوق المواطنين وتنظيم الأسواق.
وعندما تولى عثمان بن عفان الخلافة ركز على التوسع العمراني، فعمل على توسعة المسجد الحرام والمسجد النبوي، لاستيعاب الأعداد المتزايدة من المسلمين، كما ساهم في تطوير الأسواق وتنظيم التجارة مما أسهم في ازدهار الاقتصاد لكن إنجازه الأبرز كان توحيد المصحف الشريف، حيث جمع الأمة الإسلامية على مصحف واحد، مما ضمن وحدة المرجعية الدينية وساهم في الحفاظ على النص القرآني.
أما علي بن أبي طالب- كرَّم الله وجهه- فقد ركز على الإصلاح الإداري؛ حيث عمل على تعيين الأكفاء في المناصب الإدارية ومحاربة المحسوبيات كما حرص على تحقيق العدالة الاجتماعية، فاتخذ إجراءات لضمان توزيع عادل للثروات والموارد بين المسلمين وعلى الصعيد العسكري واجه تحديات داخلية كبيرة حيث خاض معارك للحفاظ على استقرار الدولة الإسلامية وحماية وحدتها.
نجد اليوم ان المبادئ الإدارية الإسلامية لا تزال صالحة للتطبيق في المؤسسات الحديثة؛ حيث يمكن دمجها مع أحدث المفاهيم الإدارية لضمان تحقيق الأهداف بكفاءة، مع الحفاظ على القيم الأخلاقية وتظل الحوكمة الرشيدة والتخطيط الاستراتيجي وإدارة الأداء من أهم الأسس التي يمكن توظيفها لتطوير المؤسسات وفق مبادئ الإدارة الإسلامية.
ويُثبت التاريخ أنَّ الإدارة الإسلامية نموذج فريد يجمع بين الكفاءة والعدالة، ويظل هذا النهج صالحًا للتطبيق في مختلف العصور وعندما يُدار أي نظام وفق المبادئ الإسلامية، فإنه يُحقق النجاح والاستدامة، مما يجعل الإدارة الإسلامية نموذجًا يُحتذى به عالميًا.
** باحث دكتوراه في الإدارة العامة