الاشتباكات الدائرة بين الأهالي وقوات الأمن المصرية، أعادت جزيرة الورّاق لصدارة الأخبار مجددا، وهي اشتباكات متكررة منذ العام 1998 على وقع تحركات حكومية لطرد السكان وتنفيذ مشروع تطوير للجزيرة.
جزيرة الوراق كغيرها من جُزر النيل المأهولة، فيها تجمع سكاني كبير وافد من عدة محافظات، يغلب عليه التركيب السكاني العائلي، ويعمل بالزراعة والصيد والمهن البسيطة الأخرى، ولا يحصل من الحكومة إلا على اليسير من الخدمات.
تعد جزيرة الوراق مثالا حيا على طريقة تفكير النظام المصري في الحقوق الطبيعية للناس، من سكن آمن، وسبل عيش كريمة، فالمواطنة المفترضة التي تخلق حقوقا متوازنة بين المواطن والدولة، غائبة، بل تقابلها تحديات طوال الوقت، المواطن فيها هو الحلقة الأضعف، فهو مطالب باحترام سيادة الدولة، وتنفيذ قرارات المنفعة العامة، والاستجابة لأهداف خطط الدولة الاستثمارية، وفي حال رفضه أو اعتراضه للمطالبة بأبسط حقوقه، ينتقل من المواطن الشريف إلى خانة المجرم المتعدي، أو الإرهابي الذي ينفذ مخططات قوي الشر إن لزم الأمر!
تعد جزيرة الوراق مثالا حيا على طريقة تفكير النظام المصري في الحقوق الطبيعية للناس، من سكن آمن، وسبل عيش كريمة، فالمواطنة المفترضة التي تخلق حقوقا متوازنة بين المواطن والدولة، غائبة، بل تقابلها تحديات طوال الوقت، المواطن فيها هو الحلقة الأضعف
الوراق محمية طبيعية
تبدأ قصة الجزيرة من رغبة نظام مبارك الاستثمار في جزر النيل وطرد أهلها -وفي مقدمتهم أهل جزيرة الوراق- وإنشاء مشروع استثماري على الجزر المتميزة منها، وفي سبيل ذلك اتخذت عدة خطوات تمهيدية، أولاها تمثلت في اعتبار جميع جزر النيل "محميات طبيعية"، وهو قرار "يدعو للسخرية" في جانب منه، لكنه في جانب آخر "حيلة ماكرة"، مؤداها حظر القيام بأي تصرف أو نشاط من شأنه "تدمير الحياة البرية أو المائية أو النباتية.. والحفاظ على التكوين الجيولوجي والجغرافي والأثري.. أو إدخال أجناس غريبة من الحيوانات أو النباتات لمناطق المحميات"، وهو قرار مضحك كونه يعتبر الوراق التي يسكنها قرابة 80 ألف مواطن محمية طبيعية نادرة لم تطأها أقدام البشر من قبل! لكن الغرض بالأساس إيقاف حركة البناء والتوسع السكاني، ومن جهة أخرى صعوبة العيش لعدم إدخال المرافق والخدمات، التي صارت مستحيلة كون الوجود على أرض محمية طبيعية يمثل جريمة بحد ذاته!
الوراق منفعة عامة
بعدها بثلاث سنوات تطور الأمر، حيث أصدر رئيس الوزراء عاطف عبيد قرارا بتقرير المنفعة العامة على جزيرتي الوراق ودهب، وهو ما يعني نزع ملكية الأرض وإزالة التعديات وطرد السكان، ضمن ما أُطلق عليه وقتها مخطط "القاهرة 5050" ما دفع السكان للمثول أمام القضاء، وهو ما أعاد الأمور إلي نصابها مؤقتا!
وهكذا استمرت العلاقة بين النظام وأهالي الجُزر، تصدر قرارات بالتضييق عليهم فيلجأون للقضاء تارة وللتظاهر تارة أخرى.
الوراق إدارة بيئية
تغيرت المعاملة بعد 2013 وأصبح التعامل العنيف الخشن هو الأساس، وتأثرت قضية الوراق بما تأثرت به مصر، وفي سياق الإفراط في الاستيلاء على الأراضي، أصدر رئيس الوزراء شريف إسماعيل القرار رقم 1310 لسنة 2017، والذي استبعد "الجزيرة" ضمن 17 جزيرة أخري من نطاق قانون المحميات الطبيعية، وتحويلها لمنطقة إدارة بيئية، فانتقل التعامل مع الناس من كونهم مؤثرين على الحياة الطبيعية المحمية بموجب القانون لاعتبارهم مضرين بالبيئة، وهو تعامل "فوقي" مع فئة من السكان، له دلالة واضحة في استخدام النظام أدوات القهر الإداري والتشريعي في مواجهة الناس والتلاعب بالتسميات والأوصاف القانونية تبع الحالة، وهو ما لا ينبغي أن تقوم به دولة.
عقب صدور القرار تحولت الجزيرة لساحة حرب بين قوات الشرطة التي تحاول تمكين آليات هدم المنازل من القيام بدورها، وبين الأهالي المتمترسين لحماية منازلهم، ما أسفر عن قتلى وجرحي بين الأهالي، وعزز من حالة الاعتراض أخبار نشرتها شركات "آر إس بي" و"كيوب" الإماراتيتان عن مشروع تطوير جزيرة الوراق، ونشرتا على موقعيهما تصميما يشبه التصميمات الحديثة في دبي وأبو ظبي، وهو ما فاقم الوضع وأصاب الناس بالصدمة، كونه يسير ضمن السياق العام من التفريط في الثروات والذي بلغ ذروته في التفريط بجزيرتي تيران وصنافير واللتين كانتا محميات طبيعية أيضا!
الوراق في حوزة الجيش
الواقع الذي وصلت له مصر جعلها في كثير من الأحيان أسوأ حالا من بعض جيرانها، والوراق مثال واضح لهذا، فلا هي محتلة مثل غزة تستطيع النضال ضد من يهدم البيوت على رأس ساكنيها ويصادر أراضيها ويقتل الأهالي ويحبسهم، ولا هي محررة تستطيع التقاضي ضد قرارات يصدرها النظام ويحصنها بالدستور والقانون
اتخذت الأمور منحي آخر بدءا من عام 2018، حيث أنشأ النظام لجزيرة الوراق "مجتمعا عمرانيا جديدا" يتبع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة التابعة لوزارة الإسكان، والتي كان يتولاها وقتها رئيس الوزراء الحالي مصطفي مدبولي، والذي صرح حينها بهذا التصريح: "إن مساحة الجزيرة تبلغ 1285 فدانا، ويوجد مخطط لتحويلها إلى متنزه سياحي ثقافي ترفيهي تجاري على ضفاف النيل".
المتغير الأخير في شأن الجزيرة استقر بها في حوزة الجيش، بعد صدور قرار السيسي رقم 18 لسنة 2022 بتخصيص 36 جزيرة من جزر النيل للقوات المسلحة، لم تكن الورّاق ضمن هذه الجزر التي صدر بها القرار، لكن ورد بذات القرار إشارة هامة، حيث اقترحت وزارة الموارد المائية والري نقل جميع جزر النيل البالغ (526) جزيرة إلى ولاية القوات المسلحة، وفق حصر قامت به وزارة الري وأعلنه الوزير بتصريح نشرته جريدة اليوم السابع في 6 كانون الثاني/ يناير 2022 قبل صدور قرار التخصيص للجيش بأيام.
بين الوراق وغزة
أشهر شعارات 30 يونيو التي روجها إعلام الانقلاب وأدواته كان "مش أحسن ما نبقي زي سوريا والعراق؟"، والواقع الذي وصلت له مصر جعلها في كثير من الأحيان أسوأ حالا من بعض جيرانها، والوراق مثال واضح لهذا، فلا هي محتلة مثل غزة تستطيع النضال ضد من يهدم البيوت على رأس ساكنيها ويصادر أراضيها ويقتل الأهالي ويحبسهم، ولا هي محررة تستطيع التقاضي ضد قرارات يصدرها النظام ويحصنها بالدستور والقانون.
حالة من الضياع فُرِضت على أهل الوراق، ومواجهة مع سلطة لا تبقي للمواطن حياة أو حقوقا، ولا تقيم له وزنا أو مواطنة، والحقيقة التي لا تبقل الشك أنه لن يتحرر أهل الوراق من نكبتهم إلا إذا تحررت مصر من هذا النظام الجاثم على صدرها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصرية جزيرة الوراق النيل مصر النيل مشاريع جزيرة الوراق مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جزیرة الوراق وهو ما
إقرأ أيضاً:
اكتشاف جزيرة ضخمة بحجم قارة موجودة داخل الأرض .. ما القصة؟
في اكتشاف علمي مدهش، أعلن فريق من العلماء عن اكتشاف منطقتين ضخمتين داخل وشاح الأرض، ويطلق عليها في الدراسة الحديثة اسم "الجُزر"، حيث تعتبر هذه المناطق الجوفية بمثابة معلم جديد يثير الكثير من الأسئلة حول طبيعة الأرض وتكوينها الداخلي.
ووفقا لموقع "إيرث"، حسب الأبحاث التي أُجريت في جامعة أوتريخت، يكشف العلماء أن هذه الجزر ليست مجرد مناطق أدفأ من المناطق المحيطة بها فحسب، بل هي أيضًا قديمة للغاية.
تشير النتائج إلى أن هذه المناطق قد تكون موجودة منذ أكثر من نصف مليار عام. هذا الاكتشاف يتحدى النظريات التقليدية التي كانت سائدة في العلوم الجيولوجية، والتي كانت تقول إن طبقة الوشاح الأرضي عبارة عن نظام مختلط يتحرك بسرعة وبشكل موحد.
بدلاً من ذلك، تشير النتائج إلى أن حركة المواد في هذه الطبقة أقل بكثير مما كان يُعتقد سابقًا. وهذا الاكتشاف قد يؤدي إلى إعادة صياغة الكثير من الأفكار حول كيفية تدفق الحرارة داخل الأرض.
هياكل ضخمة على عمق هائلتقع هذه "الجزر" على عمق يصل إلى ححوالي 2000 تحت سطح الأرض، وتوجد في مناطق معينة تحت قارة أفريقيا والمحيط الهادئ. وتُظهر الأبحاث أن هذه المناطق الجوفية تمتد بارتفاعات تصل إلى نحو 1000 كيلومتر، مما يجعلها ضخمة لدرجة أن أكبر قمة جبلية على الأرض أو حتى على أي كوكب آخر في النظام الشمسي تبدو صغيرة مقارنة بهذه المناطق.
وتم تحديد هذه الجزر لأول مرة في أواخر القرن العشرين عبر التحليل الزلزالي. حيث يُعتقد أن الزلازل الكبيرة التي تضرب الأرض تولّد تذبذبات تنتقل عبر الطبقات المختلفة للأرض، ويستطيع علماء الزلازل دراسة هذه التذبذبات لكشف الشذوذات تحت السطح.
باستخدام هذه الطريقة، تم اكتشاف ما يُسمى بالمقاطعات الكبيرة ذات السرعة الزلزالية المنخفضة (LLSVPs)، وهي مناطق أظهرت سرعات زلزالية أبطأ بكثير مقارنة بما حولها.
تحد للمفاهيم القديمةما يجعل هذا الاكتشاف مثيرًا للغاية هو أنه يقدم أدلة تشير إلى أن تدفق المواد في طبقة الوشاح الأرضي ليس كما كان يُعتقد من قبل. فعادةً ما كان يُعتقد أن طبقة الوشاح تتدفق بسرعة وبشكل متجانس، ولكن الدراسات الحديثة تشير إلى أن هناك مناطق ضخمة من المواد التي قد تكون ثابتة نسبيًا أو تتحرك ببطء شديد، مما يفتح المجال لفهم جديد حول ديناميكيات الأرض.
إن اكتشاف هذه "الجزر" الخفية ليس مجرد إضافة جديدة إلى سجل الجيولوجيا، بل قد يساهم في فهم أعمق لعملية تكوين الأرض وتطورها على مر العصور، بالإضافة إلى تأثيرها المحتمل على النشاط البركاني والزلازلي في المستقبل.
نظرة للمستقبلبينما يتواصل العلماء في دراسة هذه النتائج المدهشة، من المتوقع أن تكشف المزيد من الأبحاث عن أسرار أخرى مختبئة في أعماق كوكبنا. قد يعيد هذا الاكتشاف تشكيل العديد من المفاهيم الأساسية في علم الأرض، ويفتح أبوابًا جديدة لفهم أعمق لكيفية تطور كوكبنا وعلاقته بالعوامل البيئية والمناخية التي تؤثر فيه.
اكتشافات جديدةأشار أروين ديوس، كبير مؤلفي الدراسة وعالم الزلازل في الجامعة، إلى أن العلماء لا يزالون يجهلون الكثير حول هذه المناطق. وقال: "لا أحد يعرف ماهية هذه الزلازل، ولا إذا كانت ظاهرة مؤقتة أو أنها موجودة منذ ملايين أو حتى مليارات السنين".
وتمثل هذه "الجزر" مناطق غير تقليدية في طبقة الوشاح، حيث تحيط بها صفائح تكتونية باردة وغارقة، ناتجة عن عملية الاندساس التي تؤدي إلى غرق إحدى الصفائح تحت الأخرى. وبخلاف المناطق المحيطة بها، فإن الموجات الزلزالية تتباطأ بشكل كبير داخل هذه الجزر بسبب الحرارة المرتفعة.
نهج جديد لدراسة الموجات الزلزاليةلمواصلة التحقيق في هذه المناطق الغامضة، اعتمدت ديوس وزميلتها سوجانيا تالافيرا سوزا منهجًا جديدًا لدراسة الموجات الزلزالية. فبالإضافة إلى قياس تباطؤ الموجات.
وقام العلماء أيضًا بدراسة "التخميد"، أو مقدار الطاقة التي تفقدها الموجات أثناء انتقالها عبر الأرض.
وقالت تالافيرا سوزا: "وعلى عكس توقعاتنا، وجدنا أن هناك القليل من التخميد في LLSVPs، مما جعل النغمات تبدو عالية جدًا. لكننا وجدنا الكثير من التخميد في مقبرة الصفائح الباردة، حيث بدت النغمات ناعمة جدًا."
مفاجآت غير متوقعةوأظهرت النتائج أن طبقات الوشاح العلوي، رغم حرارتها المرتفعة، لا تؤثر بشكل كبير على تخفيف الموجات الزلزالية. وهذا يتناقض مع التوقعات التي كانت تفترض أن الموجات ستكون أبطأ وأكثر تخفيفًا في المناطق الساخنة من الوشاح العلوي.
التأثير على الموجات الزلزاليةقد تكون الخصائص المعدنية للمناطق الخفية هي السبب وراء هذه الظواهر الغريبة. كما أشارت لورا كوبدن، المؤلفة المشاركة في الدراسة، إلى أن حجم حبيبات المواد في LLSVPs يلعب دورًا محوريًا في سلوك الموجات الزلزالية.
وفي مقبرة الصفائح الباردة، تتبلور الصفائح التكتونية إلى حبيبات صغيرة أثناء غرقها في الوشاح، مما يؤدي إلى فقدان كبير للطاقة عند مرور الموجات الزلزالية عبر هذه الحدود.