هذه هي أخطر أنواع العصابات على الإطلاق
تاريخ النشر: 27th, September 2024 GMT
استفحلت في الآونة الأخيرة ظاهرة العصابات على مستوى الدول، إذ أصبحت وحداتٍ أشبه بالعصابات تتحكم في الاقتصاد، وتتمتع بنفوذ في الشأن العام، وتؤثر على مستوى العلاقات العالمية (التي يصعب تسميتها بالعلاقات الدولية، لأنها تتجاوز الدول وتتناقض مع قواعد القانون الدولي ومبدأ السيادة).
أضحت العصابات ضالعة في أنشطة اقتصادية، أو ما يمكن تسميته "النزوع العصاباتي"، وهو ترجمة لمصطلح gangsterism، حيث يتداخل فيها ما هو جائز، مثل الاستثمار في العقار، ولكن بأساليب غير واضحة وغير شفافة، مع نزوع للتحايل من طبيعة قانونية وغير قانونية، وما هو مُجرَّم كالمخدرات أو الاتجار بالبشر.
تغلغلت العصابات في البنى السياسية (الأحزاب) والمالية (بما يشمل تواطؤًا بنكيًا)، ونفذت إلى بنية الدولة من أمن وقضاء، وتُذكّر إلى حد ما بالمافيا، ولكنها تتجاوزها، إذ لها وجه ظاهر لم يكن للمافيا. تستمد قوتها من وسائلها الضخمة، وشبكاتها العريضة، وطنيًا ودوليًا، إضافة إلى توظيفها للتقنيات الحديثة، منها السيبرانية والذكاء الاصطناعي، وكذلك الطبيعة المرنة لأساليبها وتطورها وفق كل سياق. تستظل بشبكات دولية مستترة في معظمها، وتوظف ظاهريًا أنشطة لا تثير الشبهات، وتنشط في بعض الأعمال الاجتماعية ذرًا للرماد في العيون.
الأدهى أن ظاهرة العصابات لا تقع غالبًا تحت طائلة القانون، إذ تستعمل هذه العصابات واجهات مشروعة وتستخدم مؤسسات، مما يتيح لها الالتفاف حول القوانين. لسنا بصدد الجريمة المنظمة أو الدولية، بل نتحدث عن وضع غامض بين ما هو جائز وما هو محرّم، بين المؤسسي وغير المؤسسي، بين النشاط الاقتصادي وتبييض الأموال، وبين الأمن والجنوح الأمني.
لا يتم اكتشاف الجوانب المخالفة للقانون في أنشطة العصابات إلا بعد فوات الأوان، ما يجعل الأدوات القانونية متخلفة عن مجابهة هذه الأوضاع المنافية للقانون، وعن ضرورة تحقيق الشفافية والوضوح في المعاملات الاقتصادية والمالية. تهدد العصابات المؤسسات، إذ تنخرها من الداخل من خلال التغلغل أو الرشوة، كما تهدد استقرار المجتمعات باستخدام العنف، وتؤثر على صحتها، كما هو الحال مع العصابات التي تنشط في تجارة المخدّرات.
تتجاوز ظاهرة العصابات الجريمةَ المنظمة، رغم صعوبة الفصل بينهما. يكفي أن نشير إلى أن عدد ضحايا الجرائم العابرة للقارات في عام 2017 قارب 90 ألف شخص، وهو رقم يتجاوز ضحايا أي بؤرة توتر في العالم قبل الحرب الروسية الأوكرانية. هذا يعني أن الجريمة الدولية تظل أكبر تهديد للأمن العالمي، أكبر حتى من الحروب، وتأتي العصابات ضمن هذا التهديد، حيث تهدد اقتصاديات الدول، وتماسك المجتمعات، وأمنها الداخلي.
يشكل "النزوع العصاباتي"، إن صح هذا التعبير ترجمةً لمصطلح gangsterism، حالة خاصة قائمة بذاتها، إذ يقع بين القانون واللاقانون، وبين المؤسسي واللامؤسسي. هذه الظاهرة آيلة إلى الانتشار، ولم يحد منها لا جائحة كوفيد، ولا الحرب الروسية الأوكرانية، ولا حتى التضخم. لا يمكن التصدي لها إلا بتعاون دولي، وتحديث الأدوات القانونية، وتعزيز التعاون الأمني.
وهي لا تقلّ خطرًا عن الشبكات الإرهابية، بل تتداخل معها أحيانًا، وتستغل الأوضاع الداخلية الهشة (كما تفعل الجماعات الإرهابية الراديكالية)، بالإضافة إلى الحروب، والحاجة للأسلحة، والالتفاف على العقوبات المفروضة على بعض الدول، واستخدام الذكاء الاصطناعي، والوسائل السيبرانية المتطورة.
تقوم العصابات على المستوى الداخلي بالتغلغل في النسيج الاقتصادي، مستخدمة مظاهر قانونية مباحة لتبييض أموال غير مشروعة، كما تنفذ إلى المجالين: السياسي والإعلامي، مستغلة القوانين لصالحها، في تحالف مع الأوليغارشيات، حيث تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة، وليس مصالح دولها.
ولا تتردد العصابات في اللجوء إلى العنف، بما في ذلك القتل، الاختطاف، والتعذيب، عندما تتعارض مصالحها مع مصالح الدول أو الأطراف المنافسة. هدفها هو السيطرة على الثروات والتهرب من الرقابة، سواء الضريبية (التهرب الضريبي) أو الأمنية، من خلال التغلغل في الأجهزة الأمنية أو شراء عناصر منها، مثل: الجمارك، الأمن، القضاء، وحتى الصحافة. كما تسعى العصابات للسيطرة على الموانئ (كما في حالة غينيا بيساو)، أو تغيير طرق التهريب حسب مستوى الرقابة، سواء كانت بحرية، جوية، برية، أو حتى عبر الصحراء.
تُعتبر العصابات أحد الأوجه الخلفية للعولمة، إذ إنها استفادت من دفق الخصخصة، وتنقل الأموال والبضائع، وتخفيف المراقبة، مما أتاح لها إمكانية تكوين شبكات معقدة. تستمد العصابات قوتها من تفوق عناصرها على الترسانة القانونية القائمة، سواء على الصعيد الوطني أو الدولي، ومن قدرتها على المبادرة والاستباق، متجاوزة بذلك قدرة الدول على الاستباق أو المراقبة.
تستظل العصابات بشبكات دولية وتستخدم أدوات متطورة للعمل والرصد، لا تقل عن تلك المستخدمة من قبل الأجهزة المالية، بما في ذلك توظيف الذكاء الاصطناعي، مما يزيد من خطورتها.
تنشط العصابات في مجالات تنقل الأشخاص (الهجرة السرية) والبضائع، بما في ذلك تهريب الأسلحة، العملات المزورة، الأدوية، المخدرات، واللوحات الفنية، مع التغلغل في شبكات نقل الحاويات. كما تعمل في بعض المناجم ذات المردودية المرتفعة، مثل: مناجم الذهب والأحجار الكريمة، بالإضافة إلى قطاع العقارات، من خلال الالتفاف على القوانين، والحصول على التراخيص، والمضاربة.
توظف العصابات وسائل متطورة للتواصل، بما في ذلك الوسائل السيبرانية. وعلى خلاف التيارات الراديكالية، لا تمتلك العصابات أجندة سياسية أو مرجعية أيديولوجية، بل تسعى فقط لبسط السيطرة على الثروات والتهرب من المراقبة، بما في ذلك التهرب الضريبي.
تظل العصابات التي تنشط في الاتجار بالمخدرات الأهم من حيث قدراتها المالية، حيث يتراوح حجم المبادلات الناتجة عن تجارة المخدرات بين 250 و320 مليار دولار، مما يجعلها قوة اقتصادية ضاربة.
تتوزع هذه العصابات بين تنظيمات تنشط في شراء المنتج من شبكات المنتجين المحليين (حيث يظل المزارع الحلقة الأضعف، رغم أن إنتاج المخدرات الطبيعية هو أهم مصدر للربح في كل الزراعات)، بالإضافة إلى مراحل التعليب، التصنيع، التصدير، والتوزيع.
كما توجد كارتيلات تعمل عبر جميع الحلقات، مع وجود حواجز صارمة بين كل مرحلة: (الإنتاج، التسويق، التوزيع)، ولا تتردد هذه العصابات في استخدام العنف، بما في ذلك الأسلحة، القتل، الاختطاف، التعذيب في الحالات القصوى، وطلب الفدية. كما تلجأ إلى محترفي العنف، المعروفين في أميركا اللاتينية بـ "سِكاريُوس" (sicarios).
تتوزع المخدرات بين الأنواع الطبيعية، مثل: القنب الهندي (المغرب، الهند) ومشتقاته كالماريجوانا والحشيش، والكوكايين (أميركا اللاتينية)، والهيروين (بورما، أفغانستان)، والمخدرات المركبة أو المصنعة. لا حاجة للتذكير بالمضاعفات الاجتماعية للمخدرات، من انتشار العنف والجريمة، وانحراف الشباب والدعارة، فضلًا عن الآثار السلبية على صحة المتعاطين سواء في المراحل المبكرة أو لدى المدمنين بشكل كامل.
من الأخطار الجديدة لشبكة المخدرات التغلغل في البنية السياسية والإدارية للدولة. تصبح الدولة مخترَقة أو معطوبة السيادة، وتعمل العصابات على تعطيل عمل المؤسسات الأمنية والقضائية.
حالة تاجر المخدرات المعروف باسم "إسكوبار الصحراء" في المغرب، وهو تاجر مخدرات من مالي، تُعد مثالًا مدرسيًا على هذا الخطر، حيث تمكن من التسلل إلى الجسم الفني، الرياضي، السياسي، وحتى إلى عناصر من القضاء في المغرب (القضية ما تزال منظورة أمام القضاء للنظر فيها بتفصيل).
تعطل ظاهرة العصابات قدرة الدولة على الاستباق والمراقبة، باستثناء الحالات التي يتم فيها التنسيق الدولي. (توقيف "إسكوبار الصحراء" لم يكن ممكنًا دون التنسيق الأمني الدولي).
استفحال دور العصابات يستدعي التصدي الحازم لها. يتوجب أولًا تجريم الأفعال التي تحيط بها شبهات، أو التحري الدقيق في أدوات المراقبة لمنح التراخيص على مستوى الدول، حيث إن العديد من الدول تتغاضى عن أنشطة العصابات، بل إن بعضها تتحالف معها، فيما تعتبر أخرى أن أنشطتها تُدر دخلًا يسهم في الاقتصاد الوطني.
ثانيًا، التنسيق بين الدول، إذ بدون هذا التنسيق ستظل العصابات كسمكة تسبح في الماء. وثالثًا، تجريم العصابات على مستوى الأمم المتحدة، بحيث لا يقتصر الأمر على إدانة الرشوة أو المطالبة بالشفافية.
وكما تمكن التعاون الدولي من الحد من انتشار الإرهاب، فإن هناك حاجة ماسّة لتعاون دولي يحد من فاعلية العصابات التي تهدّد أمن الدول واستقرارها وتثلم سيادتها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات العصابات على العصابات فی بما فی ذلک على مستوى تنشط فی
إقرأ أيضاً:
هكذا تدعم إسرائيل اللصوص المسلّحين الذين يهاجمون شاحنات الأمم المتحدة في غزة
نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، تقريرا، للصحفيتين، مليكة كناعنة طبر في بيروت، وجانا تاوشينسكي في لندن، قالتا فيه إنّ: "شائعات تردّدت عن مقتل أكثر رجال العصابات شهرة في غزة، الاثنين الماضي؛ بعد أيام من قيام لصوص مسلّحين بسرقة قافلة من شاحنات المساعدات التابعة للأمم المتحدة".
وأضاف التقرير الذي ترجمته "عربي21" أنه: "في اليوم التالي، ظهر ياسر أبو شباب متحدّيا، حيث أغلق رجاله الطريق بشاحنة وقود مشتعلة، لمنع شاحنات المساعدات، كنوع من الانتقام، وفقا لمسؤول كبير في الأمم المتحدة واثنين من المطلعين على صناعة النقل".
وتابع: "الاستعراض السريع للقوة يؤكّد على القوة المتزايدة لأبو شباب والعصابات الأخرى في غزة، والتي طوّرت في الأشهر الأخيرة تجارة مربحة تتمثل في سرقة شاحنات المساعدات المتجهة إلى القطاع".
وبحسب التقرير نفسه، يزعم المسؤولون الإنسانيون وناقلو البضائع الفلسطينيون أن هذه العصابات الإجرامية تتصرف بإذن ضمني من جيش الاحتلال الإسرائيلي: وهو ما وصفته مذكرة للأمم المتحدة اطلعت عليها صحيفة "فايننشال تايمز" بأنه: "الكرن السلبي، إن لم يكن النشط من جانب إسرائيل".
واسترسل: "تتحدّى العصابات المسلحة، التي يقودها محكومون هاربون وتتشكل على أسس عائلية، السلطات في غزة وتعمل بحرية على طول الحدود، وهي منطقة عسكرية إسرائيلية محظورة".
"تخزّن هذه العصابات البضائع المنهوبة في مقرات مفتوحة في الهواء الطلق ــ ويبدو أن مسيّرات المراقبة الإسرائيلية تتجاهلها، فيما تعيد بيع الإمدادات عبر وسطاء إلى الفلسطينيين المعوزين بأسعار باهظة" أكد التقرير نفسه.
وفي السياق ذاته، تحدثت صحيفة "فايننشال تايمز" لأكثر من عشرين شخصا حول ارتفاع معدلات سرقة المساعدات، بشكل منهجي، في المنطقة التي تسيطر عليها قوات الاحتلال الإسرائيلية، بما في ذلك سائقو الشاحنات الفلسطينيون والتجار والمنظمات الإنسانية ومقدمو الخدمات الأمنية ومسؤولي الأمم المتحدة في غزة، والذين شهد العديد منهم عمليات النهب بشكل مباشر.
ووصفوا كيف حلّت الشبكات الإجرامية محل اللصوص الأفراد، الذين يعملون في عمق الحدود الجنوبية الشرقية للقطاع، بعيدا عن متناول شرطة غزة المتبقية في ما يعرف بـ"المنطقة الحمراء" بالنسبة لمعظم الفلسطينيين بسبب وجود جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وتقول الصحيفة، إن عمليات تسليم المساعدات قد انخفض بشكل حاد منذ غزو الاحتلال الإسرائيلي لرفح في جنوب غزة في أيار/ مايو، مما أدى إلى زيادة عمليات النهب، وبلغت أدنى مستوياتها على الإطلاق في تشرين الثاني/ نوفمبر.
وأدّى النقص في الإمدادات لجعل حتى الإمدادات الأساسية أهدافا ثمينة للسرقة. ووفقا لتقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن ما يصل لـ30 في المئة من المساعدات التي تدخل القطاع تُسرق. وفي عملية السطو المسلح التي وقعت الأسبوع الماضي، فقدت 97 شاحنة من أصل 109 شاحنات تابعة للأمم المتحدة.
اضطر ناهض شحيبر، الذي يرأس جمعية النقل الخاصة في غزة، إلى رفض طلبات التسليم من الأمم المتحدة، بعد مقتل العديد من السائقين في شركته، على أيدي اللصوص، وتعرّض أكثر من نصف أسطوله المكون من 50 شاحنة لإطلاق النار أو سرقة البطاريات.
ويقوم اللصوص باعتراض الشاحنات بعد وقت قصير من دخولها عبر المعبر الجنوبي الرئيسي للقطاع، والمعروف باسم كرم أبو سالم.
قال شحيبر: "على بعد كيلومتر واحد إلى الغرب سوف تجد اللصوص على الطريق وفي المباني التي تم قصفها، وكل ما حولهم دبابات. لماذا لا تهاجمهم هذه الدبابات؟. بالنسبة للجيش، هذه طريقة جيدة لتجويع غزة بشكل غير مباشر".
وردا على الأسئلة المكتوبة، قال جيش الاحتلال الإسرائيلي إنه "يبذل جهودا كبيرة للسماح بأكبر قدر ممكن من المساعدات إلى غزة"، فيما زعم أن حماس من تسرق.
وأضاف: "نظرا للمحاولات المنهجية من قبل حماس لاستغلال المساعدات الإنسانية لأغراضها الخاصة، ينفذ الجيش الإسرائيلي عمليات مستهدفة ضد المسلحين الذين ينهبون هذه المساعدات".
وقد روى محمد، سائق شاحنة ينقل البضائع شمالا من كرم أبو سالم على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، سلسلة من حوادث النهب في الصيف حيث كان العشرات من الرجال الملثمين الذين يحملون بنادق كلاشينكوف يحيطون بالشاحنة. وفي إحدى المرات كان هناك أكثر من 80 مهاجما.
وقال: "أولا يطلقون النار على العجلات. ثم يسرقون البنزين والبطاريات وكل شيء داخل الشاحنة. ثم يوجهون مسدسا إلى رأسك". ووفقا لسائقين وشحيبر، بدأ أفراد العصابة في إطلاق النار على بعض السائقين في أيديهم وأقدامهم.
وفي حين تحدث بعض السرقات على الطريق نفسه، فإن الشاحنات في حالات أخرى تجبر على دخول قواعد العصابات. وفي مثل هذه الحالات، كما قال أحد سماسرة النقل، "يقتاد السائق تحت تهديد السلاح لمناطق الحدود الشرقية، ضمن نطاق رؤية الجيش الإسرائيلي ومسمعه".
ويزعم العديد من كبار المسؤولين في الأمم المتحدة أنّ: "مثل هذه السرقة الوقحة لا يمكن أن تحدث دون موافقة القوات الإسرائيلية". وقال أحدهم: "ربما يكون هؤلاء الأشخاص هم الأشخاص الوحيدون في غزة الذين يمكنهم الابتعاد 100 ياردة عن دبابة إسرائيلية أو جنود إسرائيليين دون أن يتم إطلاق النار عليهم".
وقال مسؤولون وسكان محليون إن المرافقين غير المسلحين التابعين للأمم المتحدة وفرق الحماية التطوعية التي تحمل العصي تعرضت لهجمات من الاحتلال الإسرائيلي.
ويتذكر محمد أنه تم نقله إلى قاعدة عصابة حيث سرقت شاحنته. وأحاطت به كميات هائلة من السلع المنهوبة، بما في ذلك الدقيق والأغذية المعلبة والبطانيات والأدوية. وقال: "كل ما يمكنك تخيله، كان مكدسا هناك. في العراء: لم تكن هناك جدران، ولم يكن هناك مبنى"، مضيفا أن: "القاعدة كانت على بعد أقل من كيلومترين من معبر كرم أبو سالم".
ووفقا لرجال الأعمال المحليين، يتم احتجاز الشاحنات التي تحمل البضائع التجارية كرهائن حتى يدفع التاجر فدية للإفراج عن بضاعته.
قال عايد أبو رمضان، رئيس غرفة تجارة غزة: "يأخذون الشاحنة مع السائق. لديهم رافعات شوكية وأماكن تخزين. وهذه معروفة أيضا للإسرائيليين. يطلبون فدية ضخمة للإفراج عن السلع التجارية. أما بالنسبة للمساعدات -من الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية- فإنهم يأخذونها ويبيعونها في الأسواق".
بدأ محمد في معرفة العصابات التي تسيطر على أجزاء من الطريق. يسيطر شادي صوفي، الذي كان ينتظر الإعدام في أحد سجون غزة قبل الحرب التي بدأت بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، على قسم بالقرب من معبر كرم أبو سالم.
تم بث اعتقال صوفي قبل سنوات في جميع أنحاء غزة، في مقطع فيديو، نشرته قوات الأمن، وحكم عليه لاحقا بالإعدام بتهمة القتل، وفقا لتقارير إعلامية.
ولكن مع استهداف الاحتلال الإسرائيلي لشرطة الزي الرسمي، اختبأ الضباط وفروا من مراكزهم وسجونهم، مما سمح للمحتجزين في الداخل بالمغادرة. يقول سكان غزة إن بعضهم تحولوا إلى لصوص.
ووفقا للتقرير نفسه، أكد بيان على صفحة فيسبوك تابعة لعائلة صوفي أنه أُطلق سراحه من السجن لكنه نفى تورطه في النهب.
ويقول إن عائلة الصوفي هي واحدة من عدة عشائر بدوية لها وجود طويل في المناطق الحدودية الجنوبية في غزة، حيث يتم تنظيم العصابات الجديدة في الغالب على أساس عائلي، كما قال أشخاص مطلعون على الأمر.
إن عصابة أبو شباب، التي يعتقد أنها تسيطر على منطقة تبعد 1.5 كيلومتر فقط عن معبر الحدود، هي المجموعة الأكثر قوة، وفقا لسائقي الشاحنات وسماسرة النقل ومسؤولي المساعدات الإنسانية.
إن رجاله مسلحون بكثافة بأسلحة جديدة، ويستفيدون بشكل أساسي من السجائر المهربة، وفقا لمذكرة داخلية للأمم المتحدة، والتي نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" لأول مرة. يباع صندوق السجائر بمبلغ 400 ألف دولار، وفقا لغرفة تجارة غزة، ارتفاعا من بضعة آلاف من الدولارات قبل الحرب.
وقال مسؤولون في الأمم المتحدة وشهود فلسطينيون إن موقف دولة الاحتلال الإسرائيلي المتساهل تجاه العصابات كان جزءا من نمط تغذية القوى المتنافسة لتقويض السلطات المحلية.
لقد تسبّب صعود العصابات في حدوث انقسامات في مجتمع غزة، حيث سارعت العشائر إلى إبعاد نفسها عن الأعضاء المتورطين في عمليات النهب. وفي محاولة لصرف الانتباه عن الغضب، أصدرت بعض العشائر بيانات عامة تنفي فيها بشكل غير مباشر أي شخص متورط في السرقة. حتى أن البعض شكلوا لجانا لمكافحة النهب لحراسة الشاحنات.
يوم الثلاثاء، بعد يوم من الكمين، كتب زعماء عشيرة أبو شباب رسالة مفتوحة "يتبرؤون فيها" من أقاربهم المتورطين في النهب. وفيما تزعم دولة الاحتلال الإسرائيلي أن حماس مسؤولة، فإن السرقات وضعت الجماعات المسلحة في خلاف مع الجماعة المسلحة. وقال شحيبر، زعيم صناعة النقل، إنّ: "إسرائيل كانت تعلم جيدا ما كان يحدث".
وقال: "إنها تراقبنا طوال الوقت. وإذا أرادوا، فيمكنهم الاتصال بياسر أبو شباب الآن وإخباره: لا تجرؤ على سرقة شاحنة أخرى، وإلا سوف نطلق النار عليك. لكنهم لا يفعلون ذلك، ولماذا تعتقدون أن هذا هو الحال؟".