صحيح أنّ "حزب الله" يحرص على تأكيد قدرته على الصمود في وجه العدوان الإسرائيلي على لبنان، والاستمرار في المقاومة من دون كلَل، من خلال العمليات المكثّفة والنوعية التي يزيد من جرعتها، إلا أنّ الصحيح أيضًا أنّ الضربات التي تعرّض إليها منذ مجزرتي أجهزة الاتصال، وصولاً إلى الاغتيالات التي باتت تتكرّر في الضاحية الجنوبية لبيروت، مرورًا بمختلف محطات الحرب الحالية، كانت "الأقسى" عليه ربما خلال مسيرته الطويلة.


 
من هنا، ولأنّ "حزب الله" يدفع في هذه الحرب "فاتورة ثقيلة"، بسبب إصراره على "إسناد" الشعب الفلسطيني المُحاصَر في قطاع غزة، اتجهت الأنظار سريعًا إلى "الإسناد" الذي كان يتوقعه من الحلفاء والأصدقاء، وخصوصًا من جانب الجمهورية الإسلامية في إيران، التي لطالما نادت مع الحزب بتطبيق نظرية "وحدة الساحات"، فإذا بمواقف كبار قادتها ومسؤوليها تأتي "ملتبسة" برأي البعض، وكأنّها آثرت الاكتفاء بالمراقبة، حتى إشعار آخر.
 
وعلى الرغم من أنّ أيّ مواقف "نافرة" لم تصدر عن الجانب الإيراني في هذا الصدد، إلا أنّ ذلك لم يمنع من انتشار "فرضيات" تباين مع "حزب الله"، حتى إنّ بعض التسريبات أشارت إلى أنّ الأخير طلب من طهران التدخّل، أو بالحدّ الأدنى تنفيذ وعيدها بالردّ على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، ولكنّها رفضت ذلك، فما مدى صحّة مثل هذه الانطباعات، وكيف يتلقّف "حزب الله" عمليًا المواقف الإيرانية من الحرب؟!
 
المواقف الإيرانية "الملتبسة"
 
لا يتردّد خصوم "حزب الله" في الاستنتاج بأنّ إيران "تخلّت عنه"، وتركته يواجه الحرب الإسرائيلية عليه وحيدًا، بعدما كانت السبب فيها، حين دفعته للانخراط في "جبهة الإسناد" بالوكالة عنها، وفق ما يقول هؤلاء، وذلك من أجل تحقيق مكاسب "شعبوية" مرتبطة بدعمها للقضية الفلسطينية، بل إنّ بعض خصوم الحزب يذهبون أبعد من ذلك، ليقولوا إنّ طهران "باعته"، إذ تحاول اليوم أن تبرم "صفقة نووية" على حسابه، بشكل أو بآخر.
 
ومع أنّ مثل هذه الاستنتاجات قد تنطوي على الكثير من المبالغات، ما يُفقِدها الدقّة المطلوبة، وفقًا للعارفين، فإنّ أصحابها يلفتون إلى أنّها تستند إلى مواقف إيرانية رسمية أقلّ ما يقال فيها إنّها "ملتبسة"، لعلّ أبرزها ما صدر عن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في خضمّ التصعيد الإسرائيلي غير المسبوق ضدّ "حزب الله"، حين قال إنّ بلاده مستعدة لبدء مفاوضات نووية، "إذا كانت الأطراف الأخرى راغبة في ذلك"، على حدّ تعبيره.
 
ولعلّ ما صدر بعد ذلك عن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان نفسه يندرج في الخانة "الملتبسة" نفسها، بحسب أصحاب هذا الرأي، سواء لجهة قوله في تصريحات تلفزيونية إنّ "حزب الله" ليس قادرًا على مواجهة العدو الإسرائيلي "بمفرده"، أو حتى على خلفيّة ما نُسِب إليه عن "استعداد لخفض التوترات مع إسرائيل، إذا رأت التزامًا مماثلاً من الجانب الآخر"، وهو ما يناقض في مكان ما، جوهر الخطاب الإيراني التاريخي، بل جوهر الصراع إن صحّ التعبير.
 
موقف "حزب الله"
 
أبعد من كلّ ما سبق، ثمّة من يقول إنّ رهان "حزب الله" على إيران خاب، بعدما كان ينتظر منها إسنادًا حقيقيًا على أرض المعركة، خصوصًا بعد الضربات القاسية التي تعرّض لها، ففوجئ بعدم تجاوب القيادة في طهران، ولا سيما أنّ تكرار المسؤولين الإيرانيين التهديد بالردّ على اغتيال إسماعيل هنية في طهران، مع ثابتة "الزمان والمكان المناسبَين"، لم يعد مستفزًا لخصومها فحسب، بل للحزب الذي بات يسأل عمّا إذا كان هناك من توقيت أفضل من التوقيت الحالي.
 
صحيح أنّ توقّع استنتاج من هذا النوع مُستبعَد من جانب "حزب الله"، أقلّه بصورة رسمية، إلا أنّ الدائرين في فلك الحزب يعتبرون أنّ الترويج لمثل هذا الكلام لا يخدم المعركة الحالية، بل على العكس من ذلك، هو يقدّم "هدية مجانية" للعدو بشكل أو بآخر، ويؤكدون أنّ العلاقة بين الجانبين في أحسن أحوالها، علمًا أنّ الحزب لم يطلب أساسًا من إيران التدخّل في الحرب، وهو يعرف أنّه لو فعل، لما تأخّر المعنيّون في طهران عن تلبية النداء.
 
يشير الدائرون في فلك "حزب الله" إلى أنّ الحزب لم يستخدم كلّ إمكاناته وقدراته، حتى يطلب "الإسناد" من الآخرين، وهو لا يزال يتعامل مع التصعيد الحاليّ على أنّه "مضبوط" إلى حدّ ما، بمعنى أنّه لم يصل بعد لمستوى الحرب الشاملة أو الواسعة، التي سبق أن قال إنّه سيتحرّر معها من كل الضوابط والقيود التي تكبّله، وهو انطلاقًا من ذلك، يجد نفسه "متناغمًا" مع الموقف الإيراني، خلافًا لكلّ ما يُحكى ويروّج عن تناقض أو تباين وما إلى ذلك.
 
يجد خصوم "حزب الله" في مواقف إيران التي يصفوها بـ"الملتبسة" ضالتهم، لممارسة "الشماتة" إن جاز التعبير، والقول إنّ الحزب تُرِك يحارب وحيدًا، من دون مؤازرة ولا من يحزنون. لكن في المقابل، ثمّة من يقول إنّ إيران "تحمي" الحزب بعدم تحويلها الصراع إلى حرب إقليمية شاملة لن تكون في صالح أحد من الأطراف، ولا سيما أنّ تبعات الانخراط المباشر في الحرب يجب أن تُدرَس بعناية، بعيدًا عن التفكير العاطفي الذي لا يقدّم ولا يؤخّر... المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

هل تمهّد الحرب ضد حزب الله لضرب المنشآت النووية الإيرانية؟

قالت برونوين مادوكس المديرة والرئيسة التنفيذية للمعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني "تشاتام هاوس"، في تقرير نشره المعهد، إن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو اختارت تصعيد الصراع مع حزب الله على حدودها الشمالية، على الرغم من أنه لم يتم بعد التوصل إلى حل للحرب مع حركة حماس في قطاع غزة.

وتساءلت مادوكس عن سبب قيام إسرائيل بهذا، قائلة إن معظم التفسيرات تشير إلى أهداف تكتيكية، تتعامل مع التهديدات المنفردة عند ظهورها. ولا يوجد أي مؤشر على استراتيجية أساسية لتأمين السلام. وبدلاً من ذلك، يشعر بعض المحللين بالقلق من أن نوايا إسرائيل ربما تكون خلق ظروف لشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

ويبرر وزراء إسرائيليون الهجمات على لبنان بالرغبة الملحة في علاج الوضع في شمال إسرائيل. فقد نزح نحو 60 ألف إسرائيلي من منازلهم في المنطقة الحدودية بسبب الهجمات الصاروخية التي يشنها حزب الله، وكذلك بسبب مخاوفهم من التعرض لغزو وعمليات اختطاف مثل تلك التي حدثت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

إبعاد حزب الله

وترى مادوكس أنه من الممكن أخذ هذا التفسير على محمل الجد إلى حد ما. فقد كان الضغط السياسي لحل مشكلة السكان النازحين من شمال إسرائيل يتصاعد على الصعيد الداخلي في إسرائيل، على الرغم من أن المشكلة أقل وضوحا بكثير لمن هم خارج البلاد. وتزداد حدة المشكلة مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لأحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول). ويقول وزراء إنه "غير مقبول" تماماً بالنسبة لدولة أن تكون مجبرة على التنازل عن استخدام أراضيها بهذا الشكل.

ومع ذلك من الصعب رؤية كيف يمكن أن يكون سكان شمال إسرائيل واثقين بما يكفي للعودة إلى منازلهم بدون عمل عسكري لإبعاد قوات حزب الله لمسافة كبيرة عن الحدود.

وأشارت مادوكس إلى أن القادة العسكريين يتحدثون بثقة بشأن توغل سريع لإبعاد حزب الله، إلا أن مثل هذه الخطط لا تظل دائما محكمة، مثلما أظهرت تحركات إسرائيل السابقة في جنوب لبنان. ومن المرجح أن تكون الهجمات التي استهدفت أجهزة الاتصالات اللاسلكية في لبنان وسوريا في الأسبوع الماضي والتي أسفرت عن مقتل وإصابة قادة بارزين في حزب الله قد دمرت الكثير من اتصالات الحزب. إلا أن قوات الحزب لا تزال متمركزة في القرى بالقرب من الحدود وأي عملية عسكرية إسرائيلية في جنوب لبنان لن تكون عملية سهلة. كما أنه من غير المرجح أن تؤمن الضربات الصاروخية وحدها المنطقة وستستفز صواريخ حزب الله رداً عليها، كما يحدث الآن.

وبعيداً عن الرغبة في تقليص قدرات حزب الله، يرى معلقون آخرون أن العوامل السياسية قصيرة المدى ربما تكون هي السبب وراء الهجمات، حيث لا يزال نتانياهو تحت الضغط من قضايا الفساد في المحاكم.

وتعد حالة الصراع المستمر ملائمة بالنسبة له، حيث تسمح له بالاستمرار في السلطة وإبعاد المطالبات بأن يدلي بشهادته. كما أن الشعور بوجود أعداء من جميع الجهات، يمنح الأعضاء الأكثر تطرفاً في حكومته - وخاصة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير- غطاء للمضي قدماً في توسيع المستوطنات والطرق في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية.

ومنذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وافقت الحكومة الإسرائيلية على توسيع سريع لتلك المستوطنات، وهي مستوطنات غير قانونية وفقاً للقانون الدولي. ووافقت الحكومة على خمس مستوطنات جديدة، بينما تم إنشاء أكثر من 25 بؤرة استيطانية جديدة، وفقا لمجموعة "مراقبة المستوطنات" التابعة لمنظمة "السلام الآن" وهي منظمة إسرائيلية غير حكومية. وسمح سموتريتش بتخصيص تمويل عام لـ70 بؤرة استيطانية غير قانونية وتوصيل المياه والكهرباء إليها وتمهيد الطرق المؤدية إليها.

There may be a wider strategic intention behind Israel’s attacks on Hezbollah: moving directly against Iran, the leader of the ‘Axis of Resistance’ and its nuclear facilities, writes @bronwenmaddox. https://t.co/iOlmzIYGEg

— Chatham House (@ChathamHouse) September 25, 2024 التحرك ضد إيران

ويوم الأحد الماضي، وخلال مناقشة مع تشاتام هاوس في مؤتمر حزب العمال، قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إن المملكة المتحدة تجري محادثات مع الاتحاد الأوروبي بشأن إمكانية فرض عقوبات على سموتريتش وبن غفير. ورأت مادوكس أن هذه الخطوة ستكون مثيرة للجدل بالنسبة لبريطانيا والاتحاد الأوروبي، الداعمين لإسرائيل، لأن يفرضوا عقوبات على وزيرين في حكومة منتخبة ديمقراطيا. إلا أنهم يشعرون بالقلق من أن إسرائيل تستغل الحرب في غزة والأن ضد حزب الله لصرف الانتباه الدولي عن توغلاتها في الضفة الغربية.

وأشارت مادوكس إلى أنه ربما تكون هناك خطة استراتيجية أوسع نطاقاً وراء هجمات إسرائيل الجديدة، وهي التحرك بشكل مباشر ضد إيران، قائدة ما يسمى بـ"محور المقاومة"، والذي يضم حزب الله وحماس والحوثيين في اليمن. ومنذ قيام الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بسحب الولايات المتحدة من "خطة العمل الشاملة المشتركة"، وهو الاتفاق الذي وافقت بموجبه طهران على تقييد برنامجها النووي، جعلت إيران من نفسها دولة على عتبة تطوير أسلحة نووية.

وقد ناشدت إسرائيل الإدارات الأمريكية لفترة طويلة لشن هجمات ضد المنشآت النووية الإيرانية أو دعم هجوم إسرائيلي عليها، إلا أن رد واشنطن كان دائماً بالرفض. ويوم الأحد الماضي، وصف الرئيس الإسرائيلي اسحاق هرتسوغ إيران بأنها "إمبراطورية شر" وقال في حديث مع قناة "سكاي" التلفزيونية إن القوات الإسرائيلية سوف "تزيل أي تهديدات وجودية لدولة إسرائيل".

واعتبرت مادوكس أن هذا التصريح من هرتسوغ، وهو شخصية معتدلة وليس مؤيداً كبيراً لنتانياهو، يعد حديثاً واضحاً بشكل لافت. وأشارت إلى أنه بالنسبة للدول التي تعمل على تجنب اندلاع حرب إقليمية، يكمن الخوف في أن حكومة إسرائيل ربما تستغل الهجمات على لبنان كوسيلة لخلق خيار شن هجوم مستقبلي على منشآت إيران النووية.

ومن خلال القضاء على اتصالات حزب الله بتفجير أجهزة "البيجر"، أضعفت إسرائيل تماسك الحزب كقوة قتالية وربما تختار إضعاف الحزب بشكل أكبر من خلال هجوم داخل لبنان أو بشكل آخر. وربما تأمل إسرائيل في أنه من خلال تحييد حزب الله بشكل كاف في الأشهر المقبلة، تستطع التحرك ضد إيران دون أن تشعر بالقلق بشأن الحدود الشمالية.

ويشعر المحللون بالقلق من أن تقرر إسرائيل شن ضربة بغض النظر عن نتيجة انتخابات الرئاسة الأمريكية، على أمل الحصول على دعم من المرشح الجمهوري دونالد ترامب حال فوزه بالرئاسة ومع الاستعداد لتقبل النقد من إدارة المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس حال فوزها، إذا كان هذا ضرورياً. إلا أن هذه الاستراتيجية ستكون خطيرة للغاية، حيث أن تصعيد الصراع إلى الشمال أو الشرق لن يمنح إسرائيل حلا للصراع في غزة.

وقالت مادوكس إن المحادثات مع حماس بشأن اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن لا تمضي بشكل جيد، وفقاً لمسؤولين غربيين. وقد أضاف كل طرف شروطاً جديدة:

وترغب إسرائيل في الاحتفاظ بالسيطرة على "ممر فيلادلفيا" على الحدود بين غزة ومصر، بينما ترغب حماس في إفراج إسرائيل عن المزيد من الأسرى من السجون الإسرائيلية.

Dramatic attacks on Hezbollah could be a signal from Israel to Iran to back off — but it risks escalating the simmering conflict on Israel's northern border, writes @bronwenmaddox. https://t.co/vLgoCNEmwn

— Chatham House (@ChathamHouse) September 19, 2024

واختتمت مادوكس تحليلها بالقول إنه بدون وقف إطلاق النار ثم الاتفاق على مسار لإقامة دولة فلسطينية، تخاطر إسرائيل بخسارة المزيد من الدعم الدولي. وعلاوة على ذلك، فإنه من خلال توسيع الصراع، لن تتمكن إسرائيل من الوصول إلى الجائزة الدبلوماسية التي لا تزال مطروحة أمامها، وهي تطبيع العلاقات مع السعودية، ومن خلال ذلك، المساعدة من جيرانها في احتواء التهديد الإيراني.

مقالات مشابهة

  • وزير خارجية إيران: طهران لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه الحرب الشاملة في لبنان
  • تصريح الرئيس الإيراني: قراءة وابعاد
  • صدمة طهران.. هل ترد إيران على الهجمات الإسرائيلية بالأراضي اللبنانية؟
  • تصريحات بزشكيان تثير الجدل ومغردون: متى تدافع طهران عن نفسها؟
  • طهران تدين البيان الأمريكي الإماراتي حول الجزر الإيرانية الثلاث
  • هل تمهّد الحرب ضد حزب الله لضرب المنشآت النووية الإيرانية؟
  • هل نفضت إيران يدها من الحزب..؟
  • مصادر لأكسيوس: حزب الله حث إيران في الأيام الأخيرة على شن هجوم على إسرائيل لكن طهران امتنعت
  • حزب الله طلب من إيران مهاجمة اسرائيل.. فكيف ردت؟