لا شك أن أمريكا الإنجيلية التي ورثت عرش الإمبراطورية البريطانية مع نفوذها ومواطن سيطرتها في العالم، قد ورثت كذلك بعض المهام التي تكفلت بها بريطانيا قبل رجوعها عن قيادة العالم، وكان من أهم تلك المهام التي ورثتها الإمبراطورية الأمريكية هي الرعاية الكاملة للجنين الذي زرعته المملكة المتحدة في منطقة الشرق الأوسط (إسرائيل).

.

وقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بخير رعاية لمبعوث الصهيونية العالمية وأداتها في تركيع العالم العربي، صُرّة العالم الإسلامي وسادن مقدساته، وفي استنزاف مقدّراته وإشغاله دوما عن أي تقدم حضاري مادي أو معرفي، وتحويله إلى تابع ذليل للغرب المسيحي، ورأس حربة كذلك في مواجهة أي صحوة إسلامية من حاضنته الشعبية التي قد تهدد وجود الحضارة الغربية التي بُنيت على المادية المتطرفة بعد تنحيتها للكنيسة؛ تلك التي لم يبق لها من دور سوى تعزيز الكراهية للعالم الإسلامي بما يجعلها مُصّطفة في خندق واحد مع الصهيونية العالمية!..

وقد ظهر واضحا جليا الدور الأمريكي في القيام برعاية الجسم الغريب الذي تمت زراعته في قلب العالم العربي، وظهرت أمريكا وهي تؤدي ذلك الدور في نشاط دؤوب خلال العدوان الأخير على غزة بعد "طوفان الأقصى"! صحيح أن الدور الأمريكي واضح وقوي منذ استلامها لقيادة العالم، وقد ظهر منذ بداية الحروب التي انفجرت شرارتها في نهاية أربعينيات القرن الماضي بين الاحتلال الصهيوني وبين محيطه العربي بدءا بفلسطين المحتلة مرورا بمصر وسوريا.. لكنّ التحيز الأمريكي لم يكن بالوضوح مثلما هو الآن عقب انطلاق عملية "الطوفان"، بحيث تُسارع بجيشها إلى البحر المتوسط بكامل قوتها من بوارج ومدمرات وحاملات طائرات لحماية الولاية المدللة (إسرائيل)، وحتى الرعاية الدبلوماسية المفترضة لأي مباحثات تجري بين المقاومة والاحتلال، فلقد تخطت وبصفاقة كبيرة دورها في مساندة ودعم الوسطاء (مصر، قطر) إلى المبالغة في رعاية جرائم الاحتلال وفي تدليل رئيس وزرائه نتنياهو في كل ما يعنّ له؛ حتى وإن خالف الأعراف الدولية والدبلوماسية..

ولم يحدث أن ضمّت الإدارة الأمريكية بين أعضائها هذا العدد من الصهاينة المتعصبين للاحتلال أكثر من يهود إسرائيل أنفسهم! سواء من البروتستانت الإنجيلين بدءا بالرئيس "جو بايدن" صاحب الجملة الشهيرة "ليس شرطا أن تكون يهوديا حتى تصبح صهيونيا!"، ومرورا بالإنجيلي الثاني في الإدارة "جون كيربي"، منسق الأمن القومي الأمريكي للاتصالات في البيت الأبيض، ثم يأتي وزير الخارجية "انتوني بلينكن" اليهودي الديانة، وجميع من رأى وتابع جولاته المكوكية في المنطقة يستشعر ولاءه الشديد لنتنياهو أكثر من رئيسه بايدن نفسه! كما نذكر مستشار الأمن القومي الأمريكي "جيك سوليفان"؛ اليهودي الثاني في الإدارة..

فما هي محددات السياسة الأمريكية للمنطقة العربية والتي أظهرتها دون مواربة العدوان الأخير على غزة؟!

1- تقديم كافة صور الدعم المادي والعسكري والاستخباراتي واللوجيستي للاحتلال، ووضعه في أولويات التسليح جنبا إلى جنب مع الجيش الأمريكي! كل ذلك بخلاف الدعم السياسي والدبلوماسي من خلال الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن ومن خلال بعض المنظمات الدولية التي تدور في فلك الإدارة الأمريكية وتأتمر بأمرها، وإذا خالفت واحدة من تلك المنظمات وأدانت دولة الاحتلال بصورة أو بأخرى كان التجاهل لقراراتها وإفراغه من مضمونه هو الفعل المنتظر من أمريكا، بل ربما توعدت الخارجية الأمريكية القائمين على تلك المنظمة بالعقوبات التي تطال شخوصهم؛ في تبجح شديد لم تعرفه البشرية من قبل!..

2- السيطرة على المفاوضات وعدم السماح بدخول رعاة آخرين مثل روسيا والصين وتركيا، من أجل التوجيه الدائم لبوصلة المفاوضات لتصب في مصلحة الكيان وبما يضمن للإدارة الأمريكية ممارسة الضغط على المقاومة أو التهرب من كافة الاستحقاقات التي تم الإتفاق عليها في حال رفضت إسرائيل!..

3- انبطاح الأنظمة الحاكمة في المنطقة وتبعيتها المقيتة للإدارة الأمريكية وتفانيها في تنفيذ أجندات الإدارات المتعاقبة لا سيما الإدارات الجمهورية؛ في حفظ أمن الكيان الصهيوني وفي فك الحصار عنه، ودورها كذلك في تلجيم وحصار المقاومة الفلسطينية بكافة صور الحصار المادي والإعلامي والاستعلاء على ممثليها بل وتسليط المحاكم القضائية بالحكم على المقيمين منهم في بعض الدول، في الوقت الذي تُحتضن فيه السلطة برجالاتها ويستقبلون أحسن استقبال وتسلط عليهم الأضواء التي ترفع من شأنهم وتتبنى وجهة نظرهم أمام الشارع العربي..

4- احتقار الحواضن الشعبية للمنطقة العربية وقهرها وعدم احترام إرادتها أو الالتفات إلى رأيها في العداون على غزة والقدس الشريف، تماما كما لا يُلتفت إلى رأيها وإرادتها فيما يخص شأنها الداخلي! وهذا الدور قد تكفّلت به الحكومات التي مُنحت الضوء الأخضر من قبِل الإدارات الأمريكية المتعاقبة وخلفها أوروبا المتواطئة دوما على شعوبنا، ولا يُسمح بانتقاد أي نظام عربي إلا من قبيل الابتزاز لهذا النظام أو ذاك لحمله على المسارعة في تقديم فروض الولاء والطاعة للغرب دون تأخير، في مقابل السماح لتلك الحكومات بنهب الثروات وشفط المقدرات والبقاء في السلطة وتوريثها للأبناء والأحفاد دون حسيب أو رقيب، أو دون الالتفات إلى إرادة الشعوب التي شاءت الأقدار أن تصبح هي الضحية في هذه البقعة المنكوبة من العالم كله.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيل غزة إسرائيل امريكا غزة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على غزة

إقرأ أيضاً:

هل تُفعِّل لقاءات البرهان في واشنطن الدور الأميركي لحل الصراع؟

الخرطوم– كشف وزير الخارجية السُّوداني حسين عوض عن إجراء رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان سلسلةً من اللقاءات مع الإدارة الأميركية "لتصحيح كثير من المواضيع المعوجة" على حد تعبيره، مؤكدا أن تلك اللقاءات وصلت إلى "تفهم عال".

وأفاد حسين، للجزيرة نت، بأن لقاءات البرهان شملت 3 دوائر أميركية مُهمة، هي الدائرة التنفيذية ممثلة في وزارة الخارجية، والدائرة الأمنية ممثلة في نائب مستشار الأمن القومي، والدائرة الثالثة هي وكالة التنمية الأميركية ممثلة في مديرتها العامة سامانثا باور.

وقال إن تلك اللقاءات شهدت توضيحا لما سماه "اعوجاج الرؤى" من جانب الإدارة الأميركية، والمطلوب تصحيحه في المجالات المختلفة. وأوضح أنّه تمّ الاتفاق على مواصلة الحوار عبر الدوائر الثنائية المُختصة لمعرفة ومعالجة الخلل في العلاقات بين البلدين.

وزير الخارجية السوداني حسين عوض: لقاءات البرهان مع الإدارة الأميركية صححت قراءات أميركية خاطئة (الصحافة السودانية)

وحول إمكانية أن تشكل حصيلة هذه اللقاءات مع الجانب الأميركي أرضيةً مُناسبةً لتفعيل الدور الأميركي في حل الأزمة السُّودانية وجَسر الفجوة مع مواقف الحكومة السودانية، قال حسين إنه يعتقد أن اللقاءات التي تمّت كانت فرصةً مواتيةً للسودان من خلال توضيح الموقف الرسمي للبلاد.

وأفاد بأنهم في السودان كانوا على علمٍ تام بأن هناك قراءات خاطئة من الجانب الأميركي، مؤكدا أن اللقاءات التي عقدها البرهان مع الإدارة الأميركية أسهمت في تفهم الموقف الأميركي للحالة السودانية.

"مصادر مشبوهة"

وأوضح وزير الخارجية السوداني أن كثيرا من الدوائر الخارجية، ومن بينها الأميركية، ظلّت تستقي معلوماتها من مصادر مشبوهة وغير مؤسسة.

وركّز الجانب السوداني على دور الولايات المتحدة الأخلاقي في تفهم موقف السودان من الاستجابة الدولية للوضع الإنساني وفتح كافة المنافذ المؤدية لهذه العملية الإنسانية، غير أن القراءة لها من الجانب الغربي خاصة لم تكن صحيحة، بحسب الوزير.

وأوضح المتحدث ذاته أنه خاطب الفعالية الإنسانية التي أقيمت في الأمم المتحدة بشأن السودان أمس الأربعاء، والتي جاءت بتنظيم مشترك بين السعودية ومصر والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي ووكالة تنسيق المساعدات الإنسانية والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، مشيرا إلى عدم إيفاء المجتمع الدولي بتعهداته في المجال الإنساني.

مسؤولية أخلاقية

وبرأي وزير الخارجية السوداني، فإن أميركا التي تُعتبر أكبر داعم وممول للإغاثة في العالم، مسؤولة أخلاقيا عن القراءة الصحيحة لتدفق هذه المعونات وأين تذهب، وتقدير الموقف السوداني للاستجابة لتدفق المعونات حتى تسهم في إطعام الجوعى من اللاجئين والنازحين.

ودعا حسين لعدم السكوت على ما تفعله "مليشيا" الدعم السريع من اختطاف واستخدام لتلك المساعدات وهي تتدثر بالشعارات الدولية الحافظة لهذه المساعدات، والتي تتطلّب فتح الطرق والتسهيل لها خاصة أنها تحمل شعارات الأمم المتحدة.

وقال "الآن الكرة في الملعب الأميركي، فإن تفهمت تلك الأبعاد وتعاملت معها فأعتقد أنه سيكون لهذه اللقاءات ما بعدها، أما إن استمرت في ركونها وعدم تفاعلها مع وقائع الأحداث، فإن الأمور ستكون في مجرياتها الحالية".

تفهّم أميركي

وحسب وزير الخارجية السوداني، فإن الجانب الأميركي بدأ يتفهم موقف الخرطوم، وقال إنهم يأملون أن تُسهم الإدارة الأميركية في مقبل الأيام بالضغط على من يستغلون الإغاثة واستخدامها في غير الصورة المتفق عليها في المجال الإنساني.

بدوره، اعتبر السفير معاوية عثمان خالد، القائم بالأعمال الأسبق في سفارة السودان بواشنطن أن الدوائر الثلاث ممثلة في مجلس الأمن القومي (البيت الأبيض)، الخارجية، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ظلت هي الأطراف الرئيسية في إدارة ملف السودان داخل الجهاز التنفيذي، وهي التي تقرر مجتمعةً بشأن السياسة الأميركية تجاه السودان.

ووصف اللقاءات التي تمت مع هذه الدوائر الثلاث بأنها كانت اختيارا موفقا جدا لرئيس مجلس السيادة، حيث تم تقديم رؤية السودان في مجريات الحرب الراهنة وتصوُّر الحكومة لمناداة أميركا المتكررة بوقف الحرب وتفعيل المسارات الإنسانية.

أهمية استثنائية

وقال السفير معاوية إن الحكومة السودانية تشاطر المجتمع الدولي في دعوته لوقف الحرب، ولكن يظل السؤال هو كيف يتسنى إيقافها في ظل الإسناد الخارجي المستدام لـ"المليشيا المتمردة" بالسلاح والدعم اللوجستي ومواصلتها للهجوم على المدن والمدنيين العزل في نطاق واسع من البلاد.

وأشار إلى أن الحصار الذي تفرضه "المليشيا" على مدن رئيسية مثل الفاشر -إلى جانب عدم وفائها بالتزامات اتفاق جدة الذي يمثل المدخل الأول لوقف الحرب وفتح المسارات أمام الوصول الإنساني- يُصعِّب من الوصول لهذا الهدف.

واعتبر التواصل مع الأطراف الأميركية الثلاثة ذا أهمية استثنائية في هذا التوقيت الذي تقترب فيه أميركا من انتخاباتها الرئاسية.

وتجدُر الإشارة إلى أن الأطراف الثلاثة ذاتها هي التي فاوضت السودان في السابق وقرّرت رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه في توقيت مماثل مع ختام عهدة الرئيس الأسبق باراك أوباما في يناير/كانون الثاني 2017.

مقالات مشابهة

  • هل تعيد الانتخابات الأمريكية تشكيل ملامح السياسة الخارجية لواشنطن؟
  • هل تُفعِّل لقاءات البرهان في واشنطن الدور الأميركي لحل الصراع؟
  • أردوغان يعرب عن أمله بتغير السياسة الأمريكية تجاه تركيا بعد الانتخابات
  • وزير الدفاع الأمريكي: الحل الدبلوماسي لا يزال ممكنا بين لبنان وإسرائيل
  • بزشكيان: إسرائيل وحماتها أكبر الإرهابيين في العالم
  • مدير تحرير الأهرام عن العدوان على لبنان: إسرائيل لا تحترم الإدارة الأمريكية
  • الدور الأمريكي الخفي في السودان- قراءة تحليلية
  • آيتن عامر تراهن على نجاح فيلم “عنب” في مصر والوطن العربي
  • الجامعة العربية والأمم المتحدة تبحثان الوضع في المنطقة